لغةُ المدِّ في (آمِيْنَ) بينَ العُجْمَةِ والعَرَبِيَّةِ
ولهذه الكلمة في الاستعمال العربي لغتان واردتان: لغة القصر: (أَمِيْنَ) على وزن فَعِيْلٍ،ولغة المد: (آمِيْنَ) على وزن (فَاعِيْلٍ)،فمما جاء على لغة القصر قول القائل(1 ):
تباعَدَ عَنِّي فَطْحُلٌ إذْ دَعَوْتُه أمِيْنَ فزادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْـدَا
ومما جاء على لغة المد قول القائل(2 ):
يا رَبُّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أبدًا ويرحمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِيْنَا
ولغة المد أكثر اللغات استعمالًا في هذا الحرف عند العرب ، وحَدُّ (أَمِيْنَ)،و(آمِيْنَ) في كلام النحاة: اسم فعل أمر بمعنى : اسْتَجِبْ أو أَجِبْ ، وهو مبنيٌّ لوقوعه مَوْقِعَ المبني وهو فعل الأمر ، وحُرِّك بالفتح لأجل الياء قبل آخره كما فُتِحَتْ (أَيْنَ)،و(كيفَ)،و(رُوَيْدَ) دفعًا لالتقاء الساكنين، وكان حقه أن يبنى على السكون لأنه بمنزلة الأصوات( 3).
ولغة القصر هي الأصل في هذا الحرف ، ومن ثمَّ فلا إشكال بين النحاة في أن (أَمِيْنَ) على لغة القصر عربية؛ لأن وزنه (فَعِيْلٌ)، وهو وزن يكون عليه أوزان الكلم العربية كثيرًا ، وإنما اختلفوا في الممدود هل هو عجميٌّ عُرِّبَ، أم عربيُّ الأصل والوزن؟ ذلك أن (آمِيْنَ) على لغة المد على وزن (فاعِيْلٍ)، وهذا البناء ليس من أبنية كلام العرب، وإنما هو من أبنية كلام العجم كـ (هَابِيْلَ وقَابِيْلَ)، فذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن (آمِيْنَ) اسم أعجمي مثل (شَاهِيْن) على ما حكى عنه أبو علي، ونقل عنه أنه قال : «فإن سميت به رجلًا لم ينصرف»(4 ) .
وهذا الذي اختاره الأخفش ذهب إليه قوم من النحاة؛كالباقولي(5 )، وابن الأنباري(6 )، والرضي الاستراباذي(7 )، وابن هشام( 8).
ويشرح الفارسي وجه اختيار الأخفش أن (آمِيْنَ) اسم أعجمي فيقول : «فأما وجه قول أبي الحسن إنه أعجمي، فإنما قال ذلك ؛ لأنه وزن لم يجئ عليه شيء من العربي، وإنما جاء في العجمي نحو (هابيل وقابيل)،فلما لم يجئ مثاله في العربي ووجد ما جاء على مثاله غير مصروف في المعرفة كما أن سائر الأعجمية كذلك ، حكم فيه بالعُجْمَةِ»(9 ) .
ثم يعرض الفارسي مناقشة ليصل من خلالها إلى أن اختيار الأخفش ليس اختيارًا وجيهًا، وأن (آمِيْنَ) الممدود ليس أعجميًّا بل عربيٌّ ، فيقول : «وللقائل أن يقول : إنه ليس بأعجمي ؛ وذلك أن الأعجمية لا تخلو من أحد أمرين : إما أن تكون اسم جنس نحو : (النَّيرُوز)(10 )، و(الفِرِنْد)( 11)، و(اللِّجام)، أو علمًا كـ (إبراهيم)،و (إسماعيل)،و(إسحاق) فإذا لم يخل العجمي من هذين الضـربين، ولم يكن (آمين) في مَنْ مدَّ الألف على واحد منهما دل ذلك على أنه ليس بأعجمي ؛ ألا ترى أن هذا البناء بعينه في الأعجمية لم يعدُ ما جاء منه من أن يكون على هذين النحوين ، فما جاء من أسماء الأجناس،فنحو (شاهين) ، وما جاء منه من أسماء الأعلام فنحو: (هابيل)،و(قابيل)،و(حاميم) من هذا النحو، ألا ترى أنه اسم سور مختصة ، فأما (آمين) فبمنزلة ما ذكرنا من الأسماء المصوغة للأمر في المواجهة نحو: (افْعَلْ) ، فكما أن تلك الأسماء الأخر عربية ، فكذلك (آمين)»( 12) .
يتضح من هذا العرض اعتمادُ أبي عليٍّ على استقراء موارد الأسماء في لغة العجم؛ إذ الأسماء عندهم لا تعدو استعمالين: أسماء الأجناس ، وأسماء الأعلام ، وليس (آمين) داخلًا في أيٍّ منهما، كما أن استعمالها في لغة العرب بمنزلة الأسماء المصوغة للأمر نحو: (صَهْ)،و(مَهْ) ونحوهما يعضد الرأي القائل بعربيتها .
وأما قول الأخفش (فإن سميت به رجلاً لم ينصرف) فيرد عليه الفارسي بأن «من كان (آمين) عنده عربيًّا فالقياس أن يصرفه إذا سمي به رجلًا على قول بني تميم ، ولا يمنعه خروجه عن أبنية كلامهم من الانصراف؛لأنه يصير بمنزلة عربي لا ثاني له من وزنه نحو : (إنْقَحْلٍ) : أي يابس، وعلى قياس قول أهل الحجاز ينبغي أن يحكى ؛ ألا ترى أنهم لو سموا رجلًا بـ (فَعالِ) لحكوه ولم يعربوه كما أعربه الأولون»(13 ).
والقول بعربيَّةِ (آمين) مَدًّا هو فحوى كلام الزجاج؛ إذ يقول : «ومعناه: اللهم استجب، وهما موضوعان في موضع اسم الاستجابة ، كما أن قولنا : (صَهْ) موضوع موضع سكوتًا ، وحقهما في الإعراب الوقف؛ لأنهما بمنزلة الأصوات»(14 ).
وكذلك فحوى كلام ابن خالويه الذي رأى أن (أَمِيْنَ) و(آمِيْنَ) لغتان ، والقصـر هي الأصل، وإنما مُدَّ ليرتفع الصوت بالدعاء ، كما قالوا: آوْهِ ، والأصل: أَوْهِ( 15)،فالمد إذًا إشباع لفتحة الهمزة.
وذهب الزمخشري إلى أن (آمين) صوتٌ سُمِّي به الفعل الذي هو استَجِبْ ، شأنه شأن: (رُوَيْدَ، وحَيْهَل، وهَلُمَّ)،وتبعه ابن يعيش( 16) .
وذهب ابن عطية إلى أن (آمين) بالمد لغة عربية( 17) .
والقول بأن (آمين) عربية وأنها لغة في (أَمين) أُشبعت فتحة همزتها فصارت (آمين) هو قول أبي العباس ثعلب( 18) ، وابن جني(19 ) ، ورجحه الباقولي في الجواهر(20 ) ووجهه العكبري(21 ) ، ودل عليه كلام ابن مالك(22 ) ، وابنه بدر الدين( 23) ، وحكاه المرادي عن أبي علي(24 ) ، وهو المفهوم من كلام عامة نحاة المتأخرين( 25) .
(فآمين) عند أبي علي ومن تبعه من النحاة عربي أصالةً وهو (أَمِيْنَ) المقصور في الأصل على وزن (فَعِيلٍ) فأُشبعت حركة الفتحة، وهو قول له وجاهته من حيث الأصل والاستعمال كما تقدم.
________________
(1 ) البيت لجبير بن الأضبط، وهو من شواهد فصيح ثعلب (بشـرح الزمخشـري، تحقيق الدكتور إبراهيم بن عبد الله الغامدي – معهد البحوث العلمية – جامعة أم القرى – 1417هـ-2/650 ) ، ومعاني الزجاج 1/54 ، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه - دار ومكتبة الهلال-بيروت-لبنان-1985م- 35 ، والبيان لابن الأنباري 1/42 ، والمحرر الوجيز 1/80 ، وشرح المفصل 4/34 ، والدر المصون 1/77 ، وشرح الشذور 152 ، والمقاصد الشافية 5/500 ، وشرح التسهيل لناظر الجيش 8/3865 ، وشرح الأشموني 3/291 .
( 2) البيت لقيس بن الملوح في ديوانه (31 – رواية أبي بكر الوالبي) ، تحقيق يسـري عبد الغني – دار الكتب العلمية- 1425هـ - 1999م ،والبيت من شواهد المصادر السابقة .
( 3) انظر: شرح المفصل 4/34 ، شر ح الكافية الشافية 3/1385 ، شرح كافية ابن الحاجب للرضي 3/85 ، توضيح المقاصد 3/1161 ، أوضح المسالك 4/82 ، شرح الأشموني 3/290 .
( 4) المسائل الحلبيات 110 ، وفي معاني الأخفش 593: وأما قولهم : (آمِينَ) فهو مفتوح، وألفه مقطوعة، تقول: آمين ثم آمين، والمعنى: ليكن ذاك ، وكوَّن اللهُ ذاك ، وقد ذكر بعضهم أنها تخفف ويقال فيها (أمين) .
( 5) اختار الباقولي هذا القول في كشف المشكلات 1/11 ، ورجح غيره كما سيتضح لاحقًا .
(6 ) البيان 1/42 .
( 7) شرح الكافية 3/85 .
( 8) شرح شذور الذهب 151 .
( 9) الحلبيات 110 .
(10 ) فارسي معرب ، وأصله بالفارسية : نيع روز ، ومعناه: يوم جديد .
( 11) فرند السيف: رُبَده ووشيه،والرَّبَد:لون يخالطه سواد.
( 12) الحلبيات 112 .
( 13) الحلبيات 119 .
( 14) معاني القرآن وإعرابه 1/54 .
( 15) إعراب ثلاثين سورة 41 .
(16 ) شرح المفصل 4/34 ، الكشاف 1/123 .
( 17) المحرر الوجيز 1/80 .
( 18) شرح فصيح ثعلب للزمخشري 2/649 .
(19 ) الخصائص 3/123 .
(20 ) جواهر القرآن 141-152 .
(21 ) التبيان 1/11 .
(22 ) التسهيل 211 ، شرح الكافية الشافية 3/1385 ، المساعد 2/641 ، تمهيد القواعد 8/3864 .
(23 ) شرح ابن الناظم 435 .
(24 ) توضيح المقاصد 3/1161 .
( 25) انظر: شرح التصـريح 2/282 ، شرح الأشموني 3/290-291 ، حاشية الخفاجي على البيضاوي 1/148 .