(مستعربون في خدمة العربية)
تهدف هذه السلسة إلى بيان دور المستعربين في خدمة اللغة العربية بما قدموه من مؤلفات وبحوث، وتعريفهم للقارئ العربي سواء أكان بالحوار المباشر معهم إن أمكن ذلك أم بالكتابة عنهم، فهؤلاء المستعربون رغم أن لسانهم الأول ليس العربية، فإنهم مع ذلك أحبوا العربية وألَّفوا بها.
الحلقة الرابعة:
جاك بيرك (1328- 1416هـ=1910- 1995م)
جاك بيرك: مستعرب فرنسي. وُلد في بلدة فراندا بالجزائر سنة 1910م، وهناك تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي ودرس الآداب القديمة في جامعتي الجزائر والسوربون حيث حصل من الأخيرة على دكتوراه الدولة سنة 1955م. التحق الدكتور بالإدارة المراكشية، واستطاع من هذا الطريق أن يعرف عن كثب وجوه الحياة المغربية في المدن والقبائل. وكان قد وضع محاولة للإصلاح الزراعي فأُوفد إلى منطقة أطلس، ومن ثَمَّ خص الأطلس برسالته الرئيسية للدكتوراه، كما جعل الرسالة التكميلية خاصة بمفكر مغربي من رجال القرن السابع عشر. وفي سنة 1953م ترك الإدارة المراكشية وشدَّ رحاله إلى مصر فقضى بها ثلاث سنوات خبيرًا دوليًّا لليونسكو في مركز التربية بسرس الليان. ثم رحل إلى لبنان وأسس بها مركزًا لتعليم اللغة العربية الحديثة، وقضى بها سنتين ثم اختير للتدريس بالدراسات العليا بجامعة باريس؛ كما شغل منصب كرسي التاريخ الاجتماعي الإسلامي في الكوليج دي فرانس. وخلال عمله في التعليم الجامعي زهاءَ ربع قرن تخرج على يده عدد كبير من الطلبة الأوربيين والشرقيين. وقد طالت وفادته بوصفه خبيرًا لليونسكو، وأستاذًا مدعوًّا من قِبَل الجامعات على نحو ثلاثين بلدًا، وبخاصة البلاد العربية. وقد كان صديقًا للعرب ومشاركًا مشاركة سريَّة في حركات التحرير في الجزائر وفلسطين بخاصة. ولذلك حصل على رتبة ضابط فرقة الشرف، وضابط استحقاق، وقائدًا، كما حصل على عدة أنواط من مراكش وتونس وسورية. والدكتور جاك بيرك حاصل على جائزة بغداد للثقافة العربية في سنة 1983م.
نشاطه بمجمع اللغة العربية بالقاهرة: عمل الدكتور جاك بيرك عضوًا مراسلاً للمجمع عن فرنسا منذ سنة 1968م، ثم اختير عضوًا عاملاً بالمجمع سنة 1986م، وسعد المجمع الأُردني به كذلك عضوًا مراسلاً منذ سنة 1980م.
ومن آثاره الثقافية في التأليف: نوازل المزارعة، دراسة وترجمة، والأُسس الاجتماعية للأطلس الكبير، والتاريخ الاجتماعي لقريةٍ مصريةٍ في القرن العشرين، ومصر بين الإمبريالية والثورة، والشرق الثاني، والعرب، والفلسطينيون والأزمة الإسرائيلية العربية،(بالاشتراك)، واللغة العربية في الحاضر، ومن الفرات إلى الأطلس، والقصائد العشر الطوال قبل الإسلام، والمغرب بين حربين، وترجمة معاني القرآن الكريم. وقد تُرْجِم بعض هذه المؤلفات إلى الإنجليزية، والإسبانية، والإيطالية، والألمانية، والدنمركية. كما أشرف على عشرات الرسائل العلمية التي أسهم فيها إشرافًا أو مناقشة، كان إسهامه فيها دعمًا للمنهج العلمي وإضافة معرفية جديدة إلى المعارف التي يقدمها الباحثون في رسائلهم.
قال عنه الدكتور عبد الهادي التازي في بحث يحمل اسم "جاك بيرك من خلال أعماله":
"كان جاك بيرك فعلاً (سيوطيّ زمانه)... "كان جسرًا من الجسور الهامة التي ربطت بين الشرق والغرب... سنجد أننا أمام عالم قائم بذاته يحمل اسم "جاك بيرك".
المصادر: المجمعيون في خمسة وسبعين عامًا/ 237- 239.
إعداد: مصطفى يوسف