جاء في رد الدكتور صالح سليم الفاخري ( أقول: إن السكون ليس حركة عند مختلف الطوائف العلمية المختلفة ذات العلاقة من لغويين وعلماء تجويد وفلاسفة وغيرهم ) . ونحن نقول بدءا وهذا الكلام غير موجه للدكتور الفاخري على الاطلاق , سواء أصاب أو أخطأ . ليس للعلم طائفة ولا وطن ولا دين ولا لون , وهو أساسا كما جاء في الحديث النبوي الشريف .
اذا كنا سنقرر في قضية السكون ونجيب عن السؤال , يجب ان نتجاوز الزمن والمكان والفئات والحقول المعرفية للتعريف بهذا المصطلح بل يجب الاستفادة من كل ذلك . لاننا سنعرف المصطلح في حد ذاته دون الاخذ بعين الاعتبار اي توجه او مذهب او اختصاص , لان السكون علميا هو نفسه, هو هو , لم يتغير ولن يتغير منذ ان خلقه الله في جهاز نطق الانسان وفي جميع اللغات واللهجات , سواء عند علماء التجويد او القراءات او الفلاسفة او علماء الاصوات او الاناسة والرياضيات والفيزياء او غير ذلك . ومن هنا وجب تجنب بشكل تام النظرة التجزيئية للموضوع وكاننا ننظر الى الالكترون بشكل منفرد في غياب النواة والفطون والنترون . اذ لا يصح علميا بل لا وجود للالكترون كجزيئ الا من داخل وجوده داخل النواة , والوظيفة لا تظهر الا من خلال العلاقات العامة بين العناصر المكونة للموضوع الواحد اي النواة . هذه هي الرؤية العلمية العامة . بعد الفصل في وصف الالكترون بشكل علمي وعام ننتقل الى مرحلة ثانية وهي مرحلة النظر والبحث في الالكترون في ذاته ومكوناته وطبيعته بشكل مجزء منفصل وتفصيلي وبدقة علمية لابد من فصله في حالة سكون او في حالة حركة اذا امكن , او نقوم بعملية تسكين وتتبيث ووقف وضبط الالكترون في حقل مغناطسي حتى نتمكن من وصف طبيعته ومكوناته علميا لان حركته لن تسمح لنا بضبط طبيعته بشكل علمي , ثم نعود بعد ذلك الى مرحلة ثالثة للبحث في وظائفه وعلاقاتها داخل الموضوع العام الذي هو النواة .
ألم يكن كلام الدكتور بعيدا عن المسح العلمي ؟ ماذا عن السكون في علم اصوات الهنود وفي الغرب حاليا وعند الاغريق . العلم لا وطن ولا ملة له والسكون العربي هو نفسه السكون الانجليزي او اللاتيني او غير . وهنا سيتضح جيدا ان ما اتهم به الفكر اللغوي العربي القديم ومنه النحوي والصوتي من اتهامات لا اصل لها من وجهة نظر علمية حقيقية من طرف المستشرقين او علماء الغرب , من انه اخذ من الهنود البراهمة وبانيني وغيره ومن عند اليونان , لا اساس له من الصحة , لانه اصلا, الفكر الصوتي اليوناني الذي هو مرجع الغرب كله في هذا العلم وفي هذا الزمان هو على خطا في اصوله عند ارسطو ومن جاء بعده , كما ان ما كتبه الغرب والهنود واليونان سواء ارسطو او بانيني او جاكوبسون او مارتني او هالي او غيرهم , ببساطة وفي هذا الموضوع بالذات اي السكون ( وفي مواضيع اخرى ) لا يرقى بكثير امام ما قدمه العرب القدماء , الا ان مشكلتنا نحن في الزمن الحاضر وفي الماضي القريب تبقى هي نفسها نظرة اتباع اعمى نظرة تجزيئية وتسهيلية , اي نأخذ ما هو سهل وجاهز بين ايدينا ونتجنب فيه البحث العلمي الدقيق والعميق . اذا عدت الى المعاجم العربية القديمة المتخصصة بدل الاعتماد على لسان العرب الذي هو في الحقيقة خلاصة معاجم عربية اخرى اقدم منه , واذا عدت الى الاصول , ستجد فهما اخر للسكون والحركة . ليس هو الفهم الاعرابي النحوي السائد والمتوارث عندنا , أي قولهم في المعاجم والمحاضرات والكتب المدرسية ( السكون ضد الحركة) . اي بالضبط ما قاله الدكتور الفاخري , في العروض مثلا يصف الخليل الحركة الطويلة بالسكون عند التقطيع , ويصنفه ضمن ثنائية صوتية وصرفية سماها , السكون الحي والسكون الميت مع العلم لا وجود لسكون حي واخر ميت. والحقيقة ان السكون سكون والحركة حركة حتى في علم العروض , لكن باي فهم وباي معنى وبأي علم ؟ في كتاب الكفايات لابي البقاء وفي كتب اخرى تجد وصفا علميا دقيقا لمفهوم السكون ومفهوم الحركة من وجهة نظر علمية لدينامية الحركات العضوية و حديثا الحركات الالية , تماثل ما تقدمه العلوم الاكثر حداثة في حقول عدة في الغرب باستثناء علم الاصوات ولم ينتبه الغرب بعد الى عدد من الحقائق العلمية في علم الاصوات بسبب هيمنة النظرة الكلاسيكية الارسطية عندهم حتى مع اب اللسانيات الحديثة الذي اقترب بنظريته كثيرا من الفكر اللغوي العربي القديم وكأنه يمتاح منه , لا احد من علماء العرب في الزمن الحديث كشف لنا عن دينامية الحركة العضوية عند ابي البقاء في الكفايات ولا عند الجرجاني في التعريفات ولا او عند ابن سينا في اسرار الحروف ولا عند ابي حيان في ارتشاف الضرب ولا عند اخوان الصفا في رسالتهم ... ان كل فكر لغوي يشتغل بشكل آلي و متكامل . فهل اخطا الخليل بوصفه للحركة بالسكون في علم العروض؟ اذ مثلما وصف الخليل الحركة فجعلها سكونا فنحن ايضا نستطيع وصف السكون وجعلها حركة , لكن هل سيكون هذا العمل مقبولا بشكل منطقي حقيقي وواقعي وعلمي عند اهل الاختصاص , أم انه سيكون ضربا من التقدير والتأويل كما حدث مع الخليل وسيبويه ومن لف حولهما ؟ وهل الحركات عنده هي اصوات أم هي موضوع آخر؟ بعد طرح بعض الاسئلة والكشف عن خلفيات موضوع الحركة والسكون الملغم في علم الاصوات العربي القديم في علاقته بالاعراب والنحو . نقول ان التعريف المدرسي الشائع , هو تعريف بالضد ( السكون ليس حركة ) او ( السكون ضد الحركة ) . هو حد خاطئ لانه لم يتجه مباشرة رأسا نحو السكون , بل اتجه في تعريفها لموضوع يخالفها جزئيا وليس كليا , ومن هنا جاء الخطأ واصله ومصدره كما سنشرحه لاحقا وبالتفصيل .