#مع_القرآن: في تأويل (وَهَمَّ بها)
د. محروس بريك
يتأوّل بعض المفسرين – غفر الله لنا ولهم - قوله تعالى: (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ) تأوُّلاً غريبًا، فيقولون إن معنى همّ : حلّ الهِميان، والهِميان: تِكة السروايل، ولا أرى إلا أن هذا من الإسرائيليات التي تسللت إلى بعض كتب التفسير. وهذا المعنى - فضلا عن كونه فاسدًا شرعًا – فاسدٌ عقلاً؛ إذ يتناقض مع قول يوسف عليه السلام وفعله، (قال مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )، فانظر كيف حكى القرآن كلام يوسف عليه السلام مؤكدا بغير مؤكد؛ أحدها المفعول المطلق (معاذَ الله) المؤكد لفعله المحذوف، مع إضافته لاسم الله الأعظم، ثم تأكيد الجملتين التاليتين بـ (إنّ) المؤكدة، ونفي الفلاح بصيغة المضارع على جهة التجدد والاستمرار في الزمن الحاضر والمستقبل، ونسبته - عليه السلام - من يفعل ذلك إلى زمرة الظالمين أنفسهم. وأشد جلاء من القول فعلُ يوسف عليه السلام؛ فهي وهو (استبقا الباب) و(استبقا) على زنة الافتعال الدال على المشاركة في العَدْوِ نحو الباب، ولما استبقا سبقَها فرارًا (وقدَّتْ قميصَه من دُبُر).
ويتأول بعضهم هَمّ يوسف عليه السلام بأنه همَّ بها ضربًا، وأراه بعيدًا؛ إذ لو همَّ بها ضربًا لكانت حُجةً لها لدى سيدها بأن يوسف قد ضربها رغبة فيها لا رغبة عنها.
والأقرب لمقام النبوة أنه ما همَّ بها؛ وجملة (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ) شرطية، ولولا حرف امتناع لوجود؛ فامتنع الهَمّ لوجود البرهان. تفصيل ذلك أن جملة (وهمّ بها) إما جملة جواب الشرط المتقدم على فعل الشرط، وتقديم جواب الشرط على فعله جائز عند الكوفيين والمبرد وأبي زيد الأنصاري، وإما دليل على جملة جواب الشرط المحذوف، وهو رأي البصريين؛ إذ يرون عدم جواز تقدم الجواب على الشرط، ويرون أن المتقدم دليل على الجواب المحذوف. وتقدير الكلام: (لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها)؛ فامتنع الهمّ لوجود البرهان.
والواو في (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) استئنافية لا عاطفة، والجملة مستأنفة، ولا وقفَ بعد (وهمّ بها)، ويستحسن الوقف على (ولقد همّت به)؛ فتناهى الخبرُ عنها بأنها همّت، ثم ابتُدِئ الخبر عن يوسف بأنّه لم يهمّ بها.
والله أعلى وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.