سلسلة (عالم ورأي)
تهدف هذه السلسلة إلى استجلاء رأي عالم من علمائنا حول قضية من القضايا، أو عقبة من العقبات التي تواجه أبناء العربية، أو طرح رؤية لاستنهاض الهمم وتحفيز العزائم. فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.

90-الدكتور مصطفى رجب –العميد الأسبق لكلية التربية جامعة سوهاج بمصر، ورأيه في التحديات التي تُمْتَحَن بها اللغة العربية (انحدار مستوى التعبير الإعلامي باللغة العربية، والصورة التقليدية لمعلم اللغة العربية، وضعف الدور الوظيفي لمجمع اللغة العربية، وانهيار خطوط الدفاع عن اللغة العربية، ومنافسة اللغات الأجنبية لها في نظامنا التعليمي:
1- انحدار مستوى التعبير الإعلامي باللغة العربية:
حيث يلاحظ المختصون تهاونًا شائعًا في وسائل الإعلام باللغة السليمة، فضلًا عما يقع فيه المسئولون الكبار من مزالق لغوية وأخطاء نحوية، وقد تتبنى الصحف بوجه خاصة التعبيرات التي شاع خطأ استعمالها وتستعملها فتروج تلك الاستعمالات، ثم أن الصحافة تهتم في اليوم التالي بتوجيه أنظار قرائها إلى ما قد وقع في طبعة أمس من أخطاء مطبعية أو نحوية وربما كان ذلك في العناوين الكبرى.
2- الصورة التقليدية لمعلم اللغة العربية:
تتبنى الأفلام والمسلسلات الفنية صورة تقليدية لمعلم اللغة العربية تسهم إلى حد كبير في الحط من قدره، وهي صورة غير واقعية من ناحية، ومتهافتة ومستهلكة من ناحية أخرى، ولو أن نقابة المعلمين وقفت إزاء ذلك كما وقف المحامون والبوابون والخبازون، والتجأت إلى القضاء ليوقف هذه المهازل لكان لذلك أثر طيب في نفوس الشعب بعامة ومعلمي اللغة العربية بخاصة، ونحن نهيب بالنقابة أن تجعل ذلك همًّا من الهموم التي تحتملها، ونرى ذلك واجبًا عليها يجب ألا تدخر وسعًا في النهوض به، والحرص على أدائه.
3-ضعف الدور الوظيفي لمجمع اللغة العربية بالقاهرة:
فالمجمع يقوم بأدوار طيبة في البحوث العلمية التأصيلية للأساليب المستحدثة والمفردات المستولدة حديثًا، ويبذل المجمع جهودًا محمودة في الترجمة وتعريب المصطلحات وما إلى ذلك، ولكننا ننادي الدولة بأن تهب المجمع سلطة الموافقة والمنع والرقابة فيما يتعلق بأسماء الشوارع والمحال العامة والخاصة. ففي الآونة الأخيرة جلب إلينا الانفتاح أسماء أجنبية ما أنزل الله بها من سلطان، تجدها في شوارع القاهرة ليلًا بالضوء المبهر. ونحن نرددها على ألسنتنا ثم نتساءل في حسرة: أليس هناك سؤال عن هذا الهزء الذي يغثي النفوس الأبية، ويصدم المشاعر الوطنية؟ إن المجمع يجب أن تكون له سلطة ملزمة ولتنشأ لها به – أو بوزارة الداخلية – إدارة خاصة تكون مهمتها الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع.
4-انهيار خطوط الدفاع عن اللغة العربية:
اللغة تتعرض لهجمات شرسة ومنظمة من أبنائها (جهلًا أو عمدًا) ومن أعدائها قصدًا، ومما تتعرض له: القول بصعوبة قواعدها، والدعوة إلى تغيير كتابتها، وجمود طرق تدريسها، ثم أخيرًا هذا السيل الجارف من الكلمات الأجنبية. وفي مواجهة هذا كله، لا نجد جبهة موحَّدة تدافع عن اللغة، ولا نجد تنسيقًا بين المجامع اللغوية العربية لوضع خطة محددة لصد ذلك العدوان، فمثلًا حاولت بعض الدول في مجال التعريب محاولات جادة أسلمتنا إلى وجود بدائل عربية عديدة لكلمة أجنبية واحدة فعندما ظهر التليفزيون وجدنا من أسماه بهذا الاسم نفسه، ووجدنا من سماه بالتلفاز، ووجدنا من أطلق عليه الإذاعة المرئية.. وهكذا يتحد الغزو.. ويختلف الحراس.!!
5-منافسة اللغات الأجنبية لها في نظامنا التعليمي:
برغم ما يهدد لغتنا من مخاطر خارجية، ففرض السيطرة اللغوية للإنجليزية يبرز بوصفه أحد أشهر أساليب الاستعمار الخارجي. ويظهر ذلك في دعم الهيئات الأجنبية المانحة لإقرار اللغة الإنجليزية بالمرحلة الابتدائية، وهذا ما يعزز تصاعد مسألة الصراع اللغوي.
وعلى الرغم من تنوع أشكال دعم تدريس اللغة الإنجليزية بما في ذلك تدريب الأساتذة وتطوير المناهج هو أحد أشكال الدعم الرئيس الذي تقدمه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتساندها كندا وأستراليا ونيوزيلندا ولكن بدرجة أقل، فقد تم ترويج اللغة الإنجليزية كلغة للتقدم في العلوم والتقنية؛ ولهذا سارعت كثير من الدول العربية بتعليم اللغة الإنجليزية من المرحلة الابتدائية، وبالتالي يظهر صراع لغوي سوف يؤثر سلبًا على تعليم اللغة العربية.
وهذا ما أكدته دراسات التربويين من أن بدء تدريس اللغة الإنجليزية في مرحلة الابتدائية سيزاحم مناهج الدين واللغة العربية التي تشكل معظم مناهج المرحلة الابتدائية.
ومصر من الدول العربية التي سارعت بتطبيق تدريس اللغة الإنجليزية على المرحلة الابتدائية؛ حيث بدأت كتوصية من مؤتمر تطوير مناهج التعليم الابتدائي بالبدء في إدخال تعليم اللغة الإنجليزية بدءًا من الصف الرابع الابتدائي. ولتحقيق هذه التوصية تم بالفعل ابتداء من العام الدراسي 1994/ 1995م إدخال اللغة الإنجليزية للصف الرابع الابتدائي، وأصبحت مادة أساسية تُضاف درجاتها للمجموع الكلي ابتداء من عام 1995/ 1996م، وتم إدخال اللغة الإنجليزية للصف الأول الابتدائي من عام 2003/ 2004م؛ وهذا يؤثر على اللغة العربية والهوية الثقافية التي تعبر عن الشخصية المصرية والعادات والتقاليد التي تميزها عن غيرها.
وقد استندت الدعوة لتعليم اللغة الأجنبية في المرحلة الابتدائية إلى عدم القناعة بتعليمها في المرحلة الثانوية. ومن جهة أخرى فإن النقص في معلمي تعليم اللغة في تلك المرحلة لم يتبين بوضوح ولم يُدرس بعناية. وساد الاعتقاد بين مؤيدي تعليم اللغة المبكر أن معلمي المرحلة الابتدائية سيكونون أكثر تقبلًا للاتجاهات الحديثة، وأنهم لن يواجهوا العقبات التي تحيط بطرائق التدريس والأساليب المتبعة في تعليم اللغة بالمرحلة الثانوية.
إلا أن تدريس اللغة الإنجليزية في هذه المرحلة – الابتدائية – واجه كثيرًا من العقبات مثل غياب التنسيق أو التكامل بين برامج اللغة على المستوى الابتدائي وما يتبعها من برامج في المراحل التعليمية التالية. فمن المعروف أن نجاح تعليم اللغة في المرحلة الابتدائية يعتمد على الاستمرارية وتخطيط برامج التدريس بكاملها في جميع المراحل. إلا أن هذا يصعب تطبيقه في الواقع.
ومن العقبات الرئيسة أيضًا نقص الكفايات التدريسية واللغوية لدى المعلمين والإعداد غير الكافي لهم بالإضافة إلى قلة عددهم. فمن غير الممكن الاعتماد على متخصصين مدربين ولديهم إلمام جيد باللغة، غير أن معرفتهم بالمدرسة الابتدائية ضئيلة، أو تعيين معلمين مؤهلين تربويًّا ولديهم كفاءة لغوية محدودة.
وبرغم توافر الخبرة والمواد التعليمية اللازمة لتدريس اللغات الأجنبية لهذه المرحلة، فإنه لا تزال هناك حاجة لتوفير برامج على المدى البعيد تقدم محتوى ثقافيًّا ولغويًّا متميزًا، يشمل أنشطة مشوقة للأطفال الذين يدرسون اللغة الإنجليزية بحيث يصبح منهجها مساوٍ تقريبًا من الناحية التعليمية لأفضل برامج تدريس العلوم أو الرياضيات.
وخلاصة القول – عند التربويين – في هذا الصدد أن تعليم اللغات الإنجليزية لم يعد موضوع تساؤل، وأصبح القرار يتعلق بتدريسها فعلًا، والمرحلة التي يبدأ فيها، وأن القرار النهائي بتدريس اللغة الإنجليزية في التعليم يستند إلى بعض المعايير كبدائل للإجابة، من مثل: المدة التقديرية لتحقيق المستوى المنشود من الكفاءة اللغوية لدى الطلبة في مرحلة دراسية معينة، والقيمة التعليمية لدراسة اللغة الإنجليزية في مراحل محددة من المناهج، بالإضافة إلى الموارد البشرية والمادية المطلوبة لتطوير برنامج تعليمي ناجح وسليم للغة الإنجليزية.
3- لهذا كله، ارتفعت في الآونة الأخيرة الآراء –خاصة في الدول العربية– محذرة من ظاهرة تدني مستوى اللغة العربية بين أبنائها، وأن الكثيرين من التلاميذ في مختلف المراحل التعليمية – بلا استثناء – أصبحوا لا يستخدمون بطريقة صحيحة لغتهم الأم (العربية) نطقًا وكتابة ونحوًا، ومما زاد الأمر قلقًا أن أصبح أبناء الجيل الحالي يستخدمون ألفاظًا ومفردات دخيلة على مضمون اللغة العربية ومفرداتها.
المصدر: تحديات تربوية تواجهها لغتنا ومقترحات للعلاج، بحث مقدم إلى مؤتمر: اللغة العربية وتحديات البقاء، ص 229-232.
إعداد: د.مصطفى يوسف