3-المناداة باللغة الوسطى:
بعد أن جرب الأعداء الدعوة إلى العامية وإحياء اللهجات وهجر الفصحى ُم الدعوة إلى الكتابة بالحرف اللاتيني، ورأوا أن تأثيرهما محدود فكروا في وسيلة ثالثة وهي اتخاذ لغة وسطى، وهي لغة الصحافة دون الفصحى وفوق العامية ، وهي محاولة ماكرة هدفها فصل اللغة العربية الفصحى عن لغة الكتابة والتحدث لتكون تمهيدا لاستخدام العامية ، فأرادوا التدرج في ذلك. وقد حمل لواء هذه الدعوة منهم : فريد أبوحديد ، وأميتن الخولي ، وتوفيق الحكيم.
4- قضية تطوير اللغــة:
بعد أن سلك الأعداء شتى السبل لهدم الفصحى وجدوا أن النتائج التي توصلوا لها لم تكن مرضية ومشجعة ، ففكروا في وسائل أخرى أكثرتأثيراً فخرج من ينادي بتطوير اللغة وإصلاحها وتهذيبها وتيسيرها، وكلها أسماء ومصطلحات براقة وجذابة ، والهدف المعلن جميل ونبيل ، وهذه الدعوة أو هذه الوسيلة من أخطر الوسائل كما يقول د/ محمد محمد حسين في كتاب حصوننا مهددة من داخلها ص:213 :"....وليس الخطر الكبير في الدعوة إلى العامية ولا هو في الدعوة إلى الحروف اللاتينيةأو الدعوة إلى إبطال النحو وقواعد الإعراب أو إسقاط بعضها فالداعون بهذه الدعوات من ضغار الهدامين ومغفليهم الذين ليس لهم خطر العتاة ممن يعرفون كيف يخدعون الصيد بإخفاء الشراك، وكيف يستدرجون الناس بتزوير الكلام إن الخطر الحقيقي في الدعوات التي يتولاها خبثاء الهدامين ممن يخفون أغراضهم الخطيرة ، ويضعونها في أحب الصور إلى الناس، ولا يطمعون في كسب عاجل ولا يطلبون انقلاباً سريعاً.
الخطر الحقيقي هو في قبول مبدأ التطوير نفسه لأن التسليم به والأخذ فيه لا ينتهي عند حد معين ، ولأن التزحزح عن الحق قيد أنملة مرة واحدة يهون عليه أمثالها مرة ثم مرات ، حتى يسقط إلى الحضيض. ومن اعتراه شك في حقيقة ما يراد بقرآننا وبلغته وبإسلامنا وكل تراثه فليقرأ قول طه حسين في كتابه : " مستقبل الثقافة في مصر":
" وفي الأرض أمم متدنية كما يقولون ، وليست أقل منا إيثاراً لدينها ، ولا احتفاظاً به ، ولا حرصاً عليه . ولكنها تقبل في غير مشقة ولا جهد أن تكون لها لغتها الطبيعية المألوفة التي تفكر بها وتصطنعها لتأدية أغراضها . ولها في الوقت نفسه لغتها الدينية الخالصة التي تقرأ بها كتبها المقدسة وتؤدي فيها صلواتها..."
وقد تولى كبر هذه الدعوة وتصدى لها الدكتور/ طه حسين . والهدف المنشور من وراء مبدأ التطوير إنما هو التحلل من قواعد النحو واللغة والتخلص من قوانينها وأصولها الثابتة... وهذا يعني أن تراثنا العلمي الضخم في كل الفنون والعلوم سيُحكَمُ عليه بالفناء وسيكون مجرد أطلال نقف عليها للبكاء.
3- الموقف من التطوير والتيسير
انقسم الباحثون تجاه هذه القضية إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : يرى أن صعوبة النحو ناشئة من طريقة وضع القواعد النحوية ، فهي ناشئة من النحو نفسه . فاتخذوا من التيسير والتطوير حجة لهدم الفصحى والقضاء عليها يتظاهرون بالشفقة والغيرة والإخلاص ن ويخفون أهدافهم الحقيقية . فنادى هذا الفريق إلى اتخاذ الوسائل المناسبة لإصلاح اللغة وتيسيرها وتطويرها لتناسب العصر ، حتى لا يهجرها الناس وينصرفوا عنها إلى العامية . فقالوا بإلغاء الإعراب ، ونادوا بحذف بعض أبواب النحو التي لا حاجة إليها في نظرهم لكونها لا تستخدم ، ليأتوا بعد ذلك على البقية شيئاً فشيئاً .. والتطوير بهذه الصورة مرفوض لكونه يهدف إلى مسخ اللغة وتشويهها ، ومن ثم القضاء عليها .
القسم الثاني: يرى أن النحو مقدّس ، ويرفض كل ما يتصل بالتيسير والتطوير، بل إن كلمة التيسير والتجديد تحدث في نفوس هذا الفريق خوفاً وفزعاً حتى لوكان الأمر يتصل بتغيير كتاب أو تنظيم أو تنسيق جديد لا يمس جوهر النحو بسوء ، ولا يصيبه بمكروه . والدافع لهذا الفريق بأن يقف هذا الموقف المتشددهو شدة حبهم لهذه اللغة وخوفهم عليها.
القسم الثالث : وقد اتخذ موقفاً وسطاً متميزاً لم يقف من التيسير موقف الرافض المتشدد ، فنحن أهل التيسير ودعاة اليسر في كل أمورنا وشؤوننا " يسروا ولا تعسروا .." ولكنه التيسير الذي نفهمه نحن لا الذي يريده أعداء ديننا ولغتنا من كونه سلماً للهدم ، وطريقاً للتدمير ، وهذا الفريق يرى صعوبة النحو ليست في النحو ذاته ولا في قواعده وأصوله وتراكيبه ، وإنما تكمن في تبويبه وترتيبه وطريقة تدريسه ، فالجفاف يكمن في طريقة تقديم النحو . ولهذا فأن أصحاب هذا الرأي لا يرون أي بأس في اتخاذ أسهل الوسائل وأيسرها وأنجحها في تقريب المادة العلمية ، وتيسير وصولها إلى عقول متلقيها ، كما أن أصحاب هذا الرأي يرون أن تحبيب المادة إلى عقول الطلاب والمتعلمين أمر في غاية الأهمية . وذلك قد يستدعي إيجاد كتاب يكون مختصراً مفيداً مشتملاً على القاعدة الواضحة والمثال الحي ، والترتيب المشوق ، والإخراج المناسب مع المحافظة على جوهر النحو الأصيل دون تغيير في القاعدة الأصلية ، والقانون الثابت . إنما القابل للتجديد والتطوير هي الوسائل فقط من كتاب وطريقة تدريس وغير ذلك .. وهذا أمر منطقي مقبول لا ضرر على اللغة منه .
إننا لا نرفض التجديد بهذه الصورة المتمثلة في إعادة النظر بين حين وآخر في المنهج المقرر والكتاب المدرس مع ضرورة تأهيل من يقوم بتلك المهمة العظيمة تأهيلاً علمياً وتربويا عالياً يؤهله للقيام بوظيفته بكل كفاءة واقتدار. إننا نقول ذلك من منطق حبنا لهذه اللغة وغيرتنا عليها ، لأن الهدف الذي من أجله نتعلم هذا العلم ونعلمه للناس هو المساعدة على الكتابة والنطق الصحيحين حسب القواعد المعتبرة والأصول المقررة . ولهذا فإن أي أسلوب تقدم به هذه المادة يؤدي إلى هذا الهدف النبيل والغاية السامية فإننا نرحب به بشرط ألا يكون على حساب جوهر اللغة وأساسها المكين. وألا يؤدي ذلك إلى إلحاق أي ضرر بالفصحى لغة القرآن من قريب أو بعيد .
هذا هو الفرق بين التيسير الذي يتبناه أهل العربية والإسلام الحقيقيون لا التجديد الذي يسعى إليه أعداؤنا والذي يعني الهدم والتدمير في النهاية.
4- واقع العربية اليـــوم
إن الناظر في حال اللغة العربية اليوم في مجتمعاتنا وبلادنا العربية والإسلامية يشعر بألم عميق ، وحسرة شديدة ، لكونها لا تحظى بما تستحقه من احترام ، وليست عندهم في المكان اللائق والموضع المناسب . ومؤلم جداً أن تكون هذه النظرة وذلك الموقف من أحبائها وأحبائها لا من أعدائها الذين أشرنا إلى شئ من وسائل مكرهم وسبل كيدهم لها:
وظلم ذوي القربى أشـد مضاضـةعلى النفس من وقـع الحسام المهنــد
إن أخطر ما يوجهه أبناء العربية لها العقوق والتنكر أو التجاهل وعدم المبالاة. وقد أشرنا في الصفحات السابقة إلى نظرة سلفنا الصالح إلى لغتهم ، وكيف كانوا يولونها من الرعاية والاحترام إلىدرجة الاستخفاف بمن يخطئ في حقها ، بل إن الأمر قد يصل إلى التاديب النفسي والجسدي لمن يلحن في اللغة ؛ فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يتسلم خطاباً من أبي موسى الأشعري فيجد في الخطاب لحناً ، فيكتب لأبي موسى أن قنعْ كاتبك سوطاً، وفي رواية واصرفه عن عمله.وهذا عبدالله بن عمر يضرب أولاده على اللحن من باب الضرب. وهذا عبدالملك بن مروان الذي يُروى عنه أنه قال : شيبني صعود المنابر مخافة اللحن.
هذه نماذج سريعة لما كانت تحظى به لغة القرآن من مكانة سامية ومنزلة عالية عن سلفنا الصالح –رحمهم الله - .
أما اليوم فالأمر يختلف تماماً ( فلغتنا تتعرض لألوان من الهجر والإقصاء والمضايقة والتشويه من أكثر أبنائها ، وفي عقر دارها ) ، يتمثل ذلك في الآتي:
1-أن لغة المستعمر للبلاد الإسلامية هي لغة الشعوب المسلمة في تلك البلاد في أكثر دول أفريقيا وآسيا.
وترى القليل من المسلمين يحسن اللغة العربية ، ويعرف لها قدرها . أما البقية فهم لا يحسنون غير لغة المستعمر ، مع أنهم مسلمون وكان من الواجب أن يتقنوا لغة القرآن ، لغة دينهم وعبادتهم.
[color="rgb(139, 0, 0)"]2-إن اللغة الأجنبية هي لغة التعليم الجامعي في الأقسام العلمية في كثير من جامعاتنا بل في جامعات الدول العربية ،
فالطب والهندسة والعلوم وغيرها من العلوم التجريبية كلها لا تدرس إلا باللغة الأجنبية مع قدرة اللغة العربية وسعتها ، فالعدول عنها إلى الأجنبية وعدم وجود محاولات جادة لتعريب تلك العلوم أمر مؤلم ومحير.
[color="rgb(139, 0, 0)"]3-أن من المؤسف جداً أن تكون اللغة السائدة في المراكزالصحية والمستشفيات وكذلك في الفنادق هي اللغة الأجنبية مع أن غالبية الأطباء والعاملين في تلك المؤسسات والمواقع من العرب.....
[/color]
إن المرء يشعر بالألم والحسرة عندما يتسلم وصفته الطبية فيجدها مكتوبة بلغة أجنبية أو (فاتورة)حسابه في الفندق فيجدها كذلك . بل إن الألم يزداد وتتضاعف الحسرة حينما تبحث عمن يحسن العربية في تلك المواقع فلا تجده. فمن المسؤول عن هذا التخاذل والتنكر ؟؟
[color="rgb(139, 0, 0)"]4-أن من مظاهر الغزو الأجنبي ذلك الكم الهائل من المفردات التي تسللت إلى لغتنا العربية في حين غفلة من أهلها [/color]
، فلا تكاد تستمع إلى متجدث إلا وتجد في ثنايا حديثه بعض تلك الكلمات ، وبخاصة معشر المثقفين غير مدركين لخطورة هذا المسلك وقد كره الإمام الشافعي – رحمه الله- - لمن يعرف العربية أن يسمى بغيرها
، وأن يتكلم بها خالطاً لها بالعجمية ! وهذا الذي ذكره مذكور عن الصحابة والتابعين . . .(11)
وقد روي السلفي من حديث سعيد بن العلاء البرذعي . . . عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم _ قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : (( من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم يالعجمية فإنه يورث النفاق ))(12)
كما أن شيخ الإسلام ابن تيمة_ رحمه الله _ قد كره أن يتعود الرجل النطق بغير العربية ، لكون اللسان النطق بغير العربية،كون اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون.
يقول : (( وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة ..فلا
ريب أن ذلك مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم .."(13)والأمم التي تحترم لغتها وتضعها في مكانها اللائق بها لا ترضى لها بمثل هذا التداخل والاختلاط ، فهذا المجمع العلمي الفرنسي ينادي بإبطال كلمة "إنجليزية" تسللت إلى الفرنسية من أثر الحرب الكبرى ، وعدها المجمع _ الحريص على لغة قومه وأمته – نكبة على اللغة ، كأنها جندي دولة أجنبية في أرض دولة مستقلة ! وما فعلوا ذلك إلا لأن التهاون يدعو بعضه إلى بعض ، والغفلة تستدعي مزيداً من الغزو والنكبات.
تُرى كم في لغتنا من الدخيل أو بتعبير المجمع العلمي الفرنسي كم في أرضنا من الجنود الغرباء ؟؟.. إن مسؤولية مجامع اللغة العربية وأقسام العربية في جامعاتنا جد عظيمة في الدفاع عن لغة القرآن ، وصد هذا السيل الجارف من المفردات الأجنبية التي تتسلل إلى لغتنا كل يوم ، فيتلقفها الناس مستخدمين لها فتصير مع الزمن مفردة محلية مستأنسة . إن الواجب هو تعريب تلك المصطلحات والمفردات قبل دخولها ليتعرف الناس على المسمى العربي قبل غزو المفردة الأجنبية.
[color="rgb(139, 0, 0)"]5-ومن مظاهر هجر الفصحى وغربتها تلك النظرة المتميزة لمن يتكلم أيا من اللغات الأجنبية[/color]
وبخاصة الإنجليزية في الوقت الذي يلاقي فيه من يحاول أن يتحدث بالفصحى شيئاً من الاستهزاء والسخرية من المجتمع الذي يعيش فيه . وربما يكون ذلك في بعض الأوساط العلمية التي من المفترض في روادها أن يلتزموا العربية الفصحى دون تقعر أو تشدد في التماس الغريب .
[color="rgb(139, 0, 0)"]6-أن من مظاهر عدم اهتمام باللغة وغربتها بين أهلها ما يلاحظ على بعض معلمي المراحل المختلفة بشكل عام ، ومعلمي اللغة بشكل خاص من ضعف في المستوى العلمي [/color]
، فترى بعض المعلمين لا يحرص على الالتزام بالفصحى أثناء تدريسه للطلاب ، بل إنه لا يستخدم إلا اللهجة المحلية ، وذلك يعود لسببين اثنين: أولهما: عدم اهتمامه بالعربية الفصحى. وثانيهما: عدم إلمامه بقواعدها وأصولها.
ومن المؤلم حقاً أن نرى ونسمع بعض الأساتذة في بعض الكليات والمعاهد المتخصصة وهو في فصله أو أثناء مناقشة الرسائل العلمية يستخدم غير الفصحى بكل جسارة. ,وقد أخرج لنا هذا المستوى المتواضع جيلاً ضعيف المستوى لا يحمل للغته مل تستحق من حب وتقدير وإجلال ، لكونه لايرى في محيطه العلمي والاجتماعي من يعينه على تكوين تلك النظرة السامية .
وقد ساعد في إفراز هذا المستوى المتدني لطلابنا في اللغة إضافة إلى ماسبق عدم وجود المنهج الدراسي المختار بعناية ، وبعد دراسة متعمقة ولو أردنا أن نسأل هل هناك تحديد دقيق من حيث الكم والكيف لما ينبغي أن يحصل عليه الطالب من حصيلة لغوية في كل مرحلة دراسية ؟ وهل هناك حصر للألفاظ والأساليب والتراكيب التي استطاع التلميذ أن يحصل عليها في نهاية كل مرحلة ؟ لجاء الجواب مفزعاً . إن تعليم اللغات خارج الوطن العربي يخضع لدراسات علمية دقيقة يتوافر عليها مجموعة من خبراء التربية والتعليم واللغات والاجتماع ، تحدد ما هو مطلوب لكل مستوى، كما أنهم قد قاموا بإعداد معجمات وقواميس لغوية تناسب كل مرحلة وتحتوي على المفردات التي درسها الطالب في تلك المرحلة ، روعي فيها المستوى الفكري والزمني للطالب.
[color="rgb(139, 0, 0)"]7-أن من مظاهر غربة اللغة وعدم الاهتمام بها بالصورة المطلوبة ما نراه ونشاهده من أخطاء جسيمة ومخالفات لغوية ونحوية واضحة في اللافتات واللوحات المعلقة على واجهات المحلات التجارية[/color]
كما أننا نلاحظ بعض المسميات الدخيلة على لغتنا وكثيراً ما تزاحم اللغة الأجنبية لغتنا الأصلية ، فتكتب بخط عريض ، وشكل جميل ينافس لغة البلاد المعتبرة..... فمن المسؤول عن هذه التجاوزات ، وتلك الأخطاء المؤلمة ! وأين أثر الجهات المختصة وأصحاب القضية من ذوي الغيرة والإخلاص لدينهم ولغتهم؟!
[color="rgb(139, 0, 0)"]8-أن من مظاهر غربة اللغة وقلة الاهتمام بها الاحتفاء بالآداب الشعبية والأشعار العامية [/color]
، فترى الصحف تتسابق في خدمة هذا النوع من الأدب ونشره ، والتشجيع عليه ، وتفرد له الصفحات وتخصص له الملاحق. وهذا بلا شك دليل على ضعف المستوى التذوقي عند بعض أفراد الأمة . وفي هذا التشجيع لكتابة هذا النوع من الشعر صرف ٌللناشئة عن كتابة الشعر العربي الأصيل.
5- واجـبنا تجــاه لغــة القـرآن
ظهـر من خلال العرض السابق ما تعانيه لغة القرآن من غربة بين أهلها وأبنائها وأشرنا إلى ما قام ويقوم به أعداء الإسلام والعربية من جهود كبيرة لمحاربة هذه اللغة بمختلف الوسائل وشتى السبل . وهم في الوقت الذي يحاربون فيه لغة القرآن يبذلون كل ما يمكن من أجل خدمة لغاتهم ونشرها ، وتيسير تعلمها لكل من يرغب في ذلك فتراهم يفتحون المراكز ، ويقيمون المعاهد التي تقوم بمهمة تعليم لغتهم ، مع أنها لغات لا رصيد لها ولا جذور . أما نحن فلغتنا العربية لغة دين نزل بها خير الكتب وآخرها ، فصارت بذلك لغة للمسلمين في كل مكان . يجب عليهم تعلمها وتعليمها وخدمتها ونشرها.....فما الواجب علينا إذن تجاه هذه اللغة ؟
يجب علينا أن نقوم بخدمة هذه اللغة ، ووتيسير أمر تعلمها للمسلمين وغير المسلمين . وذلك بأن تقوم الحكومات الإسلامية والهيئات والمؤسسات الخيرية والتعليمية والدعوية بافتتاح المدارس والمراكز والمعاهد في مختلف بلاد العالم ، وبخاصة البلاد الإسلامية من أجل نشر لغة القرآن وتقريبها إلى نفوس وقلوب وعقول المسلمين لأن أمر تعلمها كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه : فرض واجب لكونها من الدين ، ولكون فهم الكتاب والسنة من الأمور المتحتمة علىالمسلمين.
وهي لا تفهم إلا بفهم اللغة العربية والقاعدة تقول : إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
فمسؤوليتنا – معشر العرب – عظيمة أمام الله – عز وجل – نحو إخواننا المسلمين المتعطشين إلى تعلم لغة دينهم وقرآنهم .
كما يجب علينا أن نعد الأستاذ المؤهل المحب للغته والمتمكن منها ليقوم بمهمة تدريسها وتعليمهه أي اللغة العربية ؛ لأن هذا النوع من الأساتذة سيتفــانى في خدمة هذه اللغة ويضحي من أجلها ، وسيعمل جاهدا من أجل تحبيب اللغة للناشئة فيقبلوا عليها بنفوس مفتوحة وقلوب متلهفة.
كما أن على الجهات المسؤولة إعادة النظر في مناهج التعليم بين الحين والآخر ، واختيار المناسب الذي يحقق الهدف ، ويخدم القضية التي ننشدها . وهذا بلا شك يتطلب إعداد كتاب مناسب يقوم بتأليفه وإعداد مادته وصياغتها نخبة من أساتذة اللغة العربية والتربية ، يراعى فيه متطلبات كل مرحلة من المفردات ، والألفاظ والتراكيب والأساليب مع العمل على إيجاد قواميس مناسبة لكل مرحلة تحوي ما درسه الطالب من حصيلة لغوية ، على أن يكون لكل مرحلة قاموسها .
وأخيراً فإن الأمة التي لا تحافظ على لغتها تفرط في هويتها ، وتضيع ما ضيها ، وتخسر مستقبلها . وكما يقول الرافعي – يرحمه الله - : ما ذلت لغة شعب إلا ذل . وما انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار .. فعلينا أن نعمل جاهدين من أجل المحافظة على هذه اللغة عزيزة قوية ، نصد عنها كيد الأعداء ، وهجمات المتربصين ، وسهام الحاقدين .
إن العمل لخدمة هذه اللغة والدفاع عنها نوع من أنواع العبادة يتقرب به فاعله إلى ربه... إننا على ثقة تامة بأن الله ناصر دينه ، وحافظ كتابه ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ). وحفظ هذا الكتاب العظيم حفظ للغة التي نزل بها .
[/color]
.................................................. ..................................
من المراجــع
* الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
* أجنحة المكر الثلاثة عبدالرحمن حسن حنبكة
* اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيميه
* حصوننا مهددة من داخلها د/ محمد محمدحسين
* المؤامرة على الفصحى. أنور الجندي
* تاريخ الدعوة إلى العامية نفوسة زكريا سعيد
* معجــم الأدباء لياقوت الحموي