الزجاج يدرس النحو على المبرّد
من كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة لأبي علي التنوخي
حدّثني أبو الحسن بن الأزرق قال: حدّثني أبو محمد بن درستويه النحويّ قال: حدّثني الزجّاج ، قال:
كنت أخرط الزجاج، فاشتهيت النحو، فلزمت المبرّد لتعلّمه، وكان لا يعلّم مجانا، ولا يعلّم بأجرة إلّا على قدرها.
فقال لي: أيّ شيء صناعتك؟
قلت: أخرط الزجاج، وكسبي في كل يوم درهم ودانقان، أو درهم ونصف، وأريد أن تبالغ في تعليمي، وأنا أعطيك في كلّ يوم درهما، وأشرط لك أنّي أعطيك إيّاه أبدا، إلى أن يفرّق الموت بيننا، استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه.
قال: فلزمته، وكنت أخدمه في أموره، ومع ذاك أعطيه الدرهم، فنصحني في التعليم، حتى استقللت.
فجاءه كتاب من بني مارية، من الصراط، يلتمسون معلّما نحويّا لأولادهم، فقلت له: أسمني لهم، فأسماني، فخرجت إليهم، فكنت أعلّمهم، وأنفذ إليه في كل شهر ثلاثين درهما، وأتفقّده بعد ذلك بما أقدر عليه.
ومضت على ذلك مدّة، فطلب منه عبيد الله بن سليمان، مؤدّبا لابنه القاسم .
فقال له: لا أعرف لك إلّا رجلا زجّاجا بالصراة مع بني مارية.
قال: فكتب إليهم عبيد الله فاستنز لهم عنّي، فنزلوا له.
فأحضرني وأسلم القاسم إليّ، فكان ذلك، سبب غناي.
وكنت أعطي المبرّد ذلك الدرهم في كلّ يوم، إلى أن مات، ولا أخليه من التفقّد معه بحسب طاقتي.