لعلها تكون الكافية الوافية
في الاستغناء عن مصطلح" مجهول الأبوين"
دراسة ونقد
بقلم
أ. د. صادق عبد الله أبو سليمان( )
اطلعتُ على مجموع ما تسلمته من مراسيلِ مجمع اللغةِ العربيةِ على الشبكة العالميةِ بشأن وضعِ تسميةٍ مناسبةٍ يمكنُ إطلاقُها على دارٍ أو مؤسسةٍ خيريةٍ أو اجتماعيةٍ تختصُّ برعاية" مجهولي النسب" أو" مجهولي الأبوين" أو" اللقطاء". وكنت قد أدليت بدَلْوي في هذه المسألةِ مرتين:
كانت الأولى استجابةً لمرسالِ المجمع بهذا الشأن، وفيها قلت:" أقترح في سياق رعاية هؤلاء الأطفال تسمية الدار باسم( دار الخير)؛ فقد أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسأله الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- عن اسمه؛ فقال: ( زيد الخيل)؛ فقال الرسول: بل( زيد الخير).
ولما كان راعي هذه الدار رجلاً كريماً خيِّراً؛ فالأَولى- كما أرى- أن تُسمّى بصفته الخيرية الكريمة- رفع الله درجاته- وعليه فإنه يمكن تسميتها بناء على هذا التأويل أيضا( دار البِرّ) أو( دار السعد)، أو ( دار السعداء)؛ وذلك على سبيل الأضداد؛ فإنهم لولا رعاية الله لتشردوا أو هلكوا؛ فلما يسّر الله لهم أهل الخير والبر والتقوى كانت سعادتهم. والله ولي التوفيق" أ. هـ.
أما الأخرى فكانت ردّاً على مرسالٍ- إميلٍ- أوردَ مقترحاً لأحد الزملاء الأفاضل، قلت فيها:" علماءنا الأفاضل الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فنحن نؤيد اللجوءَ إلى ألفاظٍ وأساليبَ لا تضايق متلقيا، ولا تخدشُ حياءه، ويأتي مقترح علمائنا الأفاضل في تجنب ألفاظ " اللقيط" أو " المنبوذ"، أو" أبناء الشوارع"، أو غيرها في هذا المجال الملائم لوصف الحال، ولكنه يضايق المختصَّ به.
على أننا ونحن نقترح بدائلَ مناسبةً لهذه الألفاظ أو التراكيب فإننا نرى ضرورة تجنب خلطِ الأوراقِ كما يقول الساسة، أو خلطِ المصطلحات، خاصة وأننا نشكو دوماً من فوضى المصطلحات، أو تعددها.
وعليه فإن مصطلح" الخضرمة" الدال بدايةً- كما هو مشهور- على من عاشوا في الجاهلية والإسلام، ثم كان إعمامه توليداً على كل من عاش في عصرين مختلفين- لا أراه صالحاً في هذا السياق؛ خاصةً وأن من اللقطاء من لم يعش حالين في زمنين، حيثُ أُخِذَ بل التُقطَ من مهدهِ وذُهِبَ به مباشرةً إلى" الملجأ" أو" دار الإيواء" أو" دار الأيتام" أو" دور الخير" أو" الإحسان" أو" دور كفالة اليتيم" أو" رعاية الطفل البريء"؛ فهو لم يعش مرحلتين. وإذا كان من الأطفال من عاش مرحلةَ عذاب التيتم مثلاً؛ حالة فقدانه العائلَ المسؤول عنه؛ ويمكن أن يحظى برعاية هذه المؤسسات الخيرية فإن إعمام تسميتها؛ ليشمل اللقيط أو الفقير أو اليتيمَ أراه أفضل من تخصيص التسميةِ باللقيط أو اللقطاء.
ولنا في التسميات العامة سندٌ ومؤازرةٌ في هدفنا النبيل، وهو إزالة آثار ذنبٍ أو لحظةِ طيشٍ جنى أثره هذا الطفل البريء؛ ولتكن التسمية، كما اقترحتُ في مرسالٍ سابق: ( دار الخير- دار البرّ- دار السعد)، وأضيف في هذا السياق:( دار رعاية الطفل)، أو( دار رجال الغد) بدون أيِّ وصف؛ كأن، نقول:( دار الطفل البريء) أو( دار كفالة اليتيم) مثلاً.
أما مصطلح الخضرمة أو ما اشتُقَّ منهُ فليسمح لي الزميل الفاضل، ومن وافقه أن أقول: إنه غيرُ صالحٍ للدلالة على المرادِ في هذا السياق. ودمتم ذخراً للغةِ والعلمِ والمعرفة" أ. هـ.
وفي سياق هذه الدراسة أودُّ أنْ أشيرَ إلى أن هناك لفظاً شائعاً على ألسنة الناس في فلسطين؛ للدلالةِ على" اللقيط" أو" مجهول الأبوين" وهو لفظ" بَنْدوق"، ويُرمى به أحيانا مَن يقوم بأفعالٍ خارجةٍ عن الأعرافِ والتقاليدِ. وقد يضاف إليه هذا الوصف، فيقال:" بَندوق ابن حرام". ولم تذكر جمهرة معجماتُ العربيةِ القديمةِ هذا اللفظ، وإنْ ذَكَرَتْ جذره وألفاظاً مشتقةً منه في غيرِ هذا المعنى، غيرَ أنَّ الزّبيدي( ت. 1205هـ) في تاج العروس( ب. ن. د. ق) ذكَرَ هذا اللفظَ، وَنسَبَ معناه إلى العَوامِّ، قال:" البَنْدوقُ، بالفتح: الدَّعِيُّ في النسَبِ، عامِّية". أ. هـ. وأرى أنَّ هذا اللفظَ غيرُ صالحٍ لإقرارِهِ لكونهِ ذائعاً بهذا المعنى الذي نقصدُ إلى عدمِ الإفصاحِ عنه؛ لِما فيه من إحراجٍ لكلِّ مَن يطلق عليه.