كلمة افتتاحية
كانت العربية وما زالت مهدّدة بزهد أبنائها فيها و مزاحمة العاميات لها. وما زاد الخطر المحدق بها تلك الألفاظ الدخيلة عليها بمعدّلات يومية تعكس الهوّة العلمية والفكرية بين النّاطقين بها والنّاطقين بغيرها، من حيث عمل علماء العربية،استكمالاً لجهود السّلف لمبدأ تنقية العربية ممّا بشوب رونقها من شوائب، على ترجمة بعض المصطلحات العلمية وتعريب ألفاظ الحضارة والحياة العامّة؛ غير أنّ جهودهم مع كلّ ما بُذل ليس كافية، إذ بدأت هذه المصطلحات المقابلة تستعمل بغير ضابط نظراً إلى اتساع رقعة الوطن العربي والإسلامي، فزاد الخوف على مصير العربية الفصحى، وبدأ التفكير في وضع الحلول المناسبة لهذا الغزو اللغوي الغربي، وتذليل سبُل تيسير الحرف العربي للمقبل عليه من حيث اهتدى بعض الروّاد من اللغويين إلى فكرة إنشاء مجامع لغوية عربية انتشرت تباعاً في ربوع الوطن العربي على هيئة المجامع الأوروبية،سعياً منها إلى توليد ألفاظ جديدة تبرز المعاني الملائمة للتطوّر الحضاري وتدلّ على عروبتها الخالصة، ومن ثمّ إسناد مهمّة التوحيد بينها إلى مكتب تنسيق التعريب بالرباط بوضع معاجم وتعميمها بوصفها مستوفية لألفاظ الحياة جميعها.
وإذا ما عدنا إلى الأسس التي اعتمدتها المجامع اللغوية العربية منذ أوّل ظهور لها حتى حاضر لغة العرب، فإنّنا نجدها تتّفق في فحواها على عدد من المبادئ الأساسية المعتمدة في اختيار المصطلحات ووضعها ، والتي يمكن تلخيص مضامينها في ضرورة نهوض المصطلح بهذه المهمّة، ويؤدّي دوره المأمول منه على خير وجه، وفق سمات أهمّها:
أ-ضرورة وجود علاقة مناسبة أو مشاركة أو مشابهة بين مدلول المصطلح اللغوي ومدلوله الاصطلاحي: والتي دفعت بالمُصْطَلِحين إلى اختيار هذا المصطلح وإيثاره على غيره ظاهرة قوية.
ب- الدقّة في تحديد الدلالة والعموم والشّمول: بمعنى أن يبسط المصلح مظلّته على جميع المسائل التي يمكن أن تنضوي تحته وتدور في فلكه، ما دام قد تحقّق فيها المعنى الذي انعقد عليه هو ودار حوله.
ج-تجنّب تعدّد الدلالات للمصطلح الواحد في الحقل الواحد:لأنّ المصطلحات هي الأصول التي تعالج بموجبها الفروع والمسائل الجزئية ذات الصلة،هذه الأصول التي تنعقد في النّفس على أمكن ما يكون،فيسهل ردّ الفروع الكثير إليها.
د-توحيد المصطلحات: بمعنى أن يأخذ أرباب العلوم أنفسهم في التعبير عن مضمون الواحد بمصطلح واحد، وفي ذلك من الخير للصناعة العلمية ما فيه، على ما في ذلك من توفير للوقت والجهد.
وقد تكثر أهداف أيّ مجمع من هذه المجامع أو تقلّ، لكنّها تلتقي في مجموعها في أهداف أساسية :
1-الحرص الشديد على الأخذ بطرف كلّ ما يحفظ إرث اللغة العربية المميّز لها عن غيرها من أساليب وبيان وأنواع تأليف الكلام.
2- السعي إلى إخراج الألفاظ العربية من العربية من الجمود والتحجّر والدّفع بها إلى التطوّر والتجديد دون تمكين اللهجات من الطغيان على الفصحى.
3-العمل على انضمام جهابذة اللغة وعلمائها في المجالات المختلفة إلى المجامع اللغوية، لتحسين المستوى ومواصلة التكوين والتخصّص بإيفاد بعثات علمية إلى الدول الأجنبية.
4-إنشاء مجلاّت علمية محكّمة تكون لسان حال المجامع اللغوية.
غير أنّ " مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية" يجعل من إمكان تحقيق مجموع هذه الأهداف وغيرها، والوصول إلى الغايات أيسر سبيلاً وأقرب منالاً منذ أن عزم سعادة الدكتور عبد العزيز بن عليّ الحربي-يحفظه الله ويرعاه- بتاريخ 01/03/1433هـ-الموافق لـ 24/01/2012م على إنشاء مفخرة من مفاخر المملكة، ممثلاً في مجمع على الشّبكة العالمية ،يعدّ العربية السعودية العامرة،وإرساء دعائمه مع إسهام علمي وعملي منه ويجمع صفوة من علماء العربية العاملين والمشاركين بتخصصّات علمية متنوعة من كافّة ربوع الوطن العربي الكبير،من حيث سخّر طاقاته لـ:
1-دراسة الألفاظ والأساليب والمصطلحات الجديدة التي لم تدرسها المجامع من قبل.
2-ودراسة لهجات القبائل في الجزيرة العربية وما حولها تصحيحاً وتأصيلاً.
3-ودراسة ما يقدّمه المتصفّحون من أسئلة ومقترحات.
4- والتواصل مع الدّارسين وطلبة العلم بوساطة الهاتف أو ما يسمّى بالخطّ السّاخن على مدار اليوم.
5- وإبراز مكانة العربية وأسرارها من خلال القرآن الكريم، وحمايتها من التحريف والأغلاط الشائعة.
6-وتيسير التعامل مع اللغة العربية للمقبلين عليها من النّاطقين بها والنّاطقين بغيرها.
7-وإصدار مجلة إلكترونية دورية محكّمة، تفي بالتزاماته النظرية والتطبيقية والعملية السابقة .وقد صدر العدد الأوّل منها ولقي استحساناً القَرَة والمراجعين.
في ظلّ هذا السّبق المجمعي الذي أفاد من الشبكة العالمية في تقريب الآصرة بين تراث الأمّة العربية في ماضيها وحاضرها وانفتاحها على النّاطقين بغيرها يصدر العدد الثاني من مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية بجهود ديدنُها الحفاظ على بيان لغة القرآن الكريم وتثقيف اللسان العربي ودرء اللّحن عنه. تقبّل الله تعالى من القائمين عليه والمُسْهمين فيه تنويراُ و تحبيراُ، بما يكفل نُصرة الحرف العربي عبر هذه المنارة المجمعية الرّائدة. والله من وراء القصد.