استوقفني ما كتبه أ.د. حسين عباس محمود الرفايعة، الأستاذ الدكتور في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الحسين بن طلال في الأردن، كتب موضوع “الاستغناء بصيغة (فَعْلاء) عن صيغة (أَفْعل) في باب الصّفة المشبّهة”، في “المجلة الدولية للدراسات اللغوية والأدبية العربية”، المجلد3، العدد3،عام 2021م. ص: 155- 167.
والذي أفهمه من العنوان أن الصيغة (فعلاء) استعملت في مواطن كان يمكن أن تستعمل فيها الصيغة (أفعل)؛ إذ استغني بها عنها، كما استغني بالفعل (ترك) عن ماضي الفعل (يدع) أو (يذر)، فهل نجد في أثناء هذا العمل ما يفسر هذا؟
جعل أستاذنا الرفايعة موضوعه في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: صيغة فعلاء والتأصيل.
المبحث الثاني: المسوغات.
المبحث الثالث: نتائج الدراسة.
ويبدأ القول في تأصيل صيغة فعلاء بما وصفه بالإشارة الدقيقة لهذا الأصل، وجدها في شرح التصريف للثمانيني (442ه)(1)، وهي أن أصل (فعلاء) هو (فَعلى)، ولكن هذه الإشارة جاءت في كتاب سيبويه (180ه)، قال “كما أن الهمزة بدلٌ من ألف حمرى”(2)، وشرح ذلك السيرافي(368) قال “يعني أن الهمزة في حمراء أصلها ألف، وذلك أن علامة التأنيث إنما هي بالألف لا بالهمزة، ألا ترى أن سكرى وبها علامة التأنيث فيها الألف، ولكن الألف في سكرى وريّا ليس قبلهما ما يوجب قلب الألف من أجله همزة. وأما حمراء وصفراء وما أشبه ذلك فزيدت فيها ألفان: الأولى منهما للمد كالألف في حمار، وليست بعلامة للتأنيث، والألف الثانية لعلامة التأنيث كألف سكرى، ولأنها وقعت بعد ألف، ولا يجوز أن يجتمع ألفان، فقلبت ألف التأنيث همزة”(3).
وذكر الأستاذ أن المحدثين وافقوا القدماء في هذا؛ ولكنهم خالفوهم في التفسير؛ إذ ذهب القدماء إلى أن (فعلى) زيدت ألفًا قبل ألفها فالتقى ساكنان فقلبت الألف الآخرة همزة تخلصًا من التقاء الساكنين، أما المحدثون فذهبوا إلى أن النبر هو ما استدعى إقفال المقطع، ولكنا لا نعلم علاقة هذا بالاستغناء عن (أفعل).
وانتقل إلى تأصيل (فعلان)، قال “أما مجيء (فعلاء) أصلًا لـ(فَعْلان)، فنظر انفرد به ابن السرّاج –في حدود علم الباحث-“(4)، وقد أحسن في تحرزه؛ ولكنه نقل قول ابن السراج عن مصدر وسيط هو المزهر للسيوطي الذي نقل عن مصدر وسيط أيضًا هو الصحاح للجوهري، وكان الأولى العودة بما نسب إلى ابن السراج إلى كتبه، إذ قال “والنونُ تكونُ بدلًا مِنَ الهمزةِ في: فَعْلَان فَعْلَى كمَا أَنَّ الهمزةَ بدلٌ مِنْ الألفِ في: حَمْراءَ، هذَا مذهبُ الخليلِ وسيبويه”(5)، وشرح السيرافي قول سيبويه “ثم ذكر (بدل النون من الهمزة في فعلان فعلى)؛ وذلك أنه يجعل النون في غضبان وسكران بدلًا من الهمزة، كان الأصل عنده في سكران سكراء، وفي غضبان غضباء، ولذلك لم ينصرف سكران وغضبان”(6). وأما علة هذا الأصل، وهو أن (فعلان) جمع على فَعالى كما جمع صحراء، فلعلها من قول الجوهري لا ابن السراج، أما العلة عند السيرافي ففي قوله “فإن قيل: فلم جعلتم الهمزة هي الأصل للنون دون أن تكون النون أصلًا للهمزة؟ قيل له لعلتين: أحدهما أنّا رأيناه غير منصرف، والأصل في منع الصرف الألف أعني ألف التأنيث لا النون، بل النون محمولة في باب ما لا ينصرف على ألف التأنيث في منع الصرف، والعلة الثانية أنّا رأينا الهمزة في صنعاء وبهراء أبدل منها النون في النسبة فقالوا بهراني وصنعاني”(7).
والأمر الغريب الذي لم يفسره القدماء –حسب علمي- ولا المحدثون أن الزعم بتحول (فعلان) صفة مذكرة عن (فعلاء) وهي صفة مؤنثة، وهذا يجعلنا أمام صفتين مؤنثتين فعلاء/ فعلى، ويمكن الزعم بأن (فعلاء) المقابلة لفعلى تأنيثها لفظي، كما في (زكرياء وأصدقاء) فصح أن تكون وصفًا للذكر ثم تحولت إلى (فعلان).
واستنتج الأستاذ أمرًا غريبًا من قول ابن السراج، قال “وما ذهب إليه ابن السراج يُؤذن بأنّ (فَعْلاء) تُعَدُّ أصلًا لِـ(فَعْلى) بقطع النظر [يقصد: بغض الطرف] عن الدَّلالة”(8). ولسنا نتبين كيف يؤذن قول ابن السراج أو قول غيره بذلك.
ومهما يكن من أمر هذا المهاد النظري لا نجد ما يدل على الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ومع ذلك يمضي أستاذنا الرفايعة إلى المبحث الثاني وهو المسوغات أي مسوغات الاستغناء.
قال أ.د. الرفايعة في مقدمة المسوغات “فترك (أَفْعل) والإبقاء على ( فَعْلاء) يؤذن بدواع دفعت إلى ذلك الخروج”(9)، وهذا قول متوقف فيه؛ إذ ترك أفعل واستعمال فعلاء وإن يكن له أسبابه فليس بخروج عن نظام اللغة وليس استغناءًا بصيغة عن صيغة، جاء في (لسان العرب) “والبأْساء: الشِّدَّةُ؛ قَالَ الأَخفش: بُنِيَ عَلَى (فَعْلاءَ) وَلَيْسَ لَهُ (أَفْعَلُ)؛ لأَنه اسْمٌ، كَمَا قَدْ يَجِيءُ أَفْعَلُ فِي الأَسماء لَيْسَ مَعَهُ فَعْلاء نَحْوَ أَحمد”(10).
سمّى أ.د. الرفايعة أربعة مسوغات: التخصيص، وتحقيق أمن اللبس، والحمل على النظير، وفَعلاء في الميزان الدّلاليّ.
وأما (التخصيص) فهو أن ثمة صفات خاصة للأنثى لا يشاركها فيها الذكر؛ ولذلك استعملت الصيغة (فعلاء)، مثال ذلك (امرأة ثدياء) ولكن لا يقال (رجل أثدى)؛ لأن الدلالة تمنع ذلك، وكان يمكنه القول إنّ ذلك من قبيل المطرد في القياس الممتنع في الاستعمال. ولكن هذا لا يعني الاستغناء بفعلاء عن أفعل. ومع ذلك نجده يذكر أن أبا عليّ الفارسيّ قد نبّه على هذا المسوّغ(11) بقوله “وَقَدْ جاء (فَعْلاء) صفة، ولم يستعمل (أَفْعل) في مذكّره إما لامتناع معناها في الخِلقة…”(12). وليس في نص الفارسي دلالة على الاستغناء بصيغة عن صيغة.
وقال في خاتمة التخصيص “ولَمّا كانت (الشّفة) لا نظير لها في أعضاء الجسم، إذ لا مذكّر لها؛ لذا انعدم بناء (أَفْعل) واستغني بـ(فَعْلاء)؛ لذا قالوا: شفة ظمياء، ولثة ظمياء”(13). وقوله لا نظير لها إذ لا مذكر لها غريب فلست بواجد عضوًا منه المذكر ومنه المؤنث فأعضاء الإنسان إما مذكرة مثل (الأنف) و(الفم) و(الجبين) أو مؤنثة مثل (العين) و(الأذن) و(الشفة)، وربما اختلط عليه الأمر في علة تأنيث بعض أعضاء الجسم فقيل إن الأعضاء المزدوجة هي المؤنثة، قال الشافعي “والقاعدة الغالبة في تأنيث أعضاء الجسم وتذكيرها أن ما كان مزدوجًا منها كالعين واليد والرجل مؤنث وما كان مفردًا كاللسان فهو مذكر ولذا أنث الورك لازدواجه”(14).
واستعملت (فعلاء) مع الشفة؛ لأنها مؤنث، وليس هذا بترك (لأفعل) ولا باستغناء بصيغة عن صيغة؛ لأنه قد يستبد الذكر بصفات لا توصف بها الأنثى؛ ولذلك استعملت (أفْعَل) لا استغناءًا بها عن فعلاء، بل لأنه لا موصوف بفعلاء، ومن هذه الصفات يقال للرجل: أكمر، وآدر، وأجْدل، وألحى، وأمرد، وأمرط، وأملط، وأمعط، وأقلف، فلا يقال للمرأة كمراء، ولا أدراء، ولا جدلاء، ولا لحياء، ولا مرداء، ولا قلفاء(15). وهذا يدل على أن التخصيص ليس بمسوغ للاستغناء بصيغة عن صيغة.
وأما المسوغ الثاني عنده فهو (تحقيق أمْن اللبس)، واعتمد في ذلك على قول تفرد به –حسب علمي- المؤدب(338ه)، قال أ.د. الرفايعة “يظهر هذا المسوّغ في الميز بين مَن يعقل، وما لا يعقل في أوصاف المؤنّث على (فَعْلاء)، فقد خصّوا المرأة (بِفَعْلاء) دون (فَعَلة) لرفع اللبس بينها وبين ما لا يعقل، فقالوا امرأة حسناء، ولم يقولوا: حَسَنة؛ لأن النعت (حَسَنة) مختص بما لا يعقل، وقد تنبّه إلى هذا المسوغ أبو القاسم محمد بن سعيد المؤدب”(16). وأورد قول المؤدب، وليس من لبس في استعمال (فَعَلة) للمرأة كما استعمل لغيرها، والمؤدب نفسه لم يطلق القول بل جعله خاصّا بصفة الحسن، إذ قال “لعموم الحسن في كل شيء، ألا ترى أنهم قالوا للإيمان: حسنة، وللجنة: حسنة”(17). وقول المؤدب مخالف لما هو شائع في كتب اللغة. قال الجوهري “وامرأة حَسَنَةٌ. وقالوا امرأةٌ حَسْناءُ ولم يقولوا رجل أحسن، وهو اسم أنث من غير تذكير، كما قالوا غلام أمرد ولم يقولوا جارية مرداء، فهو يذكر من غير تأنيث”(18).
ولذلك فليس هذا المسوغ بوارد لأنه غير متحقق.
وأما المسوغ الثالث (الحمل على النظير) فلا أعلم كيف يكون ذلك مسوغًا لاستعمال فعلاء دون أفعل بله إغناء فعلاء عن أفعل، والأمر مختلط عنده فما ورد بهذا الشأن جاء في سياق تصحيح الواو أو إعلالها، إذ تصح الواو في الصفات وتعل في الأسماء، وننقل قوله ثم ننقل قول اللغويين، قال “يبدو لي أنّ هذا المسوّغ قد ظهر على استحياء؛ لقلة سيرورته في صيغة (فَعْلاء)، وحمل النظير على النظير يعني حمل الشيء على شبهه في اللفظ دون المعنى، (فعلياء) بوزن (فَعْلاء) لا مذكر لها على (أَفْعل)؛ لأن مؤنّث الأعلى (العُليا) بوزن (فُعلى)، ومثل ذلك ما انعقد على علّة الشّبه بين الوصف المؤنث (دهياء) والاسم الممدود (صحراء) جاء في التكملة (وقال أبو زيد الداهية الدّهياء، وداهية دهياء … ولم يجئ لشيء من ذلك أَفْعل، وكأنّهم شبّهوا الدّهياء بالصحراء فقلبوا لامها كما قلبوها في العلياء، حيث لم يستعمل له أفعل)”(19). وواضح من نص الفارسي أن الشبه علة لقلب الواو ياءًا وليس علة لتخلف (أفعل) بله إغناء فعلاء عن أفعل. ودليل ذلك ما جاء في شرح أبيات مغني اللبيب عن البيت:
ألا يا بيت بالعلياء بيت … ولولا حبُّ أهلك ما أتيت
“واستشهد به أبو علي أيضًا على أن العلياء اسم لا وصف، والعلياء: موضع بعينه، أبدلت لامه ياءً على غير القياس، والعلياء أيضًا: رأس كل جبل، لكنه استعمل استعمال الأسماء، ومثله في الشذوذ: داهية دهياء، والأصل: دهواء، بدليل قولهم: داهية دهويَّة، وزعم الفراء: أن علياء مبنية على عليت، ورده أبو علي بأن علياء اسم، وعليت فعل: فلا معنى لحمله عليه”(20). والمنتهى إليه أنّ الشبه ليس علة لتخلف (أفعل) بله الاستغناء عنها بـ(فعلاء).
وأما المسوغ الرابع عنده فهو (فَعْلاء في الميزان الدّلاليّ)، وفيه مقدمة عن تاريخ استعمال (أفعل فعلاء) واختصاصها بالدلالة على اللون أو العيب أو الحِلْية، ورأى أن ذلك ما أخرج التعجب من هذه الدلالات، وهو قول متوقف فيه؛ إذ هذه الدلالات (اللون والعيب والحِلية) تكون في صفات أخرى ليست على (أفعل فعلاء)(21)، وإنما لم يتعجب منها، ولم تستعمل في التفضيل أيضًا، لتطابق الشكل الظاهر بين الصفة (أفعل) وفعل التعجب (أفعلَ)، ومهما يكن من أمر فهذا لا علاقة ظاهرة له بالاستغناء بفعلاء عن أفعل.
ويمضي بعد ذلك إلى ذكر صفات جاءت على (فعلاء) وليس لها (أفعل)، فعدد صفات أطلقت على النساء (أوصاف المرأة)، وأخرى (أوصاف الناقة) و(أوصاف النخلة) و(أوصاف الأرض) و(أوصاف الحرب ومتعلقاتها). وبعض ما ورد من هذه الصفات قد يحتاج إلى فضل مراجعة، إذ جعل من صفات المرأة خاصة (مدشاء)، ولكن قال الجوهري “الْمَدَشُ: رَخاوةُ عصَب اليد وقلَّة لحمها. ورجلٌ أمْدَشُ اليد. وقد مَدِشَ مَدَشًا. وامرأةٌ مَدْشاءُ اليد”(22). ومثلها (زلّاء) قال الخليل “والأزل: الأرسح، وقد زلّ زَلَلًا، فهو أَزَلُّ، وهي زلّاء”(23)، ومثلها امرأة خنّاء [والصواب: لَخْناء] إذا كانت منتنة الرائحة، ولكن قال ابن دريد “اللخن: نَتن يكون فِي أرفاغ الْإِنْسَان وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي السودَان. يُقَال: لخن يلخن لخنًا وَالرجل أَلْخَن وَالْمَرْأَة لخناء”(24)، قال “والمرهاء التي لا تكتحل”، ولكن قال الجوهري “مَرِهَتِ العينُ مَرَهًا، إذا فَسَدَتْ لتركِ الكُحْلِ. وهي عينٌ مَرْهاءُ، وامرأةٌ مَرْهاءُ، والرجل أمْرَهُ”(25). وعدّ من صفاتها (ظمياء)، ولكن قال الخليل “الظَّمَى، بلا هَمزِ، قِلَّةُ دَم اللثة، ويعتريه الحُسنُ والمَلاحةُ، ورجلٌ أَظمَى وامرأة ظَمْياءُ”(26)، أما الناقة فذكر أنهم قالوا (روعاء) ولم يقولوا للذكر (أروع)، ولكن ابن سيده قال “وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فرس رَوْعاءُ: لَيست من الرائعة وَلكنهَا الَّتِي كَأَن بهَا فَزعًا من ذكائها وخفة روحها. وَقَالَ: فرس أرْوَعُ كَرجل أرْوَع”(27). نقل أنّ (قرواء) للناقة خاصة دون الجمل وليس هذا بمتفق عليه، جاء في (المحيط في اللغة) “والقَرى: الظَّهْرُ، جَمَلٌ أقْرى، وناقَةٌ قَرْوَاءُ: طَوِيلةُ السَّنَام ووَسَطِ الظَّهْرِ، والجميع الأقْرَاءُ، ونُوْقٌ قُرْوٌ”(28). ومن عيوب الناقة (حنواء)، ولكن هذه الصفة قد تكون في الإنسان وهو عيب قد يعرض للحيوان، قال الرازي “وَرَجُلٌ (أَحْنَى) الظَّهْرِ وَامْرَأَةٌ (حَنْيَاءُ) وَ(حَنْوَاءُ) أَيْ فِي ظَهْرِهَا احْدِيدَابٌ”(29).
وهذا الركام من المثل إن دلّ على كثرة استعمال (فعلاء) فليس بدال على الاستغناء به عن (أفعل)؛ لأن (فعلاء) استعملت وصفًا للمؤنث بأوصاف ليست للمذكر. وأحسب أنا لو جمعنا من الصفات ما هو على (أفعل) لكان شيئًا مذكورًا.
المبحث الثالث نتائج الدراسة(30)
وذكر في اثني عشر سطرًا ستة بنود عدها نتائج لدراسته، وبالتأمل لا نجد شيئًا منها يدل على الاستغناء بـ(فعلاء) عن (أفعل)، ففي المدخل الأول يذكر “أن صيغة (فعلاء) قد استأثرت بالعيوب الظاهريّة التي لا حظّ فيها للمذكّر”، وهذا لا يعد استغناءًا بها عن (أفعل). وفي المدخل الثاني إعادة للفكرة الأولى، وإن من زاوية أخرى، إذ يرى (المرأة والناقة والطبيعة) هاجس شغل ذاكرة العربي لدلالتها على الخصب والنماء فاستأثرت نعوتها بصيغة (فعلاء)، وأحسب أنها استأثرت بالصيغة لأن المنعوت مؤنث يقتضي صيغة مؤنثة، ومع ذلك فالاستئثار غير الإغناء. وفي المدخل الثالث يذكر أن الصفات على (فعلاء) ولا (أفعل) لها نادرة في الشعر ولم ترد في القرآن فلم يتصل استعمالها في اللهجات وحبست في المعجمات، وهذا ينطبق على كلمات كثيرة ترك استعمالها لتغير نمط الحياة. ومع ذلك فليس لهذا علاقة بالاستغناء المزعوم بفعلاء عن أفعل. ويذكر في المدخل الرابع “أن أثر اللهجات والتطور اللغوي وضعف استعمال أفعل لم يكن لها أثر بيّن في شواهد صيغة فَعْلاء”، وهذا كلام مبهم ولا دلالة فيه على الاستغناء بفعلاء عن أفعل، وفي المدخل الخامس ذكر “أنّ صيغة فَعْلاء دون أَفْعل يمكن أنْ تُفْرد لها دراسة استقصائية في مدار المعجم العربيّ”، وأحسب هذه توصية لا نتيجة، وفي المدخل السادس بين أن الصرفيين اهتموا بالنمط (أفعل فعلاء) “دون اهتمام كبير باختلاف أوصاف ذلك الاختراق”، وأن اللغويين، وأن اللغويين اهتموا بجمع الأوصاف من دون تحليل. وليس قوله بدقيق؛ فالصرفيون بعد أن يبينوا البناء (أفعل فعلاء) يشيرون إلى ورود صفات على (فعلاء) وليس لها (أفعل)، وكذلك ورود صفات على (أفعل) ليس لها (فعلاء)، وأن القياس لا يمنع ذلك ولكن الاستعمال يمنعه، لأن الموصوف غير موجود ولا صفة بلا موصوف، ومع ذلك كله فليس في هذا ما يدل على الاستغناء.
والذي ننتهي إليه أن أ.د. حسين الرفايعة قد يكون له مفهوم لا أعرفة عن الاستغناء، وأما ما أراه حسب فهمي أنه لا يستغنى بصيغة (فَعْلاء) عن (أفعل) البتة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص155، وانظر: الثمانيني، شرح التصريف، ص321.
(2) سيبويه، الكتاب، 4: 240.
(3) السيرافي، شرح كتاب سيبويه، 5: 128. وانظر، الفارسي، التعليقة على كتاب سيبويه، 4: 254، وابن جني، المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف، 1: 155، سر صناعة الإعراب، 1: 98.
(4) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص156.
(5) ابن السراج، الأصول في النحو، 3: 276. وانظر: سيبويه، الكتاب، 4: 240.
(6) السيرافي، شرح كتاب سيبويه، 5: 127.
(7) السيرافي، شرح كتاب سيبويه، 5: 127-128.
(8) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص156.
(9) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص157.
(10) ابن منظور، لسان العرب، (بأس)، 6: 21.
(11) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص158.
(12) أبو علي الفارسي، التكملة، ص345.
(13) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص158. ووقوع (لذا) قبل (انعدم) سهو لأنه يفصل بين جملتي (لما).
(14) الشافعي، مسند الشافعي – ترتيب السندي، 1: 96.
(15) انظر: السيوطي، همع الهوامع، 1: 115-116، ناظر الجيش، تمهيد القواعد، 4: 4774.
(16) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص158.
(17) أبو القاسم ابن المؤدب بن محمد بن سعيد، دقائق التصريف، تحقيق: حاتم صالح الضامن، ط1، دار البشائر/ دمشق 2004م. ص98.
(18) الجوهري، الصحاح، 5: 2099. وانظر الفيروزبادي، القاموس المحيط، 1: 1189. ابن منظور، لسان العرب، 13: 115.
(19) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص158. وانظر: الفارسي، التكملة، ص345.
(20) البغدادي، شرح أبيات مغني اللبيب، 2: 98.
(21) انظر أمثلة للون: أحمد مختار عمر، اللغة واللون، ص60.
(22) الجوهري، الصحاح، 3: 1019.
(23) الخليل، العين، 7: 349.
(24) ابن دريد، جمهرة اللغة، 1: 621.
(25) الجوهري، الصحاح، 6: 2249.
(26) الخليل، العين (8/ 173)
(27) ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم (2/ 348)
(28) إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، 6: 6.
(29) الرازي، مختار الصحاح، ص: 83.
(30) حسين الرفايعة، الاستغناء بصيغة (فعلاء) عن صيغة (أفعل)، ص159.
هل يُستغنى بفَعْلاء عن أفْعَل – أ.د إبراهيم الشمسان
