أبو معاوية البيروتي
السُّنَّة حاكمة على اللغة لا العكس، والشافعي حجة في اللغة، وقوله حجة يُعتَمد عليها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه .
أما بعد، سأل رجلٌ من الفقهاء العلاّمة اللغوي أبا زكريا يحيى بن زياد الفراء ( ت 207 هـ ) عن اللغة إذا خالفت السُّنَّة أيكون الحكم للسُّنَّة أو اللغة ؟
فقال : السُّنَّة حاكمة على اللغة، ولا يجوز أن تكون اللغة حاكمة على السُّنَّة .
قال الفقيه : فإنْ وردت لغات مختلفة في شيء واحد متغايرة ؟
قال الفراء : يُؤخَذ بأفصحها وأشهرها من المعروف المشهور لقريش .
قال الفقيه : فإنْ صَحَّت لغةً ذكرها الشافعي ولم تُعْرَف إلا له، أيكون خلافاً ويُؤخَذ بها ؟
فقال له الفراء : الشافعي لغة؛ هو قرشي مطَّلبي عربي فقيه، وقولُه حُجَّة يُعْتَمَد عليها، واللغة من مثله أوثق لعلمه وفقهه وفصاحته، وإنه من القوم الذين تغلب لغاتهم على سائر اللغات . اهـ .
==============
" جزء فيه حكايات عن الشافعي وغيره " ( ص 34 / ط . دار البشائر الإسلامية ) لأبي بكر الآجري ( ت 360 هـ )
روى الحافظ أبو طاهر السِّلفي في " المشيخة البغدادية " ( 1 / 414 ) من طريق محمد بن العباس بن زيد القاضي قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي يقول :
لسان الشافعي لغة فأخبتوه، فما رأيته إلا فصيحاً .
صدقت فيما نقلته؛ ولإن كان الفراء أجاز حُجِّيَّة الحديث في اللغة؛ فقد منعها كثرة النحاة،
الامر كما ذكرت اخي
وللاستزادة من الفائدة في هذا الموضوع - وهو مهم - احببت ان انقل ما استدل به اولائك النحاة الذين منعوا من الاستدلال بالحديث في اثبات القواعد الكلية في اللغة ,واقوى ما استدلوا به لمذهبهم في المنع امران ذكرهما كثير ممن تحدثوا عن الموضوع واكتفي بالنقل عن البغدادي
قال في "خزانة الادب":
أحدهما :
أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى،فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم لم تقل بتلك الألفاظ جميعها: نحو ما روي من قوله: " زوجتكها بما معك من القرآن " " ملكتكها بما معك من القرآن " ، " خذها بما معك من القرآن " ، وغير ذلك من الألفاظ الواردة، فنعلم يقيناً أنه صلى الله عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا نجزم بأنه قال بعضها إذ يحتمل أنه قال لفظاً مرادفاً لهذه الألفاظ " غيرها " ، فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه، إذ المعنى هو المطلوب، ولا سيما " مع " تقادم السماع، وعدم ضبطها بالكتابة، والاتكال على الحفظ. والضابط منهم من ضبط المعنى، وأما من ضبط اللفظ فبعيد جداً لا سيما في الأحاديث الطوال. وقد قال سفيان الثوري: " إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى " . ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم " إنما " يروون بالمعنى.
الأمر الثاني:
أنه وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث، لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، " ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو " ، فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون، ودخل في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب. ونعلم قطعاً من غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب فلم يكن يتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها، وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز، وتعليم " الله " ذلك له من غير معلم.