المسألة الخامسة:
هل معاني أقسام التوحيد موجودة في القرآن والسنة؟
من نظر في سورة الفاتحة فقط سيجد ذلك جليا، والقرآن إنما نزل لهذه الكلمة العظيمة
فالقرآن أخبار وأحكام، والأخبار منها أخبار عن الله تعالى وأخبار عن خلقه فواجب المسلم أن يؤمن بما أخبر الله به عن نفسه (وهذا ما سماه العلماء توحيد الأسماء والصفات والربوبية أو المعرفة والإثبات) والأحكام هي العبادات التي أوجبها سبحانه على عباده (وهو ما سماه العلماء توحيد الألوهية أو القصد والطلب ويسمى توحيد العبادة وتوحيد العبودية) فكلها مصطلحات حملت معانٍ صحيحة.
وكذلك السنة ومن أشهر ما ورد حديث جبريل عليه السلام تجد معاني هذه الأقسام جليا، وكما سبق وأكرر لم يكن الصحابة بحاجة إلى أن يفرد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم توحيد الأسماء والصفات لأنهم –رضي الله عنهم- لم يكن لديهم أدنى خلل في الإيمان بأسماء الله وصفاته فضلا عن وجوده.
الخلاصة:
كل ما سبق مفهوم لدى الصحابة رضي الله عنهم لسلامة ذائقتهم اللغوية، ولكن البلاء جاء من انحراف اللسان ولنأخذ مثالا يوضح أثر انحراف اللسان على العقيدة:
ما الفرق بين مشركي العرب الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من بعدهم؟
1- المشركون الأوائل لم ينسبوا أنفسهم للإسلام، بينما من بعدهم نسبوا أنفسهم للإسلام وتسموا بالمسلمين. (وأعني بهم من دخل الإسلام ثم وقع في الشرك الأكبر)
2- المشركون الأوائل لم ينطقوا بكلمة التوحيد، بينما من بعدهم نطقوا بها.
3- المشركون الأوائل مقرون بشركهم، بينما من بعدهم ينفون ذلك أشد النفي.
ما سبب هذا الفرق الهائل؟
سبب ذلك أن المشركين الأوائل فهموا معنى كلمة التوحيد فهما سديدا لذا لم يناقضوا أنفسهم وينطقوها، فهموا أن الكلمة تقتضي منهم إفراد العبادة لله وحده وخلع عبادة ما سواه والكفر بما يعبد من دونه وأن الله استحق العبادة لكمال صفاته وجلاله وأنه مدبر هذا العالم لا شريك له في ذلك البتة، (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) بينما المشركين من بعدهم لم يفهموا حقيقة كلمة التوحيد، لم يفهموا أنها تدل على وجوب إفراد العبادة لله وحده وبطلان عبادة من سواه والكفر بما يعبد من دونه، لذا سهل عليهم نطقها كما سهل عليهم مخالفتها ظاهرا وباطنا فسجدوا وذبحوا لغير الله واعتقدوا أن هناك من يدبر الأمر مع الله.
أبعد هذا الخلل العظيم في فهم أعظم كلمة يُترك الأمر سدى دون بيان ودون رعاية؟
كلا.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
المسألة السادسة:
أما ما يقال إن المشركين موحدون توحيد الربوبية فهذا باطل، وإنما عبارة العلماء الثقات تكون هكذا:
"المشركون مقرون بتوحيد الربوبية" وفرق بين موحدين ومقرين، فإن المقرّ بشيء قد يكون قائما به وقد يكون تاركا له، ثم إقرارهم لا ينفعهم بشيء بل إقرارهم ليس تاما حيث ظنوا أن الآلهة التي يعبدونها لها شيء من التدبير.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
المسألة السابعة:
هل يجوز إحداث شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هنا لا ينبغي أن يكون الجواب "لا" بإطلاق، وإنما يجب التفصيل، لماذا نفصّل؟
لأنه ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم قاموا بأمور لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا على ذلك بل فعلها كبار الصحابة الذين زكاهم الله تعالى.
لماذا فعلوا شيئا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم؟
لأن هناك شيئا اسمه المصلحة العامة، ولأنه يجب عليهم حفظ هذا الدين، وهو ما اصطلح عليه العلماء وسموه: المصالح المرسلة، وهي لا تكون في أصل الدين إنما شيء لمصلحة هذا الدين والأمثلة توضح ذلك:
1- جمع القرآن في مصحف واحد، في القصة المعروفة أن الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه جمعه بمشورة من الفاروق عمر رضي الله عنه، لكن في بداية الأمر انتاب أبا بكر خوف أن يفعل شيئا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وحُقَّ له أن يخشى ذلك ولكن هل توقف عند شعوره فقط؟ بل مازال عمر يراجعه حتى شرح الله صدره.
لماذا انشرح صدره بعد انقباض؟
لأنه نظر في مصلحة هذا الدين العظيم وأنه لو ترك القرّاء الحفّاظ يموتون واحدا تلو الآخر لضاع الدين ولكن قد وعد الله بحفظ دينه فوفق الصحابة لهذا العمل، فهذا الأمر (جمع القرآن في مصحف واحد) لم يكن له حاجة في عهد النبوة، وكذلك تقسيم التوحيد لم يكن له حاجة في عهد النبوة ولا الصحابة.
(يراجع البخاري لقصة جمع القرآن)
2- جمع عثمان رضي الله عنه الجمع الثاني للقرآن الذي به أطفأ الله فتنة كادت تحرق الأمة، وأيضا يراجع البخاري في ذلك.
3- حبر الأمة ابن عباس عرف أنه كانت له دروس مقسمة تقسيما لم يكن في عهد النبوة، فقد كان له يوم في الفقه ويوم في التأويل ويوم في المغازي ويوم في الشعر ويوم في أيام العرب وأخبارها.
هل هذا إحداث في الدين؟
لا؛ لأن هذا الشيء الجديد لم يكن في صلب الدين إنما في وسائل إيصال الدين للناس.
لماذا فعل ابن عباس ذلك؟
لمصلحة الأمة حيث دخل في الدين من الأعاجم والأميين ما يستدعي أن ييسر لهم تلقي العلم، ونلاحظ أن ابن عباس رضي الله عنهما من صغار الصحابة فلما صار هو عالم الأمة كان قد دخل الدين أفواج هائلة من الأمم المجاورة فكان لابد من مراعاة ذلك.
فما فعله حبر الأمة تقسيم كلي للعلوم، وتقسيم التوحيد تقسيم جزئي لمسألة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
المسألة الثامنة:
ما حكم من أنكر تقسيم التوحيد؟
لابد في هذا من التفصيل:
فهناك من ينكر مصطلحات هذا التقسيم لكن يقر بأن معانيها صحيحة وردت في القرآن والسنة.
وهناك من ينكر التقسيم وما دل عليه وهذا جد خطير.
هذا وأسأل الله أن يهدينا رشدنا ويقينا شر أنفسنا إنه سميع قريب.