الفتوى (2710) :
هذا موضوع طويل متشعبٌ فيه كلام كثيرٌ وأخذ وردٌّ واختلافٌ وليسَ ضَربَةَ لازب؛ ففي العُرف أنّه عِنْدَما يُتَكَلَّمُ عَنِ «المُتَكَلِّمِ العَرَبِيّ» فَإِنَّما يُعْنى بِهِ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ لِسانُ الْعَرَبِ ونَطَقَ بِهِ وجُمِعَتْ مِنْهُ اللُّغَةُ ويَدْخُلُ فيهِ لُغاتُ العَرَبِ، وفي حقيقة الأمر نجدُ أنّ ما صُرِّح به من أسماءِ القَبائلِ التي جُمعَت منها اللغةُ لا يُطابقُ تمامًا ما اعتُمِدَ عليه في بناء القواعد؛ فقدْ ذَهَبَ د. خالِد عَبْد الكَريم جُمُعَة في دِراسَتِه لِشَواهِدِ الشِّعْرِ في كِتابِ سيبَوَيْه، إلى أنّ ما استَشْهَدَ بِه سيبَوَيْهِ مِنْ شَواهِدَ يُناقِضُ في جُزْءٍ مِنْه ما صَرَّحَ بِه الفارابِيُّ في كِتابِه المُسَمّى بِـ "الألْفاظ والحُروف" إذْ ذَهَبَ الفارابِيُّ إلى أَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ عَنْ قَبيلَةِ قُضاعَةَ بَيْنَما اسْتَشْهَدَ سيبَوَيْهِ بِشُعَراءَ مِنْ قُضاعَةَ، وذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ عَنْ ثَقيف، واسْتَشْهَدَ سيبَوَيْهِ بِشِعْرِ أَبي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ والحارِثِ بْنِ كَلْدَةَ وأُمَيَّةَ بْنِ أَبي الصَّلْتِ... وبالجُمْلَةِ اسْتَشْهَدَ سيبَوَيْهِ بِشُعَراءَ مِنْ تَميمٍ، وهَوازِنَ، وبَكْرٍ، وتَغْلِبَ، وأَسَدٍ، وغَطَفانَ، وقُرَيْشٍ، وهُذَيْلٍ، والرّبابِ، وسُلَيْمٍ، وكِنانَةَ، وعَبْدِ القَيْسِ، وباهِلَةَ وضُبَيْعَةَ، ومُزَيْنَةَ، وإِيادٍ، وضَبَّةَ، وعدوانَ، والأَزْدِ، ومذْحِجٍ، وقُضاعَةَ، وطَيِّئٍ، وأَنْمار، وكِنْدَةَ، وعامِلَةَ، وهَمدانَ، وغَيْرِهِمْ. ومِنْ مَصادِرِهِ في رِوايَةِ اللُّغَةِ يونُسُ بْنُ حَبيبٍ والخَليلُ وأَبو الْخَطّابِ الأَخْفَشُ وعيسى بْنُ عُمَرَ والأَصْمَعِيُّ. وسَمِعَ شَواهِدَ شِعْرِيَّةً مُشافَهَةً.
وَوَجَّه الباحِثُ د. خالِد عَبْد الكَريمِ جُمُعَة كَلامَ أبي نَصْرٍ الفارابِيّ؛ إذْ ذَكَرَ أنّ مُرادَه هُوَ أنّ اللُّغَوِيّينَ العَرَبَ أخَذوا أكْثَرَ اللُّغَةِ عَنْ قَيْسٍ وتَميمٍ وأسَدٍ، ولَمْ يأخُذوا إلاّ القَليلَ عَنْ غيْرِهِمْ مِنَ القَبائِلِ. وأمّا نَفْيُ الفارابِيّ القاطِعُ أن يَكونَ اللُّغَوِيّونَ قَدْ أخَذوا عَنْ قُضاعَةَ وغَسّانَ وإيادٍ وتَغْلِبَ وثَقيفٍ لِمُجاوَرَتِهِم لِغَيْرِ العَرَبِ أو مُخالَطَتِهِم التُّجّارَ، أو لِغَيْرِ ذلِكَ مِنَ الأسْبابِ التي تَطْعَنُ في فَصاحَةِ بَعْضِ القَبائِلِ، فَتَفْسيرُه أنّ اللُّغَوِيّينَ أخَذوا عَنْ قَبائلِ قَيْسٍ وأسَدٍ وتَميمٍ وهُذَيْلٍ وكِنانَةَ وبَعْضِ الطّائِيّينَ الشِّعْرَ والنَّثْرَ مَعًا، أمّا القَبائِلُ الأخْرى فَلَمْ يَأخُذوا مِنْها إلاّ الشِّعْرَ فَحَسْبُ لانْتِشارِه في جَزيرَةِ العَرَبِ كُلِّها.
(انْظُرْ مَقالَةَ الفارابِيّ كَما نَقَلَها السُّيوطِيّ عَنْ كِتابِه "الألْفاظ والحُروف" في كِتابِ "المُزْهِر في عُلومِ اللُّغَةِ وأنْواعِها" تحقيق: محمّد أحمد جاد المَوْلى وعَلِيّ محمّد البجاوِيّ ومُحَمّد أبو الفَضْل إبْراهيم، دار الفِكْر للِطِّباعَة والنَّشْرِ والتَّوْزيع، دار الجيل، بَيْروت، 1/211-212. وانْظُر التَّعْليقَ عَلى كَلامِ الفارابِيّ في الاسْتِشْهادِ بِلُغاتِ العَرَبِ، كِتابَ د. عَبْد الكَريم خالِد جُمُعَة: شَواهِد الشِّعْر في كِتابِ سيبَوَيْهِ، مَكْتَبَة دار العُروبَة، الكويت، ط.1، 1400-1980، الصَّفَحات: مِن 273 إلى 303).
اللجنة المعنية بالفتوى:
المجيب:
أ.د. عبدالرحمن بودرع
(نائب رئيس المجمع)
راجعه:
أ.د. أبو أوس الشمسان
(عضو المجمع)
رئيس اللجنة:
أ.د. عبد العزيز بن علي الحربي
(رئيس المجمع)