مجمع اللغة العربية بمكة يطلق عضوياته الجديدة
لطلب العضوية:
اضغط هنا

لمتابعة قناة المجمع على اليوتيوب اضغط هنا

 


الانتقال للخلف   منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية > القسم العام > دراسات وبحوث لغوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )
 
مصطفى شعبان
عضو نشيط

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

       
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان
افتراضي العلاقات النصية في القرآن الكريم دراسة نحوية لجهود المفسرين

كُتب : [ 04-02-2016 - 01:18 PM ]


العلاقات النصية في القرآن الكريم
دراسة نحوية لجهود المفسرين

د. مصطفى أحمد عبد العليم

جامعة القاهرة ـ كلية دار العلوم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد : فإن الدارسين لعلم اللغة النصي اليوم ينظرون إلى النص على أنه شبكة من العلاقات الداخلية والخارجية ، ويعنون بالداخلية العلاقات داخل النص الكائنة بين عناصره الإفرادية والتركيبية ، ويعنون بالخارجية العلاقات خارج النص المتمثلة في ثلاثية النص والمرسل والمرسل إليه ، وعلاقة كل ذلك بالسياق وبالنصوص الأخرى .
وتعد دراسة هذه العلاقات هي جوهر النظرية النصية التي تدعو إلى تجاوز حدود الجملة إلى بنية النص الكاملة المستقلة ، والتي ترتبط بمرسل للفعل اللغوي ومتلق له ، وقناة اتصال بينهما ، وهدف يتغير بمضمون الرسالة ، وموقف اتصال اجتماعي يتحقق فيه التفاعل (1 ).
ويحقق هذا المنهج فائدة بالغة في تحليل النصوص وفهمها؛ ذلك أنه يدعو إلى تطبيق النظرة الكلية للنص ، والنظر في أنواع النصوص ومضامينها المختلفة وعلاقة النص بأركان التواصل ، وانسجام النص وتماسكه والربط بأدواته المختلفة ، وأنواع التراكيب ، والعلاقات بين الجمل ، وكلها أمور لا يتأتى تفسيرها إلا من خلال وحدة النص الكاملة .
وعلى الرغم من شيوع النظرة الجزئية في أكثر الدراسات القديمة التي دارت في إطار نحو الجملة فإننا نجد لدى عدد كبير من مفسري القرآن الكريم نظرات صائبة وتحليلات دقيقة تدخل في إطار نحو النص .فقد تحدثوا عن المناسبة بين آيات القرآن وسوره ، وخصصوا في ذلك كتبًا كما فعله البقاعي في " نظم الدرر" والسيوطي في " تناسق الدرر في تناسب الآيات والسور" ، وتحدثوا عن تماسك القرآن آيات وسورًا ، وصدروا في ذلك عن مبدأين مهمين : أحدهما أن القرآن يفسر بعضه بعضًا ، والثاني أن سياق القرآن كالسورة الواحدة .
ولم يغفلوا في بحوثهم حال المتكلم ودور المخاطب ولا النظر في سياق الآيات ، وأكثروا من الحديث عن الآيات المتشابهة والفروق النحوية الدقيقة بينها .
وسأحاول في هذا البحث تسليط الضوء على هذه الجهود من خلال الحديث عن العلاقات الآتية :
1. التماسك .
2. المناسبة .
3. أدوات الربط
4. السياق
5. حال المتكلم .
6. دور المخاطب .
7. الاستدعاء النصي .

1ـ التماسك:
من العبارات الشهيرة المتداولة عند المفسرين وعلماء القرآن قولهم : " إن القرآن يفسر بعضه بعضًا ".
يقول الزركشى : " قيل أحسن طريقة التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فقد فصل في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في آخر "( 2) .
وفي هذا دليل على إدراكهم لمبدأ تماسك النص ليس فقط على مستوى السورة أو الآية وإنما أيضاً على مستوى القرآن كله .
وقد يعبر عن هذا المبدأ بعبارة أخرى مثل قولهم :" القرآن كله كالسورة الواحدة أو هو في حكم كلام واحد" .
يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى : "إنا أنزلناه في ليلة القدر "(القدر1):" إنا أنزلناه يعني القرآن ، وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة ؛لأن المعنى معلوم ، والقرآن كله كالسورة الواحدة " ( 3) ويقول القرطبي أيضًا في تفسير قوله تعالى :" لا أقسم بيوم القيامة "(القيامة1): قيل: إن "لا" صلة ، وجاز وقوعها في أول السورة ؛ لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حكم كلام واحد ؛ ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ، ويجيء جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى : " وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون"(الحجر 6) وجوابه في سورة أخرى : " ما أنت بنعمت ربك بمجنون(القلم2)" ( 4) ، وفي هذا التفات إلى نوع من المناسبة عرف لدى علماء النص بالتناص ، ومعناه : " استدعاء نص لنص آخر "( 5) ، وله في القرآن طابع خاص إذ يقتصر على القرآن نفسه من خلال آياته .وسنخصه بحديث فيما يستقبل من البحث مؤثرين تسميته باستدعاء النصوص.
ويعد التماسك جوهر العلاقات النصية لأنه بمثابة العلاقة الكبرى التي تضم سائر العلاقات الأخرى .
2- المناسبة
وعلاقة المناسبة بالتماسك أنها وسيلة من وسائله ويقصد بها تحقق الانسجام والتوافق الشكلي والدلالي بين الجمل وأجزاء النص .
والمناسبة علم جليل أفرد له في كتب علوم القرآن فصل مستقل وأفرده بعض العلماء بالتصنيف منهم أبو جعفر بن الزبير في كتابه " البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن ، وبرهان الدين البقاعي في كتابه :" نظم الدرر في تناسب الآي والسور " وجلال الدين السيوطي في كتابه : " تناسق الدرر في تناسب السور ".
وقال الزركشي عن علم المناسبة : " وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذًا بأعناق بعض ، فيقوى بذلك الارتباط ، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم ، المتلائم الأجزاء"(6) . وقال الإمام الرازي في تفسيره :" أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط (7 ).
وقد تحدث المفسرون وعلماء القرآن عن أنواع مختلفة من المناسبات في القرآن الكريم منها :
 المناسبة بين الآيات .
 المناسبة بين السور.
 المناسبة بين المطالع والخواتيم .
 المناسبة بين الفاصلة والآية الواردة فيها .
 المناسبة بين الفواصل في السورة الواحدة .
وسأقتصر من هذه الأنواع على ما له صلة وطيدة بنحو النص وهو :
المناسبة بين الآيات .
ذكر الزركشي أن أنواع ارتباط الآي بعضها ببعض على وجهين : ظاهر وغير ظاهر، أما الظاهر فيكون إذا كانت الآية الثانية بالنسبة للأولى على جهة التأكيد والتفسير أو الاعتراض والتشديد . أما غير الظاهر فهو على نمطين :
أحدهما : العطف ولابد أن تكون بين الجملتين في هذه الحالة جهة جامعة كالشريكين أو النظيرين أو المتضادين .
والثاني: عدم العطف ، ولابد من دعامة في هذه الحالة تبين وجه الارتباط وهي قرائن معنوية مثل: التنظير والمضادة والاستطراد .

وقد يخفى وجه الارتباط بين الآيتين فيحتاج إلى شرح ، وقد ذكروا لذلك أمثلة عديدة منها قوله تعالى :
" ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك " إلى قوله : " والله لا يهدى القوم الظالمين. أو كالذي مر على قرية . . . . "(البقرة 259) فالإشكال هنا أن قوله " أو كالذي " غير مناظر لقوله من قبل:" ألم تر إلى..." والعطف يقتضي المشاركة يقول الزركشي :" فلا يحسن في نظير الآية : ألم تر إلى أو كالذى ، ووجه ما بينهما من المشابهة أن ألم تر بمنزلة هل رأيت كالذي حاج إبراهيم"( 8).
وهكذا يلجأ الزركشي وغيره من المفسرين إلى تقدير كاف محذوفة في الآية السابقة ليبين التناسق بين الآيتين ، ويفسر العطف على أنه من قبيل عطف القصة على القصة .
3- أدوات الربط :
ومما يحقق التماسك النصي أدوات الربط ، فقد تحدث المفسرون وعلماء القرآن عن كثير منها مثل أحرف العطف ، و" لكن" الاستدراكية ، والكاف التشبيهية والضمائر، وأسماء الإشارة ، والموصولات .
أ ـ أحرف العطف :
العطف من أهم أدوات الربط النصي وأكثرها شيوعًا في الاستخدام اللغوي، وقد درسه النحاة ضمن طائفة التوابع وقسموه إلى نوعين : عطف نسق وعطف بيان والمراد هنا هو عطف النسق ، وهو العطف بالحروف كالواو و الفاء وأو وغيرها ، ومعنى العطف الاشتراك في تأثير العامل ( 9) وأصله الميل كأنه أميل به إلى حيز الأول ، وقيل له نسق لمساواته الأول في الإعراب " .( 10)
وقد درس النحاة عده مباحث في باب العطف كعطف المفرد على المفرد وعطف الجملة على الجملة وعطف الظاهر على الظاهر وعطف المضمر على المضمر وعطف الفعل على الفعل وعطف الاسم على الفعل ودلالات أحرف العطف وخصائص كل حرف وغير ذلك ، ونقصر الحديث عن أداتين من أدوات العطف هما الواو وبل .
أ/1 الواو العاطفة:
والذي يعنينا منها مسألتان تتعلقان بنحو النص :
الأولي :عطف الجملة على الجملة .
الثانية : عطف القصة على القصة .
أما عطف الجملة على الجملة فلم ترد له في كتب النحاة إلا إشارات قليلة نحو قول ابن يعيش : " والغرض من عطف الجمل ربط بعضها ببعض و اتصالها والإيذان بأن المتكلم لم يرد قطع الجملة الثانية من الأولي والأخذ في جملة أخري ليست من الأولى في شيء ، وذلك إذا كانت الجملة الثانية أجنبية من الأولى غير ملتبسة بها و أريد اتصالها بها فلم يكن بد من الواو لربطها بها" (11 )
فابن يعيش هنا يشير إلى أن الجمل المتعاطفة تترابط فيما بينها بواسطة حرف العطف حين يكون بينها مناسبة أو علاقة من نوع ما .
على أن البلاغيين كانوا أكثر تفصيلاً لهذا النوع من العطف ، وذلك في تناولهم لمبحث الفصل والوصل ، ورائد هذا الميدان هو عبد القاهر الجرجاني الذي نظر له وبسط القول فيه. وخلاصة ما قاله الجرجاني في هذا الباب هو أن الجمل على ثلاثة أضرب :
1- جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة مع الموصوف والتأكيد مع المؤكد ، فلا يكون فيها العطف البتة ، لشبه العطف فيها ، لو عطفت بعطف الشيء على نفسه . وقد مثل لذلك بقوله تعالي : " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيه" فالجملة الثانية توكيد للأولي .
2- وجملة حالها مع التي قبلها حال الاسم يكون غير الذي قبله ، إلا أنه يشاركه في حكم ، ويدخل معه في معني مثل أن يكون كلا الاسمين فاعلاً أو مفعولاً أو مضافًا إليه فيكون حقها العطف ، ويمكن أن يمثل لذلك بقوله تعالى " يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ " فالجملتان متغايرتان من جهة ومشتركتان من جهة أخرى ولذلك حسن العطف.
3- وجملة ليست في شيء من الحالين ، بل سبيلها مع التي قبلها سبيل الاسم مع الاسم لا يكون منه في شيء ، فلا يكون إياه ، ولا مشاركًا له في معنى ، بل هو شيء إن ذكر لم يذكر إلا بأمر ينفرد به ... وحق هذا ترك العطف البتة .
يقول عبد القاهر الجرجاني . فترك العطف إما للاتصال إلى الغاية ،أو الانفصال إلى الغاية . والعطف لما هو واسطة بين الأمرين ، وكان له حال بين حالين فاعرفه "(12 )
وقد سمى البلاغيون فيما بعد الحالة الأولى بكمال الاتصال والحالة الثانية بكمال الاتصال والحالة الثالثة بـ " بين بين" . على أن النقطة الهامة في كلام عبد القاهر عن الوصل والفصل ـ وهو ما يدخل في صميم نحو النص ـ إشارته إلى عطف مجموع جمل على مجموع جمل أخرى . وذلك حيث يقول : " اعلم أن مما يقل نظر الناس فيه من أمر العطف أنه قد يؤتى بالجملة فلا تعطف على ما يليها ، ولكن تعطف على جملة بينها وبين هذه التي تعطف جملة أو جملتان "( 13) ، وقد مثل لذلك بأمثلة من القرآن الكريم ، منها قوله تعالى : " وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا "( سورة النساء 112) فالشرط هنا في مجموع الجملتين لا في كل واحدة منهما على الانفراد ، ولا في واحدة دون الأخرى ؛ لأنا إن قلنا: إنه في كل واحدة منهما على الانفراد جعلناهما شرطين ، وإذا جعلناهما شرطين اقتضتا جزاءين ، وليس معنا إلا جزاء واحد، وإن قلنا إنه في واحدة منهما دون الأخرى لزم منه إشراك ما ليس بشرط في الجزم بالشرط ، وذلك ما لا يخفي فساده " (14 ) ومنها قوله تعالى : " وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ " ( سورة القصص 44، 45).
قال عبد القاهر : لو جريت على الظاهر فجعلت كل جملة معطوفة على ما يليها منع منه المعنى . وذلك أنه يلزم منه أن يكون قوله وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ " معطوفاً على قوله : فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ، وذلك يقتضي دخوله في معنى لكن ، ويصير كأنه قيل : " ولكنك ما كنت ثاويًا " وذلك ما لا يخفي فساده .
وإذا كان كذلك بان منه أنه ينبغي أن يكون قد عطف مجموع " وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ" إلى "مرسلين " على مجموع قوله : " " وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ " إلى قوله " العمر"( 15) .
وقد أشار المفسرون إلى هذا النوع من العطف الذي تناوله عبد القاهر الجرجاني سواء ما كان من عطف جملة على جملة أم من عطف مجموع جمل على مجموع جمل .
ففي قوله تعالى : "وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون"(التوبة 107) .
قال القرطبي :" قوله تعالى : " وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا "معطوف أي ومنهم الذين اتخذوا عطف جملة على جملة . " ( 16)
ومعلوم أن أقرب آية مناظرة لهذه الآية فيما سبقها هي الآية 75 إذ يقول تعالى: " وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ .". ومعنى ذلك أن الفاصل بين الآيتين المتعاطفين هنا يقرب من اثنتين وثلاثين آية مما يدل على أن مصطلح الجملة في كلام المفسرين قد يراد به النص أو القصة .
ومن ذلك قوله تعالى :" لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا
أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا "( الأحزاب 55) قال القرطبي قوله تعالى: "واتقين الله " لما ذكر الله تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة،عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة وهذا في غاية البلاغة والإيجاز ، كأنه قال : اقتصرن على هذا واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره "(17 ) وهذا أيضًا من قبيل العطف على القصة أو العطف على النص أو مجموع الجمل وإن سماه القرطبي عطف جملة لأنه وضحه بقوله: " كأنه قال اقتصرن على هذا واتقين الله "
ومن قبيل عطف القصة على القصة ما قاله الزمخشري عن آيات صفة المنافقين في أوائل سورة البقرة من أول قوله تعالى :" وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ( البقرة 8) حيث قال : " وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا كما تعطف الجملة على الجملة " ( 18) وقال الطاهر بن عاشور تعليقًا على قول الزمخشري هذا :" فأفاد بالتشبيه أن ذلك ليس من عطف الجملة على الجملة . قال المحقق عبد الحكيم :" وهذا ما أهمله السكاكي أي في أحوال الفصل والوصل ، وتفرد به صاحب الكشاف " ( 19)
وقد أشار الزمخشري إلى هذا النوع من العطف في مواضع أخرى من تفسيره ففي قوله تعالى في الآية 25 من سورة البقرة " وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ... "
يتساءل الزمخشري علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصح عطفه عليه ، وفي رأيه أن ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين ، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين " ( 20)
وعن الآية نفسها يقول الطاهر بن عاشور : " وجعل جملة " وبشر " معطوفة على مجموع الجمل المسبوقه لبيان وصف عقاب الكافرين يعني جميع الذي فصل في قوله تعالى : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا" إلى قوله : " أعدت للكافرين "(البقرة24) ، فعطفت مجموع أخبار عن ثواب المؤمنين على مجموع أخبار عن عقاب الكافرين ، وليس هو عطفًا لجملة معينة على جملة معينة الذي يطلب معه التناسب بين الجملتين في الخبرية والإنشائية ( ... ) وجعل السيد الجرجاني لهذا النوع من العطف لقب عطف القصة على القصة" (21 ) .
وفي قوله تعالي : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة "( البقرة 30) ، يقول الطاهر بن عاشور : " عطفت الواو قصة خلق أول البشر على قصة خلق السموات والأرض " (22 ) .
وقال عن قوله تعالى: وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم. إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ( آل عمران 121ـ122) : " وجود حرف العطف في قوله :" وإذ غدوت " مانع من تعليق الظرف ببعض الأفعال المتقدمة مثل :"ودوا ما عنتم" ومثل :" يفرحوا بها" وعليه فهو آت كما أتت نظائره في أوائل الآي والقصص القرآنية، وهو من عطف جملة على جملة وقصة على قصة وذلك انتقال اقتضابي فالتقدير: واذكر إذ غدوت" . ( 23)
وهكذا يتضح أن المفسرين ـ القدامي منهم والمعاصرين ـ قد وعوا قضية عطف النص على النص ، وعرفوا دوره في الربط بين النصوص المتجاورة ، وإن استخدموا مصطلحات أخرى مثل عطف الجملة على الجملة أو عطف القصة على القصة .

أ/2 ـ بل الإضرابية :
كثيرًا ما تأتي بل عند الانتقال من موضوع إلى موضوع ، وهي من الظواهر البارزة في القرآن ، وقد لاحظ معربوالقرآن ذلك ؛ فيقول العكبري في إعراب قوله تعالى من سورة ق : " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم " (ق2) " : بل للخروج من قصة إلى قصة "( 24) وقال ابن هشام بل حرف إضراب، فإن تلاها جملة كان معنى الإضراب إما الإبطال نحو " وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون "( الأنبياء 26) (أي بل هم عباد ، ...وإما الانتقال من غرض إلى آخر ومثاله " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا "(الأعلى 14-16) ونحو " ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة "( المؤمنون 63) ( 25) .
ويعنينا من كلام ابن هشام هنا أنه أشار إلى كون بل للانتقال من غرض إلى غرض وأنها تدخل على الجملة ، وهذا يدل على أنها ذات دور مهم في الترابط النصي .



رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
مصطفى شعبان
عضو نشيط
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 04-02-2016 - 01:22 PM ]


ب ـ الكاف التشبيهية:
الحق أن موضوع الكاف التشبيهية قد أثار جدلاً كثيرًا بين النحاة ، ولعل من أبرز الآيات التي دار حولها الخلاف قوله تعالى من سورة الأنفال : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ".(الأنفال5)
فقد ذكر أبو حيان الأندلسي في هذه الآية خمسة عشر قولاً منها :
ï‚§ أن الكاف بمعنى واو القسم .
ï‚§ أن الكاف بمعنى إذ .
ï‚§ وأنها بمعنى على .
ï‚§ وقيل : متعلقة بالفعل " أطيعوا" المتقدم .
ï‚§ وقيل: نعت لحقًا من قوله قبل : " أولئك هم المؤمنون حقًا " .
ï‚§ وقيل : هي نعت لخبر مبتدأ محذوف ، والتقدير: هذا وعد حق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( 26) .
ولعل أرجح الآراء ـ في نظرنا ، وهو ما يتفق مع نحو النص ـ رأي من قال : إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة في أول السورة وهي سؤالهم عن الأنفال . وقد اختار ابن عطية هذا القول وحسنه الزمخشري وقال:" يرتفع محل الكاف على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال كحال إخراجك " ( 27) .
ويمكن أن يستأنس لهذا الرأي القائل بأنها من قبيل تشبيه قصة بقصة بأن ذلك قد ورد في مواضع عديدة من القرآن كما في قوله تعالى في وصف المنافقين في سورة البقرة : " مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ .صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ . أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ "(البقرة17-19) حيث شبه هنا هيئة بهيئة هيئة المنافقين في اشترائهم الضلالة بالهدى بهيئة الذي استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنوره هو ومن معه وتركهم في ظلمات لا يبصرون كما يشبههم في إعراضهم عن الهدى والحق بحال المطر الذي لا ينتفع منه بعض الناس إلا بالفزع منه والهروب من صواعقه ورعده وبرقه . وهنا نلاحظ أن الآيات قد رسمت صورتين مركبتين تزخران بالحيوية والحركة والصوت والضوء وقد استعانت في رسم ذلك بأدوات نحوية محددة منها الكاف الداخلة على كلمة مثل بما تفيده من معنى التمثيل والتخييل وهو من معالم الأسلوب القصصي ومنها الاسم الموصول الذي يستلزم جملة فعلية بعده وقد جاء الفعل هنا ماضيًا كما هو الشأن في القصص عادة ولا سيما قصص القرآن . وكل هذا يؤكد أن الكاف هنا قد استخدمت لإحداث التماسك النصي . ومن ذلك قوله تعالى في صفة المنفقين :" مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة . . . "(البقرة 261) حيث دخلت الكاف هنا على قصة تفيض بالحيوية وهي قصة الحبة التي تحولت عبر مراحل عديدة إلى سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة .
وقوله تعالى في سورة الحشر في صفة المنافقين : " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين" (الحشر 16) ؛ حيث شبهت الكاف هنا حال المنافقين في تخليهم عن المؤمنين في المعركة وتقاعسهم عن نصرتهم بحال الشيطان حين يتخلى عن الإنسان بعد أن يورده موارد الكفر والطغيان .
وفي قوله تعالى : " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس "(يونس 24) ـ لاحظ البيضاوي دخول الكاف على القصة فقال : "هو مثل في الوقت القريب ، والممثل به مضمون الحكاية ـ وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعدما كان غضا ، والتف وزين الأرض حتى طمع فيه أهله، وظنوا أنه قد سلم من الجوائح ـ لا الماء وإن وليه حرف التشبيه ؛ لأنه من التشبيه المركب "( 28) .
وهكذا يمكن عن طريق الاحتكام إلى نصوص القرآن الواردة في مثل هذا الموضوع ، وبهذا الفهم النصي أن نرجح كثيرًا من الآراء النحوية والتخريجات اللغوية .

جـ ـ أسماء الإشارة :
ومن كلامهم عن أسماء الإشارة قول القرطبي في قوله تعالى :
" ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة " (الإسراء 39 ) الإشارة بذلك إلى هذه الآداب والقصص والأحكام التي تضمنتها هذه الآيات المتقدمة( ).ومن البين أن هذه الآداب والقصص والأحكام تتجاوز حدود الجملة الواحدة إلى نص بل نصوص متعددة ، وقد عاد عليها اسم الإشارة كلها فحقق بذلك اختصارًا وترابطًا .
وفي قوله تعالى: " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم"(محمد 4) ، قال القرطبي : "ذلك" في موضع رفع على ما تقدم أي الأمر ذلك الذي ذكرت وبينت. وقيل: هو منصوب على معنى افعلوا ذلك. ويجوز أن يكون مبتدأ ، والمعنى ذلك حكم الكفار. وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام، وهو كما قال تعالى: "هذا وإن للطاغين لشر مآب" [ص: 55]. أي هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا"( 29).فهو هنا يومئ إلى أن اسم الإشارة "ذلك" أو" هذا" يستعمل عند الخروج من كلام إلى كلام .
ويلاحظ أن اسم الإشارة"هذا " قد استعمل على هذه الطريقة في موضعين من سورة "ص"وهي من عجائب القرآن فإنها لم تنتشر إلا في العصر الحديث ، و هذان الموضعان هما :
" هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب " (ص 49)
" هذا وإن للطاغين لشر مآب "(ص55)
وقد ذكر في الموضع الأول خبر اسم الإشارة وهو ذكر وحذف في الموضع الثاني فينبغي تقديره من جنس المذكور في نظيره السابق .
وقال السيوطي عن هذين الموضعين : " لما انتهى ذكر الأنبياء وهو نوع من التنزيل أراد أن يذكر نوعا آخر ، وهو ذكر الجنة وأهلها، ثم لما فرغ قال:"هذا وإن للطاغين لشر مآب" فذكر النار وأهلها . قال ابن الأثير : هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل ، وهي علاقة أكيدة بين الخروج من كلام إلى آخر"( 30) .
وقريب منه ما جاء في سورة الحج من قوله تعالى :" ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه "0الحج30)، وقوله :" ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" (الحج 32) . وقوله :" ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله " (الحج 60) .
ومن المواضع التي استخدم فيها اسم الإشارة للربط بين نص ونص قوله تعالى : " إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى " فالمشار إليه هو ما تقدم من قوله : " قد أفلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلى . بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى" ( الأعلى 14-17 )
ومن ذلك أيضًا اسم الإشارة "كذلك" مصحوبًا بالكاف فإنه كثيرًا ما يأتي للربط بين النصوص أو التعقيب على قصة كقوله تعالى تعقيبًا على كلام ملكة سبأ:"إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة " قال : " وكذلك يفعلون "(النمل 34) . وقال في التعقيب على قصة أصحاب الجنة الذين منعوا خيرها عن المساكين " كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون"(القلم33) ، وقال تعالى في المشابهة بين إحياء الأرض الميتة وإحياء الموتى : " والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور"( فاطر 9) ، وقال أيضًا :" ونزلنا من السماء ماء مباركًا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد . والنخل باسقات لها طلع نضيد . رزقًا للعباد وأحيينا به بلدة ميتًا كذلك الخروج " ( ق 9-11) قال أبو السعود :" كذلك الخروج " جملة قدم فيها الخبر للقصد إلى القصر وذلك إشارة إلى الحياة المستفادة من الإحياء ...أي مثل تلك الحياة البديعة حياتكم بالبعث من القبور"(31 ) .
د ـ الضمائر :
ومن حديثهم عن الضمير ما أجازه أبو الحسن الأخفش في قوله تعالى : " فإنها لا تعمى الأبصار " (الحج 46 ) من أن الهاء راجعة إلى الأبصار، وغيره من النحاة يرى أنها من قبيل الإضمار على شريطة التفسير أو ضمير القصة . ويسمى علماء النص هذا النوع من الإحالة إحالة بعدية ، وهي التي تشير فيها الأداة إلى شيء بعدها . والأكثر أن يشير الضمير إلى شيء متقدم ، وقد يكون هذا المتقدم كلامًا كثيرًا أو نصًا كاملاً كما في قوله تعالى من سورة الأحزاب :" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ... ( (الأحزاب 35) .
فقد أغنى الضمير في " لهم"عن ثلاث وعشرين كلمة لو أتى بها مظهرة ، وقام بالربط النصي بين أجزاء الكلام ، وقد يتبادر للذهن أن هذه الآية من قبيل الجملة لا النص ، والحق أنها جملة ونص في الوقت نفسه ؛ لأن المعنى قد اكتمل بها واستقل ، ومع ذلك فقد اشتملت على جمل أو ما يقوم مقام الجمل وهو اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول في قوله :" والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات " فلا يتصور أن يكون لاسم الفاعل هنا مفعول بلا فاعل ، وقد نص النحاة على أن اسم الفاعل يتحمل ضميرًا مستترًا يكون فاعلا له، وإذا كان ذلك كذلك فنحن هنا بإزاء عدة جمل لا جملة واحدة ، ومن هنا ندرك وجاهة رأي من ذهب من النحويين إلى أن "أل" الداخلة على اسمي الفاعل والمفعول هي اسم موصول (32 ) ؛ لأن الاسم معها في قوة الجملة ؛لأنه عمل في الفاعل والمفعول . والمقصود أن الضمير هنا قد ربط بين عدة جمل فضلا عن أنه ربط جملة الخبر بالمبتدأ .
على أن ثمة مواضع أخرى اشتمل فيها المبتدأ أو ما في حكمه على عدة جمل وجاء الضمير رابطًا هذا المبتدأ بجملة الخبر فأحدث بذلك تماسكًا نصيًا بين أكثر من جملة ، ومن ذلك قوله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ... " (البقرة 62).
وقوله تعالى أيضًا:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"... (الحج17) .
فالمسند إليه في الموضعين جاء في صورة تركيب موصولي (موصول وجملة صلة ) وهو "الذين آمنوا" وقد عطف عليه بمركب موصولي آخر وهو " الذين هادوا" وزيد في آية الحج مركبًا موصوليًا ثالثًا وهو " الذين أشركوا " أما الخبر فقد جاء في صورة جملة شرطية في آية البقرة ورابطها هو الضمير في " لهم أجرهم" وجاء في آية الحج في صورة جملة "إن" ورابطها الضمير في " بينهم ". ويتضح من هذا أن الضمير هنا قد ربط بين المبتدأ المشتمل على عدة جمل والخبر المشتمل على عدة جمل أيضًا .
ومما عاد فيه الضمير على كلام كثير قوله تعالى :" حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" فالضمير في "إنها" يعود على مقالة الرجل الذي جاءه الموت، وهي تشتمل على ثلاث جمل فعلية وواحدة اسمية .
ويذكر علماء النص المعاصرون أن للضمير مرجعيتين داخلية وخارجية ، أما الداخلية فهي التي يرجع فيها الضمير إلى شيء مذكور في النص ، وأما الخارجية فهي التي يرجع فيها الضمير إلى شيء غير مذكور، ولكنه يفهم من السياق(33 ) . وتصلح الآيات السابقة لتكون أمثلة للمرجعية الداخلية .
المرجعية الخارجية للضمير:
أما المرجعية الخارجية فلها أمثلة كثيرة في القرآن أيضًا يدور أكثرها حول ثلاثة موضوعات أساسية هي : خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والحديث عن القرآن ، والحديث عن الكفار.
1- في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم :
ومن ذلك قوله تعالى :" عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَن جَاءهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى . فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى" ( عبس1-10)
فالضمير المستتر في "عبس وتولى" والبارز في "جاءه " لم يرجع إلى مذكور سابق، ولكن يفهم من السياق ومن أسباب النزول أنه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والضمائر الآتية بعد ذلك رغم أنها للخطاب فهي تابعة للضمير الأول في كونها ذات مرجعية خارجية .
وفائدة هذا النوع من الضمائر أنه يربط النص بسياقه الداخلي والخارجي ويربطه أيضًا بالقارئ الذي يعلم مسبقًا أو يحاول أن يعلم مرجع الضمير .
ومن ذلك أيضًا الضمائر التي بنيت عليها سورة الضحى إذ يقول تعالى :" وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى . وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى . وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى . وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى . وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى . فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ . وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ . (الضحى 1-11)
فالضمائر كلها في السورة من قبيل الإحالة الخارجية ؛ لأنها كلها تعود إلى شخص واحد هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد له ذكر بالاسم الصريح ، ولكن يعرف من القرائن الداخلية والخارجية أنه هو المقصود بالخطاب وقد أكسبت وحدة المرجعية هنا النص وحدة شكلية ودلالية أدت إلى تماسكه وانسجامه .
/font][/size][/color][/right]


رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
مصطفى شعبان
عضو نشيط
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 04-02-2016 - 01:23 PM ]


وبمثل هذا يقال في سورتي الشرح والكوثر حيث نجد فيهما وحدة المرجعية وكونها خارجية . قال تعالى :"أ َلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ . فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ " ( الشرح 1-8) .
وقال سبحانه :" إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ . (الكوثر1-3).
2- في الحديث عن القرآن:
ومما يكثر التعبير فيه بالإحالة الخارجية موضوع القرآن الكريم ؛ حيث يستخدم ضمير الغائب المفرد مرادًا به القرآن دون أن يتقدم له ذكر وفي ذلك تفخيم لشأنه كما في قوله تعالى : " إن هو إلا وحي يوحى "(النجم 4) " إنه لقول رسول كريم"(الحاقة 40) " كلا إنه تذكرة" (المدثر54)" إنه لقول فصل. وما هو بالهزل "(الطارق13-14) "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ"(القدر1) فضمير الغائب المسند إليه هنا يعود على القرآن ، ولم يتقدم له ذكر، لكنه معلوم من السياق العام للقرآن ؛ فسياقه كسياق السورة الواحدة .
3- في الحديث عن الكفار:
ومن ذلك حديث الكفار ؛ حيث يعبر عنهم كثيرًا في القرآن بضمير الغائب الجمعي تحقيرًا لشأنهم ، وإعراضًا عنهم ؛لأنهم أعرضوا عن الإيمان بالله والرسول والقرآن فينبغي أن يعاملوا بمثل عملهم ، وفي الوقت نفسه هم ليسوا جدراء بشرف خطاب الله لهم .ولننظر في هذه الآيات من أول سورة الشعراء (1-7) :
" طسم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ . إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ . وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ . فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون .أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ".
فالضمير في" يكونوا" و"عليهم "و"أعناقهم" و"يأتيهم" و"كانوا" و"كذبوا" وما بعدها يعود على المشركين ولم يتقدم لهم ذكر.
ومنه في سورة المؤمنون (63) ." بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُون ". فالضمير في" قلوبهم " و" لهم" و"هم" يعود على مشركي مكة .
ومنه في سورة المعارج (6-7) ." إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً . وَنَرَاهُ قَرِيباً ".
فالضمير في" يرونه" يعود على الكفار بدليل استبعادهم للبعث ،ولم يتقدم لهم ذكر .
ومنه في سورة النبأ ( 1-4) :" عَمَّ يَتَسَاءلُونَ . عَنِ النبأ الْعَظِيمِ .الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ . كَلَّا سَيَعْلَمُونَ" .
فالضمائر في أول السورة ولم يتقدم لها مرجع .
وفي سورة النازعات(10) :" يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ " ولم يتقدم للضمير هنا مرجع أيضًا .
تكرار الضمير:
وللضمير دور كبير في إحداث التماسك النصي حين يتكرر على جهة واحدة والمقصود بجهة الضمير كونه للمتكلم أو المخاطب أو الغائب، فيسهم بذلك في تحقيق وحدة شكلية للنص ، تتساوق مع وحدته الدلالية ، ويتضح هذا من تأمل الآيات الآتية من سورة آل عمران :" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ .الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ . رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ . رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ . (آل عمران 190-194) ؛ ففي هذا النص تكرر ضمير المتكلمين " نا " سبع عشرة مرة خلال أربع آيات، وكلها يعود إلى مرجع واحد هم أولو الألباب المذكورون في الآية 190 مما أحدث تناسقًا للكلام ، وتماسكًا نصيًا شديدًا يتجاوب مع وحدة النص الدلالية ، وهي كونه دعاء جماعيًا من المؤمنين لله عز وجل ، وهذه سمة بارزة من سمات القرآن المدني نجد نظيرًا لها في أواخر سورة البقرة وأوائل سورة آل عمران وآيات من سور النساء والمائدة والحشر والممتحنة والتحريم و غير ذلك .
ومن اتفاق الضمائر المتكررة في الجهة والمرجع أيضًا ما نجده في مفتتح سورة المؤمنون ، حيث يقول تعالى :" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "( المؤمنون1-11) .
حيث تكرر ضمير جمع الغائبين "هم" سبع عشرة مرة في إحدى عشرة آية، وكلها يرتد إلى مرجع واحد في الآية الأولى وهو"المؤمنون" فبدا كأنه وحدات جمالية منتظمة في لوحة واحدة ، وأكسب النص نسقًا واحدًا .
ونظير هذا النص الآيات من 22-35 من سورة المعارج إذ يقول تعالى :
"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً .إِلَّا الْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ . وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ . لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ . وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ" .إلى أن يقول:" أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ".
ومن اتفاق الضمائر في الجهة والمرجع أيضًا قوله تعالى من سورة النور:
" وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَىاللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (النور31) .
ففي هذه الآية تكرر ضمير النسوة بصورتيه النون و"هن" خمسًا وعشرين مرة ، وكلها ترجع إلى مرجع واحد هو المؤمنات في مطلع الآية .
وقد أكسب هذا التكرار الآية نسقًا جميلا وإيقاعًا بديعًا وتماسكًا نصيًا محكمًا ، وقد قيل إن هذه الآية هي أكثر آيات القرآن من حيث عدد الضمائر(34 ).

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
مصطفى شعبان
عضو نشيط
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 04-02-2016 - 01:26 PM ]


هـ ـ الأسماء الموصولة :
يعد الاسم الموصول وسيلة من وسائل التماسك النصي ؛لأنه يستلزم وجود جملة بعده ، وعادة ما تكون هذه الجملة فعلية ، وقد يعطف على هذه الجملة بعدة جمل فيطول الكلام ، ويكون نصًا كاملا ، ويظل مرتبطًا كله بالاسم الموصول الأول . ومن جهة أخرى يعد الموصول أداة من أدوات الإحالة فيرتبط بمذكور سابق ، وقد يتكرر بصورة واحدة ، ويظل مرتبطًا بهذا المذكور السابق محدثًا نسقًا واحدًا للنص كله . ومن ذلك الآيات الأولى من سورة المؤمنون التي مثلنا بها قريبًا للضمائر، فقد تكرر فيها اسم الموصول " الذين" سبع مرات ، وكلها يعود إلى الاسم الأول الذي يمثل نواة النص( 35) ، وهو المؤمنون . ومثلها الآيات من 22-35 من سورة المعارج فقد تكررت فيها كلمة "الذين" ثماني مرات ، وكلها يرجع إلى الاسم الأول" المصلين " الذي هو محور النص . وكذلك الآيات الأخيرة من سورة الفرقان حيث يقول تعالى : " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً . إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً . وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً . وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً . وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً . وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً . وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً . أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً" .(الفرقان63-75) .
فقد تكررت كلمة " الذين" في هذه الآيات ثماني مرات أيضًا، وهذا من عجائب القرآن أن تتوافق النصوص المتشابهة في تعداد بعض كلماتها ، وقد حقق هذا للنص تماسكًا قويًا بسبب رجوعها كلها إلى مذكور واحد هو عباد الرحمن .
وهناك الموصول الفردي "الذي" فإنه كثيرًا ما يتكرر وصفًا لله عز وجل في مقام إثبات ألوهيته ووحدانيته ونعمه سبحانه على خلقه ، وغالبَا ما يقترن بالضمير "هو" مكونًا معه رابطة نصية قوية تفيد التخصيص والتأكيد كما في هذه الآيات من سورة الأنعام :" وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ . وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً..."(الأنعام 97-99) .
وكلما مضينا في السورة قابلنا هذا التعبير "وهو الذي" عبر مراحل متفاوتة وكأنه مفتاح لنص جديد .
" أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ..."
(الأنعام 114) .
" وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ..."(الأنعام 141) .
" وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ " (الأنعام 165) .
4- السياق:
يعد السياق عنصرًا هاماً في النظرية النصية سواء على مستوى تكوين النص أو تحليله ، ويذهب "براون" و"يول" إلى أن محلل الخطاب ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار السياق الذي يظهر فيه الخطاب والسياق لديهما يتشكل من : المتكلم والمستمع ، والزمان والمكان ؛ لأنه يؤدي دورًا فعالاً في تأويل الخطاب ، بل كثيرًا ما يؤدي ظهور قول واحد في سياقين مختلفين إلى تأويلين مختلفين . وفي رأي هايمس أن خصائص السياق قابلة للتصنيف إلى ما يلي :
ا- المرسل : وهو المتكلم أو الكاتب الذي ينتج القول .
ب-المتلقي : وهو المستمع أو القارئ .
ج- الحضور: وهم مستمعون آخرون حاضرون يسهم وجودهم في تخصيص الحدث الكلامي .
د- الموضوع: وهو مدار الحدث الكلامي .
هـ-المقام : وهو زمان ومكان الحدث التواصلي .
وكذلك العلاقات الفيزيائية بين المتفاعلين بالنظر إلى الإشارات والإيماءات وتعبيرات الوجه .
و- القناة : كيف تم التواصل بين المشاركين في الحدث الكلامي : كلام . كتابة . إشارة .
ويميز علماء النص بين أنواع مختلفة من السياق، فيقسمونه باعتبار اتساعه وضيقه إلى سياق كبير وسياق صغير ، ويقصد بالسياق الكبير السياق الذي يتضمن النظام اللغوي من مرسل ومتلق في علاقة جدولية وتركيبية ، كما يتضمن السياق الطبيعي الفيزيائي كالأشياء والأشخاص والمكان والزمان ، والمعارف وعلاقة المرسل بالمتلقي وأخيرًا السياق التاريخي الاجتماعي ( 36) .
أما السياق الصغير فهو الذي يقدم في إطار الجملة الواحدة ، فهو سياق واضح بشكله المجموع النحوي التركيبي ( 37) .
وقد تنبه العرب إلى أهمية السياق في فهم النص القرآني منذ عهد مبكر جدًا فقد روي أن أعرابيا سمع رجلاً يقرأ هذه الآية هكذا :" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم " ( المائدة 38) فقال الأعرابي ما هذا كلام فصيح فقيل له ليس التلاوة كذلك ، وإنما هي : " والله عزيز حكيم " فقال :بخ بخ عز فحكم فقطع " . ( 38) فقد اهتدى هذا الأعرابي إلى صحة الآية احتكاماً إلى السياق والمعنى .
وقد تحدث المفسرون وعلماء القرآن عن أسباب النزول ومكان النزول وزمانه ومناسبته .
يقول أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري :"من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته ، وترتيب ما نزل بمكة ابتداء ووسطًا وانتهاءً ، وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك ، ثم ما نزل بمكة وحكمه مدني وما نزل بالمدينة وحكمه مكي" . (39 )
وقد تكلم أصحاب علوم القرآن أيضاً عن ما نزل ليلاً ، وما نزل نهارًا ، وما نزل بالجحفة ، و ما نزل ببيت المقدس ، وما نزل بالطائف ، وما نزل بالحديبية . ( 40)

السياق وعود الضمير:
ولعل من أبرز المواضع التي يحتكم فيها إلى السياق مسألة عود الضمير حيث تختلف فيه الآراء وتتعدد الوجوه ويلجأ المفسر عند ذلك إلى السياق لترجيح رأي أو تأييد وجه .
و كان الطبري من أبرز المفسرين احتكامًا إلى السياق في ترجيح الآراء والتوجيهات النحوية . ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى :( فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) (مريم 24) في قراءة من فتح الميم في" مَن" والتاء في " تحتـَها" ؛ حيث ذهب المفسرون في تأويل ذلك إلى قولين: الأول: أنه جبريل عليه السلام ، والثاني أنه عيسي عليه السلام ، وقد رجح الطبري القول بأن الاسم الموصول عائد على عيسى استدلالاً بسياق ما قبله وما بعده ، قال أبو جعفر الطبري : " ألا ترى في سياق قوله :" فحملته فانتبذت به" ثم قيل: " فناداها" نسقاً على ذلك من ذكر عيسى والخبر عنه " ( 41).
وفي تفسير قوله تعالى :" ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " (يونس88) اختلف المعربون في إعراب " فلا يؤمنوا" فقيل : هو منصوب عطفاً على قوله : " ليضلوا" أو على أنه جواب الأمر السابق ، وقيل : هو مجزوم على الدعاء من موسى عليهم بمعنى : فلا آمنوا ، وقد اختار الطبري الرأي الثاني أنه مجزوم استدلالاً بسياق الآيات قال : " وإنما اخترت ذلك ؛ لأن ما قبله دعاء وذلك قوله :" ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم " فإلحاق قوله: " فلا يؤمنوا" إذ كان في سياق ذلك بمعناه أشبه وأولي"(42 ) .
ومن ذلك ترجيح ابن كثير أن يكون عائد الضمير في قوله تعالى : " وما أبرئ نفسي " (يوسف 53) هو امرأة العزيز بحضرة الملك ، ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل بعد ذلك أحضره الملك " ( 43) وهذا هو سياق الآيات : " قالت امرأة العزيز الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين . وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم . وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين" .(يوسف 51-54) .
ومن ذلك قوله تعالى :
" الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم "(البقرة 146) فقيل الضمير في " يعرفونه" لمحمد صلى الله عليه وسلم أي يعرفون نبوته روي ذلك عن مجاهد و قتادة وطائفة من أهل العلم ، وقيل يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة وبه قال جماعة من المفسرين ، ورجح صاحب الكشاف الأول(44 ) ، قال الشوكاني : وعندي أن الراجح الآخر أي تحويل القبلة كما يدل عليه السياق الذي سيقت له هذه الآيات (45 ).
وبالرجوع إلى سياق الآيات نجد مصداق قول الشوكاني فإن الآيات السابقة واللاحقة كلها في الحديث عن تحويل القبلة وفيها نظير هذه الآية وهي قوله تعالى: " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون " (البقرة 144) يعني هذا التحول وهذا التوجه الجديد.
وهكذا يتضح أن المفسرين قد وعوا قضية السياق وأثرها في تفسير النص وتوجيهه نحويًا ولغويًا.
5- مراعاة حال المتكلم
إذا كانت بنية النص لغوية منطوقة في المقام الأول فإنها ترتبط في استمرارها وتعريف دلالتها بأركان التواصل ، وهي : المرسل ، والمتلقي ، والتفاعل بين الطرفين من خلال عملية التلقي . ومن ثم عرف النص بأنه "مجموعة من الأحداث الكلامية التي تتكون من مرسل للفعل اللغوي ، ومتلق له ، وقناة اتصال بينهما، وهدف يتغير بمضمون الرسالة ، وموقف اتصال اجتماعي يتحقق فيه التفاعل "(46 ) ، وعرفه بعضهم بأنه " التسجيل الحرفي للحدث التواصلي ( 47) ، وتبدو أهمية المرسل أو المتكلم في تعريف (روبرت آلان دي بوجراند) للنص بأنه :"حدث تواصلي يلزم لكونه نصًا أن تتوفر له سبعة معايير للنصية مجتمعه ويزول عنه هذا الوصف إذا تخلف واحد من هذه المعايير.
1- السبك
2-الحبك
3-القصد
4-القبول أو المقبولية
5-الإخبارية أو الإعلام
6-المقامية
7- التناص
حيث نلاحظ في هذا التعريف ومعاييره السبعة الإشارة إلى الحدث التواصلي ، وهو يتكون من خلال العلاقة بين المرسل والمتلقي ، والإشارة إلى القصد وهو متعلق بالمتكلم .
ويتحدث علماء النص عن أهمية البحث في ثقافة المتكلم ومستواه الاجتماعي ومقصده وعلاقته بالمتلقي .
تمييز المفسرين بين كلام الله وكلام البشر :
وبالرجوع إلى الجهود العربية في ذلك نجد كلاًما واسعًا عن دور المتكلم لدى المفسرين والبلاغين . فقد فرق المفسرون ومعربو القرآن في تحليلهم لدلالة أدوات الاستفهام في القرآن الكريم بين كلام الله تعالى وكلام البشر فقالوا ـ مثلاـ :إن الاستفهام من الله تعالى ليس على حقيقته، وإنما هو على معنى التقرير أومن قبيل إجراء الكلام مجرى كلام المخلوقين ؛ لأن الاستفهام معناه طلب الفهم وهو لا يجوز على الله تعالى . قال ابن هشام:"لا يكون الاستفهام من المولي على حقيقته"( 48) ، وقال الدماميني : " ولا يكون الحقيقي ـ يعني الاستفهام في القرآن ـ إلا على دعوى أنه مجاز ؛ لأنه يستلزم الجهل وهو على الله محال " ( 49) وبناء على ذلك ذهب أكثر المعربين إلى أن" هل" في قوله تعالى : "هل أتاك حديث الغاشية" ( الغاشية 1) بمعنى قد ، قال ابن خالويه :" كل ما في القرآن هل أتاك فهي بمعنى قد" .(50 )
ومن ذلك قولهم : إن "لعل" تفيد الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه حين ترد في كلام المخلوقين أما في كلام الله تعالى فإنها بمعنى الإيجاب ؛ لأن الله تعالى يستحيل عليه الترجي ؛لأن فيه جهلاً بالعاقبة وهو محال على الله تعالى . ومن ثم ذهب علماء التفسير ومعربو القرآن في توجيه الدلالة النحوية للعل مذهبين :
الأول : أن لعل في كلام الله تعالى على أصلها من إفادة الترجي ولكنه بالنسبة للمخلوقين .
الثاني : أنها من الله تعالى واجبة ؛ لأن الترجي ممتنع على الله عز وجل
وقد عرض الراغب الأصفهاني هذين المذهبين حيث قال :" لعل طمع وإشفاق ، وذكر بعض المفسرين أن لعل من الله واجب ، وفسر في كثير من المواضع بكي "( 51).
ثم فسر الأصفهاني " لعل " في قوله تعالى على لسان قوم فرعون: " لعلنا نتبع السحرة "(الشعراء 40) بأن ذلك طمع منهم . وفي قوله تعالى عن فرعون : " لعله يتذكر أو يخشى " (طه44) بأنه إطماع لموسى عليه السلام مع هارون ومعناه " فقولا له قولاً لينا" راجيين أن يتذكر أو يخشى "( 52).
فقد ميز الأصفهاني هنا بين لعل الواردة في كلام الله تعالى ولعل الواردة على لسان المخلوق ، وفي ذلك دلالة على مراعاة حال المتكلم .
وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى : " لعله يتذكر أو يخشى " :" لعل أصلها الترجي والطمع والتوقع والإشفاق، وذلك مستحيل على الله سبحانه ، ولكنه لما كانت المخاطبة منه سبحانه للبشر كان بمنزلة قوله لهم : افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع ، وبهذا قال جماعة من أئمة العربية منهم سيبويه ، وقيل: إن العرب استعملت " لعل " مجردة من الشك بمعنى لام كي . . . " ( 53) .
وما قيل عن" لعل" قيل مثله عن " عسى " فإنها في أصل وضعها للترجي والإشفاق، لكنها إذا وردت في كلام الله تعالى صرفت إلى معنى التحقيق والإيجاب. قال الراغب الأصفهاني : " عسى طمِع وترجَّى ، وكثير من المفسرين فسروا"لعل" و"عسى" في القرآن باللازم ، وقالوا :إن الطمع والرجاء لا يصح من الله ، وفي هذا منهم قصور نظر ؛ وذلك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه راجيًا لا لأن يكون هو تعالى يرجو فقوله : " عسى ربكم أن يهلك عدوكم " (الأعراف129) أي كونوا راجين في ذلك "( 54) وقال الزركشي : " عسى ولعل من الله سبحانه واجبتان وإن كانتا رجاء وطمعًا في كلام المخلوقين ؛لأن الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون والباري منزه عن ذلك "(55 ).
ومنه أيضًا صرفهم دلالة " أو" عن الشك إذا كانت في كلام الله عز وجل ، فقد ذهب الطبري في تفسير قوله تعالى : " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق "(البقرة 19) إلى أن أو بمعنى الواو كقول جرير :
جاء الخلافة أو كانت له قدرًا كما أتى ربه موسى على قدر
وكما قال الآخر:
فلو كان البكــــاء يرد شيئًا بكيت على جبير أو عناق
على المرأين إذ مضــيا جميعًا لشأنهما بحزن واشــتياق
فقد دل بقوله :على المرأين إذ مضيا جميعًا "أن بكاءه الذي أراد أن يبكيه لم يرد أن يقصد به أحدهما دون الآخر بل أراد أن يبكيهما جميعًا فكذلك ذلك في قول الله عز جل ثناؤه:" أو كصيب من السماء " (56 ) .
وقد يفضل بعض المفسرين قراءة على أخرى احتكامًا إلى حال المتكلم ، ففي قوله تعالى : " فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله " ( يونس 81) قرئ قوله تعالى :" ما جئتم به السحر "على وجه الخبر وقرئ على وجه الاستفهام .
قال الطبري : " وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه على وجه الخبر لا على الاستفهام ؛لأن موسى عليه السلام لم يكن شاكًا فيما جاءت به السحرة أنه سحر لا حقيقة له فيحتاج إلى استخبار السحرة "( 57) .
ونظير هذا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم:" فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين "(الأنعام 76) .
حيث ذهب قوم إلى أن قوله : " هذا ربي " خبر وإقرار؛ لأنه كان في حال الطفولة وقبل قيام الحجة ، وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان . فلما تم نظره قال : " إني بريء مما تشركون " ، وذهب آخرون إلى أن قوله :"هذا ربي "على معنى الاستفهام والتوبيخ منكراً لفعلهم ، والمعنى أهذا ربي أو مثل هذا يكون ربًا؛ فحذف الهمزة كما حذفت في قوله تعالى : " أفإن مت فهم الخالدون "(الأنبياء34) أي أفهم ، وقول الشاعر:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا بسبع رمين الجمر أم بثمان
أي أبسبع (58 ).
ذلك ؛ لأنه لا يجوز أن يكون لله تعالى رسول ، ويأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو موحد و به عارف .
قال الزجاج : "وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " (إبراهيم 35 ).
وهكذا يعتمد المفسرون في توجيه نص القرآن على المعرفة بحال المتكلم .
وقد يترتب على الاختلاف في تعيين هوية المتكلم اختلاف في الإعراب كما في قوله تعالى : " وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا : خيرًا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " (النحل30) .
قال الشوكاني : قيل هذا ـ أي قوله : " للذين أحسنوا ... ـ من كلام الله عز وجل ، وقيل : هو حكاية لكلام الذين اتقوا فيكون على هذا بدلاً من " خيرًا" وعلى الأول يكون كلامًا مستأنفًا مسوقًا للمدح للمتقين (59 )، وقيل في قوله تعالى :" فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين "(آل عمران 32 ) إن تولوا مقول القول خففت تاؤه فهو مضارع ، وقيل هو من كلام الله فيكون ماضيًا ( 60) . وهكذا يختلف إعراب الكلمة باختلاف النظر إلى قائلها.

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 5 )
مصطفى شعبان
عضو نشيط
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 04-02-2016 - 01:29 PM ]


6- مراعاة حال المخاطب
عنيت النظريات النقدية الحديثة كما عني علماء النصية بدور القارئ أو المخاطب في العمل الأدبي بوصفه يمثل ركنا أساسياً من أركان الحدث التواصلي وهي (المرسل – النص – المتلقي 61) ، وقد ظل القارئ عنصراً منسياً في الظاهرة الأدبية ، ولم يلق الاهتمام المناسب إلا بعد أن قدمت مدرسة كوتستانس الألمانية نظرية للقراءة سماها مؤسسها هانس روبير ياوس " جمالية التلقي " (62 ) ، وبناء على هذه النظرية لا يمكن فهم النص عن طريق إظهار علاقته بمؤلفه ، أو الكشف عن بنيته العميقة فقط ، بل يجب تحليل العلاقة المتبادلة بين الكاتب والقارئ ؛ فلم يعد القارئ تلك الذات السلبية التي تتلقى العمل باستسلام ، بل أصبح فاعلاً يؤثر في كشف النص واستكناه دلالته ( 63) .
وقد عد دي بوجراند ضمن معاييره السبعة للنصية معيار القبول، وهو يتضمن موقف مستقبل النص إزاء كون صورة ما من صور اللغة ينبغي لها أن تكون مقبولة من حيث هي نص ذو سبك والتحام "(64 ).
جهود المفسرين في بيان دور المتلقي :
وقد اهتم المفسرون في بحوثهم ببيان حال المخاطب ؛ فقد نبهوا في حديثهم عن قواعد تفسير القرآن إلى أن مثار الخطأ في التفسير بالاستدلال دون النقل من جهتين : إحداهما : حمل ألفاظ القرآن على معان اعتقدوها لتأييدها به .
والثانية : تفسير القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن ، والمنزل عليه ، والمخاطب به ...." (65 )
كما أشار المفسرون أيضاً إلى أن الله تعالى لا يخاطب خلقه إلا بما يعرفونه، قال الطبري :" غير جائز أن يخاطب الله جل ذكره أحداً من خلقه إلا بما يفهمه المخاطب، ولا يرسل إلى أحد منهم رسولاً برسالة إلا بلسان وبيان يفهمه المرسل إليه ؛ لأن المخاطب والمرسل إليه إن لم يفهم ما خوطب به ، وأرسل به إليه فحاله قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعده سواء ؛ إذ لم يفده الخطاب والرسالة شيئاً كان به قبل ذلك جاهلاً ، والله عز وجل ذكره يتعالي عن أن يخاطب خطابًا ، أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه ؛ لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث ، والله تعالى عن ذلك متعال؛ ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم "( 66) .
تنوع الخطاب باختلاف المخاطبين :
لاحظ المفسرون أيضًا أن خطاب الله تعالى يتنوع تبعاً لاختلاف نوع المخاطب ؛ حيث لا يستوي مثلاً خطاب المؤمنين وخطاب الكافرين ، وقد روعي ذلك في القرآن حتى في دقائق الحروف والمعاني.
قال السيوطي في الإتقان : " حيث وقعت يغفر لكم في خطاب المؤمنين لم تذكر معها "من" كقوله في الأحزاب : " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم " (الأحزاب 70) .
وفي الصف : " يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم "(الصف10) إلى قوله : " يغفر لكم ذنوبكم "(الصف12) ، وكذا في سورتي إبراهيم و الأحقاف . لكن في سورة نوح " يغفر لكم من ذنوبكم " لأنه في خطاب الكفار من قوم نوح . وما ذاك إلا للتفرقة بين الخطابين ؛ لئلا يسوى بين الفريقين ..." ( 67) .
ووجه الفرق أن " من " تفيد التبعيض ، فحذفها في خطاب المؤمنين يفيد التوسعة في الوعد والبسطة في النعمة ، وذكرها في خطاب الكفار يدل على قلة نصيبهم بالقياس إلى المؤمنين .
مراعاة المخاطب والحذف :
ومن الأساليب النحوية التي يكثر فيها مراعاة حال المخاطب الحذف حيث يستغني المتكلم عن ذكر أجزاء من الكلام ثقة بفهم السامع أو اكتفاءً بعلمه .
يقول الطبري في تفسير قوله تعالي :" وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء فتأتيهم بآية" (الأنعام 35) ، يقول : وترك جواب الجزاء فلم يذكر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامعين بمعناه . فأما إذا لم يعرف المخاطب والسامع معني الكلام إلا بإظهار الجواب لم يحذفوه "(68 ) .
وفي قوله تعالى : " ووجد من دونهم امرأتين تذودان " (القصص23). قال القرطبي : " حذف المفعول إما إبهامًا على المخاطب ، وإما استغناء بعلمه قال ابن عباس : تذودان غنمهما عن الماء خوفًا من السقاة الأقوياء "( 69) .
وقد أشار بعض علماء النص المعاصرين إلي أن المتكلم قد يحذف شيئاً من الكلام اعتمادًا على فهم القارئ الذي يقوم بملء الفراغات في النص .
يقول الدكتور محمد العبد: " ينبغي أن نلمح هنا أن الكاتب أو الشاعر قد يعمد عمداً إلى ترك بعض الفراغات أو الثغرات التبليغية في نصه ؛ بهدف توظيفها توظيفًا فنيًا ، تاركًا لاجتهاد القارئ وفطنته وحسن توجيهه للمعنى فرصة ملء هذه الفراغات تأسيساً على المعنى الكلي للنص أو وحدة الدلالة . من هنا يصبح موقف القارئ من النص أكثر إيجابية" (70 ) .
مراعاة المخاطب والتغليب :
ومن الأساليب التي يكثر فيها مراعاة المخاطب أسلوب التغليب حين يجتمع المخاطب مع غيره فيغلب المخاطب .
يقول الطبري في قوله تعالى:" وما كان الله ليضيع إيمانكم"(البقرة 143) :" من شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يغلبوا المخاطب ، فيدخل الغائب في الخطاب ، فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه وعن آخر غائب غير حاضر فعلنا بكما ، وصنعنا بكما ؛ كهيئة خطابهم لهما ، وهما حاضران " ( 71) .
وقد قيل في سبب نزول الآية : إن الصحابة أشفقوا على إخوانهم الذين ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس ، فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية، فوجه بها الخطاب إلى الأحياء ودخل فيهم الموتى منهم (72 ) .
وفي تفسير قوله تعالي : " ليس على الأعمى حرج ، ولا علي الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا علي أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أبائكم... " ( النور 61) قال القرطبي : قوله تعالي : " ولا على أنفسكم " هذا ابتداء كلام أي " : ولا عليكم أيها الناس ، ولكن لما اجتمع المخاطب وغير المخاطب غلب المخاطب لينتظم الكلام " ( 73) .
والمقصود أن حكم إباحة الأكل لا يقتصر على المخاطبين من المؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يشمل من يماثلهم من غيرهم في عصرهم والعصور التي بعدهم ، ولكن طريقة القرآن هي خطاب المؤمنين على أنهم أمة واحدة مهما تباعد بهم الزمان والمكان .
وشبيه بذلك خطاب الله تعالى لليهود في سورة البقرة فإن أغلبه موجه إلى الذين كانوا على عهد موسى عليه السلام ، وهؤلاء ماتوا منذ أزمان بعيدة ولكن لما كانت طبيعة اليهود واحدة واللاحقون منهم يقتفون آثار السابقين ويرثون عنهم أخلاقهم السيئة خوطبوا على أنهم أمة واحدة كقوله تعالى " وإذ نجيناكم من آل فرعون ..." - وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون ..."- وإذ قتلتم نفسًا فادارأتم فيها ..." (البقرة 49 و 50 و 70) .

مراعاة المخاطب ودلالة أحرف المعاني :
ومما يراعي فيه حال المخاطب استخدامات أحرف المعاني، فقد قيل في " ألا" : إنها حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب (74 ).
وقيل في " أو " العاطفة في نحو قوله تعالي : " فهي كالحجارة أو أشد قسوة " (البقرة 74) : إنها للإبهام علي المخاطب (75 ) ، يعنون أن المخاطب إذا نظر أو علم بحالهم أبهم عليه أمرهم ؛ وذلك أن الشك على المتكلم وهو الله تعالى لا يجوز.
وقال المبرد في قوله تعالي : " وأرسلناه إلى مائه ألف أو يزيدون " (الصافات 147) وأرسلناه إلي جماعة لو رأيتموهم لقلتم هم مائه ألف أو أكثر منهم ، وإنما خوطب العباد على ما يعرفون " (76 ) .
وفي ذلك دليل على إجراء الكلام مجرى كلام المخاطبين . وهو مظهر من مظاهر التواصل بين النص والمتلقي .
ومما يراعى فيه حال المخاطب تحويل الفعل من صيغة إلى أخرى كتحويل الماضي إلى المضارع في قوله تعالى: " والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابًا فسقناه ...." (فاطر9) ، قال الزمخشري : " فإن قلت لم جاء فتثير على المضارعة دون ما قبله وما بعده ، قلت لتحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية . وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب ، أو تهم المخاطب ، أو غير ذلك " (77 ) .
أنواع المخاطبين:
أشار المفسرون أيضًا إلى ما يمكن أن يسمى بالمخاطب المقدر ، وهو قريب مما يسميه علماء النص المعاصرون بالمخاطب الضمني ، وذلك حين يتوجه الخطاب إلى شخص عام غير محدد بحيث يصلح أن يتوجه الخطاب لأي أحد يفهم الكلام ويتدبره ، وذلك كثير في القرآن الكريم حيث يتوجه الخطاب إلى شخص غير معين على سبيل تشخيص الموقف وإحضار الصورة . مثل قوله تعالى: " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " (الأحقاف25) – في قراءة التاء – "ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون" (المنافقون5) – "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال"(الكهف17) – "وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود "(الكهف18) .
فكل هذه الآيات تحكي قصصًا ومشاهد لم يرها الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن الخطاب وجه إليه على تقدير حضوره ، وهذا أحد التفسيرات في مجيء الفعل بصيغة الخطاب ، وقيل الخطاب عام في كل مخاطب يصلح أن يتوجه له الكلام .
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : " وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود " ( الكهف 18) :" وتحسبهم بكسر السين وفتحها خطاب لكل أحد " ( 78) .
وقال في قوله تعالى " فلا تكونن من الممترين "(البقرة147) . " ويجوز أن يكون " فلا تكونن" خطابًا لكل أحد على معنى أنه إذا تعاضدت الأدلة على صحته وصدقة فلا يصح أن يمتري فيه أحد ، وقيل : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته " ( 79) .
المخاطب الواسطة:
أشار المفسرون وعلماء القرآن إلى كون خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم خطابًا لأمته ، وفي ذلك توسيع لمعنى الخطاب ، وتفعيل دائم له ، وربما كان هذا النوع من الخطاب مما يتميز به الأسلوب القرآني حيث يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتدخل فيه أمته ضمنًا .
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : " ولتستبين سبيل المجرمين " (الأنعام 55) قرئ بالياء والتاء (سبيل ) برفع اللام ونصبها وقراءة التاء خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي ولتستبين يا محمد، سبيل المجرمين ، فإن قيل فقد كان النبي عليه السلام يستبينها، فالجواب عند الزجاج – أن الخطاب للنبي عليه السلام خطاب لأمته فالمعنى : ولتستبينوا سبيل المجرمين" ( 80) .

7- الاستدعاء النصي
يشبه هذا ما يعرف لدى علماء النص بالتناص بمفهومه الواسع العام ؛ إذ يعرف لدى بعض الدارسين بأنه استدعاء نص لنص آخر،أو العلاقات بين النصوص ، لكنا آثرنا هنا مصطلح الاستدعاء النصي تجنبًا لما يشوب مصطلح التناص من سلبيات لا تليق بمقام القرآن الكريم وهذا الاستدعاء متحقق في القرآن بلا ريب ؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا كما ذكر أهل التفسير ؛ ولأن سور القرآن تتآزر و تتشابه ويأخذ بعضها بأعناق بعض . ويبدو هذا واضحًا في القصص التي تتكرر على صور شتى بين الإيجاز والإطناب والبسط والاختصار، كما نلحظه في قصة موسى عليه السلام التي ذكرت في عديد من السور، وفي كل مرة يعرض جانب منها أو مشهد مخالف لما ذكر في بقية المواضع . وفي النهاية تتكامل المشاهد حتى تتألف منها قصة واحدة تامة.
ولا يمكن ملاحظة ذلك إلا من خلال دراسة العلاقات بين النصوص والآيات على مدار القرآن .
وثمة جانب آخر يمكن أن يدرس في إطار الاستدعاء ، وهو المتشابه من الآيات ، وقد أفرده عدد من علمائنا القدامى بالتأليف ، ولكنه لا يزال يحتاج إلى نظرة جديدة تتناوله في ضوء النظرية النصية التي تدعو إلى ضرورة النظرة الكلية في دراسة النصوص .
وجانب ثالث يتمثل فيه الاستدعاء القرآني ، وهو موضوع الحذف ؛ إذ نلاحظ أن القرآن الكريم يختصر الكلام أحيانًا اعتمادًا على ذكر الموضوع مفصلا في موضع آخر ، أو يحذف كلمة أو جملة استغناء بما ذكر في آيات وسور أخرى. ومعنى ذلك أن سور القرآن وآياته تتكامل وتتآزر لتكون في النهاية وحدة واحدة .
الاستدعاء و متشابه الآيات :
ثمة تشابه كبير بين آيات القرآن الكريم وسوره ، وقد أشار القرآن نفسه إلى ذلك حيث يقول عز وجل :"الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم "(الزمر23) . وتشابه الآيات والسور يرجع إلى وحدة أهداف القرآن ومقاصده وأهمية موضوعاته والحاجة إلى تذكير الناس الدائم بها وترسيخ عقيدة الإسلام في نفوس المؤمنين .
وتشابه الآيات والسور يكشف لنا عن الإعجاز اللغوي للقرآن ، والعلاقات بين نصوصه بلاغيًا ونحويًا ودلاليًا.ونورد أمثلة لهذه المتشابهات مقسمة بحسب القضايا النحوية المرتبطة بها .
الواو بين العطف والاستئناف:
قال الله تعالى في سورة ( البقرة 7 ) " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " فاختلف العلماء في الواو قبل قوله : " على أبصارهم " هل هي عاطفة أم استئنافية ؟ ومما رجحوا به كونها استئنافية ( ) قوله تعالى في سورة أخرى : " أفرأيت من أتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة " (الجاثية23) ، حيث فصل هنا بين السمع والقلب من جهة ، والبصر من جهة أخرى وفي هذا الترجيح دليل على مراعاة المفسرين للعلاقات بين آيات القرآن في التوجيه النحوي.
بين التعريف والتنكير:
قال الله تعالي في سورة (البقرة 126) : " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنا "، وقال في سورة (إبراهيم 35) :" وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا " فاستخدم كلمة البلد في الأولى نكرة وفي الثانية معرفة . وقيل في تفسير ذلك: إن" بلدًا " في البقرة إشارة إلى " وادٍ غير ذي زرع" قبل بناء الكعبة ، و"البلد" في إبراهيم إشارة إليه بعد البناء (81 ) ، فيكون "بلدًا" في سورة البقرة المفعول الثاني و"آمنا" صفة و"البلد" في إبراهيم بدل من "هذا" و"آمنا" المفعول الثاني –
وقيل: لأن النكرة إذا تكررت صارت معرفة (82 ).
ومن ذلك قوله تعالى :" وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " (الأنعام 165) وفي (يونس 14) "جعلكم خلائف في الأرض " ومثله في (فاطر 39) قال الفيروز آبادي : " لأن في هذه العشر الآيات تكرر ذكر المخاطبين مرات فعرفهم بالإضافة ، وقد جاء في السورتين على الأصل ، وهو( جاعل في الأرض خليفة) (جعلكم مستخلفين فيه) ( 83).
قلت : لعل السبب أن "يونس" و"فاطر" أسبق من "الأنعام" فنكرهم أولاً ثم عرفهم آخراً . والنكرة إذا تكررت عرفت .
بين الاسم والفعل:
قال الله تعالى في سورة (الأنعام 95) : " إن الله فالق الحب والنوي يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي". وقال في (آل عمران 27) : " وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " فعبر بالفعلين وقال في (الروم 19 ) و(يونس31):" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي فعبر بالفعلين كذلك .
قال الكرماني : " لأن ما في هذه السورة - يعني الأنعام – وقعت بين أسماء الفاعلين وهو فالق الحب والنوى ، ( فالق الإصباح وجعل الليل سكناً ) واسم الفاعل يشبه الاسم من وجه فيدخله الألف واللام والتنوين والجر وغير ذلك ، ويشبه الفعل من وجه فيعمل عمل الفعل ... ولهذا جاز العطف عليه بالفعل ... فلما وقع بينهما ذكر ( يخرج الحي من الميت) بلفظ الفعل ومخرج الميت من الحي) بلفظ الاسم عملاً بالشبهين وأخر لفظ الاسم ؛لأن الواقع بعده اسمان والمتقدم اسم واحد بخلاف ما في آل عمران ؛لأن ما قبله وما بعده أفعال فتأمل فإنه من معجزات القرآن" (84 ) .
وواضح من كلام الكرماني هنا أن كل آية جاءت مناسبة لسياقها فآية الأنعام جاءت محفوفة بأسماء الفاعلين فحسن ورود لفظ اسم الفاعل (مخرج) فيها ، وآية آل عمران ، وكذلك آيتا يونس والروم اكتنفها من قبلها ومن بعدها أفعال فحسن ورود الفعل فيها .
استيعاب صيغ الفعل:
قال الله تعالي في أول( سورة الحديد ) " سبح لله " بصيغة الماضي ، وكذلك في الحشر والصف ، ثم قال (يسبح ) بصيغة المضارع في أول الجمعة والتغابن ثم قال "سبح" بصيغة الأمر في أول سورة الأعلي . ويوضح الفيروز آبادي الحكمة من ذلك بقوله : " هذه كلمة استأثر الله بها ، فبدأ بالمصدر ( يعني سبحان ) في سورة بني إسرائيل (الإسراء ) ؛ لأنه الأصل ثم بالماضي ، لأنه أسبق الزمانين ، ثم بالمستقبل ثم بالأمر في سورة الأعلى ؛ استيعابًا لهذه الكلمة من جميع جهاتها ، وهي أربع : المصدر، والماضي، والمستقبل، والأمر للمخاطب. وهذا يدل على تكامل سور القرآن وترابطها وبديع ترتيب آياته حتى كأنه نص واحد ينبني كل جزء فيه على ما قبله.
بين السين وسوف :
قال الله تعالي في سورة ( الأنعام 5) " فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون" . وقال في( الشعراء 6):" فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون" .
قال الكرماني : " لأن سورة الأنعام متقدمة فقيد التكذيب بقوله بالحق لما جاءهم ، ثم قال فسوف يأتيهم على التمام ، وذكر في الشعراء فقد كذبوا مطلقًا ؛لأن تقديره في هذه السورة - الأنعام – يدل عليه ثم اقتصر على السين هنا بدل سوف ليتفق اللفظان فيه على الاختصار " (85 ) .
وواضح من هذا أن آية الشعراء جاءت اختصارًا لآية الأنعام ، وأن السين جاءت مناسبة لهذا الاختصار .
بين المبتدأ والخبر و نواسخهما:
قوله تعالي : " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية ..." (يس13)
أعرب مكي بن أبي طالب القيسي "مثلا" و"أصحاب" مفعولين للفعل "اضرب" ورأى أن أصلهما المبتدأ والخبر مستدلاً بقوله تعالي في سورة ( يونس 24) : " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء " قال : فلا خلاف أن" مثلا "ً ابتداء و"كماء" خبره ... ثم قال تعالى في موضع أخر : "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه" فدخل "اضرب" على الابتداء والخبر فعمل في الابتداء ونصبه فلابد أن يعمل في الخبر أيضًا " (86 ).
بين الإظهار والإضمار:
قوله تعالي : " وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوًا" ( الأنبياء 36)
وجاء نظيره في ( الفرقان41) :" وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوًا " فاستغني بالضمير في "رأوك" عن الموصول وصلته قال الفيروزآبادي : لأنه ليس في الآية التي تقدمتها ذكر الكفار فصرح باسمهم ، وفي الفرقان قد سبق ذكر الكفار فخص الإظهار بهذه السورة – يعني الأنبياء – والكناية بتلك –يعني الفرقان- (87 ) .

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
مصطفى شعبان
عضو نشيط
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 04-02-2016 - 01:31 PM ]


الاستدعاء و الحذف

ثمة كثير من المحذوفات في آيات القرآن الكريم يقدرها المفسرون ومعربو القرآن من جنس المذكور في نظائرها ومن ذلك :
حذف متعلق إذ الظرفية
قال الله تعالي : " وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب" قال في الحجة " وإذ في أول الكلام متعلقة بفعل دليله قوله : "واذكروا إذ أنتم قليل "( 88)
فهنا نجد أن المؤلف قد قدر الفعل المحذوف اعتمادًا علي آية أخرى . ومثل ذلك كثير في كتب الإعراب والتفسير.
حذف المفعول:
قال تعالي : " وقدموا لأنفسكم " ( البقرة 223) قال القرطبي : آي قدموا ما ينفعكم غدًا فحذف المفعول وقد صرح به في قوله تعالي : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله " ( 89) ( البقرة 110) .
حذف الحال :
قدر المعربون حالاً محذوفة في قوله تعالي :" وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة (الكهف 48) حيث قالوا التقدير: " جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" وهو مستفاد من سورة( الأنعام94) .
حذف متعلق الجار و المجرور:
قال تعالي : " قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانًا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون "(القصص35) اختلف المعربون في متعلق " بآياتنا " فقيل ( يصلون ) وقيل ( نجعل ) ، وقيل (الغالبون ) والمعنى : أنتما ومن اتبعكما الغالبون بآياتنا فـ "بآياتنا" داخل في الصلة تبيينا . قال الأشموني : " وهذا غير سديد ؛ لأن النحاة يمنعون التفريق بين الصلة والموصول؛ لأن الصلة تمام الاسم . وقيل :" بآياتنا" قسم ، وجوابه" فلا يصلون " مقدمًا عليه ، ورد هذا أبو حيان وقال : جواب القسم لا تدخله الفاء (90 ) . وقيل متعلقة بمحذوف أي اذهبا بآياتنا ، وهذا القول الأخيرـ فيما يبدوـ هو أقرب الآراء إلي المنهج النصي ؛ لأن هذا المحذوف قد ظهر في مواضع أخرى من القرآن كقوله تعالى : " اذهب أنت وأخوك بآياتي " (طه 42).
وقوله عز وجل : " فقلنا اذهبا إلي القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرًا " ( الفرقان 36) وقوله جل شأنه : " قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون " (الشعراء15).
قال الآلوسي :" بآياتنا متعلق بمحذوف قد صرح به في مواضع أخرى أي اذهبا أي نسلطكما " (91 ) .
الحذف في جواب الشرط:
قال تعالي : " من اهتدى فلنفسه " ( الزمر 41) فجواب الشرط هنا جملة غير تامة فتحتاج إلى تقدير محذوف ، وقد قدروه من آية سورة (النمل 92 ) ، قال الكرماني : قوله :" من اهتدى فلنفسه " وفي آخر النمل : " فإنما يهتدي لنفسه " لأن هذه السورة – الزمر – متأخرة عن تلك السورة – النمل – فاكتفي بذكره فيها" (92 ).
حذف المبتدأ:
قوله تعالي :" كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون" (الأحقاف 35 ) أعرب المعربون كلمة بلاغ خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره هذا ، وقد صرح به في آية سورة (إبراهيم 52) " هذا بلاغ للناس"( 93).
من حذف جواب الشرط:
قوله تعالى : " إئذا كنا ترابًا وعظامًا ذلك رجع بعيد (ق3) جواب إذا محذوف فيقدر من جنس المذكور في نظائره ، والتقدير نبعث أو نرجع لظهوره في نحو قوله تعالى :" أئذا متنا وكنا تراباً وعظامًا أئنا لمبعوثون"(الصافات 16) ومن ذلك قوله تعالى : " إذا السماء انشقت ....." (الانشقاق1) حيث ذكر الزمخشري أن الجواب محذوف ، وتقديره مصرح به في سورتي التكوير والانفطار ( 94) وهو قوله تعالي : "علمت نفس ما أحضرت" (التكوير14)، وقوله تعالي " علمت نفس ما قدمت وأخرت " (الانفطار 5) ، ويلاحظ أن سورتي التكوير والانفطار أسبق في ترتيب المصحف من سورة الانشقاق.

الاستدعاء والقصص:

في سورة هود تتشابه قصص نوح وهود وصالح في بدايتها حيث يقول الله تعالى : " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين . أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم"(هود25) .
ثم نمضي حتى الآية 49 فنجد السياق ينتقل إلى قصة هود عن طريق هذه البداية "وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قـوم اعبدوا الله مالكـم من إله غيره " (الآية 50) وهنا نلاحظ أنه تم الاستغناء عن الفعل "أرسلنا" لكن تأثيره النحوي مستمر في الجار و المجرور" إلى عاد" والمفعول به" أخاهم" .
قال الطاهر بن عاشور : " وإلى عاد أخاهم هودًا " عطف على : " ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه" فعطف " وإلى عاد" على "قومه" وعطف "أخاهم" على" نوحًا" والتقدير: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا"( 95) .
ثم نمضي إلى الآية 60 فنجد بداية قصة ثمود مثل ذلك ، حيث تبدأ القصة بهذا التعبير " وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره" فبغض النظر عن التشابه في مضمون الدعوة وطريقة التعبير عنها فإننا نركز على الظاهرة الإعرابية هنا، وهي تعلق الجار والمجرور " إلى ثمود "والمفعول به "أخاهم " والتابع "صالحًا" بالفعل "أرسلنا" المتقدم في قصة نوح" .
فهذا يدل على ترابط هذه القصص على مدار السورة حتى كأنها متعلقة كلها برباط واحد هو الفعل أرسلنا وذلك كثير في كتاب الله عز وجل .
ومن تشابه القصص في سورة هود قوله تعالى :" واتبعوا في هذه الدنيا لعنة " (60هود) وفي قصة موسي " في هذه لعنة " (هود99) ؛لأنه لما ذكر في الآية الأولى الصفة والموصوف اقتصر في الثانية على الموصوف للعلم والاكتفاء بما قبله ( 96) .
ومن تكامل القصص في القرآن ما نجده في قصة إبراهيم المذكورة في سورتي هود والحجر حيث يقول تعالى : " فقالوا سلامًا قال إنا منكم وجلون" (الحجر52) ؛ لأن سورة الحجر متأخرة فاكتفى بها عما في هود ؛لأن التقدير : فقالوا سلامًا قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حينئذ ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قال إنا منكم وجلون . فحذف كل هذا في الحجر اكتفاء بما في هود . ( 97)
وشبيه بذلك ما ورد في سورة النمل حيث نجد تشابه قصص لوط وعاد وثمود وقارون وفرعون قال تعالى : " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون " (النمل54) . فإعراب لوطًا يتوقف على معرفة الآية 45 من السورة نفسها إذ يقول تعالى :" ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا ..."
وقريب من ذلك قوله تعالى من سورة العنكبوت :" ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه ..."(الآية 14) .
حيث ترتبط القصص الآتية بعدها بالفعل" أرسلنا" الوارد في قصة نوح .
فالآية 16 وتبدأ بقوله تعالى:" وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ..."جاء فيها" إبراهيم" منصوبًا بالفعل" أرسلنا" السابق في الآية 14 عطفًا على "نوحًا" ثم نمضي حتى الآية 36 من السورة فنجدها تبدأ بقوله :"وإلى مدين أخاهم شعيبًا " .فالجار والمجرور متعلق بالفعل" أرسلنا "و"أخاهم شعيبًا" منصوبان به أيضًا . فإذا انتقلنا إلى الآية 38 نجد لفظي عاد وثمود منصوبين للفعل"أخذتهم" في الآية السابقة . حتى إذا أتينا إلى قوله تعالى من الآية 39: " وقارون وفرعون وهامان " نجد هذه الأعلام منصوبة عطفًا على الضمير في" أخذتهم" في الآية 37.
ثم تأتي الآية الأربعون لتجمل عقوبات هذه الأمم وتبين العلاقات النحوية بين الآيات السابقة إذ يقول تعالى :" فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا".
يقول الطاهر بن عاشور : "وتنوين العوض الذي لحق كلاً هو الرابط وأصل نسج الكلام وعادًا وثمود وقارون وفرعون إلخ ...كلهم أخذنا بذنبه "( 98) .
وبعد : فقد كانت هذه لمحات عن العلاقات النصية في القرآن الكريم ركزنا فيها على الجانب النحوي من خلال جهود المفسرين وأقرانهم من علماء القرآن والمعربين ، وقد تبين أن علماء العربية وفي مقدمتهم علماء التفسير قد عرفوا مبادئ نحو النص ، ووعوها جيدًا ، وقد بدا ذلك من خلال حديثهم المستفيض عن ترابط الآيات ، وأنواع المناسبات ، والسياق والضمائر ، وعطف الجمل ، وعطف القصص ، وتشابه الآيات والسور، وتعد هذه النقطة الأخيرة من الإضافات الجديدة والمهمة في ميدان الدراسات النصية القرآنية حيث إنها تكشف عن تكامل آيات القرآن وتآزرها ، وكأنها خلايا حية في جسد واحد على القرب والبعد ، ولعلنا نكون بذلك قد ألقينا الضوء على بعض الجهود العربية في تأسيس نظرية نحو النص .

خاتمة
وفيها أهم النتائج والتوصيات

1. أثبت هذا البحث أن العرب قد سبقوا الأوربيين في الاهتداء إلى علم لغة النص ، وإن لم يستخدموا المصطلحات نفسها ؛ لأن القضية ليست قضية مصطلحات بقدر ما هي قضية فكر ومنهج . وقد رأينا كيف أن الأفكار التي ينادي بها خبراء النصية اليوم من مثل المناسبة والانسجام والتماسك والإحالة ومراعاة السياق والتداول قد تناولها المفسرون باستفاضة وعمق كبيرين ، الأمر الذي يدحض زعم بعض باحثينا المعاصرين أن هذا العلم لم يعرفه العرب من قبل.
2. تناول هذا البحث الجهود النحوية الحقيقية للمفسرين ، إذ ركز على معالم النظرية النحوية عندهم ، ولامس جوانب التميز لديهم ، وما انفردوا به عن النحويين ، وفي ذلك إنصاف لهم تنكب عنه كثيرون ممن كتبوا عن النحو في كتب التفسير ؛ إذ حرص بعضهم على إدراج المفسرين في زمرة النحاة ، وجعل منهج هؤلاء مثل منهج هؤلاء مع بعد ما بين المنهجين ، وحرص آخرون على تتبع المسائل الجزئية لدى المفسرين كالفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر ...إلخ .أو الأصول النحوية اامشهورة من سماع وقياس وعامل وتعليل وغير ذلك ، وضيعوا أهم ما تميز به المفسرون وهو النحو النصي الذي يقوم على النظرة الكلية للنص وعلاقاته الداخلية والخارجية .
3. درس هذا البحث عددًا من القضايا الهامة والبارزة في النحو القرآني مثل : الكاف التشبيهية ودورها في الربط النصي ، وقيام اسم الفاعل مقام الجملة ، ودور اسم الموصول في الربط بين الجمل ، وعطف القصة على القصة ، والإحالة الخارجية، والإحالة البعدية ، واختلاف الخطاب باختلاف حال المخاطبين ، والمخاطب الواسطة ، واستدعاء النصوص ، وغير ذلك من القضايا التي لا تخطئها عين الناظر البصير .
وثمة نتائج كثيرة لا أحب أن أكررها فهي مبثوثة في ثنايا البحث . ولكني أكتفي بذكر التوصيات الآتية :

1- ضرورة النظرة الكلية للقرآن الكريم كله وللسورة كلها عند إعراب آيات القرآن الكريم .
2- إعادة النظر في الآراء النحوية القديمة على أساس من المنهج النصي لترجيح ما كان منها مناسبًا للسياق ومضمون النص .
3-الاستفادة من المنهج النصي في الدرس النحوي على المستويين التنظيري والتطبيقي.
4- تتبع الاتجاه النصي لدى علمائنا القدامى من المفسرين والبلاغيين والنقاد والنحاة بغية بناء نظرية نصية عربية متكاملة .
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل متقبلا وأن يغفر ما وقع فيه من نقص أو زلل ، والحمد لله رب العالمين .
د . مصطفى أحمد عبد العليم


* * *

مراجع البحث
1. الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، طبعة مصطفى الحلبي 1978 .
2. أضواء البيان للشنقيطي، عالم الكتب ، بيروت ، 1977 .
3. إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ،دار الكتب المصرية ،1360 هـ .
4. البرهان في علوم القرآن للزركشي . تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت 1988 .
5. البرهان في توجيه متشابه القرآن لمحمود بن حمزة بن نصر الكرماني ، تحقيق السيد الجميلي ، القاهرة ،1994
6. بصائر ذوي التمييز لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ، تحقيق محمد على النجار ،المكتبة العلمية ، بيروت ، .
7. التبيان في إعراب القرآن للعكبري ، دار الجيل ، بيروت 1987.
8. تحفة الغريب في الكلام عن مغني اللبيب، للدماميني تحقيق د. إبراهيم حسن إبراهيم رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية ، جامعة الأزهر 1973.
9. تفسير البحر المحيط ، لأبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1990 .
10. تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل، لناصر الدين عبد الله بن عمر الشيرازي البيضاوي دار الفكر ، بيروت ، 1996.
11. تفسير التحرير والتنوير ، لمحمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر 1999.
12. تفسير روح المعاني الآلوسي 20/78 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
13. تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، لأبي السعود محمد بن محمد العمادي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1994 .
14. تفسير الطبري = جامع البيان في تفسير القرآن، لمحمد بن جرير الطبري ، طبعة مصطفى البابي الحلبي1968 .
15. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز ، لعبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ، الدوحة 1984 .
16. تفسير فتح القدير للشوكاني ، تحقيق د . عبد الرحمن عميرة ، دار الوفاء ،مصر ، 1997 .
17. تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن ، دار الشعب ، القاهرة، 1372 هـ .
18. تفسير ابن كثير= تفسير القرآن العظيم لإسماعيل بن كثير، عيسى البابي الحلبي ، القاهرة .
19. تفسيرالكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري ،طبعة مصطفى الحلبي 1972 ،
20. التناص نظرًيا وتطبيقيًا للدكتور أحمد الزعبي .عمان ، 2000.
21. الحجة في القراءات السبع ، للحسين بن أحمد ابن خالويه، بيروت ، دار الشروق، 1979.
22. دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ، تحقيق محمود محمد شاكر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب
23. علم اللغة والدراسات النصية لبرند شبلنر ترجمة محمود جاد الرب ، الرياض 1991 .
24. علم لغة النص المفاهيم والاتجاهات للدكتور سعيد حسن البحيري ، الشركة المصرية العالمية للنشر ط1 ، الجيزة 1997 .
25. علم اللغة النصي للدكتور صبحي إبراهيم الفقي ، دار قباء ، مصر ، 2000.
26. في نظرية التلقي، لـ "جان استارو بينسكي وآخرين ترجمة د. غسان السيد ،الأوائل للنشر والتوزيع ، دمشق2000 .
27. اللغة والإبداع الأدبي ، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع ، القاهرة،1989 .
28. مجموع فتاوى ابن تيمية 13/355 ، 356 مكة المكرمة 1969 ،
29. مشكل إعراب القرآن ، تحقيق السواس 2/223 ، دار المأمون للتراث ، دمشق ، .
30. مغني اللبيب ،لابن هشام الأنصاري ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد . مطبعة المدني بدون تاريخ .
31. المفردات في غريب القرآن ، لأبي القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني ، تحقيق محمد سيد كيلاني ، مطبعة البابي الحلبي ، الطبعة الأخيرة، 1961 .
32. منار الهدى في بيان الوقف والابتدا ، لأحمد بن محمد بن عبدالكريم الأشموني ، مطبعة مصطفى الحلبي القاهرة 1973.
33. . مناهل العرفان في علوم القرآن ، لمحمد بن عبد العظيم الزرقاني ، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة ، 1980.
34. نسيج النص للأزهر الزناد ، المركز الثقافي العربي، بيروت ، 1993.
35. النص والخطاب والإجراء لـ"دي بوجراند" ، ترجمة الدكتور تمام حسان ، عالم الكتب ، القاهرة 1998.


رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
مصطفى شعبان
عضو نشيط
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 04-02-2016 - 01:33 PM ]


(1) انظر علم لغة النص المفاهيم والاتجاهات ، للدكتور سعيد حسن البحيري 110الشركة المصرية العالمية للنشر ط1 ، 1997.
(2) البرهان في علوم القرآن 2/175 ، دار الجيل ، بيروت ، 1988 .
(3) تفسير القرطبي 20/129 دار الشعب ، القاهرة، 1372 هـ .
(4) السابق 19/91.
(5) راجع في تعاريف التناص التناص نظرًيا وتطبيقيًا للدكتور أحمد الزعبي 11-19 .عمان ، 2000.
(6) البرهان في علوم القرآن 36 .تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،بيروت 1988 .
(7) السابق نفسه .
(8) السابق نفسه .
(9) شرح المفصل لابن يعيش 3/74 .
(10) السابق نفسه .
(11) السابق 3/75 .
(12) دلائل الإعجاز 243 تحقيق محمود محمد شاكر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2000 .
(13) السابق 244 .
(14) السابق 246 .
(15) السابق 247 .
(16) تفسير القرطبي8/ 253.
(17) السابق 14/ 231.
(18) تفسير الكشاف 1/165 .
(19) تفسير التحرير والتنوير 1/215 .
(20) تفسير الكشاف1/ 253.
(21) تفسير التحرير والتنوير 1/327 .
(22) تفسير التحرير والتنوير 1/225 .
(23) تفسير التحرير والتنوير 1/215 .
(24) التبيان في إعراب القرآن 2/241 ،دار الجيل ، بيروت 1987 ، ومثله في1/279 ، 2/104.
(25) المغني 1/112 تحقيق محيي الدين عبد الحميد .مطبعة المدني بدون تاريخ .
(26) راجع البحر المحيط 4/459 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1990 .
(27) الكشاف 2/143، طبعة مصطفى الحلبي 1972 ، وراجع تفسير ابن عطية 6/219طبعة الدوحة 1984 حيث قال :" إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال ".
(28) تفسير البيضاوي 3/193 ، دار الفكر ، بيروت ، 1996.
(29) القرطبي 10/264 ، دار الكتب المصرية ، 1967.
(30) السابق 16/229 .
(31) راجع الإتقان 2/293 .
(32) تفسير أبي السعود 8/127، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1994 .
(33) راجع المغني 1/ 51 .
(34) انظر نسيج النص للأزهر الزناد 118-119المركز الثقافي العربي، بيروت ، 1993.
(35) البرهان للزركشي 4/24 .
(36) يقصد بنواة النص الكلمة أو الجملة التي تمثل محور النص الذي يرتبط به كل ما في النص من عناصر ومن بينها المرجعية التي تتحقق عن طريق الضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة .انظرعلم اللغة النصي للدكتور صبحي إبراهيم الفقي 1/166ونسيج النص للأزهر الزناد 31،36.
(37) انظر علم اللغة والدراسات النصية لبرند شبلنر ترجمة محمود جاد الرب 88 ، الرياض 1991 .
(38) السابق نفسه .
(39) البحر المحيط 3/484 ، .
(40) البرهان للزركشي 1/192والإتقان 1/12-13مصطفى الحلبي 1978 .
(41) البرهان للزركشي1/197-199 .
(42) تفسير الطبري 16/68 ، طبعة مصطفى البابي الحلبي1968 .
(43) السابق 11/160 .
(44) تفسير ابن كثير2/483 ، عيسى البابي الحلبي ، القاهرة .
(45) انظر تفسير الكشاف1/321 .
(46) انظر فتح القدير1/292 ، تحقيق د . عبد الرحمن عميرة ،دار الوفاء ،مصر ، 1997 .
(47) انظر علم لغة النص 110 .
(48) انظر علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق ، للدكتور صبحي إبراهيم الفقي 32 ، دار قباء ، مصر ، 2000.
(49) مغني اللبيب 1/13 .
(50) تحفة الغريب 13 تحقيق د. إبراهيم حسن إبراهيم .
(51) إعراب ثلاثين سورة 64 .
(52) المفردات 451 .
(53) المفردات 451 .
(54) تفسير فتح القدير 1/136.
(55) المفردات 335 .
(56) البرهان في علوم القرآن4/288 .
(57) تفسير الطبري 1/149.
(58) تفسير الطبري 11/148 .
(59) تفسير القرطبي 7/18-19 .
(60) فتح القدير 3/159 .
(61) انظر السابق 1/355 .
(62) انظر كتاب في نظرية التلقي، لـ "جان استارو بينسكي وآخرين ترجمة د. غسان السيد 111،الأوائل للنشر والتوزيع ، دمشق2000 .
(63) راجع السابق نفسه .
(64) راجع النص والخطاب والإجراء لـ"دي بوحراند" 104 ترجمة الدكتور تمام حسان ، عالم الكتب ، القاهرة 1998.
(65) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 13/355 ، 356 مكة المكرمة 1969 ، ومناهل العرفان 2/19 .
(66) تفسير الطبري 1/ 7.
(67) انظر الإتقان 2/296 و الكشاف للزمخشري 2/543 .
(68) تفسير الطبري 7/ 184 .
(69) تفسير القرطبي13/268 .
(70) اللغة والإبداع الأدبي 37،38 ، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع ، القاهرة،1989 .
(71) تفسير الطبري 2/ 18 .
(72) السابق نفسه .
(73) تفسير القرطبي 12/314 .
(74) التبيان للعكبري 1/19 .
(75) تفسير القرطبي 1/314،315.
(76) راجع السابق 15/132 .
(77) تفسير الكشاف 3/301 .
(78) تفسير الكشاف2/475 .
(79) تفسير الكشاف 2/46 .
(80) تفسير القرطبي 6/281 .
(81) انظر أضواء البيان للشنقيطي1/48 ، عالم الكتب ، بيروت ، 1977 ،والبرهان للزركشي 2/197 .
(82) انظر بصائر ذوي التمييز 1/147 ، تحقيق محمد على النجار ،المكتبة العلمية ، بيروت ، .
(83) السابق 1/148 .
(84) السابق 1/200 .
(85) البرهان 51 ، 52 .
(86) البرهان للكرماني 47، تحقيق السيد الجميلي ، القاهرة ، 1194
(87) انظر مشكل إعراب القرآن ، تحقيق السواس 2/223 ، دار المأمون للتراث ، دمشق ، .
(88) بصائر ذوي التمييز 1/320 .
(89) الحجة في القراءات السبع ، لابن خالويه ، 1/163 ، .
(90) انظر تفسير القرطبي 3/96.
(91) انظر منار الهدى 291 ، مطبعة الحلبي القاهرة 1973، وانظر تفسير البحر المحيط 7/118.
(92) انظر تفسير الآلوسي 20/78 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
(93) انظر أسرار التكرار في القرآن ، للكرماني 186 تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، القاهرة .
(94) انظر المغني 2/630 .
(95) انظر تفسير الكشاف 4/134 ،وتفسير روح المعاني 30/80 .
(96) تفسير التحرير والتنوير 12/64، الدار التونسية للنشر 1999.
(97) انظر البرهان للكرماني 84 .
(98) انظر البرهان للكرماني 95 . وراجع سياق آيات سورة هود من 69-70 .
(99) تفسير التحرير والتنوير 20/245 .

رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على الموضوعات
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الموضوعات المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
العلاقات النصية في القرآن الكريم مصطفى شعبان البحوث و المقالات 7 04-29-2017 11:24 AM
#بحث : (ذو) في القرآن الكريم دراسة نحوية دلالية - د. مؤمن عمر محمد البدارين الهيثم دراسات وبحوث لغوية 0 04-26-2015 08:53 AM


الساعة الآن 07:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by