المهارات العملية لفن تحقيق التراث
أ. مبروك يونس عبدالرؤوف
الحمد لله ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 4، 5]، والصلاة والسلام على مَن نزل عليه قولُ ربِّنا: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3]، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يوم الدين، وبعد:
فإن لدار العلوم - هذا الصرحُ العلميُّ العظيم - الفضلَ بعد الله - تبارك وتعالى - في أنْ أسلُك دَرْبَ التحقيق؛ إذ إنها تُزوِّد أبناءها بكَمٍّ كبير من العلوم اللُّغوية والدراسات الإسلامية، من النحو والصرف والعروض وعلم اللغة والأدب والبلاغة... والشريعة والتاريخ الإسلامي... إلخ.
فهذه العلوم - في الحقيقة - هي عُدَّة المحقق وعَتَادُه، والأساس الذي تُرْفَع عليه أولى اللَّبِنَات التي تُسْهِم في بناء شخصية المحقق، إلا أن هناك مهاراتٍ لا يُمكن للمحقق تحصيلُها إلا بممارسته لهذا الفن، وكم كنت أتمنى أن تقوم دارُ العلوم بتقرير مادة يتعلم الطالبُ في مرحلة الليسانس من خلالِها فنَّ تحقيق التراث ممارسةً! غير أنَّها اكتفت بتقرير هذه المادة على طلاب الدراسات العليا في السنة التمهيدية للماجستير، إضافةً إلى ما تُقدِّمه لأبنائها بين الفَيْنَةِ والأخرى من دورات في هذا الفن، ولا يَخفى على مَن حَباه الله بالعقل والبصيرة أنَّ ثُلَّة من الطلاب هم الذين يسلكون طريقَهم إلى الدراسات العليا، كما أن كثيرًا من الطلاب لا يعلمون عن هذه الدورات شيئًا، فضلاً عن أن يشتركوا بها، ويبقى أن يخرجَ الطالب بعد قضاء سنواته الدراسية إلى الحياة العملية يتحسَّسُ طريقه معتمدًا على نفسه، يُسانده في ذلك ما زَوَّدته به الكلية من علوم سبق الإشارةُ إليها، وتنقصُه ممارستُه العمليةُ لهذا الفن.
من هنا أستطيع القول: إنَّ دار العلوم جَادَت بمادة المحقق، وتركت شأنَ التطبيق والممارسة لجهات أخرى، كـ"معهد المخطوطات العربية" وغيره من المؤسسات المُختَصَّة بتحقيق التراث، وكم كنت أتمنى أنْ تجود هي الأخرى بمادةٍ يُمارس الطالب من خلالها فنَّ التحقيق؛ ليخرج إلى الحياة العملية وهو على بصيرة من أمره، لا يُحْجِمه عن هذا الطريق تخبُّطٌ أو تعسُّر.
لذا سأعرضُ فيما يأتي أهمَّ ما يحتاجه المحقق من مهارات عَمَلِيَّة؛ ليضع قَدَمَه على رأس الطريق:
أولاً: "التحقيقُ نتاجٌ خُلُقِيٌّ لا يَقوى عليه إلاَّ من وُهِبَ خَلَّتَيْن شديدتين: الأمانةَ والصَّبر، وهما ما هما!"، كانت هذه هي العبارة التي انطلقت من فم عبد السلام هارون - رحمه الله - ذلك الرجل الذي مارس التحقيقَ سنين عديدة، فجاءت عبارتُه خلاصةً لخبرته العميقة بعُدَّة المحقق.
من هنا أقول: لا مناصَ من وجود أرضٍ خِصْبَةٍ صالحة لغرس هذا الفن، أقصد: أن يكون لدى مَن أراد أن يَخوض غِمَارَ فن التحقيق الاستعدادُ للتعب والنصب والإرهاق والصبر والمجاهدة، فإن توافر لديه هذا الاستعداد، فسَيهون عليه كلُّ ما يُلاقي في طريقه لهذا الفن، وسيسهل عليه كل عسير، بل سيرى المتعة بين عينيه، ويتسرَّب إليه حبُّ التحقيق الذي يأخذ بمجامع قلبه، فينسى به حظَّه من الراحة والدَّعة.
ثانيًا: على المحقق أن يكون قويَّ اللغة، على علم عميقٍ بنحوها وصرفها وعَروضها ومعاجمها ومُفرداتها ومصطلحاتِها ومصادر علومها، وهذه نقطة لا ينتبه إليها كثيرٌ ممن يُقدِمون على اختبارات شركات التحقيق، فيَبُوءون بالفشل في اجتيازها، فالمخطوطات التي يتمُّ انتقاؤها غالبًا ما تكون في اللغة مثل: المعاجم كمعجم "المحكم والمحيط الأعظم" لابن سِيدَه (ت: 458هـ)، وقد حققه أستاذنا أ.د/ عبدالحميد هنداوي، أو في النحو كـ"شرح الكافية الشافية" لجمال الدين ابن مالك (600 - 672هـ)، أو في الحديث ككتاب "العلل" لابن أبي حاتم (240 - 327هـ)، أو في الفقه نحو كتابَيِ: "الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل"، "والمغني"، لابن قدامة (541 - 620).
ولا يَخفى ما تحتاجه هذه الكتب عند تحقيقها من تعرُّضٍ للشواذ، والمسائل الخلافية، واللهجات... إلخ، كما أنَّ المحقق من أعماله الضبطُ والتوثيقُ، فيقابله عند ضبطه للشعر مثلاً مفرداتٌ مُشْكِلةٌ أو وردت بأكثرَ من رواية، فعليه أنْ يتحرَّى الدقَّة في ضبطها، ومِنْ ثَمَّ عليه أن يرجع إلى المعاجم ومظانِّ وجود المفردة موضعِ البحث، ومن الجدير بالذِّكر أن صحة الضبط تؤدي إلى صحة الوزن، وقد يُؤدِّي خطأُ الضبط إلى كسر الوزن، وحقيقٌ بالذكر أيضًا أن كمَّ المفردات المشكلة يزدادُ مع قلة خبرة الباحث المحقِّق، ويقل كلما اتَّسعت خبرته؛ إذ يكون كثيرٌ من الألفاظ مَرَّ تحت عينيه ووقف عنده، فلا يحتاج إلى بحثه مرة أخرى، فيزدادُ سرعةً وكفاءة ومهارة.
أما عن ضَبط الأعلامِ، فعلى المحقق أن يكون على علم بما سيرجع إليه من المصادر عند ضبطها وطريقة البحث فيه، مثل: "المؤتلِف والمختلِف" للدارقطني (ت: 385هـ)، و"تبصير المنتبه بتحرير المشتبِه" لابن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ)، و"توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم" لابن ناصر الدين شمس الدين محمد بن عبدالله بن محمد القيسي الدمشقي (777 - 842هـ)، و"المعجم في مشتبه أسامي المحدثين" لعبيدالله بن عبدالله بن أحمد الهروي "أبو الفضل" (ت: 405)، و"المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء" للآمدي... إلخ.
وما قيل في ضبط الأعلام يقال نظيرُه في أسماء القبائل والبُلدان والأماكن... إلخ، كذلك في ضبط النص عمومًا سيحتاج إلى مِثْل: "الألفاظ المختلِفة في المعاني المؤتلِفة" لجمال الدين ابن مالك (600 - 672هـ)، و"أدب الكُتَّاب" لابن قتيبة (ت: 276هـ)... إضافة إلى المعاجم اللغوية وغيرها من الكتب.
وشبيهٌ بما سبق التعرُّضُ لبعض ألفاظ الحديث المشكِلة، ففي هذه الحال على المحقق أنْ يرجع إلى كتب الغريب نحو: "الفائق في غريب الحديث والأثر" لمحمود بن عمر الزمخشري (ت: 538هـ)، و"النهاية في غريب الأثر" لابن الأثير (544 - 606هـ)، و"غريب الحديث" لابن الجوزي (508 - 597هـ)... إلخ.
وأَوَدُّ أن أنبِّه لشيءٍ كثيرًا ما يقع فيه المتقدِّمون لاختبار التحقيق، وهو عدم الخبرة بما في السند من ألفاظ من مثل: ثنا، نا، أنا... فيغلُب على ظنِّهم أن الكلام غيرُ مفهوم، ويأخذهم الهلع، فهذه الألفاظ تعني: حدثنا، أخبرنا...
ولا يخلو التحقيق من توثيقٍ للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والشواهد الشعرية، والأمثال، وأقوال العرب... إلخ، وترجمة للأعلام، والفهرسة... إلى غير ذلك، ولكلٍّ من هذه الأمور كُتُبُها الخاصَّة بها، فليُرجع إليها رجاءَ الإفادة.
وهناك تفصيلات أخرى ضربنا عنها صفحًا؛ خشية الإطالة.
ثالثًا: التأكُّد من صحة ما يُشَكُّ في صحته، وأول ما يُشَكُّ في صِحَّتِه هو عنوان الكتاب ونسبته إلى مُؤلفه، ثم يأتي بعد ذلك ما يعترض المحقق من مسائلَ علميةٍ تحتاج إلى تعليق، أو في حاجة لإعادة النظر في مدى صحتها... وهكذا.
أما عن صحة عنوان الكتاب ونسبتِه إلى مؤلفه، فالكلامُ فيه يطول، لكن سأذكر أهم النقاط التي ينبغي على المحقق وَضعُها نُصْبَ عينيه كالآتي:
1- يجمع ما يستطيع جمعَه من نُسَخ الكتاب المخطوط، فلعلها تتَّفق فيما كُتِب عليها من العنوان واسم المؤلف، فإن اتَّفقت في ذلك، فهذا يُفيدنا فيما إذا توصَّلنا بعد البحث والتحقيق إلى أنَّ العنوان والمؤلف هو ما كتب على النُّسخ - بأن يكون هذا دليلاً يقف مع الأدلة الأخرى في تعزيز صحة العنوان والمؤلف اللذَين توصلنا إليهما.
وإن اختلفتْ، فليُنظر إلى نوعِ وصِفَة الخط الذي كُتِب به العنوان واسمُ المؤلف، أيهما يوافق خطَّ الناسخ، وأيهما يُخالف، فالذي يخالف يدُلُّ في الغالب على أن صفحة العنوان والمؤلف من المخطوط مفقودة، وتبرَّع أحد المجتهدين بكتابة العنوان واسم المؤلف، عندئذٍ يَجب التحقُّق من صحتهما، وإن كان الخطُّ موافقًا لخط الناسخ، فقد يكون الخطأ من الناسخ نفسه، ومن هنا يجب التحقُّق من صحة عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه أيضًا.
2- يجب قراءةُ المخطوط ونُسَخِهِ قراءةً فاحصة؛ للوقوف على منهج مؤلفه في عرض الكتاب، ومذهبه في اللغة والنحو والفقه، وعمَّن نقل، وعلى من استدرك، وهل نصَّ على كُتُبٍ له في أي نُسخةٍ من هذا المخطوط؟ ولو ذكر أبياتًا شعرية يُنظَر لمن تُعْزَى هذه الأبيات؟ وهل هو مشرقي أو مغربي؟ وفي أيِّ قرن عاش؟ وفي أي عصر نُسِخَ المخطوط؟ - وهذا يَحتاج إلى خبرة بخطوط النُّسَّاخ وعصورهم - فإذا تأكَّد لدى المحقق عالِمٌ بعينه، ووقف عنده لا يكادُ يُجاوزه إلى غيره، فليَنظُر هل له مؤلفات أخرى، حينئذٍ يجب مقابلةُ آرائِه وعرضه للمسائل فيها على المخطوط الذي بين يديه، فإن اتَّفق سردُه للمسائل والآراء في المخطوط والمؤلفات، إضافةً إلى ما توافر لديه من الأدلة الأخرى، أقول حينها: هنيئًا لك ما توصَّلت إليه من اسم المؤلف.
3- أمَّا عن تحقيق العنوان، فيفيده في هذا ما نصَّ عليه المؤلف من اسم الكتاب في نُسَخِ المخطوط الذي بين يديه، فإن لم يجد، فليَرجِع إلى كتب التراجم والطبقات؛ ليقف على ما ذكرته من كتبٍ للمؤلف وصفاتها، وهنا ينظر هل تضمَّنتْ اسمَ كتاب تُوافق صفتُه صفةَ المخطوطِ الذي بين يديه، فإنْ توافقت الصِّفة، فعليه الرجوع إلى كتب التراجم وكتبِ المؤلف نفسه؛ ليرى هل اتَّفقت في تسمية الكتاب ونسبته إلى المؤلف، فإن كان ثَمَّة اتفاق فلا إشكال، وإن كان الاختلافُ قائمًا، فعليه أن يحقِّق ويرجِّح بِناءً على ما بين يديه من الأدلة.
رابعًا: تأتي مرحلة التفاضُل بين النسخ، واختيار النسخة الأم، وإثبات الفروق، وهذا مبسوط في كتب التحقيق، فليُرجَع إليها، غير أن أهم ما يُمكن أن أنبه إليه في هذه المرحلة هو أهمية الخبرة بالخطوط وكيفية رسم الحروف؛ نظرًا لما في غِيَاب العلم بها من تبديل وتحريفٍ للكلم عن مواضعه، إضافة إلى الحذر من إغفال فَرْقٍ له أثر في المعنى.
ورأيت من المفيد عَرْضَ بعض الكتب التي تفيد الباحثَ في هذا الفنِّ، وهي كالآتي: تحقيق النصوص ونشرها، لعبد السلام هارون، وفن تحقيق التراث، تأليف: أ.د محمود الطناحي، وأ.د عبد الستار الحلوجي، وأ.د حسن الشافعي، وأ.د محمد السيد الجليند، وأ.د حامد طاهر، وأسس تحقيق التراث العربي ومناهجه، تقرير وضعته لجنة مختصة منبثقة عن جامعة الدول العربية في بغداد 1400هـ، ومدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، لمحمود محمد الطناحي، وقواعد تحقيق المخطوطات، للدكتور صلاح الدين المنجد، ومناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، للدكتور رمضان عبد التواب، وضبط النص والتعليق عليه، للدكتور بشار عواد، وتحقيق المخطوطات بين النظرية والتطبيق، للدكتور فهمي سعد، والدكتور طلال مجذوب، وتحقيق نصوص التراث في القديم والحديث، للدكتور الصادق الغرياني، ومنهج تحقيق المخطوطات ومعه كتاب شوق المستهام في معرفة رُموز الأقلام لابن وحشية النبطي، لإياد خالد الطباع، والمنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات، للدكتور محمد التونجي، ووضعية المخطوطات في المملكة العربية السعودية إلى عام 1408هـ، ليحيى محمود ساعاتي، وفهرس المخطوطات المصورة في مكتبة معهد التراث العلمي العربي، لمحمد عزت عمر، وفي المخطوطات العربية، للسيد السيد النشار، وصيانة المخطوطات علمًا وعملاً، لمصطفى مصطفى السيد، والمخطوطات والتراث العربي، للدكتور عبد الستار الحلوجي، وفن فهرسة المخطوطات: مدخل وقضايا، ندوة قضايا المخطوطات بمعهد المخطوطات العربية 1999، تحرير: د. فيصل الحفيان، ودراسات في المخطوطات العربية، لسماء زكي المحاسني، والمخطوطات العربية: فهارسها وفَهْرستها ومواطنها في جمهورية مصر العربية، لعزت ياسين أبو هَيبة، وصيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية، أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، نوفمبر 1995، تحرير: إبراهيم شبُّوح، والفهرسة والتصنيف بخطة مكتبة الكونجرس (دليل عملي)، لهناء السيد السرجاني، وخدمات المخطوطات العربية في مكتبات مدينة الرياض، للدكتور راشد سعد راشد، ومحاضرات في تحقيق النصوص، لهلال ناجي...
وأضيف إلى ما سبق ما تشير إليه الكتبُ السابقة من مصادرَ ومراجع.
وأرى من المفيد عَمَلِيًّا أن يرجع الباحثُ المحقق إلى "كتاب العلل، لابن أبي حاتم" بتحقيق فريق من الباحثين بإشراف: د. سعد الحُمَيِّد، ود. خالد الجُرَيْسي، وغَيرِه من الكتب المُحقَّقة؛ لمعرفة منهجها في التحقيق، وإلى مَقَالَي الأستاذ أحمد راتب النفَّاخ المنشورين في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، عام 1973 في الجزء الرابع من المجلد الثامن والأربعين، الذي توصل فيهما إلى أنَّ كتاب إعراب القرآن المنسوب للزجاج، الذي حققه الأستاذ إبراهيم الإبياري - مؤلفه هو جامع العلوم الباقولي، ووافقه في هذا كثيرٌ من الباحثين منهم: أ.د/ محمد أحمد الدالي في مقدمته لكتاب "كشف المشكلات وإيضاح المعضلات، للباقولي"، الذي طبعه بتحقيقه في المجمع اللغوي بدمشق، (ص: 40 - 41) من المقدِّمة، وأستاذنا أ.د/ محمد عبد المجيد الطويل في مقدمته لطبعة "جواهر القرآن" الأخيرة (الذخائر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة المصرية، القاهرة 2008م)، كما أشير إلى بَحثٍ لصديقي د. محمد توفيق حديد نُشِرَ بشبكة القراءات القرآنية بعنوان: اكتشاف مؤلف كتاب: الاهتدا في الوقف، المنسوب لابن الجزري؛ ففي هذه البحوث وغيرِها فوائدُ جَمَّةٌ لسالكِ دَرْبِ التحقيق.
هذا وما أظنُّ أنَّي وفَّيت الموضوعَ حَقَّه؛ لعلمي أنَّه بحاجة إلى وقتٍ وجهْد كبيرين، وأنَّ خبرةَ السِّنين لا يُمكن أن تلخَّص في أقلَّ من نصف ساعة، لكن علينا أن نُسدِّد ونُقارِب.
التوصيات:
1- أُوصي الكلية بأن تقرر مادةً لتحقيق التُّراث ممارسةً على طلاب الليسانس، وقد نادى الأستاذ عبد السلام هارون - رحمه الله - بما فوق هذا؛ حيث نادى بأن تُلْزِم الجامعاتُ المصريةُ طالبَ الدراسات العليا بالكليات ذات الطابع الثقافي الإسلامي بأنْ يُقدِّم تحقيقًا لمخطوطة تَمُتُّ بصلة إلى موضوع الرسالة.
2- أوصي الطلاب بأن يغتنموا كل ما تقدمه لهم الكلية من علوم، وأخُصُّ ما تنظِّمُه الكلية من دورات في فن تحقيق التراث؛ إذ كثيرًا ما يغفل الطلاب عن تراث أمَّتِهم، كما أوصيهم بالاهتمام بلغة القرآن؛ لأن من لم ينشأ على حُبِّها، استخفَّ بتراث أمته، واستهان بأساس قُوَّتِه.
3- أوصي المحقِّقَ بأن يأخذ بأسباب سَعَةِ الثقافة وإتقان العلم، كما أوصيه بضرورة الصبر والأمانة العلميَّة؛ إذ إنَّ هذا من أهمِّ ما يُميز المحقق.
4- أوصي طلابَ العلم والباحثين جميعًا بأن يُتقِنوا التعامُل مع التقنية الحديثة، كالحاسب الآلي وغيره مما يفيدهم في مجال علمِهم وبَحثهم؛ إذ لا يخفى ما تُوفِّره هذه الأجهزةُ من الجهد والوقت.
وفي الختام أقول: جَزَى الله خيرًا من قال: "إن الأمة التي جاب عالِمُها مشارقَ الأرض ومغاربَها، وأنفق نصف عُمرِه؛ ليُخْرِج كتابًا يكون لَبِنَةً في بناء حضارتها، ألا تستحقُّ بذلَ الجهد والمثابرةَ للحفاظ على تراثها واستخراجِ كنوزها؟!".
المصدر