تصحيح التصحيف وتحرير التحريف
أ.د عبد الرحمن بودرع
من غَرائب التدوينات ذَهابُ مَن ذهَبَ إلى أنّ هناك فعلاً ثُلاثيَّ الأبعاد في القُرآن الكريم، هو فعلُ "أَجاءَ" [فأجاءَها المَخاضُ إلى جذع النخلَة] في سورَة مَريم:
وهذه التدوينة التي يكثُرُ دَوَرانُها بين المُدونين يَتناقَلونَها على أنها من بلاغة العربية في الاختصار، ومن الدلالة الثلاثية الأبعاد: جاءَها وأجاءَها وفاجَأها !!!
- لو رجعنا إلى المعاجم لوَجَدْنا أنّ الفعل أجاءَ يُفيد تعدية اللازم جاء، ومعناه أن تَجْعَلَ غيرَك يَجيءُ وتحملَه على الإتيان، وتُلْجِئَه إليه، فهو تعديةُ فعل لازم، بهمزة التعدية، لا غيرُ،
- أما المفاجأة فلا يُفيد هذا اللفظُ معنى المُفاجأة مُطلقاً، وإنما هو تأويل ذهني فقط. فلا أدري كيف يَتناقلُ الناسُ شيئا من غير تثبُّت، ولعلَّ الذي أوهَمَهُم أنّ الفعلَ يُفيد المُفاجأةَ ظَنُّهُم أنّ حرفَ العطفِ "الفاء" الذي هو حَرفُ مَعْنى مُستقل، جزءٌ من الفعل وأنّ تَمامَ الفعلِ في نظرهم هو "فاجأَ يفاجئُ"، وهذا اعتسافٌ وافتراءٌ وخَلطٌ وجهلٌ مُطبِق؛ لأنّ أصلَ الفعل: جاء (وليسَ فَجَأ)، زيدَت عليه همزة التعدية فأصبح "أجاءَ" أي ألجأ، ثم دخلته فاء العطف لتربطَ الفعلَ بالفعلَيْن السابقَيْن حَمَلَت وانتبذَت: "فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ"