مجمع اللغة العربية بمكة يطلق عضوياته الجديدة
لطلب العضوية:
اضغط هنا

لمتابعة قناة المجمع على اليوتيوب اضغط هنا

 


الانتقال للخلف   منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية > نقاش وحوار > نقاشات لغوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية إدارة المجمع
 
إدارة المجمع
مشرف عام

إدارة المجمع غير موجود حالياً

       
رقم العضوية : 21
تاريخ التسجيل : Feb 2012
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,875
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
جهات الاتصال :
افتراضي لعلها تكون الكافية الوافية في الاستغناء عن مصطلح" مجهول الأبوين" دراسة ونقد

كُتب : [ 05-12-2014 - 03:45 PM ]


لعلها تكون الكافية الوافية
في الاستغناء عن مصطلح" مجهول الأبوين"
دراسة ونقد
بقلم
أ. د. صادق عبد الله أبو سليمان( )
اطلعتُ على مجموع ما تسلمته من مراسيلِ مجمع اللغةِ العربيةِ على الشبكة العالميةِ بشأن وضعِ تسميةٍ مناسبةٍ يمكنُ إطلاقُها على دارٍ أو مؤسسةٍ خيريةٍ أو اجتماعيةٍ تختصُّ برعاية" مجهولي النسب" أو" مجهولي الأبوين" أو" اللقطاء". وكنت قد أدليت بدَلْوي في هذه المسألةِ مرتين:
كانت الأولى استجابةً لمرسالِ المجمع بهذا الشأن، وفيها قلت:" أقترح في سياق رعاية هؤلاء الأطفال تسمية الدار باسم( دار الخير)؛ فقد أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسأله الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- عن اسمه؛ فقال: ( زيد الخيل)؛ فقال الرسول: بل( زيد الخير).
ولما كان راعي هذه الدار رجلاً كريماً خيِّراً؛ فالأَولى- كما أرى- أن تُسمّى بصفته الخيرية الكريمة- رفع الله درجاته- وعليه فإنه يمكن تسميتها بناء على هذا التأويل أيضا( دار البِرّ) أو( دار السعد)، أو ( دار السعداء)؛ وذلك على سبيل الأضداد؛ فإنهم لولا رعاية الله لتشردوا أو هلكوا؛ فلما يسّر الله لهم أهل الخير والبر والتقوى كانت سعادتهم. والله ولي التوفيق" أ. هـ.
أما الأخرى فكانت ردّاً على مرسالٍ- إميلٍ- أوردَ مقترحاً لأحد الزملاء الأفاضل، قلت فيها:" علماءنا الأفاضل الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فنحن نؤيد اللجوءَ إلى ألفاظٍ وأساليبَ لا تضايق متلقيا، ولا تخدشُ حياءه، ويأتي مقترح علمائنا الأفاضل في تجنب ألفاظ " اللقيط" أو " المنبوذ"، أو" أبناء الشوارع"، أو غيرها في هذا المجال الملائم لوصف الحال، ولكنه يضايق المختصَّ به.
على أننا ونحن نقترح بدائلَ مناسبةً لهذه الألفاظ أو التراكيب فإننا نرى ضرورة تجنب خلطِ الأوراقِ كما يقول الساسة، أو خلطِ المصطلحات، خاصة وأننا نشكو دوماً من فوضى المصطلحات، أو تعددها.
وعليه فإن مصطلح" الخضرمة" الدال بدايةً- كما هو مشهور- على من عاشوا في الجاهلية والإسلام، ثم كان إعمامه توليداً على كل من عاش في عصرين مختلفين- لا أراه صالحاً في هذا السياق؛ خاصةً وأن من اللقطاء من لم يعش حالين في زمنين، حيثُ أُخِذَ بل التُقطَ من مهدهِ وذُهِبَ به مباشرةً إلى" الملجأ" أو" دار الإيواء" أو" دار الأيتام" أو" دور الخير" أو" الإحسان" أو" دور كفالة اليتيم" أو" رعاية الطفل البريء"؛ فهو لم يعش مرحلتين. وإذا كان من الأطفال من عاش مرحلةَ عذاب التيتم مثلاً؛ حالة فقدانه العائلَ المسؤول عنه؛ ويمكن أن يحظى برعاية هذه المؤسسات الخيرية فإن إعمام تسميتها؛ ليشمل اللقيط أو الفقير أو اليتيمَ أراه أفضل من تخصيص التسميةِ باللقيط أو اللقطاء.
ولنا في التسميات العامة سندٌ ومؤازرةٌ في هدفنا النبيل، وهو إزالة آثار ذنبٍ أو لحظةِ طيشٍ جنى أثره هذا الطفل البريء؛ ولتكن التسمية، كما اقترحتُ في مرسالٍ سابق: ( دار الخير- دار البرّ- دار السعد)، وأضيف في هذا السياق:( دار رعاية الطفل)، أو( دار رجال الغد) بدون أيِّ وصف؛ كأن، نقول:( دار الطفل البريء) أو( دار كفالة اليتيم) مثلاً.
أما مصطلح الخضرمة أو ما اشتُقَّ منهُ فليسمح لي الزميل الفاضل، ومن وافقه أن أقول: إنه غيرُ صالحٍ للدلالة على المرادِ في هذا السياق. ودمتم ذخراً للغةِ والعلمِ والمعرفة" أ. هـ.
وفي سياق هذه الدراسة أودُّ أنْ أشيرَ إلى أن هناك لفظاً شائعاً على ألسنة الناس في فلسطين؛ للدلالةِ على" اللقيط" أو" مجهول الأبوين" وهو لفظ" بَنْدوق"، ويُرمى به أحيانا مَن يقوم بأفعالٍ خارجةٍ عن الأعرافِ والتقاليدِ. وقد يضاف إليه هذا الوصف، فيقال:" بَندوق ابن حرام". ولم تذكر جمهرة معجماتُ العربيةِ القديمةِ هذا اللفظ، وإنْ ذَكَرَتْ جذره وألفاظاً مشتقةً منه في غيرِ هذا المعنى، غيرَ أنَّ الزّبيدي( ت. 1205هـ) في تاج العروس( ب. ن. د. ق) ذكَرَ هذا اللفظَ، وَنسَبَ معناه إلى العَوامِّ، قال:" البَنْدوقُ، بالفتح: الدَّعِيُّ في النسَبِ، عامِّية". أ. هـ. وأرى أنَّ هذا اللفظَ غيرُ صالحٍ لإقرارِهِ لكونهِ ذائعاً بهذا المعنى الذي نقصدُ إلى عدمِ الإفصاحِ عنه؛ لِما فيه من إحراجٍ لكلِّ مَن يطلق عليه.


رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
إدارة المجمع
مشرف عام
الصورة الرمزية إدارة المجمع
رقم العضوية : 21
تاريخ التسجيل : Feb 2012
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,875
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

إدارة المجمع غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 05-12-2014 - 03:45 PM ]


أما عن هذه الدراسة- التي بين أيدينا- فأرجو أن تكون وافيةً كافيةً شافيةً للغليل؛ لذا فإنني سأوجزُ فيها ما اطّلعتُ عليه من مراسيلِ الإخوة الأفاضل؛ ليتبينَ القارئَ العربيَّ ما جاء عنهم فيها في سياقٍ دراسي واحد.
أقول: إنني اطلعتُ على ردود الإخوة الأفاضل، وتمعنتُ فيها فوجدتها اجتهادات علماءَ محمودةً، وتحملُ انتصاراً لغوياً للغرضِ النبيلِ الذي قَصَدَ إليه أصحابُ اقتراحِ وضعِ مصطلحٍ لطيفٍ يكون بديلاً لمصطلح" مجهول الأبوين"؛ الأمر الذي يجعلُ الحَيْرَةَ ملازمةً لكلِّ مَن فكّرَ في الاختيار، ولاسيما المنتصر لعربيتهِ وتسلسلِ سلامةِ معاني ألفاظها في عصورها المتتالية.
وأيّاً يكن الأمرِ فلابدَّ من البحثِ والتفكّرِ والتدبرِ خدمةً للعربيةِ ومناسبتها لأذواقِ أهلِها في عصورهم المتتالية، مع عدم الحيدِ عن طرائقِ أهلِها في الوضعِ الجديدِ اشتقاقاً أو نحتاً أو مجازاً أو توليداً أو تعريباً.
وعليه فقد تدبرتُ فيما قرأته من نتاج بعضِ علماء المجمع في هذا السياقِ فوجدتُ منه ما ابتعد عن الغرضِ المطلوبِ الذي دفع إلى طلب الاجتهاد في وضع تسميةٍ لا تترك تأثيراتٍ سلبيةً في نفوسِ هؤلاء الأطفال الأبرياء، وتظل تطاردهم مدى حياتهم؛ وذلك كمصطلحات:" المنبوذ"؛ لوضوحِ شناعةِ معناه"، و" مجهول الأبوين"، و" ذوي الأرحام"؛ لارتباطهما بمصدَري العملية الجنسية غيرِ القائمة على حلالِ ما شَرَعَ اللهُ سبحانه وتعالى. وعليه فإنه ليس مبرراً في هذا السياقِ غيرِ الطبيعي نسبةُ التسمية إلى" الرَّحْم"؛ لإمكانِ وقوعِ الهزءِ والسخريةِ تأويلاً غير ملائمٍ البتة.
وينطبق هذا التأويلُ أيضاً على" هِبْلَع": هذا اللفظُ السَّمِجُ، والثقيلُ أيضاً المشتقُّ من الجذر( ب. ل. ع)، ومنه" البَوْلَعُ: الكثير الأَكل. والبالوعة والبَلّوعةُ، والبَلاعةُ والبُلَّيْعَة: بئرٌ تُحفر في وسط الدار، والجمع البواليع والبَلاليعُ، وجاء في معانيه:" الهِبْلَع: الأَكُولُ، و" الواسِعُ الحُنْجُور" و" اللَّئِيمُ" إلى جانبِ دلالته على مَن" لا يُعْرَفُ أَبواه أَو لا يُعْرَفُ أَحدهما".
وكذلك فإنني- في هذا السياق- أدعو بإلحاحٍ إلى عدم الالتفاتِ إلى تسميةِ" اللقيط"؛ فموسى عليه السلام وإنْ كانَ مجهولَ النسب عند الفرعونِ الطاغوتِ فإنه لم يكنْ مجهولَ النسبِ شَرْعاً وأهلاً الذين قَصَّوا أثره، قال تعالى: :{ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }.( القصص: الآية: 11)، وأرجعوه- بمشيئةِ اللهِ سبحانه وتعالى- إلى حِضْنِ أمهِ الرءوم، قال تعالى:{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }.( القصص: الآية: 13)؛ وذلك بخلافِ حالِ مَن سيقيم من الأطفالِ البُرَآءِ في هذه" الدارِ الخيرية" ممَّنْ تنصَّلَ أهلُهُ من نسبتهِ إليهم.
أما لفظُ" المخضرَم" فمن الواضح- كما جاء في معجمات اللغة العربية- أنه يدلُّ في أحدِ معانيهِ على المعنى المقصودِ المتحرّجِ إطلاقُهُ على هذه الدار. جاء في لسان العرب في مادة:( خ. ض. ر. م):" رجلٌ مُخَضْرَمُ ناقصُ الحَسَبِ. وقيل: هو الذي ليس بكريم النسب. ورجل مُخَضْرَمُ النسب؛ أَي دَعِيٌّ، وقد يُتْرَكُ ذكرُ النسب؛ فيقال: المُخَضْرَمُ الدَّعِيُّ، وقيل: المُخَضْرَمُ في نسبِهِ المختلط من أَطرافه، وقيل: هو الذي لا يُعرَفُ أَبواه، وقيل: هو الذي ولدته السَّراري".
أقول: إنَّ البحثَ في أيِّ معجمٍ لغويٍّ- صَغُرَ أمْ كَبُر- سَيُظْهِرُ للباحثِ هذا المعنى المتلبّسَ بلفظ" المخضرم"، وهو- بلا ريب- معنىً جارحٌ للحياءِ، وكاسِرٌ مُحَطِّمٌ لنفسيةِ المقصودِ به؛ الأمرُ الذي ألمسُهُ في محاضراتي حين أطلبُ من طلبتي البحثَ في معاني أسماءِ أصولِ عائلاتهم حينَ يَظهَرُ للطالبِ أنَّ من معاني اسمِ عائلته ما هو مكروهٌ أو مخالفٌ للذوقِ العامِّ...إلخ؛ خشيةَ أنْ يَلتصقَ به مغزى ملامسةِ مضمونِ الاسمِ لِمسمّاه.
قال الشاعر الأندلسي عبد الكريم البَسْطي( ت. 897هـ):( بحر الطويل)
تَطابَقَ تحقيقاً مُسمّاهُ وَاسْمُهُ مُطابَقَةً أضحَتْ دليلاً على الشّومِ
وقال الشاعرُ المصريُّ عبد الله فريج( ت. 1310هـ = 1892م):( بحر البسيط)
قَد لَقبوهُ بِفِكريٍّ وَما عَبَثوا اِذْ طابَقَ الِاسمُ في المَعنى مُسَمّاهُ
وكما هو واضحٌ فإنَّ لفظ" المخضرم" ينصُّ صراحةً على المعنى الجارح الذي يسعى المجمعُ وأهلُ الخيرِ من ذَوي النوايا الحسنة إلى الابتعادِ عن اللفظِ أو التركيبِ الذي تتضمنه دلالاتُ أصواتِهِ هذا المعنى، وإقرارِ لفظٍ بديلٍ لا يَدلُّ على معناهُ في دلالتهِ المركزيّةِ، أو يقتربُ منهُ في دلالتهِ الهامشية.
وعليه فنحن نرى أنَّ إقرارَ لفظِ" المخضرمِ" أو" الخضرمةِ" أو الميل إلى إقراره- كما جاء في مرسالِ الدكتور رئيس المجمع رقم: 2- 255، والمؤرخة في: 3- 6- 1435هـ- يتعارضُ معارضةً بائنةً مع الغَرضِ الذي دعا المجمعَ إلى دعوةِ أعضائه إلى اقتراح لفظٍ أو تركيبٍ تنأى دلالتهُ النأيَ كلَّه عن أيِّ معنىً جارحٍ أو خادشٍ لِمَنْ سيقيمون في هذه الدار.
وكذلك فإنَّ مما يمكنُ أنْ يُستندَ إليهِ لرفضِ إعمامِ هذا اللفظِ- إضافةً إلى ما سبقَ- أن فيه- كما أشار بعضُ الزملاء- ثقلاً بل بعضَ ثِقَل، وإنْ كان إقرارُهُ اسماً لمؤسسةٍ أو شيءٍ عامٍّ سيجعلُ جمهورَ المُتعامِلينَ معها يُقبلُ على استعمالهِ دونَ التفاتٍ إلى ثِقَلٍ أو خفة.
أما عن كونهِ مهجوراً- كما أشار أحدُ الزملاء أيضاً- فقد يكونُ سببُ هجرانِ الأسلافِ لهُ في هذا السياقِ خاصةً هو تَحَرُّجُهم من تأثيرِ معناهُ السلبيِّ على نفسيةِ مَنْ يُطلقُ عليهم من بني البشر؛ الأمرُ الذي نراهُ ينطبقُ أيضاً على سببِ هجرانِهم مفردةَ" هِبْلَع" الدالةِ على المعنى المُتَحَرَّجِ منه.
ولعلَّ مما يدعمُ ما نذهبُ إليه في هذا السياق أننا نلمسُ في حياتِنا مواقفَ يَحْتارُ الإنسانُ فيها من إخراجِ اللفظِ أو الكلامِ المناسِبِ لها لأسبابٍ عدة، منها الاستحياء، كمواقفِ الدلالةِ على الملبوساتِ الداخليةِ، وعمليتي التبوُّل والتبرز وأماكنها، والعملية الجنسيةِ التي لاحظتُ أنَّ أكثرَ جذورِ اللغةِ العربيةِ في معجماتنا العربية تمتلك ألفاظاً وتراكيبَ تدلُّ عليها؛ أو الخوفِ والكراهيةِ كذكْرِ أسماءِ الجنِّ والشياطين والأمراضِ الخطيرة المُهلِكة؛ أو عدمِ إحراج السامع، أو عدم مناسبة المقام، كسوء منهجِ المتحدثِ في كلامِه؛ فنسمع من يقول له:" يا أخي،" حسّن ألفاظك" أو" مَلافْظك" أو" لطّف كلامك"، أو" حسّن حَكْيك" أو" اعْدِلْ لسانَك"...إلخ.


رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
إدارة المجمع
مشرف عام
الصورة الرمزية إدارة المجمع
رقم العضوية : 21
تاريخ التسجيل : Feb 2012
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,875
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

إدارة المجمع غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 05-12-2014 - 03:46 PM ]


ومن الجدير ذكرُهُ في هذا السياقِ أيضاً، هو أنَّ هذه المجالاتِ الدلاليةَ يَكثُرُ فيها تغييرُ الألفاظِ أو التراكيبِ الدالةِ عليها، وإنَّ منها ما يندرجُ في سياقِ ما يُطلِقُ عليه علماءُ اللغةِ في الغربِ مصطلحَ" Taboo " الذي جاءت ترجمته في العربية بـ" المحظورِ اللغوي" أو" الكلام غير اللائق"، أو" الكلام الحَرام".
وإذا عدنا إلى مجالِ هَجْرِ مفرداتٍ وتراكيبَ في اللغة فإني- وإنْ كنتُ أقفُ في صفِّ مَنْ يرى أنَّ معيارَ هجرِ المفردةِ القديمةِ لَأَولى أنْ يكونَ دافعاً إلى اختياره للدلالةِ بهِ على معنىً جديدٍ قريبٍ من معناهُ القديمِ المهجور- أرى- في هذا المقام- أنَّ ما قدمناهُ بشأنِ تعليلِ هجرانِ العربِ القدماءِ لاستعمالِ مفردةِ" المخضرم"- بمعنى الدَّعِيِّ- يشكِّلُ سبباً قد يكونُ وجيهاً لِعدمِ إعادةِ بعثِ الحياةِ فيه في عصرنا.
ولا أدري ما إذا كان هذا التعليلُ صالحاً لأنْ يَحظى بموافقةِ العلماءِ والمفكّرينَ والمبدعينَ على جَعْلِهِ معياراً لعدمِ بعثِ الحياةِ في مفرداتٍ هجرَها أهلُ اللغةِ السّابقون؛ لِخدشِها للحياءِ، أو لارتباطاتها بتصوراتٍ قد لا تُناسِبُ مَقاماتِ أذواقِ أهلِ لغتِنا المعاصرة.
وكذلك فإنَّ مِن مسبباتِ عدمِ الانتصارِ لاختيارِ لفظ" المُخَضْرَم" عندي ذيوعَ استعمالِهِ بمعنى العيش في عصري الجاهلية والإسلام، وغلبةَ دلالتِهِ عليه؛ لتكرارِ ذِكْرِهِ في دُروسِ الأدبِ العربيِّ وتاريخِهِ وغيرها؛ الأمرُ الذي يجعلُهُ غيرَ مهجورٍ عندَ كثيرٍ من أبناءِ الوطن العربي لاطّلاعهم عليهِ في المدارسِ والجامعاتِ والمؤسساتِ الإعلاميةِ وغيرِها.
وكذلكَ فإنَّ هناكَ مَنْ يستعملُ هذا اللفظَ في الحياةِ العامةِ المعاصِرةِ في فلسطينَ؛ كنايةً عن الخبرةِ المستفادةِ من كثرةِ تَمَرُّسِهِ في أمورِ الحياة وتجاربِها، والتعمقِ في احتناكِ الأمور، فيقول مَثَلاً:" فلانٌ مخضرَم". ولا أدري ما إذا كان هذا التوليدُ الدلاليُّ لمفردة" الخضرَمة" ممارَساً في أماكنَ أخرى من عالمنا العربي أم لا؛ لكي نتخذَ منه سنداً في الدلالةِ على معنىً مولَّدٍ معاصرٍ يرتبط بمعناه العربيِّ الأقدمِ الذائعِ في حياتنا المعاصرة.
وإذا كان هذا رأيي في الصدِّ عن اختيار استعمالِ لفظ" المخضرم" للدلالة على مَن ابتُلِيَ بأنْ يكون" مجهول الأبوين"- سواء في هذه الدراسةِ أم في أحدِ ردَّيَّ السابقين- فإنَّ ما جاء في مرسالِ الدكتور علي بن عبد العزيز الحربي رئيس المجمع رقم: 2- 322، والمؤرخ في: 23- 6- 1435هـ- بشأن العدول عن اختيار هذا اللفظ، واقتراح لفظ" الوِلْدان" قبل لحظةِ إرسالي لهذه الدراسة جعلني أرتاح لِما قلته فيها بشأن عدمِ إقرار لفظ" المخضرَم"، وأنتظر؛ لأتدبرَ المُقتَرَحَ الجديدَ الذي يتمثّلُ في طلب الرأي في اختيار لفظ" الوِلْدان"؛ فتتسمّى" الدار الخيرية" المَنْويّ إُقامتُها؛ لغرضِ إيواءِ الأيتامِ واللقطاءِ باسم" دار الوِلْدان".
وإذا كان هذا اللفظُ شاملاً" للصنفين: الذكرِ والأنثى"- كما جاء في تبريرِ مقتَرحه- فإنَّ قاعدةَ" التغليب" في اللغة العربيةِ تجعل هذا التبريرَ ينطبقُ على أيٍّ من البدائلِ المقتَرحةِ. أما أنه" ليس فيه ما يشعر بالنقيصة والذّلة والاستضعاف، كسائر الألفاظ التي يكون لها أثر نفسي على أولئك اللقطاء" فهذا احتجاجٌ صحيحٌ يجعلُهُ محلَّ نظرِ أولي الرأي. ويدعمه أيضاً ما جاء في المرسالِ من القولِ بـ" سهولة لفظه ومعناه"، و" مطابقته لمسمّاه من حيث الجملة"، و" مجيئه في القرآن غير مقرون بالآباء ولا في سياقهم، أو لا آباء لهم أصلا".
وقد أضيف بل قد يُضيفُ بعضٌ أنَّ وُرودَ لفظِ" الوِلْدان" في القرآنِ: هذا الكتاب المُبارَك يجعلهُ مبارَكاً، افتئالٌ ببَرَكةِ هذهِ الدار، قال :{ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }-( الأنعام: من الآيتين: 93+ 155)- :{ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }( فصلت: الآية: 42).
غير أنَّ ما قد يمنعُ من الأخذِ بهذا اللفظِ المباركِ العامّ في دلالتهِ على الأيتام ومجهولي النّسب من لقطاءَ أو متشردي الحروب وغيرهم ممن ينعمون برعايةِ والديهم وأهلهم هو الخشيةُ من انحسارِ دلالتِهِ في أذهان الناسِ مستقبلاً على المعنى المرادِ التخلصُ أو الهروبُ من تأثيراته النفسيةِ السلبية، وبهذا نقع في مخالفة المغزى الذي قصدنا إليه في هذه المساجلات بل التنظيراتِ اللغويةِ؛ فنقع في نتيجة المَثَلِ الفلسطيني القائل:" كأنك يا بو زيد ما غَزيت= كأنك يا أبا زيد ما غزوت"، ونعود لنبحث عن دالٍّ آخر.
إن الأخذَ بهذا اللفظِ المباركِ قرآناً، العامِّ في دلالتهِ سيتهددُ في مستقبله بانحدارِ قيمتِهِ الدلالية أو هبوطها كما يقول اللغويون؛ وذلك بانتشارِ دلالتهِ الجديدةِ الخاصةِ الناتجةِ عن عواملَ عدةٍ، منها: شرحه في كلمات تعريف نظامِ هذه الدارِ وساكنيها ووظائفِها؛ وكتابته على لافتةِ التعريفِ على مدخلِها، ومَنْشوراتِ أنشطتها وإعلاناتها؛ وتعريفِ العاملينَ فيها بطبيعةِ عملهم، وخدمتهم لهؤلاءِ الوِلْدانِ الذينَ...؛ تصريحاً أو مغامزَ مجازِيةً جارحةً؛ الأمرُ الذي يعززه ما جاء في الصحاح ولسان العرب في مادة( و. ل. د) نصاً:" الوَليدُ: الصَّبيُّ والعبدُ، والجمع وِلْدانٌ ووِلْدَةٌ. والوَليدُ: الصبيَّةُ والأمَةُ، والجمع الوَلائِدُ"؛ والأَمةُ عند العربِ المملوكة، وهي خلاف الحُرَّةِ. وفي لسان العرب مادة( ب. غ. ي)" قيل: البَغِيُّ الأَمَةُ، فاجرة كانت أَو غير فاجرة، وقيل: البَغِيُّ أَيضاً الفاجرة، حرةً كانت أَو أَمة. وفي التنزيل العزيز:{ وما كانت أُمُّكِ بغيّاً}؛ أَي ما كانت فاجرة مثل قولهم: ملْحَفَة جَدِيدٌ؛ عن الأَخفش، وأُم مريم حرَّة لا محالة، ولذلك عمَّ ثعلبٌ بالبِغاء فقال: بَغَتِ المرأَةُ، فلم يَخُصَّ أَمة ولا حرة. وقال أَبو عبيد: البَغايا الإماءُ؛ لأَنهنَّ كنَّ يَفْجُرْنَ".


رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
إدارة المجمع
مشرف عام
الصورة الرمزية إدارة المجمع
رقم العضوية : 21
تاريخ التسجيل : Feb 2012
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,875
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

إدارة المجمع غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 05-12-2014 - 03:46 PM ]


ولعل ما يدعم ما نؤمن به في سرعة تبدّلِ الألفاظِ والتراكيبِ التي يُستحيا منها، أو يُنْفَرُ منها أننا عثرنا- في دراسةٍ لنا لَمّا تُنشَر- على مجموعةٍ لا بأس بها من التسميات التي دارت على ألسنة أهل العربيةِ، وأوردتها معجمات اللغة العربيةِ في مجالِ الدلالة على" مجهولِ الأبوين" أو" النسب".
وخلاصة الرأي في هذه المسألة هي أنني أرى فيما اقترحته أو اقترحه بعض الزملاءِ الأفاضل مجالاً لاستفتاءِ أبناءِ العروبةِ وعلماءِ العربيةِ بصفةٍ عامةٍ في مشارقهم ومغاربهم من خلالِ موقع مجمعنا العتيد، وشبكات التواصل الجماعي أو الاجتماعي؛ لاختيارِ ما ينعقدُ أكثرُ إجماعِهم عليه.
وعليه فإني أعرض في هذا السياق الاستفتائي هذه المقترحات:" دار رعاية الأطفال" أو" دار الطفولة" أو" مؤسسة رعاية الأطفال" و" دار البِرّ" أو" دار الخير" أو" دار السعد" أو" دار الأيتام"، أو" دار الأُخُوَّة".
كما أقترحُ في هذه المقالةِ أيضاً بناءً على ما تذكرتُهُ في أثناء كتابة هذه المقالة من أسماءِ مؤسساتٍ أو مراكزَ إنسانية تقوم بوظائفَ إنسانية، تشترك في الدلالةِ على نفسِها باستعمال لفظ" الرعاية"؛ كالرعاية الأسرية" و" الرعاية الصحية" و" الرعاية المجتمعية" و" رعاية الموهوبين" وهلمّ جرا، وفي هذا السياق يمكن حذو هذه" المؤسساتِ الإنسانيةِ الخيرية" في استعمال هذا اللفظ، فنقول مثلاً:" دار رعاية الطفل"، أو" دار الرعاية".
ومما أسوقه مثالاً مؤيِّداً لِما أقول: أطلقَت وزارة الشؤون الاجتماعية في السلطةِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ على المؤسسةِ التي يُحجَزُ بل يُسْجَنُ فيها الأطفالُ الخارجون على القانون عليها اسم" مؤسسة الربيع للأحداث والرعاية الاجتماعية". وهناك" معهد الأمل" الذي يُعنى في جانبٍ من وظائفه بالأيتام واللقطاءِ، وكذلك" مؤسسة الوفاء والأمل" وهي لرعاية كبار السن.
وقد يجد بعضنا في إطلاقِ اسم" دار المواساة" أو" دار المؤاساة" عنواناً دالاً على المؤسسة التي تُعنى بـ" الأطفال غير الشرعيين" أو مَن فَقدوا عوائلهم؛ فالمواساةُ أو" المؤاساة" تحمل في معناها المساعدة، وتكشفُ عن حاجةِ هؤلاءِ الناشئةِ مِمَّنْ كانوا نتاجَ فسادِ الأبوين أو غيرِهم إليها.
ولعلَّ في استعراضنا لِما جاء في مادتي( أ. س. و) أو( أ. س. ي) ما سينير للقارئ سبلَ اتخاذهِ لقرارِهِ في اختيار" المواساة" أو" المؤاساة" جاء في معجم" العين" للخليل( ت. 170هـ) في مادة( أ. س. و)" والأَسوُ: علاجُ الطّبيب الجراحاتِ بالأَدوية والخِياطة، أسا يَأْسو أَسْواً... الأُسى جماعة الأُسْوة من المواساة والتّأسّي".
وجاء في" تهذيب اللغة" للأزهري( ت. 370هـ):" يقال: هو يُؤاسي في ماله: أي يساوي، ويقال: رحم الله رجلاً أعطى من فضل، وواسى من كفاف، من هذا، ويقال أسَوْتُ الجرح فأنا آسُوه أَسْوًا: إذا داويته وأصلحته".
وذكر" الصحاح" للجوهري( ت. 393هـ):" أَسَّيْتُهُ تَأْسِيَةً، أي عَزَّيْتُهُ. وآسَيْتُهُ بمالي مواساةً، أي جعلته إسْوَتي فيه. وواسَيْتُهُ لغةٌ ضعيفةٌ فيه. والإسّوَةُ والأَسْوَةُ بالكسر والضم لغتان، وهي ما يَأْتَسي به الحزين، يتعزَّى به. وجمعها إسىً وأسىً... والآسي الطبيب، والجمعُ الأساة".
وعليه فإنَّ هناك مجموعةَ أسماءٍ وَرَدَتْ في هذه الدراسة يمكن استخلاصُها، وأنا أذكرها في هذه المقالةِ اللغويةِ وأنا راضٍ عنها. وأدعو ذوي الاختصاصِ والمعنيين بلغتنا العربيةِ وسلامةِ دلالاتِها إلى دراستها، واختيارِ ما يَرَوْنَهُ مناسباً منها، خلوصاً إلى اسمٍ يمكنُ إعمامُ استعمالِهِ في لعتنا العربية، وهي:
" دار المواساة" و" الرعاية المجتمعية" و" دار الرعاية الأسرية" و" دار البِرّ" و" دار الخير" و" دار السعد" و" دار رعاية الأطفال" و" دار الطفولة" و" مؤسسة رعاية الأطفال" و" دار كفالة الأيتام".
مقال الدرس اللغوي في هذه القضية:
ومع كلِّ ما قضيناه من وقتٍ في هذه القضية، وقدمناه من جهدٍ في دراستِها فإن لنا مقالاً لابدَّ منه في هذا السياق، وهو مقالٌ يدعمهُ الدرسِ اللغوي، ومؤداه:
إنَّ الاسمَ المختارَ الذي سيتحقق له الإجماعُ في قضيةِ إيجادِ بديلٍ لمصطلح" مجهولِ الأبوين" وأمثاله ستبقى دلالتُهُ المركزيةُ التي نخشاها ملتصقةً بمَن يَدُلُّ عليهِ أيّاً كان الاسمُ المختارُ لها؛ فَضعيفُ الحيلةِ ضعيفٌ لِمن يعرفُ حقيقتَهُ ولو تَسَمّى بأقوى الأسماءِ الدالةِ على القوةِ، والبخيلُ المُسَكةُ بخيلٌ ولو تَسمّى بأبي الخير، والغدّارُ ستبقى صفةُ الغدرِ ملتصقةً به ولو تَسمّى بأبي الوفاء.
وعليه فأيّاً ما يكن الهدفُ الذي يصبو إلى تحقيقِ قِيَمِهِ النبيلةِ كلُّ مَنْ شارك أو دعا إلى هذا الاجتهادِ في وضعِ اسمٍ بديلٍ لـ" مجهولِ الأبوين" أو" اللقيط" أو" الهِلْبَع" أو" المُخضرَم" أو" الدّعيّ" أو" ولد الزنا" فَإنَّ الشمسَ- كما يقول المَثل- لا تُغَطّى بغُرْبال، وإنهُ- طال الزمانُ أم قَصُر- فلا بدَّ من أنْ تنعكسَ صفةُ المُسمّى أو شيءٌ منها على اسمها؛ الأمر الذي قرره قدماؤنا من العلماء والأدباءِ والمفكّرين حين قالوا بمناسبةِ الاسمِ لمسمّاه، وكذلك علماءُ اللغةِ" Linguists " المُحْدَثون ولاسيما فرناند دي سوسير حين قال بوجودِ علاقةٍ ذِهنيةٍ بين الدالِّ والمدلول، أو إنْ شئتَ فقل: بين" الصورةِ السَّمعيةِ"" Sound image = Signifier " و" التصور"" concept = Signifie "، أو بين الاسمِ والمُسمّى.


رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 5 )
إدارة المجمع
مشرف عام
الصورة الرمزية إدارة المجمع
رقم العضوية : 21
تاريخ التسجيل : Feb 2012
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 2,875
عدد النقاط : 10
جهات الاتصال :

إدارة المجمع غير موجود حالياً

   

افتراضي

كُتب : [ 05-12-2014 - 03:46 PM ]


وإنَّ السؤالَ الذي يطرح نفسَهُ في هذا السياق هو: هل اللفظُ أو التركيبُ البديلُ الذي سيقعُ عليه الاختيارُ؛ ليكونَ بديلاً ملائماً سَيبقى أبدَ الدهرِ محافظاً على دلالتهِ الراقيةِ التي لا تجرحُ ولا تَصِم؛ أم أنَّها ستتلبسُ بدلالاتِ المضمونِ الأصلِ الذي تَنَكَّرَ له واضعوهُ الأوائلُ حينَ سَعَوا إلى تجميلِه؟!.
ليس من شكٍّ عندي في أنَّ دلالةَ المضمونِ الأصلِ ستتغلبُ على أيِّ اسمٍ جديدٍ يختارهُ الناس، وكم من أسماءِ عائلاتٍ أو ألقابٍ غَيَّرَها أبناؤها من ذوي الذوقِ أو المنصبِ الرفيعِ وظلَّ شبحُ مضمونِها القديمِ يطاردُهم ويطاردُ أبناءهم عند العالِمينَ بخبرِ اسمهم الذي أرادوا هجره. وكذلك أسماءُ أماكنَ أو شوارعَ فُعِلت فيها الفاحشةُ التي فُضِحَ أمرُها مجتمَعاً فتسمَّت بهذا الاسمِ الفاحشِ، وغيّرَ أصحابُ القيمِ والذوقِ الرفيعِ اسمَها الفاضح.
ألم تقرأوا في قصص الأولين أو أدب الرواية والخرافةِ عن مثلِ هذه التغييراتِ؟ ألم تسمعوا أو تعرفوا أسماءَ شوارعَ غُيّرت، واحتفظَ الجمهورُ باسمها الأول؟ ألم تسمعوا بآذانكم عند طلبِ الاستدلالِ عن حاجةٍ أو شيءٍ أو مكانٍ إجابةً مفصلةً تجعلكم تستمعون فيها لخبرِ التسميةِ الجديدةِ وسببِ تبديلِ التسمية السابقة؟. أمّا أنا فقد قرأتُ وعرفتُ وسمعت.
والخلاصة هنا أنني أرى أنَّه لا يمكنُ لتغييرِ الأسماءِ أو الألقابِ أو الكُنى حرفُ الدلالةِ عن معناها المعروفِ إلى آخرَ مُرادِ طيلةَ الحياة؛ الأمرُ الذي ينطبق على ما نحنُ فيه؛ فبمرورِ الأيامِ سينكشف المستورُ، وسيتظللُ اللفظُ الجديدُ بل سيحملُ- شئنا أم أبينا- أوْزارَ المعنى الحقيقي الذي جاء لإخفائه والتستُّرِ عليه.
ومع هذا فلم يكن مسعى ختامِ هذه المقالةِ اللغويّةِ في" التغيير اللفظي" الهادفِ إلى إرساءِ روحِ الفضيلةِ الصدَّ عن المضيِّ قدماً في الارتقاء بالبشر نحو التعامل الإنساني الراقي، واختيار ألفاظِ اللغةِ وتراكيبها المرتقيةِ بسلوكِ بني البشر تعاملاً ومحاسبةً للفاعلِ نفسهِ، وليس لِمن أتى نتيجةَ جنايةِ فِعْلٍ فَعَلَهُ غيرُه، وإنَّ مَن يسعى اليوم لمثلِ هذا الخيرِ فعلاً ولفظاً راقياً فسيأتي الله سبحانه وتعالى بأناسٍ مثلِهِ سيسعون لمثلِ ما سعى، وهكذا دواليك.
إننا ندعو بإلحاحٍ إلى الحُسنى في القول والفعل؛ تفعيلاً لآداب المنهج الإسلاميِّ الذي من أهمِّ مقوماتِهِ: الخطابُ الحَسن، وقوامه الكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، قال تعالي: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا من الآية( 84) من {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) آل عمران، والرحمةُ بالضعفاء{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (159) آل عمران، وعدم السخرية والتنابز بالألقاب:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) الحجرات، والعطف على الفقير، وإيواء ذوي الحاجةِ من أطفالٍ برآءَ وأيتامٍ وكبارٍ عضهم الدهر بأنيابه.{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (11) الضحى...إلخ.
والله ولي التوفيق


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على الموضوعات
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الموضوعات المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
"الإرهاب".. مصطلح لم تعرفه المعاجم العربية القديمة شمس البحوث و المقالات 0 04-23-2019 12:50 PM
مناقشة دكتوراه: "العباب الزاخر" للصاغاني..دراسة وتحقيق" بكلية اللغة العربية بالمدينة مصطفى شعبان أخبار ومناسبات لغوية 0 12-01-2018 07:16 AM
الفتوى (527) : معنى مصطلح " الأنسنة" وقضية الفصل والوصل في "بين" و "ما" عبدالله جابر أنت تسأل والمجمع يجيب 2 10-17-2015 10:23 AM
الفتوى (299): كلمة "الشفاء" متى تكون بمعنى "السقم"؟ عبدالله جابر أنت تسأل والمجمع يجيب 2 05-17-2015 10:02 PM


الساعة الآن 08:51 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc. Trans by