أ.د. رياض الخوام (عضو المجمع):
فهذه القضية تناولها كثير من الباحثين, وليس الأخ الدكتور محمد هو أول من تحدث فيها، ولن يكون هو آخر من سيتحدث عنها، ولا ضير، فهي تتردد في رحاب الدراسات العليا في كثير من الجامعات, والحق أن الرد يستلزم صفحات كثيرة لأن الدكتور صبحي الصالح والدكتور مازن المبارك والدكتور علي وافي والدكتور رمضان عبد التواب ،والدكتور عبد الكريم مجاهد أوردوا أدلة كثيرة تؤكد أن العربية معربة ،وذلك حين ردوا على إبراهيم أنيس الذي تبنى هذا القول، وهو في أصله رأي استشراقي أثاره المستشرق فولرز وباول كاله ومرسيل كوهين ،وفي عجالة أقول له : يا أبا الطيب - لازلت طيباً-السؤال الذي يُطرح الآن ،لماذا لم ترد نصوصً نستبين منها أن لغة التخاطب لم تك معربة؟، ما أكثر الأخبار التاريخية الأدبية التي سجلتها كتب الأدب ولم نظفر فيها على محادثة حصلت بلغة التخاطب الخالية من الحركات ؟،لاشك لو حصل ذلك لما عجز الرواة على حكايتها ،ولما توقف الخليل الأمين، والكسائي القارئ السبعي عن تسجيل ما سمعوه ،وهما ممن أتوا بوادي نجد والحجاز ، إن المقعدين للعربية عندهم القدرة على نقل لغة التخاطب لو كانت غير معربة ،فعملهم في توصيف القراءات دلالياً وصوتياً ونحواً وصرفاً، يؤكد أنهم قادرون على توصيف لغة التخاطب التي يُزعم أنها خالية من الإعراب ؟ إن اللحون التي نص اللغويون عليها المتمثلة بلحن يتعلق بالحركة، تفيد أن العربية معربة ،والحركات مألوفة مستعملة، وإلا لم تكن لحناً ، وهي صورة حية دقيقة تفيد أيضاً أن اللغويين عندهم القدرة على التوصيف الدقيق ،فلو وجدوا لغة تخاطب خالية من الإعراب لذكروها ووصفوها ! لكننا لم نقع على شيء من ذلك ؟وإذا التفتنا إلى علماء الساميات وجدنا عندهم ما يؤكد ما نذهب إليه ،لقد بات
في حكم الحقائق العلمية أن بعض اللغات السامية وُجِدَ فيها الإعراب ، فإن قيل: إن الإعراب في الساميات كان أيضاً في اللغة النموذجية الرسمية والدليل على ذلك قانون حمورابي إذ وُجِدَ في أواخر كلماته ما يشير إلى الإعراب ،كما ذكر الدكتور رمضان عبد التواب ؟ فالجواب: أن الدكتور علي عبد الواحد وافي نص على أن الأمهرية وهي من الساميات فيها آثار للإعراب ،لاتزال – كما يقول - لغةَ حديث إلى الوقت الحاضر (6)؟ والسؤال :هل زعم أحد من علماء الساميات أن فيها لغتين لغة نموذجية وأخرى للتخاطب كالعربية ؟ مبلغ علمي أنه لا أحد زعم أن في الساميات مستويين، ولا أحد من المشتغلين بها ،قيد كلامه بأن ذلك في اللغة السامية النموذجية ! لذلك كله نقول :لا دليل قوياً ينهض للزعم أن لغة التخاطب في الجاهلية كانت خالية من الإعراب ،فلماذا نميل إلى ما ليس فيه دليل ونترك ما تضافرت الأدلة فيه على أن الإعراب كان عاماً سواء في اللغة الأدبية النموذجية المتمثلة بلغة قريش لغة القرآن أم كان في لغة التخاطب ، ولا أحد ينكر أيضاً أنه بعد دخول الأعاجم ظهر اللحن بمظاهره المختلفة ،التي منها إسقاط الحركات من أواخر الكلمات ،وهذا ماعبر عنه الزجاجي المتوفى (240هـ) بقوله: فأما من تكلم من العامة بغير إعراب فيفهم منه ، فإنما ذلك في المتعارف المشهور والمستعمل المألوف بالدراية . ولو التجأ أحدهم إلى الإيضاح عن معنى ملتبس بغيره من غير فهمه بالإعراب لم يمكنه ذلك وهذا أوضح من أن يحتاج إلى الإطالة فيه. وبهذا كله نتبين أن العرب أعربوا لغتهم ،فكانوا يتحدثون بلهجات قبائلهم التي لاتبتعد عن النموذجية بشيء يُذكر ،كما اتفقوا على أن لغة قريش هي الأفصح ،وهي التي نزل بها القرآن الكريم ،والمستويان يشتركان في كونهما معربين بالحركات المستعملة في الأواخر للدلالة على المعاني .،هذا ما بدا لي الآن ،وإن شاء الله سينشر مجمعكم لنا كتاباً نتناول فيه هذه القضية بإسهاب، مع قضايا أخرى مثل الرد على قطرب وردود على بعض آراء ابن مضاء .وفق الله الجميع إلى ما فيه الخير.