الانغماس اللغوي في تعليم العربية للناطقين بغيرها
أ.د خالد أبو عمشة
الانغماسُ اللغويُّ إستراتيجيةٌ تعليمية تستخدم في أثناء تعلم أو اكتساب اللغة الثانية أو الأجنبية، حيث يقوم المتعلم بقضاء فصل دراسي أو اثنين في بيئة اللغة المتعلمة حيث تدرس المواد والمناهج الدراسية باللغة الهدف مما يوفر عليه فرصاً كبيرة في التعرّض إلى اللغة وممارستها بغية اكتسابها في بيئتها الأصلية. مما يوفر عليه الجهد والوقت في اكتساب اللغة، والانغماس اللغوي يوفر فرصة اكتساب اللغة باللغة ذاتها وهو أحد أحدث أساليب تعليم اللغات الأجنبية عموماً والعربية خصوصاً حيث يَقْصِدُ البلادَ العربية الراغبون في تعلّم لغتها لقضاء فصل دراسي أو سنة أكاديمية يتعلمون فيها العربية ومهاراتها وثقافتها. وتكون بذلك العربية هي اللغة المتحدثة في فصول اللغة وخارجها.
وقد أكدت الدراسات بعد نصف قرن من البحث أن الانغماس اللغوي له فوائد عظيمة على مستويات مختلفة لعل من أبرزها: التحصيل الأكاديمي، والتمنية اللغوية في اللغتين الأم والهدف، فضلاً عن المهارات التفكيرية والمعرفية والمهارات بين التواصلية وبين ثقافية.
ومن أهداف الانغماس اللغوي المباشر تطوير الكفاءة اللغوية العربية للمتعلم في حدودها القصوى مهارةً وَلَكْنَةً، وبناء الثقة لدى المتعلمين في فهم اللغة والتواصل مع أبنائها لغةً وثقافةً.
وتعود بدايات هذه الاستراتيجية اللغوية في اكتساب اللغات الأجنبية إلى ستينيات القرن الماضي خاصة في المناطق التي كانت تعيش ازدواجية لغوية ككندا وغيرها، حيث رامت هذه الاستراتيجية دراسة الموضوعات باللغة الهدف فضلاً عن اللغة ذاتها. وتعرف التجربة الأولى في هذا المضمار بتجربة "سان لمبار " التي رامت تعليم حفنة من المتعلمين اللغة الفرنسية دون أن تتأثر لغتهم الإنجليزية بإرسالهم حيث يقطن المتحدثون بالفرنسية في تلك المقاطعة.
وقد أظهرت هذه التجربة نتائج إيجابية متعددة المستويات، أبرزها: الفوائد اللغوية والمعرفية وتطوير القدرات الفكرية والعقلية، وبناء جسور وعلاقات اجتماعية وثقافية وإنسانية كانت كفيلة بفتح الباب على مصراعية في تطبيق هذه الاستراتيجية في اكتساب شتى اللغات. ومنها العربية. حيث أضحت البلاد العربية ملاذاً للراغبين في تعملها في بيئتها.
ونجد لهذه الفكرة إرهاصات عند ابن خلدون الذي يقول: فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجـودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطبـاتهم وكيفيـة تعبيرهم عن مقـاصدهم كمـا يسمع الصبي استعمـال المفـردات في معانيها...ثم لا يزال سمـاعهم لذلك يتجـدد في كـل لحـظة ومـن كل متكلم، واستعمـاله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكـة وصفة راسخـة ويكـون كأحدهم.
وقد حدد Rebuffott و Lyster الأهداف الكبرى للانغماس اللغوي في:
- إملاك الدارسين مستوى عالٍ من الكفاءة اللغوية والقدرات الوظيفية في اللغة تمكنهم من التواصل بها كتابة ومحادثة في بيئات مختلفة.
- إشعار متعلمي اللغة اللغة الثانية بحدوث تطور طبيعي في اللغة الأولى في أثناء تعلمهم اللغة الثانية والحفاظ عليه، من باب أن اكتساب اللغة الثانية يعزز من فهم اللغة الأولى وامتلاكها.
- تحصيل المتعلمين معارف معرفية ولغوية في المواد التي تتناسب مع أعمارهم وتخصصاتهم.
- تنمية الشعور باحترام اللغة الهدف والثقافة الثانية مع الحفاظ والاعنزاز باللغة الأولى وثقافتها.
والانغماس نوعان: انغماس حقيقي في بيئة اللغة العربية أي انغماس طبيعي مئة بالمئة حيث ينتقل المتعلم جسدياً إلى بلد عربي لكي يتعلم العربية فيها، وانغماس اصطناعي تحاول فيه بعض المؤسسات التي تُعنى بتعليم العربية في غير بيئتها من اصطناعه وتوفيره لكي يوفر بعض الفرص لممارسة اللغة وتعلم ثقافتها عبر نشاطات تستدعي فيها ناطقون بالعربية كالمخيمات الصيفية، والقرى اللغوية المصطنعة. ولكل نوع شروطه وأصوله وأركانه.
والانغماس الحقيقي يجب أن يبنى على بناء برنامج لغوي يمزج بين المحتوى واللغة بحيث يتكون من منهج تعليمي يجب أن يتناسب مع أهداف الدارسين ومستوياتهم وأعمارهم. يقوم على التدريس الممهنج، ومنهج غير مباشر يتحقق بالتواصل اليومي مع أبناء اللغة.