الفرق بين صدور الفعل ووقوعه – د. أحمد البحبح


الفرق بين صدور الفعل ووقوعه – د. أحمد البحبح


الفرق بين صدور الفعل ووقوع الفعل يُنظَر إليه من جانبينِ؛ أحدهما ببيان التأثير والتأثّر الحاصلينِ من صدور الفعل ووقوعه في السياق التركيبي، والآخر ببيان الفروقات اللغوية الدلالية لفعل الصدور والوقوع. وتفصيل هذينِ الجانبينِ في الآتي:
1-الفرق الأثري لصدور الفعل ووقوعه:
تُنبِّه عبارةُ (صدور الفعل) على أثر الفاعل أكثر من غيره؛ لأنه الجهة التي ابتدأ منها الفعل، وهو المؤثِّر في الصدور، فصدور الفعل يكون من الفاعل، أما عبارة (وقوع الفعل) فتُنبِّه على التأثر بالوقوع، وغالبًا ما يكون المتأثِّر بوقوع الفعل عليه هو المفعول أكثر من غيره؛ لأن المفعول هو الجهة التي يقع عليها الفعل. ومثال ذلك أن عبارة (صدور الحكم)، تُنبِّه على الحاكم أكثر، أما عبارة (وقوع الحكم) فتُنبِّه على المحكوم عليه أكثر، وثَمَّ فرقٌ آخر هو أن الصدور يُضاف غالبًا إلى الأفعال التي يمكن وَصْفُها صادرةً مجازًا، مثل عبارة صدور الأحكام، وصدور الأوامر، وصدور الأقوال، وينبو السمع عن نحو: صدور القيام، وصدور الأكل والشرب ونحو ذلك، أما الوقوع فيُضاف غالبًا للأفعال التي تتحقق في الواقع، مثل: وقوع الضرب، ووقوع الأكل ووقوع الشرب ونحو ذلك.
2-الفرق اللغوي الدلالي لفعل الصدور والوقوع:
الصُّدُوْرُ والوُقُوْعُ مصدرانِ تدل أفعالهما على معانٍ متعددةٍ بحسب سياقاتها الواردة فيها، وقد يلتقيان في معنًى متقاربٍ في بعض السياقات؛ فصدورُ الحكمِ دالٌّ على وقوعه وحدوثه، فالسياق هو المحدد للدلالة، ومثال ذلك أننا نقول: صدَر الكِتابُ من دارِ كذا؛ أي خرج وظهر للعيان، ونحو ذلك قوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}؛ أي يخرجون من قبورهم، وكذا نقول: صدَر من فلانٍ فِعْلٌ حَسَنٌ؛ بمعنى ظهور الفعل الحسن وخروجه منه. ومن المعاني ما جاء في معجم لسان العرب: “يقال: صَدَرَ القومُ عن المكان؛ أَي رَجَعُوا عنه، وصَدَرُوا إِلى المكانِ: صاروا إِليه… والوارِدُ: الجائِي، والصَّادِرُ: المنصرف… قال الليث: المَصْدَرُ أَصل الكلمة التي تَصْدُرُ عنها صَوادِرُ الأَفعال، وتفسيره أَن المصادر كانت أَول الكلام، كقولك الذّهاب والسَّمْع والحِفْظ، وإِنما صَدَرَتِ الأَفعال عنها، فيقال: ذهب ذهابًا، وسمِع سَمْعًا وسَمَاعًا، وحَفِظ حِفْظًا”.
وأما وقوع الفعل فيدل على حدوثه وحصوله وثبوته وتمامه، يقول سيبويه: “وقد كان الأمرُ، أي وقعَ الأمرُ “[الكتاب: 1/ 46]، ويقول أيضًا: “وأما الرفع فعلى قولك: لأنك لا تقول ذاك أو بأنَّك لا تقول ذاك، تخبره بأنّ ذا قد وقع من أمره “[3/ 166]، ونحو ذلك قولُه: “وإن كان الفعل قد وقع وحلفتَ عليه لم تزد على اللام؛ وذلك قولك: واللهِ لَفعلتَ. وسمعنا من العرب من يقول: واللهِ لَكذبتَ، ووالله لَكَذَبَ. فالنون لا تدخل على فعلٍ قد وقع، إنَّما تدخل على غير الواجب “[3/ 105]. ويدل وقوع الفعل على الوجوب واللزوم والتحقُّق، ومنه قوله تعالى:﴿ فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾، يقول أبو حيان في البحر المحيط في تفسير ذلك : “وهَذِهِ مُبالَغَةٌ في ثُبُوتِ الأجْرِ ولُزُومِهِ، ووُصُولِ الثَّوابِ إلَيْهِ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ، وتَكْرِيمًا. وعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالوُقُوعِ مُبالَغَةً “، وكذا قوله سبحانه: ﴿وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم﴾، قال الفراء في معاني القرآن: ” معناه إذا وجب السَّخَطُ عليهم، هو كقوله ﴿حَقَّ عليهم القَوْلُ﴾ فى موضع آخر “، وهذا ما نص عليه الزجاج في كتابه معاني القرآن وإعرابه، والنحاس في كتابه معاني القرآن بأن معنى وقعَ القولُ وَجَبَ. 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *