شخصية الشهر
تهدف زاوية (شخصية الشهر) إلى إلقاء الضوء على أحد أعلام العربية في الوطن العربي، سواء أكان ذلك بالحوار أم بالكتابة عنه؛ وذلك بهدف إبراز الوجه التنويري والتثقيفي لهؤلاء العلماء، وتقريب مؤلفاتهم للمثقف العربي، وهذا غيض من فيض نحو حق هؤلاء العلماء علينا.
16-الأستاذ الدكتور رياض الخوام
أستاذ النحو والصرف واللغة بجامعة أمّ القرى، وعضو مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية
رياض حسن الخوام (1373هـ= 1954م): نحوي، لغوي. وُلد بحماة بسورية. درس ثلاث سنوات في جامعة دمشق ثم انتقل إلى جامعة الإسكندرية ودرس فيها السنة الأخيرة وحصل منها على درجات الليسانس والماجستير والدكتوراه، وكان عنوان رسالة الماجستير "المقصور والممدود في اللغة العربية"، وحصل على تقدير ممتاز، وكان عنوان رسالة الدكتوراه "كتاب الكناش في فني النحو والصرف لأبي الفداء صاحب حماة المتوفى سنة 732هـ "، وحصل على تقدير مرتبة الشرف الأولى. وحصل على درجتي (أستاذ مشارك- وأستاذ) من جامعة أم القرى في مكة المكرمة. له خبرة التــدريس الجامعي لمدة أربع وثلاثين سنة في جامعة أم القرى في قسم اللغة والنحو والصرف (اشتملت على تدريس طلاب البكالوريوس والدراسات العليا والإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه ومناقشتها) وما يزال يعمل في الجامعة السالفة الذكر. رأس لجنة معادلات الطلاب، وشارك في وضع مفردات اللغة والنحو والصرف، وشارك في اختيار وفحص الموضوعات الصالحة لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه، وقوَّم بحوثًا علمية للمجلات العلمية المحكَّمة، ولترقية الأساتذة في الجامعات السعودية وغير السعودية الخارجية. من مؤلفاته: "إعراب الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية في كتاب شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام الأنصاري، و"الآن" في الدرس النحوي والاستعمال اللغوي"، و"لدن ولدى بين الثنائية والثلاثية وأحكامهما النحوية"، و"مع" في الدرس النحوي"، و"الاستدلال بالأحاديث النبوية على القواعد النحوية"، و"نحو معجم دلالي للسرقة والسراق، و"حيث" لغاتها وتراكيبها النحوية"، و"العقد الوسيم في أحكام الجار والمجرور والظرف للأخفش اليمني" تحقيق ودراسة، و"فرائد الدر النظيم شرح العقد الوسيم, لأحمد بن قاطن الصنعاني", تحقيق ودراسة، و"الطلاء الرخيم على العقد الوسيم" لأحمد بن القاسم اليمني, تحقيق ودراسة، و"مهما" وخلافات النحويين حولها", و"إعراب الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في كتاب أوضح المسالك" مجلدان, و"إعراب الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في كتاب شرح ابن عقيل, و"أسماء الكعبة المشرفة في الدرس اللغوي ومعه بركة مكة المكرمة على التأليف اللغوي"، و"الطريق إلى صنعة الإعراب"، و"دروس في صنعة الإعراب"، و"فهارس معاني القرآن للنحاس"، و"نظرية العامل في النحو العربي, تقعيد وتطبيق، و"التفسير اللغوي لأسماء مكة المكرمة".
• الدراسات العالية يجب أن تتسع لكل المناهج العلمية بشرط أن يتمكن أولادنا أولاً من فهم تراثنا.
• عندي شعار أعتقد به ولا أتردد في قوله وهو: (نعيب زماننا والعيب فينا).
• من أعجب ما رأيت في الجامعات السعودية هو إقبال طلاب الدراسات العليا على التخصص في النحو والصرف واللغة أكثر من ميلهم إلى الأدب والنقد.لإدراكهم أن ذلك هو الأساس المتين الذي يجب أن يبنى عليه الأدب والنقد فتحصل الفائدة المرجوة.
• الطالب إذا فهم روح العلم، فسوف يعشق هذا العلم، ولكن كيف الوصول إلى مرحلة العشق هذه؟
• نشفق على هؤلاء الذين ضيعوا أعمارهم في قضايا لم تفد العربية بشيء سوى الفوضى اللغوية.
• ما أكثر مشاكل التعريب أليس توجيه الجهود نحوها أَوْلَى من العبث بما استقر وثبت من قوانين هذه اللغة؟!
• إني هنا في السعودية أسمع أحيانًا أعضاء في مجلس الشورى، فأراهم يتكلمون العربية الفصيحة بطلاقة وبلا أخطاء، مع أن تخصصاتهم علمية وليست شرعية أو لغوية. وسبب ذلك أنهم تربوا على المناهج التراثية القديمة
• المشكلة تكمن فيمن يدرِّس العلم وليس العلم نفسه، ولا يصلح حال الأمة إلا بما صلُح به أوائلها.
• لا شك أن احتواء المجمع (الشبكي) على أعلام اللغويين من شتى أصقاع المعمورة سيحقق له الاستمرار والبقاء بإذن الله، وكلهم محب عاشق لهذا التراث ولهذه الأمة.
• سيأتي يوم ستكون ثقافات الأمم بين أيدينا كما أن ثقافتنا ستكون عندهم فلنجهز أنفسنا لذلك.
• لا شك أن أبرز ريادة لهذا المجمع هو كونه على الشبكة العالمية.
• بالتأويل والتخريج والتوجيه، لن تعجز العربية عن استيعاب أي أسلوب لغوي محدَث.
• علينا أن نقدم اللغة العربية بأسرارها، ونعتمد على كل الوسائل التي توضح هذه الأسرار.
• الأمر يستقيم إذا فهّمنا الطالب روح القاعدة، وسر الأسلوب، وحكمة العرب من ورائها، فأبشرْ حينئذ بمستقبل مزهر للعربية.
• من الخطر جدًّا تجزئة الفكر النحوي، فالتراث كلٌّ لا يتجزأ، روح وجسد، وما أكثر المنادين الآن بفصل الرأس عن الجسد.
• الباحث إذا لم يتمكن تراثيًّا وقفز إلى الدراسات المعاصرة فسيكون ضرره أكثر من نفعه، وهذا الذي ابتُلينا به في كثير من الدراسات التي رأيناها.
• الأستاذ الماهر الشاطر الفاقه لأسرار العربية التراثية هو الذي ينقذنا من هذه الأزمة، فلنفكر في إعداد جيل يعشق تراثه ويفنى في جماله.
• أنا متفائل دائمًا بمستقبل هذه الأمة ولغتها، فكلما اشتد الظلام ينبلج الفجر. لغتنا حية وستبقى حية خالدة.
• لنتق الله جميعًا في هذه الأجيال التي ستحاسبنا أمام الله سبحانه وتعالى على ما فرطنا في حقها.
• يجب علينا استثمار كل التقنيات الحديثة لما فيها من فوائد وعوائد كبيرة.
• ليت المجامع اللغوية تتحد تحت مجمع واحد، يكون في السعودية لما تملكه من طاقات علمية ومادية معًا والمسؤولون لا يضنون بتقديم كل ما عندهم لخدمة العربية.
• كل هذا وغيره الكثير فإلى تفاصيل الحوار:
• في البداية نود إلقاء الضوء على الشخصيات والمحطات المؤثرة في تكوينكم العلمي، وكذا آخر مشاريعكم البحثية ومؤلفاتكم العلمية.
الحمد لله على ما أنعم والصلاة والسلام على حبيبنا الأكرم وعلى آله وصحبه أجمعين في هذه الليالي المباركة، يسعدني الحديث معكم أخي الكريم الأستاذ مصطفى، لا شك أن هناك علماء بارزين تأثرت بهم مذ كنت صغيرًا في الحي الذي نشأت فيه، فمن فضل الله عليَّ أني نشأت في حي مليء بالعلماء، بل إن بلدي حماة تمور بالعلماء مع صغرها، وكل له اتجاه علمي خاص، تعلقت بالشيخ العالم الفقيه الشافعي محمد أديب كلكل الذي توفي رحمه الله منذ شهرين، وأبى الخروج من البلدة لاحتياج الناس إليه في هذا الكرب الشديد، ونسأل الله الفرج. هذا الرجل هو والدي العلمي وشيخي الفكري والروحي، كنت في المرحلة الابتدائية في السنة الرابعة، فسجلني والدي- رحمه الله وأسكنه فراديس جناته- في الإجازة الصيفية في مدرسة شرعية قريبة من بيتنا، فتلقفني هذا الرجل الذي كان يدرس العلوم الشرعية واللغوية، من ذلك متن أبي شجاع في الفقه وشرح قطر الندى ونور اليقين، وغير ذلك من كتب الوعظ والإرشاد كتنبيه الغافلين والمغترين وتذكرة القرطبي وغيرها من الكتب الجميلة المفيدة، لقد تعلقت بهذا الشيخ وصار له أثر كبير في حياتي العلمية خاصة العربية، ولكثرة حبنا للإعراب كنا نتبارى في إعراب الجمل التي ندرس قواعدها عند الشيخ، كنت أقول لأخي وهو في المرحلة الإعدادية أعرب: الظلم مرتعه وخيم، وأستشعر بلذة العلم حين أعربها له، وأنتصر عليه بها بعد عجزه عن إعرابها، وكان هذا الشيخ يرغبني بقوله (سأرسلك إلى الأزهر بعد حصولك على الشهادة الإعدادية لتكمل دراساتك هناك) نعم هذا الشيخ العلامة ربى عقلي وفكري، تعلمت منه الكثير الكثير مما لا يُعد ولا يُحصى؛ لأن فضائله كثيرة، وعلومه متنوعة، وهو كما وصفوه الشافعي الصغير لكنه ما مات إلا بعد أن صار مفتيًا في جميع المذاهب، ومن أقوال هذا الرجل (أريدكم أن تكونوا نسورًا محلقين وليس ببغاوات مرددين) فانظر إلى هذه العبارة كم تحمل من توجيه وترغيب وشحذ للهمة ورسم واضح لما يجب أن يكون عليه طلاب العلم وأهدافهم، وفي المدارس الحكومية كان الأساتذة متفاوتين في التمكن العلمي ولكن المستوى العام في ذلك العصر كان جيدًا إذا ما قيس بهذا العصر، فأكثر المتخرجين من جامعة دمشق درسوا العلوم على أساتذة علماء، وعلى العموم كنت ولله الفضل والمنة متميزًا في اللغة العربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، و في الجامعة درسني رعيل من العلماء كانوا قممًا علمية متميزة على مستوى الجامعات العربية منهم: الشيخ أحمد راتب النفاخ الذي كان يدرسنا مادة الكتاب القديم وهو كتاب أمالي القالي ولا أزال أتذكر حتى الآن تعليقاته اللغوية على نصوص أبي علي لا سيما حديث ليلة الأخيلية مع الحجاج ومنهم الدكتور مازن المبارك أمد الله في عمره وشفاه من أسقامه الذي كان يدرسنا في السنة الثانية إعراب الجمل وأشباه الجمل في القسم الثاني من مغني اللبيب ومنهم الأستاذ عاصم البيطار ابن الشيخ بهجت البيطار النحوي اللغوي المشهور الذي حضر إلى السعودية وعمل في المعاهد العلمية والدكتور عبد الحفيظ السطلي والدكتور إحسان النص والدكتور شكري فيصل الذي كان في الجامعة الإسلامية في المدينة والدكتور عدنان زرزور والدكتورة ليلى الصباغ وعزيزة مريدن والدكتور ربحي كمال في الساميات والدكتور فاخر عاقل وغيرهم كثير، وأكثرهم من تلاميذ شيخ العربية في الشام الأستاذ سعيد الأفغاني رحمه الله الذي يُعد من أبرز العلماء الشاميين ناهيك عن الرعيل الأول ككرد علي والبزم والجندي وسبح والخياط وغيرهم من معرّبي الطب ومؤسسي المجمع اللغوي، وقد تميز الدرس اللغوي في الشام بالعمق التراثي والفهم الدقيق لعلوم العربية بعيدًا عن المؤثرات الخارجية، فالكل عاشق للعربية وللعرب، فكان التغني بالحجاج وقصصه على ألسنة الأساتذة والدارسين، في كل مراحل التعليم، وهو انعكاس لاتجاه الأمويين، فمن المعلوم أن بني أمية لهم تأثير شديد في ترسيخ العنصر العربي، ولم يكن في الجامعة دراسات عالية، فكنت أفكر منذ السنة الأولى في التحويل إلى مصر لمتابعة الدراسة ثم وُجدت الأسباب التي دفعتني إلى الانتقال إلى مصر، وكان من نعم لله عليَّ أن أدركت في الإسكندرية الأساتذة الأكابر على رأسهم أستاذي الفاضل الدكتور عبده الراجحي يرحمه الله، والأستاذ العلامة في اللغويات والساميات الدكتور عبد المجيد عابدين، والدكتور حسن عون والدكتور سيد خليل والدكتور طاهر حمودة والدكتور زكي العشماوي ومصطفى هدارة ، والدكتورة نفوسة زكريا والدكتور العالم طه الحاجري، وكلهم علماء أكابر أفاضل والدكتور حلمي خليل في اللغويات، وزرت الدكتور الفاضل محمود فهمي حجازي في بيته مرتين وهو الذي ناقشني في رسالة الماجستير مع الدكتور عبد المجيد عابدين، ولا أنسى إشفاقه عليَّ حين رفض أن أحجز له غرفة في أحد فنادق الإسكندرية؛ لأني طالب، ولقد أكرمني كثيرًا في زيارتي له في بيته في الهرم، وفوائد المدرسة المصرية كثيرة جدًّا على اتجاهات الفكر اللغوي العربي؛ لأن كليات الآداب في مصر تميزت بالانفتاح على الدرس اللغوي الغربي، ولأن ثمرة البعثات المصرية إلى أوروبا قد ظهرت عند هذا الرعيل، فمحمود السعران كان من جامعة الإسكندرية، ورسالته عن أصوات العربية عند الخليل اطلعت عليها بلغتها الإنجليزية في مكتبة الإسكندرية،ولا أنسى في هذا المقام قول الدكتور عبد المجيد عابدين في مدح هذا الرجل قال لي في إحدى زياراتي له في بيته :لو عاش هذا الرجل لكان من أنبه المشتغلين في الدراسات الصوتية الحديثة "ومن المتميزين البارزين الذين أثروا الحركة العلمية في مصر وخارجهامحمود حجازي في القاهرة ومعه كمال بشر، وتمام حسان، ورمضان عبد التواب، فكان الكثير منهم يربط بين التراث والمعاصرة، ومنهم الدكتور عبده الراجحي يرحمه الله لقد كان شيخي الأول في مصركما ذكرت ، وكان يحثني على حضور محاضرات له في معهد جوتة الألماني، ويقول لنا: احمدوا الله على أن وُجد من يوجهكم، نحن لم يوجهنا أحد؛ لذا بدأنا نتقن اللغات الأجنبية على كبر، وفي الإسكندرية تعرفت على بو خاطره الشافعي يرحمه الله أستاذ الصوتيات العظيم، وأفدت منه كثيرًا في التعرف على المناهج الصوتية الحديثة فكان يثير لي كثيرًا من المشكلات النحوية التي تدفعني إلى البحث والقراءة لأرد عليه في اليوم التالي، وحضرت محاضرة لفيشر المستشرق الألماني الصغير الذي كان يقوم بإعداد أطلس لغوي لمصر بادئاً من الصعيد، أما ترددي على العلماء في مصر فأولهم شيخ المحققين الأستاذ عبد السلام محمد هارون الذي أجازني حين ناقشني في الدكتوراه علنًا أمام الجمهور بعلم التحقيق قائلاً: أنا أجيزك إجازة رسمية مني بالتحقيق. وهذه لا يعرفها إلا القليل من إخواني وزملائي وهو وسام أعتز به، وزرته في بيته أكثر من مرة ونشأت مودة خاصة بيني وبينه فكان مما أفدته منه قوله لي: أنا ناجح جدًّا لأني مرتب ومنظم، ولم يكن أيام الرجل يرحمه الله الوسائل المسهلة للمحققين فكنت أرى صناديق كروته العلمية في الأدراج، والحق أن هذا الرجل صاحب روح أنيسة لطيفة تجعلك تحبها وتنقاد إليها يرحمه الله رحمة واسعة. أما الدكتور عبده الراجحي فمن فوائده أننا درَّسنا محاضرات دي سوسير باللغة الإنجليزية، وقد كتبت عنه مقالة نشرتها في جريدة الرياض بينت فيها كثيرًا من شمائله وفضائله، وزرت كثيرًا الدكتور عبد المجيد عابدين أستاذ الأساتيذ وهو الشيخ العالم بالساميات الذي لم يُرزق بعقب له ،لكن عوضه الله كثرة الطلاب المحبين له في مصر وفي السودان وفي جميع أقطار الوطن العربي ، فكنت أسهر عنده أستمع منه إلى أطراف الأحاديث المتنوعة، وأفدت منه كثيرًا في المنهج التاريخي، والتحليل اللغوي الدقيق، قضينا معه أسابيع كثيرة يشرح ويحلل عبارة "هيان بن بيان " لغة وتاريخًا مع بيان دلالة الهاء في اللغات السامية، ومثلها كذبك العسل وكذبتك بطنك، فكنا نسمع منه الأعاجيب، ونقول له: هل من مزيد، وهو رجل عجيب في حفظه لتراجم العلماء، وكان الشيخ طاهر حمودة الأخ الكبير لنا نحن معاشر طلاب الدراسات العليا في الإسكندرية، كان تراثيًّا متمكنًا، و اتصل أيضًا بالدرس الحديث المتئد المتأني فأنجز كتبًا مفيدة من أهمها ظاهرة الحذف وجهود ابن القيم اللغوية، والخلاصة أنني أفدت من هذا الجو العلمي المتنوع، لأكوِّن في حياتي منهجًا كاملاً أفرغه في عقول طلابي وأقول لهم: علينا أن نتمكن من فهم تراثنا والوقوف على أسرار علومنا اللغوية وبعد ذلك لنفتح نوافذنا على الشرق والغرب ولا أخاف عليكم من الانصهار ولا الذوبان، المهم هو فهم التراث علينا أن نستفيد من الدرس اللغوي الحديث ما يزيد لغتنا قوة، فأحمد الله سبحانه وتعالى على أنني نهلت من مدرستين علميتين نبعهما واحد وحدائقهما متنوعة؛ لذا لم أتوقف في درسي عن لدن ولدى مثلاً من الاستعانة باللغات السامية لزيادة إيضاح ما ذكره علماؤنا حول هاتين الأداتين، ولم أتردد في درس النبر الصوتي الحاصل في تراكيبهما، وأرى أن الدراسات العالية يجب أن تتسع لكل المناهج العلمية بشرط أن يتمكن أولادنا أولاً من فهم تراثنا ففهمه يُبعدهم عن مزالق علمية تؤدي إلى أضرار تنعكس على أهداف السياسة اللغوية العامة لهذه الأمة، وأخيرًا لا بد من الإشارة إلى المدرسة اللغوية السعودية، فهي تراثية تمثل أقوى جذر تراثي، ولا عجب فهنا العربية وهنا أهلها، وهي الحصن الحصين في حفظ هذا التراث اللغوي العربي الإسلامي، رفدت نفسها في بداية أمرها بكل الروافد العلمية المضيئة، فما أكثر العلماء الذين وفدوا إليها من شتى البلدان حاملين معهم ثقافاتهم وعلومهم فأفادوا واستفادوا، والآن تجد هذه المدرسة متألقة بعلمائها، وبكثرة التصنيف فيها، وبكثرة جامعاتها، والجدل العلمي الواعي قائم بين التراثيين والمعاصرين؛ الأمر الذي دفع الحركة العلمية دفعات أثمرت في بناء صروح علمية متنوعة، متزنة، ومن أعجب ما رأيت في الجامعات السعودية هو إقبال طلاب الدراسات العليا على التخصص في النحو والصرف واللغة أكثر من ميلهم إلى الأدب والنقد، في حين نرى عكس ذلك في الجامعات الخارجية، وهذا دليل على العمق التراثي المتأصل في نفوسهم،وإدراكهم أن الدرس اللغوي هو الأساس المتين الذي يُنى عليه الأدب والنقد ،إذ بذلك تحصل الفائدة ، فهم كما قلت أهل العربية، ولا ريب أني أفدت كثيرًا من هذا المنهج الجامع بين عدة مدارس علمية المتأصل تراثياً.
أما مشاريعي العلمية فهي كثيرة جدًّا، أسأل الله أن يبارك لنا في الوقت لتحقيقها، لكني منذ زمن اتجهت إلى تأليف بعض الكتب التعلمية؛ لأني أدركت أن طلاب العلم بحاجة إليها، فترى في مؤلفاتي الكثير منها تعليمي، بعضها يتصل بالدراسات الجامعية وبعضها يتصل بطلاب الدراسات العليا.
يتبع...