لماذا عُبِّرَ بالفعل (بَشَّرَ) في قوله تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى..)؟
د. عبد الرحمن بودرع
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل/58]ُ
عَبَّرَ عن الإعلام بازدياد الأنثى بفعل "بُشِّرَ" للدّلالَة على أن ازديادَ الأنثى بِشارةٌ ونعمةٌ على الوالدَين لِما فيه من نعمة وخير وأُنس. وفي التعبير به ما يُفيد الكنايةَ والتَّعريضَ والتهكّمَ بهم لأنهم يَعُدّون البشارةَ مُصيبةً ويُحَرِّفون الحقائقَ عَن مَواضعها.
الباء في "بالأنثى" لتعدية فعل البشارة، والمراد بُشِّرَ بولادة الأنثى، بحذف مضاف معلوم. وفعل "ظل" ناسخ فعلي يدل على لزوم حالةٍ، واستُعمِل "ظَلّ" بمعنى صار.
وفي التعبير عن كآبَة الوجه وغَبَرَتِه بالاسوداد بلاغَةُ مُبالَغَة.
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل/57]
«ولهم ما يشتهون» نصٌّ في أن التّنزيه تنزيه نسبة البنوّة لله، وليس بالضرورَة أنهم يجعلون لله خصوصَ البنات دونَ الذّكور، فنسبة الإناث فظيعٌ ونسبةُ الذّكورِ أفظعُ، بدليل قوله تعالى: «ولهم ما يشتهونَ»، "ما" مُبهَمَة لا يَستحِق المرادُ بها أن يُذكَرَ أو يُظهَر، ففي ذِكْرِه وإظهارِه مُبالغةٌ في التّفظيع، وجملةُ «ولهم ما يشتهون» جملة في موضع الحال، أي يَجعلون لله البنات حالَة ادِّعاءِ الذّكورِ لَهم. و"لهم" متعلق بخبر مقدَّم وما مبتدأ مؤخَّر؛ وتقديم الخبر للعنايَة والاهتمام على طريقة التهكّم.
و"ما" مبهَمَة في الظَّاهر ولكنّ معناها الذُّكور، بدليل قرينة المُقابَلَة بالبنات.
المصدر