![]() |
مستعربون في خدمة العربية (16) - أستبانث كلدرون
مستعربون في خدمة العربية تهدف هذه السلسة إلى بيان دور المستعربين في خدمة اللغة العربية بما قدموه من مؤلفات وبحوث، وتعريفهم للقارئ العربي سواء أكان بالحوار المباشر معهم إن أمكن ذلك أم بالكتابة عنهم، فهؤلاء المستعربون رغم أن لسانهم الأول ليس العربية، فإنهم مع ذلك أحبوا العربية وألَّفوا بها. http://www.m-a-arabia.com/site/wp-co...017/06/011.jpg الحلقة السادسة عشرة: أستبانث كلدرون SERAFIN ESTEBANEZ CALDERON (1214 -1293هـ = 1799 -1867م) ونظرًا إلى مواهبه الأدبية فقد انتقل إلى مدريد، تحت رعاية كونتات تيبا، فتعرف في قَصْرهم بمدريد إلى رجال السياسة والأدب والفن. وبدأ في نشر مقالات في النقد الأدبي بمجلة "البريد الأدبي والتجاري"، باسم مستعار هو: "المتوحد المترصد"، ولما أسس كرنيريرو مجلة "رسائل إسبانية" راح أستبانث ينشر فيها مقالات أخلاقية، وكان ينشرها باسم مستعار هو "المتوحد". ومنذ ذلك الحين توزَّع نشاطه بين الأدب والسياسة والإدارة: ففي يناير سنة 1843م عُيِّن مدّعيًا عامًّا لجيش الشمال تحت قيادة فالديس ثم قيادة كسادا. وفي ديسمبر سنة 1835 عُيِّن رئيسًا سياسيًّا في لوجرونيو، وبعد ذلك في قادس، ثم في إشبيلية. وبفضل كتابه "متن الضابط في مراكش" عُيِّن في أكاديمية التاريخ في سنة 1844م. ثم صار قاضيًا في المحكمة العسكرية والبحرية العليا. وفي أخريات عمره عُيِّن مستشارًا ملكيًّا ومستشارًا للدولة. وكان طوال حياته مولعًا باقتناء الكتب النفيسة، المخطوطة منها والمطبوعة، الإسبانية والعربية خاصةً. ولما رأى أهمية اللغة العربية لمعرفة الحضارة الإسبانية، تعلم العربية وأتقنها، وقام بتدريسها في معهد الأتنيو بمدريد. ولما شبت الحوادث في مراكش (المغرب) في سنة 1844م حتى كادت تؤدي إلى إشعال الحرب بين إسبانيا ومراكش، ألف أستبانث كتابًا بعنوان: "متن الضابط في مراكش"، وفيه يقدم للضابط الذي سينخرط في الحرب في المغرب دليلاً تاريخيًّا وجغرافيًّا لبلاد المغرب، مع وصف دقيق للأحوال الجوية، وللسكان، وللمدن، والعادات والآداب ومعلومات عن الدين الإسلامي، والقوة الحربية والعلاقات التاريخية بين إسبانيا ومراكش (المغرب) منذ أقدم العصور حتى ذلك الحين. إنتاجه المتأثر بالثقافة العربية: تعلم أستبانث اللغة العربية عقب وصوله إلى مدريد في سنة 1830م. وكان معلمه هو الراهب اليسوعي خوان أرتيجاس وفرّاجوت، وأصله من جزيرة ميورقة، وكان يدرِّس في مدارس سان اسيدو الملكية في مدينة مدريد من سنة 1824م إلى سنة 1834م إلى أن قُتل في مذبحة الرهبان في 17 يوليو سنة 1834م. ويقول عنه مرثلينو منتدث إي بلايو: "إنه كان أحسن، بل المستشرق الوحيد في إسبانيا في ذلك الوقت". وكان من زملاء أستبانث في فصول اللغة العربية هذه التي كان يدرس فيها خوان أرتيجاس – مستشرق آخر هو بسكوال دي جاينجوس؛ ومن ثم انعقدت بين أستبانث وجاينجوس أواصر صداقة حميمة، ورغم تباين طباعهما: إذ كان أستبانث أديبًا واسع الخيال حارّ العواطف غير ميًال إلى الدرس المتعمق، بينما كان جاينجوس دارسًا متعمقًا جادًّا مدققًا في البحث الموضوعي. ومن هنا كان دور كليهما في الاستشراق الإسباني متباينًا: فأستبانث استوحى الأدب الأندلسي والآثار المعمارية الرائعة التي خلفها الحكم الإسلامي في الأندلس، وبهذا الاستيحاء نظم ما نظم من شعر وكتب ما كتب من قصص وفصول أدبية. أما زميله جاينجوس فقد أكبَّ على الدراسات التاريخية والفيلولوجية الدقيقة. ومن بواكير إنتاج أستبانث في الشعر أن أصدر مجموعة شعرية في سنة 1831م بعنوان: "أشعار المتوحد". وتحتوي على مقطوعات رعوية وغزلية، وسوناتات. وتفيض بمعاني وألفاظ الشعر الأندلسي العربي: البوادي، والواحات، والخيام، وبعض العنوانات عربية خالصة مثل: "الصحراء"، "الغَزَل"، "البربر". لكن قيمة أستبانث الأدبية ليست في هذه المجموعة من الشعر الساذج، بل في أقاصيصه المستوحاة من الأندلس الإسلامي العربي. ومن هذه الأقاصيص: 1- "النصارى والموريسكيون" سنة 1838م، وتروي قصة غرام بين فتاة مورسكية وبين مسيحي في عهد كارلوس الخامس حينما احتد التناقض بين الإسبان والمتنصرة المسلمين الذين بقوا تحت حكم الإسبان. وفي هذه الأقصوصة يصوِّر أستبانث هذا التناقض، ويتوسع في بيان خصائص كلا العنصرين وظروف حياتهما، ويولي اهتمامًا خاصًّا بالأحوال السياسية والاجتماعية. وقد تأثر أستبانث في تأليفهما بأسلوب القصصي الإنجليزي وولتر اسكوت. 2- "هالة ونادر، وبرتولو"، وتروي رؤيا رآها المؤلف عن هالة معشوقة السلطان وأحد الأسرى. 3- "أقصوصة عربية"، وقد كتبها على شكل رسائل بين ابن زيد وصديقه وليد نزار. 4- "كنوز الحمراء"، وهي أقصوصة خيالية تتحدث عن الكنوز التي يزعم أنها مدفونة في جبل الحمراء، ويحرسها جندي عربي، لا يظهر إلا إبان ليلة واحدة في كل ثلاثة أعوام. 5- "حكاية جنة العريف أو عقد اللؤلؤ"، وهي مجموعة حكايات نشرها المؤلف في "مجلة المسارح". وقد نشر منها خمس حكايات. وقد استوحى أستبانث في تأليفهما أسلوب واشنجطون إرقنج في كتابه الشهير "حكايات الحمراء". وهذه الأقاصيص في جملتها هي خير ما استوحى القُصاص الإسبان من الأدب العربي في الأندلس ومن الثقافة الإسلامية الزاهرة هناك. وثَمَّ جانب آخر اهتم به أستبانث فيما يتصل بالعرب والمسلمين في إسبانيا وهو الاهتمام بالأدب "الأعجمي"، أي الأدب الذي كتبه الموريسكيون بحروف عربية وإن كان باللغة الإسبانية. وقد استنسخ منه عدة مخطوطات، وأفكر في نشر مجموعة منها تحت عنوان: "أزهار الأدب المورسكي الإسباني أو الأعجمي"، بيد أنه بقي مشروعًا لم يتحقق. وقد وصف أهمية هذا الأدب "الأعجمي" قائلاً: "إنه أمريكا حقيقية تستحق الاستكشاف" (من محاضرته التي ألقاها في افتتاح دروس اللغة العربية في معهد الأتنيو في مدريد، سنة 1948م). المصدر: موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بدوي، ص 21، 22 (بتصرف). إعداد: مصطفى يوسف |
الساعة الآن 08:43 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by