مُنَمْنَماتٌ عَلى جُدْرانِ الْمَجالِسِ الْعَربيَّةِ(1) أ.د. محمد جمال صقر (عضو المجمع)


مُنَمْنَماتٌ عَلى جُدْرانِ الْمَجالِسِ الْعَربيَّةِ(1) أ.د. محمد جمال صقر (عضو المجمع)



مُنَمْنَماتٌ عَلى جُدْرانِ الْمَجالِسِ الْعَربيَّةِ=1
انْتَزَعَها الدُّكْتورُ مُحَمَّدْ جَمالْ صَقْرْ
1
بَصيرَةُ الْأَعْمى
” حَدَّثَني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُسَوَّدِ بْنِ وَرْدانَ مَوْلى رَسولِ اللّهِ – صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِه ، وَسَلَّمَ – قالَ :
خَرَجَ أَعْرابيٌّ مَكْفوفٌ وَمَعَه ابْنَةُ عَمٍّ لَه لِرَعْيِ غَنَمٍ لَهُما ، فَقالَ الشَّيْخُ :
أَجِدُ ريحَ النَّسيمِ قَدْ دَنا ؛ فَارْفَعي رَأْسَكِ ، فَانْظُري!
فَقالَتْ : أَراها كَأَنَّها رَبْرَبُ مِعْزًى هَزْلى!
قالَ : ارْعَيْ ، وَاحْذَري .
ثُمَّ قالَ لَها بَعْدَ ساعَةٍ : إِنّي أَجِدُ ريحَ النَّسيمِ قَدْ دَنا ؛ فَارْفَعي رَأْسَكِ فَانْظُري!
قالَتْ : أَراها كَأَنَّها بِغالٌ دُهْمٌ تَجُرُّ جِلالَها!
قالَ : ارْعَيْ ، وَاحْذَري .
ثُمَّ مَكَثَ ساعَةً ، ثُمَّ قالَ : إِنّي لَأَجِدُ ريحَ النَّسيمِ قَدْ دَنا ، فَانْظُري !
قالَتْ : أَراها كَأَنَّها بَطْنُ حِمارٍ أَصْحَرَ!
فَقالَ : ارْعَيْ ، وَاحْذَري .
ثُمَّ مَكَثَ ساعَةً ، فَقالَ : إِنّي لَأَجِدُ ريحَ النَّسيمِ ، فَما تَرَيْنَ ؟
قالَتْ :
أَراها كَما قالَ الشّاعِرُ :
دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الْأَرْضِ هَيْدَبُه يَكادُ يَدْفَعُه مَنْ قامَ بِالرّاحِ
كَأَنَّما بَيْنَ أَعْلاه وَأَسْفَلِه رَيْطٌ مُنَشَّرَةٌ أَوْ ضَـوْءُ مِصْباحِ
فَمَنْ بِمَحْفِلِه كَمَنْ بِنَجْوَتِه وَالْمُسْتَكِنُّ كَمَنْ يَمْشـي بِقِرْواحِ
فَقالَ : انْجي ، لا أَبالَكِ !
فَما انْقَضى كَلامُه ، حَتّى هَطَلَتِ السَّماءُ عَلَيْهِما ” .
عن الأصفهاني في ” الأغاني ”
2
أَدَبُ الْمُلوكِ
” أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبّاسِ الْيَزيديُّ ، قالَ : حَدَّثَني عَمّي عُبَيْدُ اللّهِ ، قالَ :
حَدَّثَني أَبي أَنَّ الْمَأْمونَ قالَ لِمَنْ حَضَرَه مِنْ جُلَسائِه : أَنْشِدوني بَيْتًا لِمَلِكٍ ، يَدُلُّ الْبَيْتُ – وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قائِلُه – أَنَّه شِعْرُ مَلِكٍ .
فَأَنْشَدَه بَعْضُهُمْ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ :
أَمِنْ أَجْلِ أَعْرابيَّةٍ حَلَّ أَهْلُها جَنوبَ الْمَلا عَيْناكَ تَبْتَدِرانِ
قالَ : وَما في هذا مِمّا يَدُلُّ عَلى مُلْكِه ! قَدْ يَجوزُ أَنْ يَقولَ هذا سوقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ ، فَكَأَنَّه يُؤَنِّبُ نَفْسَه عَلى التَّعَلُّقِ بِأَعْرابيَّةٍ . ثُمَّ قالَ : الشِّعْرُ الَّذي يَدُلُّ عَلى أَنَّ قائِلَه مَلِكٌ قَوْلُ الْوَليدِ :
اِسْقِني مِنْ سُلافِ ريقِ سُلَيْمى وَاسْقِ هذا النَّديمَ كَأْسًا عُقارا
أَما تَرى إِلى إِشارَتِه في قَوْلِه : ” هذا النَّديمَ ” ، وَأَنَّها إِشارَةُ مَلِكٍ !
وَمِثْلُ قَوْلِه :
لِيَ الْمَحْضُ مِنْ وُدِّهِمْ وَيَغْمُرُهُمْ نائِلي
وَهذا قَوْلُ مَنْ يَقْدِرُ بِالْمُلْكِ عَلى طَويّاتِ الرِّجالِ : يَبْذُلُ الْمَعْروفَ لَهُمْ ، وَيُمْكِنُه اسْتِخْلاصُها لِنَفْسه ” !
عن الأصفهاني في ” الأغاني ”
3
طَبيبَةُ الشُّعَراءِ
” حَدَّثَنا أَبو أَيّوبَ الْمَدينيُّ ، عَنِ الْحارِثِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَوْفيِّ ، قالَ :
وَقَفَتْ سُكَيْنَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ – عَلَيْهِما السَّلامُ ! – عَلى عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ ، في مَوْكِبها ، وَمَعَها جَواريها ، فَقالَتْ : يا أَبا عامِرٍ ، أَنْتَ الَّذي تَزْعُمُ أَنَّ لَكَ مُروءَةً ، وَأَنَّ غَزَلَكَ مِنْ وَراءِ عِفَّةٍ ، وَأَنَّكَ تَقيٌّ !
قالَ : نَعَمْ .
قالَتْ : أَفَأَنْتَ الَّذي تَقولُ :
قالَتْ وَأَبْثَثْتُها وَجْدي فَبُحْتُ بِه قَدْ كُنْتَ عِنْدي تُحِبُّ السَّــتْرَ فَاسْتَتِرِ
أَلَسْتَ تُبْصِرُ مَنْ حَوْلي فَقُلْتُ لَها غَطّى هَواكِ وَما أَلْقى عَلى بَصَري
قالَ لَها : بَلى .
قالَتْ : هُنَّ حَرائِرُ ، إِنْ كانَ هذا خَرَجَ مِنْ قَلْبٍ سَليمٍ ” !
عن الأصفهاني في ” الأغاني “


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *