![]() |
تأمُّلاتٌ في مِحْنَةِ الكَلِمَة [1]
طالَما عانقت القلَمَ الأناملُ ، لكنّه اليومَ حَرون يجفو كفَّ صاحبِه ، ويَعَضّ منه الأناملَ ، ظَبْيًا جَفولاً ، و عُودًا بارِدًا . أمّا الكلماتُ فأصبحت ذاهلةً ، تجفو صاحِبَها كالسّرْجِ يجفو عن الظّهرِ الأملَسِ ، نابِيًا غيرَ مُطِمَئِنّ ، تَنْبُذُ القَلَم ، تَضِلُّ طَريقَها حَيْرى في زَمَنِ الْغُثاءِ وبَيْعِ الذِّمَم ، تُنْكِرُ مَنْ يَسْطُرُها ، تَهْجُرُ مَنْ يَنْثُرُها دُرَرًا فَيَدوسُها القَدَم، كَأَنْ لَيْسَت إلاّ للطّيْرِ يَنْقُرُها ، و تَضيعُ وَسْطَ لَغْوِ الزِّحامِ و الصُّحُفِ السَّيّارَة، غَريبَةً مَغْبونَةَ الحَظِّ ثَكْلى ، كُلَّما دَعَوْتَها تَباعَدَتْ ، كَأَنَّما تُنْحَتُ مِن أسِنَّةِ الصَّخْرِ و نُتوءِ القِمَم، وتأتيكَ سَعْيًا إنْ لَمْ تَدْعُها ؛ كالدُّنْيا تَرْغَبُ في الزّاهِد، وتَزْهَدُ في الرّاغِبِ... |
تأمُّلاتٌ في محنة الكلمة [2]
تَسْتعْصي الحُروفُ كَأَنَّها تُفارِقُ حِبْرَها، كَالدَّمْعِ تَحَجَّرَ في الْمَآقي، مَشْدودَ الوَثاقِ. و تَضِنُّ الْمَباني ، و تَكْتَظُّ في النَّفْسِ المَعاني ، و تَلْتَمِسُ في السِّرْدابِ طَريقًا ، يُفْضي إلى خَرْقِ المَغاليقِ ، عَنْ سِرِّ العِبارَه ، فإِنَّ الثَّقافَةَ و الحَضارَه ، عالَةٌ على العِباره ، مَدينَةٌ لَها بِالبَيانِ و البُنْيانِ و ارْتِفاعِ المَنارَه... أمّا في زَمَنِ الغُرْبَة، فَما أشْقى العِبارَة ، أَضْحَتْ حَزينَة ، مَنْزوعَةَ البَهاءِ و الإبانَة ، مَصْروَفَةً عَنْ وَجْهِها إلى أَبْوابِ الخِيانَة ، في زَمَنِ المَهانَة ... |
تأمُّلاتٌ في محنة الكلمَة [3]
ثُمَّ عادَتِ العِبارَة ، لِتَغْفُوَ غَفْوَةَ المُفَزَّعِ المُسْتَكين ، فاتِرَةً مُنْهَكَةً ، تبْكي و لا تُبين... فَازْوَرَّ عَنْها الأنام ، ثُمَّ من حَنادِسِ الظَّلام ، تَسَلَّلَتْ فَوْقَ جِسْمِها، عِبارَةٌ أُخْرى ، وُلِدَتْ مِنْ سِفاح ، عَلى أَنْقاضِ المَواجعِ و الجِراح ، ذاتَ عُجْمَةٍ مُعَرَّبَة ، و إِسْفافٍ و أَمْتٍ، وغِيابِ إِعْرابٍ ، سَمَّوْهُ : ما جَدَّ مِن صَوابٍ، وأَذْواقٍ مُخَرَّبَة ، عُروقُها مِن شَجَرٍ مَريضٍ ، ثِمارُهُ مُرَّة ، أَغْصانُهُ مُشْرَعَة ، كأَلْسِنَةٍ مُلْتَهِبَة ... تلكَ آفتُكِ أيّتُها العبارة ، في زمنِ القَذارة ، حيثُ شَبَحُ اغْتِرابِكِ يحتسي عُمركِ ، و يمتصُّ منكِ النّضارة. تَفاقَمَ الوَضْعُ ، و ازْدادَ الصَّدْعُ ، و اتَّسَعَ عَلى الرّاقِعِ الخَرْقُ ... . |
تأمُّلاتٌ في محنة الكلمَة [4]
فَلْتَرْجِعي يا كِلْمَةً دانَتْ لَها الدُّنْيا ، يا غَريبَةَ الدّارِ و الإيمان ، يا مَسْطورَةَ الأَقْلام، يا مَعينَ الرُّشْدِ ، يا رِيَّ الأُوام ، اُسْكُني أَصْلَكِ الغَضَّ الطَّرِيَّ : هذا اليَراع المُرْتَعِش، وابْعَثي سِرَّ الحَياةِ في عُروقِه ، نابِضًا ، سارِيًا، كَيْ يَنْتَعِش ، و اسْأَليه مَنْ عَلَّمَه، سَنَنَ الإِبْداعِ و مِنْهاجَ المَعْرِفَه ، نَسَقًا مُنْقادًا وطَبْعًا راسِخًا ... |
تأمُّلاتٌ في محنة الكلمَة [5]
حَتّى إذا اسْتحْكمَ الوهنُ في المَسار ، عَصَفَت هَوْجاءُ الفِتْنَةِ في كُلِّ دار، والْتَوَتْ أَفْعى الشُّكوكِ حَوْلَ الرِّقاب ، تَخْنقُ الإِذْعانَ لِلْهَدْيِ القديم ، تَزْرَعُ الرَّيْبَ في جَدْوى العِبارَة. أَنْكَرَتْ فَضْلَ اليَراعِ هذي الأَنامِل ، وفَسَقَت عَنْ تِلادِ الفَضائِل . صَمَتَ الحَقُّ الأَبْلَجُ، نَضَبَ اليَنْبوعُ الثَّرُّ فَعَزَّ الكَلام ، نَطَقَ الأَخْرَقُ بَعْدَ صَمْتٍ طَويلٍ ، عاشِيًا هائِمًا فَهُوَ كَليل، فَمَضى يَعْقِدُ الغَزْلَ و يَنْكُتُه ؛ فَهو بَيْنَ ثَباتٍ و زَلَل ، سَوَّدَ الأَوْراقَ بِغَثٍّ و هُزالٍ، لا يُبالي أَصَوابٌ قِيلُه أَمْ خَطَل، في عالَمٍ نَخِبٍ هَواء، أبْكَمُهم خَطيبٌ مِصْقَع، و الأعْمى بصيرٌ مُبْدِع . |
تأمُّلاتٌ في محنة الكلمَة [6]
لا تَقُلْ لي : سُنَّةُ الحَياةِ تَقْضي : بِمُروقِ الخالِفِ عَنْ سَبيلِ الأُوَّل ، و جَفاءٍ يَخْتِلُ النَّفْسَ و يَمْضي . فالمُستعيرُ لسانًا لم يُعْطَهُ: مستهينٌ مُدَّعٍ ما ليسَ لهُ، كلابِس ثوبَيْ زور، لا يَسْتَبينُ مَدْرَجَ النَّهْجِ المُبَجَّل ، صِفْرٌ كَفُّهُ، و الهَوى أ َمُّــهُ ، و الدُّنْيا هَمُّه ، سادِرٌ في غَيِّه، جاهِلٌ في سَمْتِ عالِمٍ ، و مِنَ الجَهْلِ ما قَتَل |
شكر الله لك هذا الجهد الطيب
|
و شكر الله لك أخي أبا هند مرورك وتشجيعَك
|
لله در الحرف حين يزهو بين تلك الأنامل الطاهرة لينسج مع إخوته
عبارات تخرق الاذهان فتوقظ الوسنان في وصف ما آلت إليه لغتنا الحبيبة في كتبهم وبين أسطر مقالاتهم الغبية ... صدقوا أنفسهم ومن صفق لهم ... لكن مادام هناك امثالكم يا أستاذنا الدكتور عبد الرحمن وإخوتكم الأفاضل ممن جندوا أنفسهم لحفظ وحماية لغتنا العربية .. فلن يفلحوا ولا بد أن تنقطع بهم السبل وسيعودون أدراجهم خاسرين وسينقلبون على أدبارهم خائبين فلغتنا أصلها ثابت وفرعها في السماء ،محفوظة بحفظ الله لكتابه. حفظكم الله ورعاكم وجزاكم خير الجزاء ونفع بكم وبعلمكم خالص تقديري |
جزاكم الله خير وأحسن إليكم
وجعل ما تحملونه من همّ الحفاظ على لغتنا العربية في موازين حسناتكم |
جزاكم الله خيرا
وبارك الله فيكم |
لله ما أعشقها من كلماتٍ ! تنعى الكلمةُ الكلمةَ في مناجاةٍ عذبةٍ
|
|
الساعة الآن 05:07 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by