من تجليات البيان القرآني: الفرق بين ( ضلال وضلالة)
د. أحمد درويش
تأمل حوارا دائرا بين سيدنا نوح وقومه ...
﴿قالَ المَلَأُ مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في ضَلالٍ مُبينٍقالَ يا قَومِ لَيسَ بي ضَلالَةٌ وَلكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ[الأعراف: ٦٠-٦١]
راقب الاتهام ... لقد استخدموا ( في ضلال مبين ) ... قمة اﻻتهام ... فالضلال يحوط به من كل جانب ، فكأنه في بيت ، ملؤه ضلال ، كل حجرة تحكي ضلالا لا ، بل كل ركن ، كلامه ضلال ، صمته ضلال ، دعوته ضلال ، فكأنه مخلوق خلقا من ضلال ... ...هذا ما وشى به حرف الجر (في) ثم اﻻسم المجرور (ضلال) المصدر الدال على شدة تلبسه بالضلال ولصوقه به في كل وقت وحين ...
غير أن هذا الضلال قد يخفى ؛ فلا يفقهه العامة ، لا لا .... النعت هنا ( مبين) واش بأنه ضلال ظاهر للجميع لا يخفى على أحد ...
كل دعوة هنا لا بد لها من أبي لهب ...
لكن : تأمل الحسم والحزم لا الخنوع والخضوع في الرد مع تغليفه بالأدب ... لقد قال (ليس بي ضلالة) لم يقل ( ضلال) ، (ليس بي ضلالة) واحدة ، مجرد ضلالة ، أدنى ضلالة وهو بهذا ينفي لصوق أي ذيل لضلالة ولو صغيرة تافهة لا تذكر ، ليفند ادعاءهم واختلاقهم وكذبهم ...بكل أدب
وتأمل : لو رد عليهم قائلا ( ليس بي ضلال) ، لو قال ذلك لأكد أنهم صادقون نسبيا ، فالمعنى : ليس بي ضلال ، لكنه لا ينفي أن يكون بي ضلالة ... إنه الحسم والحزم في الرد
كلمات القرآن تحمل رسائل قددا ...
كن رحيما في مخاطبتك المخالفين لكن في الوقت نفسه ، كن حاسما معتزا بدعوتك ، فإذا اتهمت بشيء ليس فيك مطلقا ، فدافع بكل قوة وحسم ؛ لأن التواني في الرد ضعف في وقت لا ينفع فيه الضعف ...
وكم ضاع أقوام لتوانيهم وضعفهم وقلة فقههم بواقع الأمور ...