مجمع اللغة العربية بمكة يطلق عضوياته الجديدة
لطلب العضوية:
اضغط هنا

لمتابعة قناة المجمع على اليوتيوب اضغط هنا

 


الانتقال للخلف   منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية > القسم العام > مقالات مختارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )
 
مصطفى شعبان
عضو نشيط

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

       
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان
افتراضي فن الكتابة العربية (3/5)

كُتب : [ 09-03-2016 - 09:13 AM ]


فن الكتابة العربية (3/5)
مصطفى بن أحمد بن إسماعيل
المبحث الثالث
مشكلة درس الإملاء وواقعه الحالي

توطئة:
عملتُ في التربية والتعليم معلِّمًا فترةً لا تتجاوز الأعوام الثلاثة، فُوجئت وفجعت أيَّما فجعة من مستقبل اللُّغة العربية على يدِ أبنائها المستعجمين، كنت أظنُّ أنَّ النحو والعلوم اللغوية التي تَعَبَّأنا بها في دُور العِلم بالجامعة العريقة ستسعفني في تدريس المناهِج الدِّراسيَّة، بَيْد أنها كانتْ سببَ إعاقتي! إنَّها إعاقة أداء وليستْ إعاقة فِكر!

ووجدت واقعًا (لا يسرُّ الناظرين).

لقد عملتُ في هذه الفترة في ثلاثِ مدارسَ مختلفة - مختلفة المجتمع، ومختلفة الكثافة - ووجدت أنَّ هذين العاملين مِن أهمِّ ما يؤثِّر على عملية التعلُّم، إنهما عامِلاَ (البيئة والكثافة)، ففي حين كنتُ أدرس بمدرسة معقولة الكثافة العدديَّة داخلَ الفصل الواحد إذَا بالبيئة تؤثِّر على التعلم والأداء، وبينما أعلم في مدرسة بِيئتها معقولة إلى حدٍّ بعيد، فُوجئت بأنَّ الكثافة العددية تؤثِّر على الأداء التعليمي.

ولكن عندما كنتُ معلِّمًا في المدرسة التجريبيَّة وجدتُ كثافةً وبيئةً مناسبتين للقيام بمهمَّتي على الوجه المرجوِّ.

شعرتُ بالفشل حينًا وبالضعف العِلمي حينًا آخر عندما عجزتُ عن القيام بمهامي في المدرستين الأوليين، ووجدتُ نفسي معلمًا مؤديًا لعلومي اللغوية نطقًا وكتابةً في الثالثة، هذه التجرِبة التي مررتُ بها جعلتني أحزن حزنَ مالك عندما رأيتُ الواقع الذي لا نرجوه مُحَقَّقًا في أمَّة ترجو النهوض لأبنائها، وندمتُ ندمَ الكُسَعي عندما سلكتُ مسلكَ التعليم كمهنة شريفة أُؤَدِّي بها ما تعلمته من جانب، وأقتات بها من جانب آخر، وليتَ من الجانبين جانبًا أنصفني!!

وجدتُ في هذه الفترة تلاميذَ أذكياء لا تسعفهم بيئتهم، ووجدتُ تلاميذ أذكياء لا يستطيع المعلِّم انتشالهم من هوَّة الزحام داخلَ الحُجرة الدراسية، (حيث نرى في فصولنا اليوم السبعين والثمانين تلميذًا)، فأَنَّى لهم أن يتعلَّموا؟!

هذا الواقع البئيس الذي نجده في مدارسنا لا يساوي شيئًا إطلاقًا أمامَ واقع المعلِّم المصري الذي رأيت.

شاهدتُ مَن هم أقدم مني عهدًا بالتعليم للمرحلة الابتدائية - وهي من أهمِّ مراحل التأسيس اللُّغوي - لا يستطيعون نُطقَ اللفظ العربي نطقًا صحيحًا مِن مخرجه السليم، فأنَّى لهم إخراجُ جيل يعرِف لغته ويُقدِّر همَّها؟! رأيتُهم لا يألون جهدًا في تعليم التلاميذ، ولكنَّهم يُعلِّمونهم اللا لُغة أو لغةً غير لغتنا التي تعلمْناها نطقا على أيدي مشايخنا قبلَ أن نتعلمها نصوصًا وقواعدَ على أيدي أساتذتنا في الجامعة، إنه حال لا يسرُّ الناظرين!

أتساءَل: كيف يمكن لنا أن نُعَلِّمَ جيلاً ونحن جيل لم يُتقِن عِلمه؟! كيف لنا أن نُخرِج جيلاً منهم أئمة في العِلم، ونحن نُكَدِّسُهم أكوامًا في حجرة واحدة؟! كيف لنا أن نعدَّ جيلاً للتقدُّم وبيئاتهم لا تعرِف معنى التقدُّم؟!

" هيهات هيهات لما توعدون، حقا إنها أضحت لُغة بلا أمَّة[1]!

واقع فن الكتابة العربية
في منهج الصف الخامس الابتدائي

أولاً: من حيث الأهداف:
وضَع واضِعو المنهج للصف الخامس معاييرَ ستَّة للكتابة، وهي:
1. كتابة الحروف والكلمات والجُمل العربية كتابةً صحيحةً واضحة.
2. كتابة الكلمات والجُمل كتابةً صحيحةً إملائية.
3. اختيار الأفكار وترتيبها بصورةٍ صحيحة.
4. استخدام القواعد اللُّغوية وتوظيفها في الكتابة.
5. تنظيم وتنسيق الكتابة.
6. الكتابة في موضوعات إبداعيَّة ووظيفيَّة تعبيرًا عن النفس والمجتمع.

هذه المعايير ينبغي أن يُحقِّقها الطالب بعدَ دراسته لهذا المنهج، وينبغي أن يتحقَّق ذلك في نهاية العام الدراسي.

فالسؤال الآن: هل استطاع التلاميذُ - ونحن على مشارفِ الانتهاء من الفصل الدراسي الثاني - أن يُحقِّقوا - أو تُحَقَّق لهم - هذه المعايير؟

الإجابة عن هذا التساؤل سأؤخِّرها إلى أمدٍ قريب، بعد أن أرصد واقعَ أمور أربعة:
(المنهج - المعلم - البيئة - التلميذ)

فهذه الأمور هي عمادُ هذه المعايير، إذا كانتْ ناجحةً تحقَّقت المعايير، وإلا فلا.

أولاً: واقع المنهج العلمي المقرَّر على تلاميذ الصف الخامس الابتدائي:
بعد إعادة تغيير المنهج لهذا الصفِّ أمَّل المعلِّمون أن يَخْرُجَ لهم منهجٌ يفي بأغراض التلاميذ المعرفية، بَيْد أنه خرج كسابقه، اللهمَّ إلا في بعض التنسيقات، مراعيًا طرق التعليم (وإستراتيجيات) التعلُّم الجديدة، هذا الأمر هام إلى حدٍّ بعيد، ولكن الأهم منه هو وضْع الدروس والموضوعات التي تفِي بالمعايير الموضوعة لهذه المرحلة.

كل الدروس الموضوعة في المنهج الجديد تدور حولَ أمرين لا ثالثَ لهما:
الأول: المعلومات المعرفيَّة في موضوعات القِراءة، وهذا لا يُقلِّل من شأنها.
الثاني: القواعد النحويَّة، وهي في ثوبها الجديد في ظلِّ طرائق التدريس الجديدة.

وهذان أمران لا يعقل وجود منهج لُغوي بغيرهما.

أما الجانب الخاص بتعليم قواعدِ الكتابة والخطِّ والإملاء، فليس له وجودٌ يُذكَر في المقرَّر الذي يحمله الطالب على عاتقه ذهابًا وإيابًا مِن وإلى المدرسة كلَّ يوم، اللهم إلا في خُطَّة العمل الخاصَّة بالمدرِّس.

وهذا أمر جِدُّ خطير؛ إذ إنَّ فنًّا من فنون اللغة ليس له حظٌّ في منهج للغة، أمر يُثير السخرية!

ليس عن جهْل مني أنَّ فنون اللغة متَّصلة العلاقة بقوَّة؛ لذا جعلوا تعليم الكتابة والإملاء من واقِع الدروس والموضوعات المقرَّرة، ولكن ينبغي أن يجعلوا - كما جعلوا للقواعد النحوية - للكتابة مساحةً خلف كلِّ موضوع يوضِّحون فيها للتلاميذ قواعدَها وأصولها.

وللهِ الأمرُ من قبلُ ومِن بعدُ.

إنَّ قيمة أيِّ نظام تعليمي تحدِّدها النتائج العملية التي يَنتهي هذا النظام إليها في خاتمة مطافه ونهاية مراحله، ومِن البديهيات المعلومة أنَّ نظام التعليم اللغوي لا هدفَ له إلا أن يُخرِج الطلاب عارفين باللُّغة التي يتعلَّمونها معرفةً طيبة شاملةً، أو شبه شاملة، فإذا لم يحقِّق النظامُ التعليمي هذه الغايةَ، فهو نظام فاشل، أو ينبغي أن يُراجَع فيقوَّم بالتصحيح أو التغيير.

إنَّ الأهداف المحدَّدة والغايات المرسومة لهذا النِّظام تجعل منه نظامًا مثاليًّا فريدًا لتعليم اللغة، ولكن يبدو أنَّ واضعي المنهج ومحدِّدي أصوله، قد اقتصروا على الغايات النظريَّة فقط، ولم يعبأ بالوسائل العمليَّة التي تحقِّق هذه الأهداف.

تبيَّن لنا مما سبق أنَّ مناهج اللغة العربية تسعى - نظريًّا - إلى غايات كبيرة وأهداف جميلة حقًّا، ولكن هذا وحْده لا يكفي؛ أي: إنَّ النظَر إلى الأهداف أو الغايات دون عمل على تهيئةِ الأسباب الموصلة إلى الهدَف - مثل هذا يكون حرثًا في بحر، لا يُنبت زرعًا، ولا يؤتي ثمارًا.




رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
مصطفى شعبان
عضو نشيط
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 09-03-2016 - 09:16 AM ]


وسبب ذلك وأساسه - فيما نرَى - أنَّ الوسائل نفسها قاصرةٌ عاجزة عن تربية الثقافة اللُّغوية الشاملة عندَ أبناء العربية على اختلافِ مذاهبهم وتنوُّع مجالاتهم.

ثانيًا: واقع معلِّم اللغة العربية:
يحتلُّ معلِّمُ اللغة - خاصَّة - من بين المعلِّمين المقامَ الأسمى والدرجة العليا، فإذا كانتْ وظائف المعلمين هي أكرمَ أعمال المجتمع، فإنَّ تعليم اللغة هو بحقٍّ أكرمُ وظائف المعلمين، فمعلم اللغة - لا ريبَ - صفوة الصفوة وقائِد القادة، وفاضِل الفضلاء بين العاملين.

إنَّ المعلم اللُّغوي لا يُعلِّم مادةً كسائر المواد، وإنَّما يعلم اللغة، وهي - كما اتَّفق عليه المربُّون وروَّاد التعليم - وعاء يصبُّ فيه جميع المواد ويستوعب الحقائق والخِبرات الإنسانية تفكيرًا وتعبيرًا.

إنَّ مكانة مُعلِّم اللغة مِن مكانة العمل الجليل الذي يُؤدِّيه، وهو تدريس لغة قومه للناشِئة ونقلها إلى الأجيال، وهو عملٌ له شأن خاص متميِّز "في أيِّ برنامج تربوي في نِظام التعليم القومي، وإنَّه لأمرٌ لا يحتاج إلى توضيح أنَّ الطفل ما لم يتأتَّ له إلمام معقول بلغته القومية، وسيطرة على استخدامها في التفكير والتعبير، فمِن المستحيل أن يُصيبَ أيَّ تقدم في أيِّ مادة دراسية أخرى".

ولقدْ كشفتِ التجرِبة عن الارتباط الوثيق بين التخلُّف الدِّراسي في المرحلة الابتدائية والعجْزِ في اللُّغة العربية، وحين يُعالَج التخلُّف في اللغة، فإنَّ الطفل يخطو خطواتٍ سريعةً موفقةً نحو التحسين في المواد التي كان متخلِّفًا فيها، إذا تيسرت له أدواتُ الفَهم والتعبير.

ومِن الحقائق الثابتة التي انتهتْ إليها تجارِب التربويِّين - أيضًا - أنَّ الطفل إذا لم تُتح له فرصةُ تعلم اللغة العربية السليمة الدقيقة، فإنَّه عُرضة لتعلم العربية الرديئة الركيكة، بل إنَّه عُرضة لاكتساب عادات رَديئة في التفكير؛ نظرًا لما بين اللغة والفِكر من ارتباط وثيق، ومعنى هذا: أنَّنا حينما نعدُّ معلم اللغة العربية القومية، فإنَّنا لا نعدُّ مجرَّدَ مُعلم لمادة دراسيَّة، وإنما نعدُّ المعلم الأساسي الذي تقوم على أكتافه العمليةُ التعليمية كلُّها.

تلك هي مكانةُ معلِّم اللغة العربية في البناء الحضاري للأمَّة، وهي مكانة تستمدُّ قيمتها الرفيعة مِن قيمة عِلمه؛ لأنَّه يحمل أمانةَ حماية اللغة ونقلها سليمةً إلى الأجيال الخالِفة، وإذا كانتِ اللغة وعاءً لمعارف الأمَّة وخبراتها، فإنَّ هذا يقتضينا مزيدًا من العناية في إعداد معلِّميها وتزويدهم بزادٍ وفير من الثقافة العريضة العامَّة.

لكن هذا التصور المِثالي للمعلِّم اللغوي، بعيد بعدًا كبيرًا عن الواقع المشاهَد في بلادنا العربية.

إنَّ معلم اليوم ليس إلا تلميذَ الأمس، وهذا - كما نعلم - قد تعلَّم في ظروف غير مواتية، وسط أعداد هائلة من الطلاب؛ يختطف المعلوماتِ اختطافًا، دون أن يجدَ الفرصة الكافية للتدريب واكتساب المهارات العِلمية في الاستعمالات اللُّغوية.

هذا إضافة إلى أنَّه قد تعلَّم في ظلال المناهج التي سبَق عرضها، وتبيَّن لنا كيف تقصر عن تحقيق الهدَف، وإدراك الغاية المرجوَّة منها.

ومقتضى هذا أنَّ معلمَ اللغة العربية بما هو عليه الآن جزءٌ رئيس في مشكلتها؛ لأنَّ فاقد الشيء لا يُعطيه، وهو قد ظلَّ منذ دخل المدرسة الابتدائية إلى أن تخرَّج في الجامعة بعيدًا عن ذوق اللغة واكتساب مَلَكَتها؛ فلم يسلَمْ له قلم ولم يصحَّ منه لسان، لم يستقمْ لديه بيان؛ فكيف يُعهَد إلى مثل هذا بأمر اللغة؟!

وماذا عسى أن يُعلِّمه للتلاميذ؟!

كتَب أحد المختصِّين بتطوير المناهج قائلاً: "إنَّ ما يدرس في هذه المناهج لا يُبْنَى أساسًا على ما يواجه المدرس في عمله الميداني؛ فمثلاً لا يدرس في الكليات المتخصِّصة الخط العربي ولا قواعد الإملاء، كما أنَّ هناك تركيزًا في كثير منها على فلسفة النحو والنقْد الأدبي، دون النحو ذاته أو الأدَب ذاته؛ لذلك يضطرب كثيرٌ من المدرِّسين في أساسيات اللُّغة والأدَب والقواعد، على حين أنه درس كثيرًا من النواحي البعيدة الصِّلة بالميدان"[2].

هذا كلام قاله متخصِّص في التربية اللغوية، وهو يؤكِّد ما أشرنا آسفين إليه منذُ قليل، وهو أنَّ أكثر مَن يعلِّمون العربية اليوم لا يعرفونها، فكيف يعلمونها؟![3].

هذا وواقعنا لا يَنْفِي هذا الكلام:
فقدْ شاهدتُ أكثر من 40 مدرسًا للغة العربية في مدرستي التي أعْمل بها - وهذه المدرسة بها أكثر مِن (70) معلِّمًا للغة العربية - رأيتُهم جميعًا لا يعرفون نُطق فِقرة واحدة بالشكل، ولا يستطيعون إخراجَ مخرجٍ واحدٍ مِن مكانه الصحيح، إنَّه أمر يدعو للخجل المِهني قبل أن يدعوَ إلى كارثة لُغوية حطَّت على واقع تعليم اللغة العربية.

إنَّ معلمي اللغة العربية الآن واقع نأسَف له جميعًا، ويأسفون هم لأنفسهم؛ لأنَّهم لم يعدُّوا ثقافتهم إعدادًا جيِّدًا.

المعلم والكتابة الإملائية:
نرى مِن سيِّئات معلِّمي اللغة - أقصد الذين لا يعبؤون بتثقيفِ أنفسهم وتزويد خِبراتهم - أنهم لا يَسيرون وَفق منهج محدَّد لتعليم الإملاء العربي تعليمًا جيدًا صحيحًا، ويكفيني في هذا الإطار التركيزُ على الأداء العَملي للإملاء العربي، "فالواقع يقول: إنَّ المعلم يعلِّم الإملاء - ومثله الخط - تعليمًا اختباريًّا، فهو يقوم باختبار التلاميذ ولا يقوم بتعلِيمهم"[4].

وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ النطق والأداء الصوتي وسيلةٌ مهمة للأداء الكتابي، خصوصًا في الإملاء الاستماعي الذي يلعب فيه صوتُ المدرس ولُغته المنطوقة دورًا مهمًّا في إظهار الحروف والكلمات، فالمدرِّس وحده هو الذي يستطيع أن يُفرِّق للتلاميذ بصوته وحسِّه اللغوي ونبْره للأصوات بيْن المعاني والحروف اللُّغوية المتشابهة، وخاصَّة في مشكلة التشكيلِ وعلاماتِ الترقيم.

ومثال ذلك: أنَّ معلِّم اللغة العربية يستطيع بقراءته للتلاميذ أن يُفرِّق بين الواو والضمة، أو الياء والكسرة، أو الألف والفتحة في نهاية الكلمات، كما يستطيع أن يُفرِّق بصوته بين السِّين والصاد، والثاء وبين الذال والزاي، وبين القاف والكاف، كل هذه الأمور يُمكن أن يعلِّمها للتلاميذ مِن خلال قراءته الجديَّة للقِطعة الإملائية.

بَيْد أنَّ الأمر على عكس ذلك؛ فالمعلِّم ابتداءً لا يستطيع التفرقةَ بين هذه الأصوات، وفاقِد الشيء لا يُعطيه، ويكون جلُّ اهتمامه واعتماده على المعرفة النظريَّة للتلاميذ بالكلمات وما تحويه مِن حروف، فالتلميذ يعرِف أنَّ كلمة (كرة) تحتوي (ك ر ة) بخبرته النظرية، أما لو نطَق له المعلم كلمة جديدة تحمل كافًا ولم تكن للتلميذ بها خِبرة مسبَقة، فهيهات أن يكتبها إلا خطأ!

ثالثًا: واقع البيئة المحيطة وأثرها على واقع تعليم الكتابة العربية:
ليستِ البيئة المحيطة بمنأًى عن الفشل التعليمي للغة العربية لدَى التلاميذ نطقًا وكتابة، فالبيئة المحيطة بالتلاميذ لا تُشجِّعهم إطلاقًا على تأدية اللُّغة تأديةً صحيحة، في البيت أو في الشارع حتى، حيث إنَّ النُّطق السليم للغة متعلِّقة به الكتابةُ السليمة.

ولي تجرِبةٌ عشتُها في هذه الفترة القليلة مع بيئة معيَّنة: أخذت أُعلِّم التلاميذ معاهدين بعضنا البعض في ذلك أن نكتُب ونتكلَّم بالفصحى وأنا أُصحِّح لهم بعضَ الذي يقولون ويكتبون، وفي الواقع رأيتُ أنَّ بعض التلاميذ تقبَّل الأمر في يُسر وسهولة، والبعض الآخر أخذوا يضحَكون من الحديث اللُّغوي الذي كان يدور بيني وبين زملائهم، وعندما وجهتُ لهم السؤال عن ذلك، كانت الإجابات محزِنةً ومخزية في الوقت ذاته، فمِنهم مَن قال: إنَّ معلم اللغة دائمًا يُستهزَأُ به في الأعمال الفنيَّة والتلفزيونيَّة، وبعضهم قال: لا أستطيع أن أتحدَّث إلى أحدٍ بهذا الأسلوب كي لا يضحكَ عليَّ.

وهذا إنْ عكس شيئًا فإنما يعكس طبيعةَ المجتمع الذي أضْحى يَسْخَر مِن قِيمه وهُويته! ولله الأمر مِن قبلُ ومِن بعدُ.

وأثر ذلك على تعليم الكتابة العربية أنَّ التلاميذ يُخفِقون في تأدية اللُّغة صوتيًّا ممَّا يدعو إلى الإخفاق الكتابي بما لا شكَّ فيه.

رابعًا: واقع التلاميذ وأثَره على واقِع تعليم الكتابة العربية:
إنَّ التلميذ المعاصِر يقضي في المراحل التعليميَّة أكثرَ مِن عشرة أعوام، وعلى امتدادِ هذه المرحلة يتعلَّم لُغته في دروس مختلفة وفروع كثيرة، فإذا أتَمَّ تعليمه الجامعي في معهد متخصِّص كدار العلوم - مثلاً - استمرَّتْ دراسته اللغوية أربعةَ أعوام أخرى لتصبح فترةُ الدِّراسة بضعة عشرة سَنَة، وتلك مدَّة طويلة تكفي لإتقان ثلاثِ لُغات، لا لغة واحدة هي لُغة الدين والوطن، والآباء والأجداد، والعشيرة والصِّحاب، فهل أتقن العربيةَ طلاَّبُها؟!

إنَّ واقع التلميذ الذي حُشِي عقله بهُوية غير هويته، وثقافة غير ثقافته، لا يبشِّر بالخير؛ لأنَّ التلميذَ أصبح ينظُر إلى لُغته على أنَّها لغة قوم متخلِّفين حضاريًّا واجتماعيًّا، فأصبح الجميعُ يُقبلون على تعلُّمِ اللغات الأخرى، بل وإتقانها، أمَّا لغة القرآن فلا؛ لأنَّها لغة لا تُفيدهم في عملهم، ولا تَنفعهم في اكتساب أرزاقهم.

إنَّ أمثال هؤلاء التلاميذ - وهم كثير - لا يُدرِكون أنَّ تعلم لغتهم الأم - خصوصًا لغة القرآن - يَزيدهم مروءةً، ويفتح لهم بابَ تعلم لُغات غيرها، هذا باعتراف اللغويِّين أنفسهم.

هذا هو واقعنا الذي نعيشه، ولله الأمر من قبلُ ومن بعد، نسأله - جلَّ شأنه - أن يُعيدَ مجدَنا إلينا. اللهمَّ آمين.

ثانيًا: من حيثُ الوسائلُ التعليميَّة:
ذكَر واضعو منهج اللغة العربية للصفِّ الخامس الابتدائي وسائلَ تعليميَّة متنوِّعة لتدريس الكتابة العربية، وهذه الوسائل هي:
1. الوسائل السمعية: (التسجيلات التي تُستخدَم في عرْض النصوص الشِّعْرية والقرآن الكريم ومواقِف القراءة النموذجيَّة....).
2. الوسائل المطبوعة: (الكُتُب المدرسية والأوراق والبطاقات....).
3. السبُّورات: مثل: (السبورات الطباشيريَّة والوبريَّة والمعدنيَّة....).
4. الصور الضوئية "الفوتوغرافية": وقيمتها أنها تربط المتعلِّمَ بالواقع الحسي الخارجي.
5. الكمبيوتر التعليمي: ويُمكن الاستفادة منه من خلال (cd) الأقراص المدمَجة.

وهذه الوسائل الموضوعة لتعلُّم فن الكتابة مفيدةٌ في حقيقة الأمر، ولا يمكن نقدَها، ولكن العيب كلَّ العيب في تطبيق هذه الوسائل فعليًّا في المدارس، وداخلَ الفصل التعليمي.

فهذه الوسائلُ لا غُبار عليها؛ حيثُ كلها يمكن استخدامها في تعلم الكتابة (التعبير والإملاء والخط العربي).

ثالثًا: مِن حيثُ طرائق التدريس:
وُضِعَت عدَّة طرائق لتدريس فنِّ الكتابة العربيَّة، وهي طُرُق جيِّدة وتطبيقها مثمِر ونافع جدًّا مع التلاميذ، بَيد أنَّ بعضها لا يليق وفنَّ الكتابة، خاصَّة في فرع الإملاء: وهذه الطرق هي: (التعلم التعاوني، الاكتشاف، حل المشكلات، تعلُّم الأقران، لعب الأدوار، العصف الذهني).

وطريقة لعب الأدوار قد يَصلُح توظيفها في التعبير أو الإملاء، ولكنَّه يصعب توظيفها مباشرةً في تعلُّم الخط العربي.

وفي الواقع هذه الطُّرق لا تَنفع مع الأعداد الكبيرة في الفصْل، فالفصل الذي يصل عددُه إلى 70 تلميذًا لا تنفع معه طرُق؛ كالتعلم التعاوني، وتعلم الأقران، ولعب الأدوار، وتبقَى معضلة المعلِّم الذي يختار بيْن هذه الطرق في الظروف المناسِبة.

رابعًا: من حيثُ الأنشطة التعليميَّة:
تعدُّ الأنشطة اللُّغوية مِن العناصر الأساسية في خطَّة التدريس، حيث ترتبط بكلٍّ مِن محتوى الدرس وطرق التدريس، كما أنَّ الأنشطة تجعل التلاميذ يمارسون اللُّغةَ في دائرتها الوظيفيَّة، وتهيِّئ لهم فرصًا عديدةً لإشباع ميولهم، وتنمية مواهبهم الفرديَّة، فكلُّ نشاط يمارسه التلميذ يتطلَّب منه القيام بوظيفة عقلية أو أكثر؛ ولذلك فهي تساعِد التلاميذَ على توليد الأفكار بدلاً من استرجاع المعلومات مِن خلال الملاحظة والمقارَنة والنقْد والتقويم.

والأنشطة تختلِف من درْس لآخَر تبعًا لنوع الأهداف ومستوياتها الخاصَّة بكلِّ درْس، ويجب على كلِّ معلِّم اختيارُ النشاط المناسب للدرْس الذي يقوم بشَرْحه.

والأنشطة نوعان: صفيَّة: يقوم التلميذ بتأديتها داخلَ الفصل & ولا صفية: يقوم بتأديتها خارجَ الفصل.

والأنشطة اللُّغوية في حقيقةِ الأمر يمكن أن تُؤدَّى بشكل شفوي أو تحريري أو بشكل فرْدي أو جماعي، والأنشطة اللُّغوية في تعليمِ الإملاء والخط والتعبير صالحة جدًّا؛ حيث يمكن مناقشةُ الفِقرة الإملائية أو الجُملة الخطيَّة، أو الموضوع التعبيري شفويًّا، ونطلب مِن التلاميذ كتابته تحريريًّا بخطٍّ جميل، وهذه الأنشطة تُتاح للأعداد الكبيرة والقليلة التي تتناسَب مع الواقِع الحالي للتلاميذ في فصولنا المكتظَّة بهم.

خامسًا: من حيث التقويم:
تقويم درْس الكتابة العربية يَنبغي أن يكونَ أمام التلميذ في الفصل الدِّراسي، وإلا فلن تُؤتَى ثمارُه كما ينبغي، فمثلاً درس الإملاء، لا بدَّ أن يُصحِّح المعلم الكشكول أمامَ التلميذ ليُعْلِمَه خطأه، وهذه أفضل الطرق لتقويمِ الإملاء، وكذا التعبير والخط.

أمَّا التقويم التراكُمي للفصل الدِّراسي والشهر، فوضعتْ وزارة التربية والتعليم تقويمًا شاملاً جديدًا، يرتبط به ملَّفُ إنجازات الطالب خلالَ فترة الدراسة المعينة، وهذه الطريقة تشمل اللُّغة ككلٍّ، ولا تختص بفرْع دون فرْع، وعلى معلِّم اللغة العربية أن يسخِّرها ويوظِّفها في تقويمه للإملاء والتعبير والخط.

وعلى كلِّ حال، فطريقةُ التقويم الشامِل تحتاج في مدارسنا إلى تعديلٍ وتهذيب؛ لأنَّ تطبيقها ما زال في مرحلة السعي وراءَ الوصول للطريقة المثلَى.

والله المستعان.

---------------------
[1] ذكَرَ الأستاذ الدكتور فتحي جمعة في مقدِّمة الطبعة الخامسة لكتابة "اللغة الباسلة" مقالاً بعنوان لغة بلا أمة، هذه المقالة طالما راجعتُها قراءةً وتذكرًا، فهي في قلْبي قبل أن تكون في ذاكِرتي.
[2] انظر: د فتحي جمعة، اللغة الباسلة (ص: 199).
[3] السابق نفسه.
[4] د: هدى محمد إمام، "تعليم اللغة العربية في التعليم العام وتطبيقاتها الإجرائية"، 2007، جامعة عين شمس.



رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على الموضوعات
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الموضوعات المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
فن الكتابة العربية (2/5) مصطفى شعبان مقالات مختارة 0 08-05-2016 01:01 PM
فن الكتابة العربية (1/5) مصطفى شعبان مقالات مختارة 2 07-27-2016 10:03 AM
مهارة الكتابة العربية=7 أ.د. محمد جمال صقر مقالات أعضاء المجمع 0 11-06-2012 10:04 AM
مهارة الكتابة العربية=6 أ.د. محمد جمال صقر مقالات أعضاء المجمع 0 11-06-2012 10:04 AM


الساعة الآن 05:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc. Trans by