هل يجوز إعراب مقول القول بدلاً من القول؟

[مصطفى شعبان]

هل يجوز إعراب مقول القول بدلاً من القول؟
د. مصطفى شعبان

جوّز الزمخشريُّ في مقول القول أن يُعرب بدلًا من القول ، وذلك في توجيهه لإعراب قوله عزَّ وجلَّ : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)[الرعد:5] الآية ، قال: (أئِذَا كُنَّا) إلى آخر قولهم يجوز أن يكون في محل الرفع بدلًا من (قَوْلُهُمْ) ، وأن يكون منصوبًا بالقول ..))(1 ).
وقد تمشى ناصر الدين البيضاوي مع قول الزمخشري تمامًا فذكر وجهي الإعراب الذين ذكرهما(2)، فتعقبه الشهاب بما اعترض به أبو حيان على الزمخشري في إعرابه (أئذا كنا ..) بدلًا من القول(3 ).
وأبو حيان رأى أن هذا التخريج من جار الله تكلف وعدول عن الظاهر وهو محق في اعتراضه ..
فإعراب مقول القول بدلًا من القول وجه لم أجده لأحدٍ من النحاة في كتب النحو ، ويعدُّ انفرادًا للزمخشري، وإن شئت فقل اضطرابًا .
ذلك لأن قانون البدلية لا يتمشى في مضمونه وقانون القول ومقوله ، فالبدل في أصل وضعه لابد أن يكون صالحًا للاستغناء به عن المبدل منه، لأنه ضرب من التكرير، كما قال ابن كيسان، أو التبيين، كما قال الأخفش، للمعنى(4 ).
قال أبو العباس المبرد : ((اعلم أن البدل في جميع العربية يحلُّ محلَّ المبدل منه، وذلك قولك : مررت برجلٍ زيدٍ ، وبأخيك عبدالله ، فكأنك قلت : مررت بزيدٍ ، ومررت بأبي عبدالله)) (5 ).
فكما أن المعطوف على الشيء يحل محله لأنه شريكه في العامل فقط ، فكذا البدل يحل محل المبدل منه ، بل البدل أولى ؛ لأنه قد يكون شريك المبدل منه في المعنى أو يكون نفسه في المعنى .
فإذا ذهبنا نُطَبِّقُ قانون البدلية على القول في هذه الآية مثلًا :
(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا)، فلو قلنا: إن (أَإِذَا كُنَّا..)بدلٌ من (قولهم) ، وعليه فإن البدل يحل محل المبدل منه، فيكون التقدير على هذا: وإن تعجب فعجبٌ أئذا كنا ترابًا .. ، فعلى هذا التوجيه خفي العلم بكون (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا..) من قولهم، أي من قول الكافرين الملحدين، وبان كأنه من كلام المتكلم وهو الله عزَّ وجلَّ، وبناء على هذا لا يدرك المعنى إلا بتكلف شديد .
هذا على توجيه البدل بأنه بدل كل من كل ، أما على توجيهه على بدل الاشتمال؛ لأن قوله: (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا..) يجوز أن يكون من مشتملات قولهم لا كلِّه، فقد شرط النحاة في بدل الاشتمال صحة الاستغناء بالمبدل منه عن البدل مع عدم اختلال الكلام لو حذف البدلُ أو أظهر فيه العامل ، فلا يجوز مثلًا أن تقول: قطعت زيدًا أنفَه ، لأنك لن تستطيع أن تقول : قطعت زيدًا (5 ).
وعند تطبيق قاعدة الاشتمال على آيتنا السابقة يكون التقدير: وإن تعجب فعجبٌ قولهم أولئك الذين كفروا بربهم .. استغناء بالمبدل منه وهو (قولهم) عن البدل وهو (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)، وبذلك التقدير صرنا أمام مسألة أخرى وهو الاستغناء بالقول عن المقول وهو - على مذهب الزمخشري-(6 ) جائز عند ظهور قرينة تدل على المقول ولا قرينة هنا .. فنحتاج حينئذ إلى تكلف لتأويل معنى القول ؛ لذا كان الخفاجي وأبو حيان محِقَّين في وصم توجيه الزمخشري بالتكلف والعدول عن الظاهر.
---------------------
(1 ) ((الكشاف)) (2/504) .
(2 ) ((أنوار التنزيل)) (3/1819 .
( 3) ((البحر المحيط)) (6/352) ، وانظر : ((حاشية الشهاب)) (5/220) .
( 4) ((همع الهوامع)) (3/176) .
(5 ) ((المقتضب)) (4/211) .
(6 ) ((شرح المفصل)) لابن يعيش (3/64) ، ((شرح التسهيل)) لابن مالك (3/335) ، ((ارتشاف الضرب)) لأبي حيان (4/1965-1966) ، ((شرح المكودي على الألفية)) (147) ، ((همع الهوامع)) (3/176) ، ((شرح التصريح على التوضيح)) (2/157) ، ((شرح الأشموني)) (3/185) ، ((حاشية الخضري على ابن عقيل)) (2/68-69) .