الاخ الكريم
لم يبدأ أحد بحوسبة أي لغة في العالم من المستوى الصرفي كما جاء في كلامكم السابق ( وأول عمل يجب أن يقوم به المحلل النحوي هو التحليل الصرفي لجميع كلمات الجمل التي يريد تحليلها نحويا،)
ان أساس التحليل النحوي الحاسوبي ليس هو التحليل أو المعالجة الصرفية , ومصطلح معالجة هنا هو الافضل ,وفق قواعد اشتغال الحاسوب في كل اللغات التي تمت حوسبتها . ان المستوى النحوي والبلاغي والدلالي والصرفي والمعجمي كلها لا وجود لها الا بفضل المستوى الصوتي . بدون أصوات وحركات لا يمكن انجاز أو حوسببة ولو حرف جر لغوي واحد , ولا انجاز جملة نحوية اولاحق واحد , واذا كان الخليل و سيبويه وعلماء الترتيل والقراءات والتجويد واللهجات قد وضعوا نظاما صوتيا يتماشى والاهداف المرسومة لهذا النظام , فان ذلك النظام- الذي وصف لنا الخليل بعضه في مقدمة العين , ووصف سيبويه منه البعض الاخر في فصل الادغام , وكذا فعل علماء القراءات - قام على قواعد خاطئة علميا , ولنقل بتعبير علمي ( قام على قواعد مصطنعة ) كان للتأويل العامل الحاسم في ولادتها ووجودها , هذا النظام لن ينفع في حوسبة العربية صوتيا , نضيف اليه النظام الخطي , ففونولوجيا الخط والكتابة العربية القديمان المتوارثان لن ينفعا شيئا في حوسبة اللغة العربية حاليا , فلابد من اعادة النظر في النظام الصوتي العربي القديم والفصل بينه وبين النظام الصوتي الذي او جده النحاة والقراء , قراءة علمية جديدة للنظام الصوتي العربي الفصيح هو السبيل الوحيد الذي سيسمح بدمج ومعالجة لسانية حاسوبية للعربية , باعتبار ان المعالجة تضم التحليل والتركيب وعمليات اخرى , وبالنسبة للعربية تضم ايضا عمليات التشكيل التي هي في الحقيقة عمليات الاشتقاق الموجدة لكيانات صرفية معجمية دلالية وباعتبار ان الحاسوب لا يعرف التقدير والتأويل وانما يعرف لغة الارقام , ان الفيصل بين العربية واللغات الاخرى ليس الا اعراب الاواخر , فلفظ الكلمة العربية يحمل الاعراب في كل جسده وهذا هو مفهوم الاعراب الحقيقي , في حين تعرف اللغات الاخرى اضطرابا في الاعراب فهناك ماهو معرب الاخر في الفاظه وهناك ما هو معرب في الوسط او البداية , والعربية هي الوحيدة التي تعرف اعرابا تاما في الفاظها .
الموضوع اذن يتطلب اولا اعادة تعريف مصطلح الاعراب وهو ما سيمحي مصطلح البناء عند سيبويه , ومعنى هذا اننا مدعوون الى هدم ثنائية سيبوية ( البناء والاعراب ) وهدم المجاري الاربعة التى حددها لاعراب وبناء الالفاظ العربية , لان العربية لا تعرف البناء وانما فقط الاعراب واللغات العالمية تشتركك مع العربية في هذا المبدأ العلمي , والمرحلة الثانية هي بناء نظام صوتي عربي علمي , استنادا على جهاز الكتروني يستعمل تقنية الابعاد الثلاثية , من اجل ضبط مخارج الاصوات والحركات . وهذا البناء العلمي هو بناء أولي فقط من مدخل علم الفونيتيك , و لكنه ضروري واساسي لانه خطوة اولى . ليس هناك اي تقنية في العالم تستطيع ضبط مخارج الاصوات والحركات بشكل علمي الا تقنية التصوير من خلال الابعاد الثلاثية , ولم يقم احد بهذه العملية سواء في الغرب او الشرق , بل ان علم الاصوات في الغرب متخلف جدا . رغم ذلك يقوم علماء اللسانيات العربية حاليا بالاعتماد عليه . وهذا من أكبر الاخطاء في حق اللغة العربية منذ ما يسمى عصر النهضة العربية .
بعد مرحلة ضبط الاعرب وبناء النظام الصوتي تاتي مرحلة برمجة الاصوات والحركات العربية , ان عملية الحوسبة و المعالجة ستقوم اساسا على ذلك النظام ويجب ان لا تكون عملية الحوسبة قائمة على النظام الصوتي الذي وضعه الغرب , فهذا النظام الذي سموه عالمي به اخطاء علمية كثيرة , ولا تحضر فيه اصوات اللغة العربية وحركاتها الا كضيف ثقيل . بمعنى اخر ان العربية اصلا غير موجودة في النظام الصوتي العالمي , والسبب في ذلك اولا غياب علماء الاصوات العرب المحدثين عن كل المؤتمرات العالمية ( وهم أساسا مصريون ولا علم لي ان أحدهم شارك او حتى ارسل اقتراحا لواحد من تللك االمؤؤتمراات ) , منذ سنة 1928 , تلك المؤتمرات التي كان يحضرها جاكوبسون بشكل دوري ورسمي ولم يغب عنها ابدا , لقد تمت صياغة ال i p m النظام الصوتي العالمي في غياب عربي تام , وهذا أيضا خطأ فظيع في حق اللغة العربية من طرف أهلها وخصوصا المدافعين والمتخصصين فيها . فاين نحن من اسماء كابراهيم انيس وتمام حسان . تعالى لننظر ما حدث في تاريخ هذه المؤتمرات , واعمال العلماء في الغرب .
في المؤتمر العلمي للاصوات سنة 1932 ألغى جاكوبسون علم الفونيتيك , وهو علم اساسي وليد المختبرات و القرن 18 و19 في الغرب , كما انه علم دقيق مثله في ذلك مثل الفيزياء , هذا العلم تم اقصاؤه من طرف جاكوبسون لسببين , الاول جهله بحقيقة النظرية اللسانية عند سوسور والسبب الثاني تأثره بفونولوجيا الاصوات عند صديقه تروبتزكوي . هذا العاملان ايضا سبب في فشل جاكبسون في ما سماه البحث العلمي في الكليات الصوتية , ان كل الاعمال التطبيقية لجاكوبسون فضلا عن انها انطلقت من لهجات يعتقد انها لغات , فانها كانت اعمالا فونولوجية ( تتماثل أعمال اندريه مارتني التطبيقية مع اعمال جاكبسون والنتيجة فشل دريع في علم الاصوات الغربي ), وهذا يشبه الى حد كبير اعمال علماء القراءات العرب في القديم , والعمل الصوتي الفونولوجي موضوعه التركيب الصوتي والتشكيل الصوتي ووظائفه , في حين موضوع الفونيتيكا هو الوحدة الصوتية الواحدة , كل وحدة على حدة الخ , بتعبير علمي لا يمكن الكشف عن النظام الصوتي العلمي في اي لغة كانت الا من خلال الفونيتيك . كل اللغات الموجودة حاليا في الغرب هي في حقيقتها لهجات , هذا فضلا عن انها لغات هجينة تاخذ من كل اللغات , فكيف يبنى النظام الصوتي العالمي في الولايات المتحدة الامريكية على اللهجة وتنبذ واحدة من أفصح اللغات أي العربية ؟ هذا من عوائق برمجة العربية , العربية حافظت على نظامها الصوتي منذ الاف السنين , وتسربت منها أصوات الحلق الى لغات اخرى , في حين اللغات الاوروربية تفتقد الى تلك الاصوات باستثناء الهمزة , واذا وجدت مثلا صوت الخاء في الروسية او الالمانية او الاسبانية فاعلم انه قادم من العربية ,
بعد الحرب العالمية الثانية , كانت الحاجة ملحة لتنظيم المجتمع وعلمنته وتنظيم المعلومات وتخزينها , فنشأت الحاجة الى خلق حواسيب عملاقة في امريكا , في هذه الاثناء ومع بداية الخمسينيات سيتجه جاكوبسون وهالى واندريه مارتينيه الى الولايات المتحدة ويضاف اليهم تشومسكي وسابير وغيرهم, سيؤسس جاكبسون مجلة ( كلمة ) ويديرها مارتيني , وسيكون للمجموعة تاثير واضح في بناء النظام الصوتي العالمي , المستعمل حاليا في الحاسوب , نعيد السؤال .
ان الانجليزية الامريكية ليست الا لهجة وتضم لهجات كثيرة, انها في الاصل لهجة جرمانية اخذت من الفرنسية واللاتينية والاغريقية ومن كل اللغات العالمية والفاظ العربية فيها كثيرة جدا ويصعب الكشف عنها , كيف يتم تأسيس النظام الصوتي العالمي في غياب لغة فصحى كالعربية . و أكثر من ذلك على اساس لهجي ؟؟