ويَبْقَى الأثَرُ بعد ذَهابِ العَيْن – أ.د. عبدالرحمن بودرع


ويَبْقَى الأثَرُ بعد ذَهابِ العَيْن – أ.د. عبدالرحمن بودرع



ليسَ من حَذفٍ يَحصُلُ في شيءٍ إلاّ ويَترُكُ من خَلفِه أثراً، فلا يَمضي جسمٌ ولا صوتٌ ولا لَونٌ ولا ريحٌ إلاّ ويخلُفه أثرٌ يَشهدُ عليْه مِنْ بعدِه، تجدُ ذلكَ في آثارِ الجَرائمِ المُقتَرَفَة وفي النّدوبِ الباقياتِ بعدَ الجُروحِ، وفي حُروفِ جَمالِ الناسِ بعدَ مَحْوِ أصابعِ الزّمانِ لَه، وفي آثارِ الكَلام في النُّفوسِ بعدَ انقضاءِ الكَلامِ، وفي آثارِ الأصْواتِ الشجيّةِ والألحانِ النّديّةِ التي تَبْقى في نفوس الكائناتِ بعد انتهائها. وإذا علمتَ هذا وأدركْتَ كُنهَه استنتجْتَ أنّ الأثر بعدَ المَحو والحَذفِ من خصائصِ الكَونِ بأشيائه وأحيائه. وأهمّ ما يَبْقى من حياةِ الإنسانِ ذكْراهُ التي يَحملُها بينَ جَنبَيْه بعدَ انصرامِ الأيامِ وانسلاخِ الأزمانِ، يظلُّ المرءُ يَحْيا بما اختزنته ذاكرتُه من ذكْرى، وما الذّكْرى إلا آثارٌ بعد حذفٍ، عَلِمَه مَن علمَه وجَهِلَه مَن جَهلَه.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *