السائل (أبو سعيد): أنا مواظب على قراءة فتاويكم، وأتحرّاها بالشوق في كلّ جمعة في (ملحق الرّسالة)، وأنا مدرِّس لغة بالمرحلة الثانوية، وأحرص كلّ الحرص على تعليم الطلاب وتحبيبهم في مادة القواعد، ولكن أحسّ من نفسي تقصيرًا في توصيل المعلومة.. فبماذا تنصحني شيخنا الكريم؟
الفتوى 51: إنّ استنصاحك يا أبا سعيد دليل صلاح وآية فلاح، وإنّ شعورك بالتقصير منبئ عن حياة الضّمير، والله أسأل أن يكثر من أمثالك، ويبارك في أعمالك، وليت إخوانك الّذين يعملون عملك ينهجون نهجك، ويقصّون أثرك. إنّ تعليم اللغّة العربية وغيرها فنٌ وقوده الأول حصيلة المعلم، وقائده الرّغبة والصدق والإخلاص، وجناحاه أسلوب المعلم وطريقة تدريسه وعرضه. وأمّا نصيحتي فإني أقدِّمها لك قواعد على هذا النحو:
أولاً: إذا أردتَ أن تخفّ نفسك لأيّ عمل تقدمه للناس، فتعاهد نفسك ونيّتك في احتساب الأجر، فإنه يخفّ عليك مهما عظُم، ويلذّ لك من حيث لا يلذ لغيرك. ثانيًا: عليك بالتيسير في شرحك وخطابك واختبارك وتصحيحك وتنجيحك، فالتيسير هو مراد الله الدّيني، بل الدّين كلّه مبنيٌ على اليسر، ولا تقع فيما وقع فيه طوائف من المدرّسين الذين حُرموا هذه الخصلة المباركة، وظنّوا أن مصلحة الطلاب في التشديد عليهم، وأنه إن لم ينفعهم اليوم فسينفعهم غدًا، ولا ينجح من تلاميذهم إلاّ قليل، ويفعلون كما يفعل بعض الآباء الذين كدحوا في نشأتهم ورزقهم الله مالاً وولدًا، فبخلوا في الإنفاق على أولادهم، وكنزوا أموالهم، وقالوا: لا نريد أن نعينهم، ولا نوسِّع عليهم كي يتعبوا ويجهدوا كما تعبنا وجهدنا، ويعرفوا قيمة (القرْش!!)، ذلك هو الضلال البعيد.
ثالثًا: إذا شرحت درسك فتوقّ فيه من التفريعات التي لا تعود إلى أصل الموضوع، والاستطراد المشتت.
رابعًا: اجتهد في أن تسلك طرائق في أسلوبك وعرضك، وانظر أقربها إلى أفهامهم، وأحبّها لقلوبهم.
خامسًا: لا تملّ من تكرار درسك ما وجدتَ إلى ذلك سبيلاً، فالتكرار يمنع من الفرار.
سادسًا: لا تجاوز درسًا لم يفهمه تلاميذك، فإن كررته ولم يفهمه أحدٌ منهم، فاعلم أنك لم تفهم.
سابعًا: عليك بإيقاظ أذهانهم بالمساءلة.
ثامنًا: اعرف قوّة استعداد كلّ واحد منهم، واجعل ذلك في نفسك.
تاسعًا: أوقِدْ فتيل التنافس بينهم بالقدر الذي ينفعهم. عاشرًا: احملهم على محبتك بتواضعك ورفقك،
لا سيما حين يلقونك في غير مواطن التدريس، فإن أحبّوك فاعلم أن مادة (القواعد) البائسة سوف تبقى في قلوبهم غرَّاءَ إلى يوم يلقونه.