كتبه الودغيري محمد
السلام عليكم ,
http://www.m-a-arabia.com/vb/showthread.php?t=1319
قال شيخنا أن مشروع اللسانيات العربية أمر ممكن . ومده على بساط البحث داخل المجمع حاجة ملحة , هكذا جاء التعبير عنده ( هذا الاقتراحُ يُمكنُ العبارَةُ عنه بالمشروع اللساني اللغوي العربيّ؛ وهو مشروع يقوم على :) وقبل البحث في أسس المشروع التي يراها الشيخ عمود المشروع , وجب الفصل في المصطلحات والمفاهيم والتصورات , وجب تصحيح ما هو سائد حول الموضوع , لقد كثرت النظريات واختلط الحابل بالنابل . وأولى الاخطاء هنا هو غياب التمييز بين اللغوي واللساني علما و اصطلاحا وتصورا ومادة وحقلا ومصطلحات ومنهجا وموضوعا .
أما اصول البحث المنهجي العلمي هنا فهي تلك التي وضعها الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح ويرجى العودة الى كتابه ( بحوث في اللسانيات العربية . ) للوقوف عليها فانا لا أستطيع تكرارها هنا . لكني اضيف اليها أصولا أخرى لم ينتبه اليها الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح او أهملها , وهي
1- التسهيل وهي عميلة تجعل المادة المعروضة في المشروع ذات مقروئية من طرف الجميع , فتصبح ذات مقبولية للتنفيد , فلا أحد سيغامر بتنفيد مشروع غامض غير واضح او مبني على فلسفة ومنطق مجردين لا يمكن الامساك بهما , فالمشروع يحتاج الى تمويل اما من جهة خاصة او من جهة حكومية . هذه الجهة ستستفيد ماديا واقتصاديا عند الانتهاء من انجاز العمل .
2- الوضوح , لا يمكن اطلاق المشروع و مادته موضوعين مختلفين او ثلاثة مواضيع , كما جاء عند الشيخ . فالمشروع اللساني موضوع والمشروع اللغوي موضوع اخر ,
1- أما المشروع اللغوي فقد بدأ منذ بداية عصر النهضة وحقق نجاحات محدودة . وهو ما نراه منتشرا أمامنا في المدارس والجامعات والمعاهد والمجلات والدوريات والكتب الخ , ولم يستطع هذا المشروع اقتحام حقول البحث العلمي التجريبي والمختبرات , ولم تنتشر انجازاته في قطاعات عديدة من الاقتصاد الى الادارة ودواليب الدولة والحكومات والخدمات العامة لاسباب كثيرة , منها قصور في المشروع اللغوي ذاته ,ومنها انتقال نفس المشروع في الغرب الى مرحلة متقدمة سماها هو و نسميها نحن المشروع اللساني , نتيجته أننا لم نستطع اللحاق به نظرا لان اللسانيات في الغرب أصبحت تدور في فلك العلوم البحثة وهو سر تأخرنا عنه .
2- من جهة أخرى لدينا لسانيات الكلام , وهي تلك النظريات اللسانية التي ظهرت على الساحة الاكاديمة العربية , تلك التي لا نستطيع تبني ولو واحدة منها لانها ليست علمية او لانها قامت على أسس غير علمية . نضيف اليها تلك المحاولات الخلاسية التي جمعت بين السياقية والتداولية ولسانيات الخطاب ولسانيات النص وربما ستجمع غدا بين اللسانيات العرفنية و الادراكية العصبية وكل ما استجد في الغرب من نظريات , حين تكتشف هذه المحاولات بان نقصا يعتريها فتضيف لسلة الغذاء ما يمكن ان يقدم حلولا ترقيعية لها .
هذا بالضبط ما سماه الدكتور المدلاوي بالتهافت اللساني في بحث مطول له منشور سنة 1986 في مجلة ( دراسات أدبية ولسانية ) المغربية , و أستاذ اللغة العبرية هذا هو أول من نبه لهذا الداء من قبل ان يتفشى كما نراه الان , اللغة العربية لغة أصيلة وشامخة ولا تستحق هذ الاهمال العلمي اللساني .
3- في حين المشروع العربي الثاني وهو المشروع اللساني العلمي الذي يدعو اليه الامام وهو هدفنا هنا . لقد تعددت النظريات اللسانية داخل العالم العربي , كل يغني على ليلاه , ولم تستطع نظرية لسانية واحدة ان تفرض رؤيتها العلمية على المجتمع العربي , ويتم تبني المجتمع العربي لتلك النظرية , ودليله العلمي نجاح حوسبة اللغة العربية أو ما يسمى اللسانيات الحاسوبية , وأعتقد ان مشروع الدكتور الحاج عبد الرحمان صالح سار في خط علمي صحيح لكني متأكد أيضا من وجود عقبات علمية اعترضته على المستوى الصوتي والمنهجي رغم اني لم أقرأ كل أعماله , لا أملك الفصل المتعلق بذلك من كتابه ( بحوث في اللسانيات العربية ) لاشرح تلك العقبات وأدلل صعابها وأقدم الحلول .
لكني ساقوم بذلك حالما أصل الى ذلك الفصل .
رأينا ثلاثة مشاريع :
1- المشروع اللغوي , قلنا انه استنفذ طاقته ولم يعد قادرا لا على مسايرة المشروع اللساني الغربي ولا على مسايرة التطور التكنولوجي الحديث .
2- المشروع اللساني الكلامي وقد رصدناه في النظريات اللسانية الكلامية العربية الحديثة - ونستطيع رصده في نظريات اللسانيات الكلامية في الغرب لان هذه من تلك , والعقبة الاساسية العلمية لهذا المشروع هو غياب الاسس والمعايير العلمية الصحيحة التي يجب ان ينطلق منها مشروع اللسانيات الكلامية , وهذه الاسس لا توجد ولا يمكن تحقيقها الا من علم واحد وهو لسانيات اللسان عند سوسور .
3- المشروع اللساني العلمي . وهو ما نطمح الى تحقيقه .
نحن من خلال هذا التقديم , نكون قد وقفنا على اشكالية علمية حقيقية , هي في الحقيقة أزمة اللسانيات العربية الحديثة . ترى ما الاسباب في وقوع هذه الاشكالية ؟
اضاءة بين عارضتين
- أين نحن من قول الامام ( المشروع اللغوي اللساني ) فهل هو مشروع لغوي لساني أم مشروع لساني لغوي ؟ أين الصواب ؟ مع العلم ان بعض المعاجم الاصطلاحية الغربية تميز بين اللغة واللسان, ويمكنكم ان تتأكدوا من ذلك مباشر من المعاجم الفرنسة لان معاجم اللغات الاخرى لا تعرف مصطلح اللسان . -
يعود ذلك الى اسباب متعددة ومتداخلة وعضوية , لها تمظهرات جزئية تعيق الرؤية العلمية الصحيحة , ولتجنب كل العوائق المعرفية الجزئية , نجد حلا في عرض كل تلك العوائق الجزئية ضمن قوالب كبرى , نضعها اول الامر داخل أصول تلك الاشكالية .
1- الاصل الاول وهو التراث الفكري اللغوي العربي القديم , وقد تطرق اليه الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح , ولن نلتفت اليه الان , و سنأخر الفصل فيه لاحقا ونهتم الان بالاصل الثاني وهو الذي يهمنا هنا أكثر في هذا السياق لانه مصدر القلق والاضراب . أكثر من الاول .
2- الاصل الثاني وهو النظرية اللسانية عند سوسور والنظريات اللسانية الغربية التي جاءت بعده , يضم هذا الاصل مشاكل متعددة أهمها مشروعية الاصل الصحيح علميا الذي سيدعونا هو نفسه للاخذ منه في حقل اللسانيات . والمشكل الاخر هو مشكل الترجمة بين اللغات , ومن بينها اللغة العربية .وما ترتب عن تلك الترجمة من تشويه . يعني ان التشويه لم يكن متعلقا فقط بالعربية.
لمقاربة الاصل الثاني سنعتمد على رأي أكبر معارضي النظرية اللسانية عند سوسور في الغرب , وستكون تلك النظرية هي المحك والمعيار للوصول الى الحقيقة العلمية اللسانية , لانها الاصل على الاقل من حيث الاسبقية الزمانية , ولاسباب اخرى سنذكرها في أوانها . سنعرض النظرية من خلال نصوص معارضيها وسأكون مضطرا لنقل نص طويل جدا كاول نص نخصه للقراءة العلمية ولعمليات استنطاق واسعة , سنتبث من خلالها في النهاية لماذا وصل الفكر اللساني الغربي مشوها عند العرب .؟
ما سنقوله هنا لم يسبقنا اليه أحد الا سوسور نفسه وفي بعض منه الدكتور حنون مبارك في كتابه (مدخل الى لسانيات سوسور ) , والقارئ ليس خالي الوفاض أو لا يملك أدوات التمييز في عقله , القارئ اللبيب سيصل الى النتيجة العلمية بنفسه .
قبل البدأ في العمل , أود الاشارة الى ان موضوع لسانيات سوسور والسؤال الذي طرح حول اللسانيات بصفة عامة هل هي علم ام شئ آخر ؟ في الاوساط الاكاديمية المغربية في الثمانينيات من القرن السابق وكتبت حوله آنذاك مقالات متعددة ونظمت له حوارات و حلقات وموائد خصوصا في جامعة سيدي محمد ابن عبد الله وكليتها اللغوية , أما السؤال فكان مشروعا و اما الجواب فجاء مضطربا بين النفي والاتباث . والسبب في غياب رأي حاسم في الموضوع يعود أولا الى غياب ترجمة علمية صحيحة لنظرية وكتاب سوسور المحاضرات , والسبب الثاني يكمن في غياب أي محاولة اختبار وتجربة لهذه النظرية على مستوى الممارسة التطبيقية والعملية وخصوصا في الغرب , ففي هذا المستوى بالضبط تتكسر أمواج النظريات وتتلاشى . وتقف النظريات الاصيلة صلبة شامخة . والسؤال في الحقيقة كمن يضع العربة خلف الحصان .
سنتابع التحليل انطلاقا من نماذج عملية .