السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبدأ بالشكر الجزيل، والعرفان بالجميل، للقائمين على هذا المجمع، الذي ذلَّلَ كثيرًا من العقبات أمام طلاب العربية خاصة، والناس عامة، وفتح لهم الباب ليطرحوا سؤالاتهم واستفساراتهم واستشكالاتهم، لا سيما هذا الوقت حيثُ اتسعت فيه رقعة علوم اللغة، وكثرت مجالاتها وتخصصاتها الدقيقة، حتى لقد يجدُ الطالبُ نفسه في كثير من الأحيان في حاجةٍ ملحةٍ إلى جوابٍ مسألةٍ في بعض هذه التخصصات يروي غليلَه، ويريح بالَه، فينظر حولَه فلا يجد ثَمَّ إلا أحد ثلاثة رجال: رجلٍ غير متخصص في ذلك الفرع ويَعرِفُ قدرَ نفسه، فيجيبه بـ(لا أدري)، ورجلٍ ضنين بعلمِه لا يَقريهِ إذا نزل ببابه، ورجلٍ جوادٍ لكنه يَقري بالغث والسمين؛ لكونه يتكلم فيما يُحسن وفيما لا يُحسن، ويُسِرُّ حسوًا في ارتغاء.
وأثنّي بالسؤال عن أمر يشغل بال كثيرٍ من طلاب العربية بَلْهَ أستاذِيها، وهو: ما العلوم اللسانية الحديثة التي يحتاجُ إليها طالب العربية ويُفيدُ منها حقًّا؟
لقد كثرت العلوم المعروفة باللسانيات الحديثة، وشَغَفَتْ كثيرًا من طلاب العربية؛ فانشغلوا بها، وأَوْغَلُوا فيها، حتى لقد تركوا العلوم الأصيلة، بل وصل الحال ببعضهم إلى التهوين من شأن العلوم الأصيلة وشأن علمائها، وأصبح ينظر إليهم نظرة ازدراء، ويتهمهم بالتناقض والاضطراب والجهل، ويرى أن النهضة اللغوية هي التي قامت على أسس أساطينِ اللسانيات الحديثة الغربيين، من أمثال تشومسكي ودي سوسير وبرجشتراسر وغيرهم.
وإذا نظرنا إلى حال كثير من أولئك المنشغلين بها نجد أنهم بعيدون عن لغة الكتاب والسنة؛ فهُم لا يحسنون فهمَها، ولا يتقنونَ التكلُّم والكتابةَ بها؛ لأنهم انشغلوا عنها بالجديد استبدلوه بها، ونسوا أن العربية الفصحى لغةٌ فذةٌ بين اللغات؛ إذ إنّها تُدرَسُ لِذَاتها، وفي طورها القديم الذي كانت عليه في الصدر الأول؛ لأنها لغةٌ مرتبطةٌ بفهم خطابِ الشارع الخالدِ، الذي مِن أجله نشأتْ علومُها، ودُرِسَت خصائصُها وظواهرُها، ولولاه لَكانت نسيًا منسيًّا كغيرها مما دَرَسَ من اللغات.
لا يخفى أن هذه العلوم لا تخلو من فائدة، وهذا أمرٌ لا يُنكره إلا مكابر؛ لذا نريد منكم أن تدلونا على مواطن هذه الفائدة؛ حتى نستفيد من أوقاتنا وجهودنا في الدراسة والبحث، بدل أن تضيع في طلب تلك المواطن.
وشكرًا جزيلًا لكم. وعذرًا إن أطلنا الكلامَ!