بيان القرآن لا يُتَذَوَّقُ إلا بمفتاح علوم العربية
د. محمود حسن مخلوف
جدّ في هذا الزمان العجيب من يطبق قواعد المدارس الألسنية من أسلوبية، ونحو النص، وسيميائية، وتداولية، في فهم النظم القرآني، زاعمين أن هذه المناهج الحديثة أقدر على كشف مزايا النص وخصائصه.. وهذا وهم في وهم، وباطل من الباطل.
وقد سُبِقَ هذا – قبل قرن من الزمان – بمن زعم أن القرآن كتاب العربية الأكبر، ودعا إلى دراسته بمنهج أدبي، ونتج عن هذه الدعوة رسالة العالمية " الفن القصصي في القرآن " التي يزعم صاحبها فيها أنه ليس بلازم أن يكون قصص القرآن واقعا تاريخياً، وإنما قد جاء ما في القرآن من قصص على منهج الفن الأدبي، مما جعل أحد أعضاء لجنة المناقشة "د/ بدوي طبانة" يحكم على الباحث ومشرفه - إن تمسكا بها بعد البيان - بالردة، ورُدَّت الرسالة من فوق المنصة، وأصّر التلميذ والأستاذ على طباعتها – على ما فيها – طبعةً خاصة، قُدّم لها باللمز والطعن فيمن رد الرسالة أو خالفها.
وقد سبق هذا ما بثّه د/ طه حسين في تلاميذه – عقب عودته من باريس – بأن حديث القرآن عن إبراهيم وإسماعيل، وبنائهما الكعبة ليس إلا أسطورة من أساطير العرب، وضعها الجاهليون لربط أنسابهم بإبراهيم – عليه السلام – تقرباً لليهود.
وكل هذه الفرى ناطقة بلسان فصيح أن القرآن كتاب أرضي، وضعه محمد -صلى الله عليه وسلم – في ضوء قراءاته للتوراة والإنجيل – ومثل هذا الإلحاد المتستر بستار متهتك من العلمية، والحيدة، واتباع المناهج الحديثة في نقد النصوص أياً كان زعم أصحابها هو الجذر الأول لملاحدة هذا الزمان.
وفي العقود القليلة الماضية ظهر في قنوات التليفزيون المصري والعربي، الرسمية وغير الرسمية= ظهر من يتبجح بهذا الإلحاد زاعماً في نفاجة وغرور أنه يقرأ القرآن في مناهج حديثة من نتاج الألسنيات الأوروبية، وأنه غير ملزم بأن يفسر القرآن في ضوء ما فسر به الطبري والزمخشري والنسفي، فأولئك قد فسروا القرآن في ضوء ثقافات عصورهم، ومن حقه هو أن يفسر القرآن في ضوء ثقافته المعاصرة ..... هذا في القاهرة.
وفي إسلام آباد جمعتني الأقدار بعراقي شيعي يزعم أن القرآن لم يُفَسَّرْ تفسيراُ صحيحاً إلى اليوم لعدم معرفة السابقين بمناهج الألسنية الحديثة، وأنّه ينوي تفسير القرآن في ضوء المناهج الألسنية حتي يتضح المعنى الصحيح للقرآن- والذي يراجع الدراسات القرآنية في بلاد المغرب العربي يجد أن أكثرها قد وقع في شراك هذا الضلال المبير.
وقد سمعت هذا من أستاذ هندي متأمرك، أ ُلزِمَ أساتذة الكليات الثلاث " أصول/شريعة/لغة" بحضور محاضرته في قاعة المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد عام 2013م، ولا يعدم المتابع أن يشاهد سوريا ماركسيا – هو في الأصل مهندس كهرباء -يهرف بما لا يعرف، تحت مظلة الكفر والإلحاد المعاصر- أعني القراءة الجديدة للقرآن في ضوء المناهج التي لقنها في موسكو. وكل هذا الزيغ الممنهج خارج من تحت عباءة الألسنية الحديثة ، وناطق - زعماً باطلاً – باسم مناهجها ، بما دُفِنَ منها وبما سيلحقها بعد قليل؛ لأن كل متابع يعرف أن العقود الستة الأخيرة قد عجّت بأكثر مدارس ألسنية ، وقد ورث بعضها بعضاً، بل هدم بعضها بعضاً، وقد كانت المدرسة الواحدة – مثل الأسلوبية مثلاً- لها أكثرُ من عشرِ نسخ يختلف بعضها عن بعض في كثير من الرؤى والإجراءات حسب بلاد الصنع .
فاسأل "العقلاء المفتونين" : أي هذه النسخ الأسلوبية تطبق على القرآن؟! وكيف حال نتائجكم وخلاصات بحوثكم بعد أن أزهقت روح " الأسلوبية" تحت مطارق" نحو النص"، ثم البنيوية و " ما بعد البنيوية"، ثم " الحداثة " و " ما بعد الحداثة " ...إلخ هذه المدارس التي أكل بعضها بعضاً...
وماذا يقول المهوسون بالأسلوبية فيما بين أيديهم من قواعد لقنوها بعد أن كفر بها سدنة معابدها في بلاد النشأة، وقد تحولوا إلى مدرسة ألسنية جديدة، وقد لحقت الجديدة بسابقتها بعد عقد أو عقدين من الزمان..
ولا يزال " دراويش " البحث العلمي" يتعبدون بنظريات " ارتد " عنها ورّاثها منذ عقود!!!
وعند شيخنا أبي موسى: ‘‘أن القرآن نزل " بلسان عربي مبين" فلا تفتح مغاليق كنوزه إلا بعلم مستنبط من هذه الإبانة، وتتأبّى على غيرها ولو قرئت تعاويذ ألسنيات الشرق والغرب.
....يتبع.
المصدر