مسألة الازدواجية و التعدد اللغوي بشمال إفريقيا
أ. مراد ليمام
يعتبر ويليام ماركيز (1930) أول من وضع مصطلح الازدواجية اللغوية مقترضا إياه من الحالة اللغوية اليونانية و القسم الألماني من سويسرا حيث يتم التمييز بين العامية بوصفها لغة تستعمل لغرض تواصلي مقابل الفصحى ذات الوظيفة الكتابية. و يطلق شارل فرجسون (Ferguson charles ) على الفصحى النمط العالي بينما يطلق على العامية النمط الدوني. و يعكس النمط الأخير موقعه داخل الجماعة التي لا تحترمه واصفة إياه بنعوت حقيرة بينما يحتل النمط الأول مرتبة رفيعة كتراث ثقافي و ديني.
قام الباحثون بعد ذلك بتعديل تقسيم فرجسون في ثلاث نقاط: أولا؛ إذا كان فرجسون قد حصر النمط الدوني في كونه منبثقا من النمط العالي فظن الباحثين يعتبرون الازدواجية اللغوية تعبيرا عن تنوع البنى الاجتماعية اللغوية داخل الجماعات اللغوية. ثانيا؛ عدم تكافؤ القدرة اللغوية في استخدام النمطين جعل الباحثين يميزون بين توجهين اقترحهما فيشمان ( Fishman Joshua ) : الجانب الاجتماعي اللغوي يستخدم خلاله مصطلح الازدواجية اللغوية .ثم الجانب النفسي يستخدم فيه مصطلح التعدد اللغوي الذي يرادف تمكن المتكلم لأزيد من نمط لغوي واحد. ثالثا؛ إجراء تعديل يتجاوز سيادة الاعتقاد القائم في استخدام نمط أحادي دون الآخر مادامت منطوقات المتكلم توجد على خط يشمل تنويعات لغوية.
هناك أيضا من العلماء من اقترح مصطلح اللغة الوسطى الدال على نمط يقع بين طرفي العامية و الفصحى. لكن السعيد بدوي رفض هذه التقسيمات الثنائية باقتراح جدول يتضمن خمسة مستويات لغوية.
المستويات اللغوية عند بدوي:
1 – فصحى التراث تستخدم في قراءة القرآن فقط.
2 – فصحى العصر تستخدم في الكتابة و الحديث في المواقف الرسمية.
3 – عامية المثقفين تستخدم كلغة حديث المتعلمين الرسمية.
4 – عامية المتنورين تستخدم كلغة حديث المتعلمين المتباسطة.
5 – عامية غير المتنورين تستخدم كلغة حديث الأميين.
كما توجد نظرية هولز (1987Holes Clive ) في علاقة العوامل اللغوية بالتنوع اللهجي و التي تقود نحو وجود تلازم بين الشكل اللغوي و المعنى الاجتماعي. و قد توصل الباحث إلى ذلك عقب دراسته لكل من البحارنة الشيعة و أهل السنة.
تجدر الإشارة أخيرا إلى دراسة سليمان (1985) بالأردن في موضوع لغة النساء و لغة الرحال فيما يخص التباين الملحوظ بين الجنسين في استخدام الفصحى.
ترتبط العوامل غير اللغوية في علاقتها بالاختيار اللغوي بثلاث محددات أساسية :
1 - المخاطب: يعتبر التأثير المتبادل بين المتحاورين من السمات البارزة في مسألة الازدواجية اللغوية.
2 - الموضوع: يتغير النمط اللغوي بين المتحدثين بتغير سياق الكلام.
3 - البيئة: من العوامل غير اللغوية المؤثرة في الاختيار اللغوية الدرجة التي تحتلها كل طبقة داخل السلم الاجتماعي. و يعكس الاختيار اللغوي فكرة الاستخدام الواعي للتنوع اللغوي بغية بلوغ غرض معين كما هو الحال في الإعلانات الإشهارية في الإذاعة أو الخطب السياسية ذات الصبغة الجماهيرية.
من هذه المنطلقات يعتبر الباحثون الوضع اللغوي بشمال إفريقيا صعب الدراسة و ذلك لوجود لغة استعمارية رفيعة. فتعرض شمال إفريقيا للهيمنة الاستعمارية أفرز تشعبا لغويا نتيجة السياسة الاستعمارية التي تدعي دمج الشعوب لمواكبة السياق الحضاري العالمي.
فإقرار لغة المستعمر لغة رسمية - والتي بلغت حد اللغة الأم - أعطى جيلا مشبعا بهذه اللغة ثقافة و أدبا. و سيتحول ذلك فيما بعد إلى حركة قومية أو وطنية معارضة للهيمنة الإمبريالية بعدما لم يفلح ذاك الجيل في الذوبان داخل مجتمع المستعمر.
و بعد أفول الاستعمار الذي خلف تركة كولونيالية تجلت في صفوة المثقفين لم تفلح جل الدول المغاربية (تونس- المغرب- الجزائر) في تعريب نظامها التعليمي و الإداري. لكننا نجد موقفا مغايرا في سوريا حيث عملت على محو كل أثر للوجود الكولونيالي بينما دافعت لبنان عن التعددية الثقافية اللغوية لانتشار المسيحية داخلها.
ففكرة اكتساب لغة المستعمر الدالة على مدى النجاح و التفوق في الحياة العمليةظ¬ ظلت لفترات طويلة معششة في الذهنية المغاربية و العربية على العموم. حيث ترسخت هذه الفكرة لاشعوريا في ذهن الفرد. فإلى جانب الصفوة التي تلقت تعليما بمدارس المستعمر نجد العامة قد طورت كفاءتها بدرجة تفاوت علاقتها مع سلطات المحتل.
و هناك بعض الإحصاءات التي تظهر مدى التنافس الكبير و المكانة التي تحتلها كل من لغة المستعمر و الفصحى. داخل هذا الإطار ندرج دراسة ابن تهيلة بالمغرب سنة 1973 التي تتضمن أسئلة و ظ³جابات متكلمين فيما يخص تفضيلاتهم اللغوية و تمس جانب الخطاب و وسائل الإعلام و المجلات الكتابية. و قد خلصت هذه الدراسة إلى أن جل الناس يعتبرون لغة المستعمر رمز التحضر و التقدم.
أما بخصوص وضع البربرية داخل المغرب العربيظ¬ فهو جد هامشي في فترة ما بعد الاستعمار. و ذلك بغية تعريب الناطقين بها. إلا أن سنة 1994 ستشكل منعطفا مهما داخل المغرب بعد تصريح الملك نفسه بأهمية البربرية سينتج عنه تغيير حقيقي بخصوص وضعها الذي انتهى بدسترتها سنة 2011.