![]() |
عالم ورأي (5) - د. عبد الفتاح الحجمري ورأيه في مشروعات تنمية اللغة في البلدان العربية
سلسلة (عالم ورأي) تهدف هذه السلسلة إلى استجلاء رأي عالم من علمائنا حول قضية من القضايا، أو عقبة من العقبات التي تواجه أبناء العربية، أو طرح رؤية لاستنهاض الهمم وتحفيز العزائم. فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر. http://ziripress.com/wp-content/uplo...i2-620x456.jpg الحلقة الخامسة: الدكتور عبد الفتاح الحجمري- مدير مكتب تنسيق التعريب/الرباط- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( ألكسو)، ورأيه في: - هلْ تضعُ مشروعات التّنميةِ الرّاهنة في البلدانِ العربيّة ضمن أولوياتها تنْمية اللغة العربية؟ تتصفُ الوضعية اللغوية في العالم العربي بجملة محدّدات تسمح بتواجد ازدواجية لغوية بين: لغة عربية فصيحة رسمية بموجب اختيار حضاري مُوحّد تبنّته الأمّة العربية منذ مجيء الإسلام وقيّدته في دساتيرها، ولغة عربية عاميّة ينحصِر استعمالها في الحياة العامّة؛ كما تتصف هذه الوضعية بتواجُد ثنائية لغوية بين اللغة العربية واللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية خاصة). في ظل هذا الوضع تتميز اللغة العربية بالضّعف، كما أن تنمِيتها على صعيد مناهج التعليم بقيَت مُفتقرة لإجراءات عملية تذيّل الصعوبات، وتنمّي القدرات لدى المعلمين والمتعلمين على حدّ سواء. والحال أن وضعيةً من هذا القبيل، والمتصفة بالثنائية والازدواجية، كفيلة بأن تكون مصدرَ غنى للغة العربية ولمختلف المشْكلات الراهنة التي تحول دون الارتقاء بها. ما فتئ الحديث عن أزمة اللغة العربية يتسع ويتفرّع أمام ما أضحتْ تكتسبه اللغة (أية لغة) على المستوى الوطني والدولي من أهمية ؛ ولأن الترابط بين المجتمع والتنمية يَنتج في الغالب الأعمّ عن التقدم الحاصل في الإنتاج المعرفي والثقافي، فإن الاعتناء باللغة يغدو سمة من سمات التقدّم، عبرها تلجُ المجتمعات فضاءَ التّحديث وتجديد القيم. وقد استطاعت الأدبيات اللغوية العربية أن تراكم، في هذا الصدد، العديد من التّوصيات وأوراق العمل والتّشريعات الرّسمية، واستحداث المقررات، وتصوّر أساليب التدريس واكتساب المهارات اللغوية، إلا أن أغلبها ظلّ سجين التقارير ولم يجد سبيلا للتنفيذ والتطبيق، لأن الخيار السّياسي ظل متحكّما في تمثل الهندسة اللغوية بِتعدّد مجالاتها الاقتصادية والإعلامية والتعليمية والتقنية. لقد أثبتت الأبحاث اللسانية المعاصرة أن الولوج إلى عالم المعرفة ليس حكرًا على لغة دون أخرى، وأن تحصيل المعارف غير مقترنٍ بلغة عالمية في مقابل لغات وطنية ومحلية غير ممتلكة لقُدرة الانخراط في قيم العصر. لأجل ذلك، ولكي يكون التخطيط اللغوي ناجعًا ينبغي أن يكون مصحوبا بسياسة لغوية فاعلة وقادرة على تلبية حاجيات التنمية الوطنية، وترسيم استعمال اللغة العربية في التربية والإعلام والإدارة وشتى مرافق أجهزة الدولة. كما بيّنت التجارب عدم الجدية في تنفيذ العديد من القرارات والتّوصيات الصّادرة عن هذا الملتقى أو ذاك، أو عن هذه الندوة أو تلك؛ لذلك، فإنّ الوقوف على العَوائق التي تحُول دون النهوض باللغة العربية تنتج عن واقع لغوي عربي: - مركّب ومعقّد وموسوم بالارتباكِ والالْتباس على صعيد المنظومة التربوية والتعليمية. - غياب التّنسيق العربي وتعثّره أثناء رسْم سياسة لغوية عربية متجانسة ومراعية للتنويعات الثقافية والاجتماعية والقانونية . من هنا، بروز هذا الشعور العارم اليوم بتراجع مكانة اللغة العربية في الاسْتعمال والتّداول، ويبرر الحديث في العديد من الملتقيات الدولية والنّدوات العِلمية عن أزمة اللغة العربية، لكن من غير تعيين مظاهر هذه الأزمة بالدّقة المنهجية اللاّزمة؛ وهل يتعلق الأمر فِعلا بأزمة في اللّغة أم بأزْمة في السّياسة اللغوية. نعلم اليوم عِلم اليقين أن العديد من عوائق التنمية التي تواجهها الدول العربية تجد صداها ضمن الرهانات الثقافية ذات الصّلة بتعميم التربية والتعليم ومحُاربة الأمية، وتصوّر سِياسة لغوية مُتجانسة مع خُطط التكوين والبَحث العلمي باقتناع وإرادة. من هذا المنظور، تتأكد أهمية تنْمية البحث اللغوي والمُعجمي العربي، وكذا الاهتمام بالمصْطلح وبالتّهيئة العلمية من أجل امتلاك تدْبير لغوي مُتوازن وِفق غايتين أساسيتين: 1- إغناء المحُتوى العربي. 2- تجديد هذا المحتوى في العُلوم الإنسانية والتّقانات من أجل ضمان التنافسية العلمية. هكذا، تتجدّد العناية بشأن اللغة العربية بوضع خطة للارتقاء بها ودراسة مُشكلات تعلّمها وتعليمها، ووضع الكُتب المرجعية الميسِّرة لقواعدها ونحْوها وصَرفها. توجد اللغة العربية اليوم في صُلب معركتنا الحضارية بكل أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ لأنها من مقوّمات وجودنا وهويّتنا، وركيزة انتسابِنا للعصر الحديث وقد أضحى قرية واحدة وصغيرة تتداخل فيها اللغات والثقافات. كما أن تملّك رصيد لغوي موحّد، وتنسيق الجهود البحثية وتوفير شبكة عربية للمُصطلحات، وإنشاء معجمية حاسوبية محيّنة، هي اليوم إجراءات كفيلة لمواجهة صعوبات تدفق العلوم ،كما أنها إجراءات تسمح للغة العربية بإقامة تفاعل نقدي مع المعرفة في مختلف مجالات البحث العلمي والاجتماعي والتقني. لكن، هل هذه الإجراءات، وغيرها، كفيلة بتشخيص موضوعي لأزمة اللغة العربية، ومُعِينة على تخطي تجلياتها وآثارها السلبية في الإدارة والمدرسة والجامعة والحياة العامّة، وفق ما تقتضيه مقتضيات العصر الحديث من عصْرنة وتجديد لمنظومة القيم الفكرية والعلاقات الإنسانية؟ وهل نحتاج اليوم إلى نهضة جديدة تخرجنا من حالة الفوضى اللغوية وسطوة الشعور بتراجع العربية الفصحى كيْ لا تنعكس هذه الحالة على مستلزمات الهوية والقيم وحَركيَة التّنوير؟ نقاش وحوار: مصطفى يوسف |
الساعة الآن 02:02 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by