من أروع ما قرأت قصيدة للإمام العلم الحافظ أبو يوسف ابن عبد البر القرطبي - رحمه الله -،
حيث يقول:
منْ ذَا الــذِي قَـدْ نــالَ رَاحــةَ فِكــرهِ ** فِي عُمـره مِنْ عُسْره أو يُسْرهِ ؟
يلقَـى الغَنِيُّ لحفظــه ما قد حَــوى ** أضْعَـافَ ما يَلقى الفقيرُ لفقرهِ
فَيظـــلُّ هـــذا سَاخـطـــاً في قـلـــه ** ويظـــلُّ هــذا ثاعبــاً في كثـــرهِ
والجـنُّ مثلُ الإنـس يَجـــري فِيهـــمُ ** حُكْـــم القَضـــاء بِحُلــوه وبمُــره
فإذَا المَريــدُ أتـى ليَخطــفَ خَطـفــةً ** جـاءَ الشِّهـــابُ بحَـرْقِــه وبزجْرهِ
وَنبـــيُّ صِـــدقٍ لا يَـــزالُ مُـكــــذَّبـــًا ** يُرمَـى بباطـلِ قولِهــم وبِسحرهِ
والعالِـمُ المُفتـي يَظـــلُّ مُـنَــازعــــاً ** بالمشكلاتِ لدى مَجالسِ ذِكرهِ
فَالويــلُ إنْ زلَّ اللســــانُ فَلا يُـــرى ** أَحـدٌ يُساعِــدُ في إقامــةِ عُـذرهِ
أوَ مَـا تـرى المَــلكَ العـــزيزَ بجُنـــده ** رَهـنَ الهُمومِ على جَلالة قَدرهِ
فيَســــرُّهُ خـبـــــرٌ وفـي أعقـــــابِــه ** خبـرٌ تَضيــقُ به جـوانـبُ قصــرهِ
ومُؤَازرُ السلطــــانِ أهـلُ مَـخـــاوف ** وإن استـبــــد بـعـــزه وبقـهــــرهِ
فـلربمــــا زلـــتْ بــه قــــدم فـلــــم ** يرجـع يسـاوي في قلامة ظفرهِ
وأخـو العبـــادةِ دهـــــرُه مُـتنغــــصٌ ** يَبغي التخلصَ من مخاوفِ قبرهِ
وأخـو التِّجــــارةِ حـائــــرٌ مُـتفـكـــــرٌ ** مما يُلاقِـي من خســارةِ سعرهِ
وأبو العيالِ أبُو الهمومِ، وحَسـرةُ الـ ** ـرجل العقيمِ كمينـةٌ في صـدرهِ
وكــل قــريــــن مضـمـــــر لقـرينــــه ** حسداً وحقـداً في غنـاه وفقـرهِ
ولــرب طـالــبِ راحــةٍ فـي نـومــــه ** جــاءتْـه أحـــلامٌ فهـــام بأمــــرهِ
والطـفــل مـن بطــن أمـــه يخــــرجُ ** غُصصُ الفِطام تروعه في صغرهِ
والـوحـشُ يأتيــه الــردى فِي بَـــره ** والحوتُ يلقَـى حَتفـه في بَحرهِ
ولـربـمــا تأتِـي السبــــاعُ لـمـيــتٍ ** فاستخــرجتـه مـن قــرارة قبــره
ولقـدْ حسدتُ الطـيـرَ فـي أَوكـارها ** فَوجــدتُ منهـا ما يُصــادُ بوكـرهِ
كيــفَ التلــذذُ فـي الحيـاةِ بعَيْشَـةٍ ** مَـا زالَ وهــو مـروع في أسرهِ ؟
تاللهِ لـو عـاشَ الفتــى فـي أهـلـهِ ** ألفــاً مـن الأعـوامِ مـالكَ أمـــرهِ
مـتـلـــذذاً مـعـهـــمْ بكـــل لـذيـــذةٍ ** متنعمـــاً بالعيــشِ مــدةَ عُمـرهِ
لا يعتــريـه النقــــصُ فـي أحـوالــه ** كُلاًّ ولا تَجــري الهمـــوم بفكــرهِ
مـا كــان ذلك كلُّــــه ممـــا يفــــي ** بنــزولِ أَوَّلِ لـيــلـــةِ في قبـــــرهِ
كَيْفَ التخلـصُ يا أخِـي مِمـا تَـرى؟ ** صبراً على حُلـو القضـاءِ ومُــرِّهِ!