شخصية الشهر
تهدف زاوية (شخصية الشهر) إلى إلقاء الضوء على أحد أعلام العربية في الوطن العربي، سواء أكان ذلك بالحوار أم بالكتابة عنه؛ وذلك بهدف إبراز الوجه التنويري والتثقيفي لهؤلاء العلماء، وتقريب مؤلفاتهم للمثقف العربي، وهذا غيض من فيض نحو حق هؤلاء العلماء علينا.
8- الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بو درع
عبد الرحمن بو درع: نائب رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، أستاذ اللغويات العربية، ولسانيات النص وتحليل الخطاب بجامعة عبد المالك السعدي بالمغرب. وُلد بالمملكة المغربية. حصل على شهادة اللّيسانس في الآداب من جامعة فاس عام1980م، ودبلوم الدراسات العليا (دكتوراه السلك الثالث) في علوم العربية واللسانيات من جامعة محمد بن عبد الله بفاس عام 1987م، وشهادة دكتوراه الدولة في علوم العربية واللسانيات من جامعة محمد الخامس بالرباط عام 1999م. وهو رئيس مسلك ماستر (ماجستير)، ومنسِّق تكوين الدكتوراه، ورئيس فريق البحث الأدبي والسيميائي بجامعة عبد المالك السعدي، ومؤسس ومدير لمنتدى اللسانيات على شبكة الإنترنت، ومدير منتدى مجالس الفصحى على شبكة الإنترنت. حصل على جائزة الشرف المتميز للبحث العلمي من جامعة عبد المالك السعدي لثلاث سنوات متتالية (2009/2010/2011م). من مؤلفاته: "الأساس المعرفي للغويات العربية"، و"منهج السياق في فهم النص"، و"الخطاب القرآني ومناهج التأويل"، و"في اللسانيات واللغة العربية"، و"الإيجاز وبلاغة الإشارة في البيان النبوي".
• أهمّ مَن يصنعُ الرّجالَ هم الرّجالُ.
• نأملُ أن تدخلَ اللغة العربيّة في حوارٍ مَع اللغات الحيّةِ الأخرى الأكثرِ استعمالاً في المجالِ التّداوليّ الفكريّ والعلميّ العالَميّ.
• الاختزالُ شرطٌ حاسمٌ من شُروطِ إدماجِ اللغاتِ في سياق التّطوّرِ والتواصُل السريع.
• على العربيّة أن تخوضَ غمارَ الانتشار على الشبكَة، وأن يكونَ لها محتوى علميّ مفيدٌ.
• تَحبيبُ النحو لا يقفُ عند محاولات التّجديد، ولكنّه يتعدّى ذلكَ إلى الدّعوة إليْه في سائر الوسائل الإعلامية والتّعليميّة، وجعله مُتاحًا رهنَ إشارَة عامّة النّاس.
• إذا انقَطَعَ الشعب من نَسَبِ لُغتِه انقطَع من نَسَبِ ماضيه، ورجَعَت هويتُه رَسْمًا مَحفوظًا في التّاريخِ.
• ما ذلَّت لُغةُ شعبٍ إلاّ ذلَّ، ولا انحطَّت إلاّ كان أمرُه إلى اضمحلالٍ وزَوالٍ.
• لَيْسَ في العالَم أمّةٌ عَزيزةُ الجانبِ تُقدِّمُ لغةَ غيرِها على لغةِ نفسِها.
• يتعيّنَ اعتمادُ العربيّةِ لغة السيادَة الرسميّة في كلّ سياسةٍ وكلّ تخطيط وتَدبيرٍ لشؤون البلادِ العربيّة.
كل هذا وغيره كثير... فإلى تفاصيل الحوار:
• في البداية نود إلقاء الضوء على الشخصيات والمحطات المؤثرة في تكوينكم العلمي، وكذا آخر مشاريعكم البحثية ومؤلفاتكم العلمية.
- أولاً أشكُر سعادَتَكم على إتاحة هذه الفرصة العلميّة الإعلاميّة، وأجيبُ بأنّ أهمّ مَن يصنعُ الرّجالَ هم الرّجالُ، وحُقّ لي في هذا المقام أن أذكرَ بعضَهم إن لم يتيسّرْ لي الإحاطةُ بذكرِ جميعِهم، فمنهم مُربّي الأجيالِ ومؤدّبُهِم فَضيلَةُ الأسْتاذ فَخْر الدّين قباوة، عَلَمُ النّحوِ والأدبِ والعربيّةِ والتَّحقيقِ، من أعلامِ حَلَب السوريّة، كان درَّسَ بجامِعاتٍ عربيّةٍ كَثيرةٍ، ومنها جامعةُ فاس، فكانَ مِنْ نَصيبي أن تلمذتُ عليْه. ومنهم الأستاذُ عبدُ الله الطّيّب المجذوب رَحمه الله تعالى، صاحبُ كتابِ "المرشد إلى فَهم أشعارِ العَرب وصناعتِها"، وهو من علماء الأدب واللغة الكِبارِ الذينَ تُضرَبُ لطَلَبِ عِلمِهم أكبادُ الإبلِ، وكان له تأثيرٌ كبير في دَرْسِ عُلومِ الأدَب في الجامِعاتِ العربيّة، ومنهم الأستاذُ مُحمّد الكَتّاني شَيخُ الأجيالِ في الجامِعاتِ المغربيّةِ، وصاحبُ منهج دَقيق ورؤيَةٍ سديدٍ في قضايا النّقد الأدبيّ والفكر الإسلاميّ الحَديثَيْنِ، كانتْ له قُدرةٌ جيّدَةٌ على استنباطِ الأفكار والمعاني منَ النُّصوصِ، وحُسْن استشرافِ الآفاقِ ومُواكبةِ التّطوّر، ولم تمنعْه أشغالُ العِمادةِ المرهقةُ من النُّبوغ في مَيدانِه ومُواصلَةِ البَحثِ والتّنقير، والإشرافِ على الأطاريحِ الرّصينَةِ، وقد تعلّمنا منه مَسالكَ الحِجاجِ المنطقيّ في قَضايا الفكرِ الإسلاميّ ومنهجَ النّقدِ الدّقيق لقَضايا الأدَبِ القَديم والحَديثِ.
- و من شُيوخِنا المُباشرينَ الأستاذُ الشّاهدُ البوشيخيّ المُحقّق المُدقّقُ، المُربّي المُرْشِدُ النّاقدُ الثّبتُ، الذي تَدينُ له الجامعَةُ المغربيّةُ بل العَربيّةُ، بالسَّدادِ والإحكامِ في التّربيّة والتّعليمِ، وفي العَملِ المنهجيّ، فقد أسَّسَ مَدرسةً علميّة ثَقافيّةً مَبنيةً على ضَبطِ المُصطلَح والإرشادِ إلى مَفاتيحِ العُلوم قبلَ تلقّي العُلوم، وتَحقّقتْ هذِه المَدرَسَةُ في مُؤسَّسَتيْن عِلْمِيّتَيْن بالعاصمةِ العلميّةِ فاس: معهد الدّراسات المُصطلحيّة، ومؤسسة البُحوث والدّراسات العلميّة، وفي إصدارات كثيرةٍ وحَوْليات ونَدواتٍ ومُناظراتٍ، وللمَدرَسَة التي أسّسَها فروعٌ وأتباعٌ في الدّاخل والخارِج.
لا أستطيعُ أن أحصيَ الشيوخَ والأساتيذَ الذين تعلمتُ على يديهم وأُجِزْتُ من قِبَلِهم، من داخلِ الوطَن ومن خارِجه. ولو خُصّصَ مؤلَّفٌ لتَعدادِ فضائلِهم لَما أحاطَ بالمُبْتَغى؛ فقَد نذروا حياتَهم لخدمةِ الإسلامِ واللسان العربيّ.
ولا يَفوتني في هذه المناسَبَة أن أَرْجِعَ الفَضلَ إلى أهلِه، بشُكرِ مَن أعانوا على إخراجِ أعمالي ومؤلَّفاتي وأبحاثي في صورَتِها التي خرَجتْ عليْها. فَما مِنْ تَقييدٍ من تقْييداتِ العلمِ وفائدةٍ من فَوائدِ المعرفَة إلاّ وحَرَصتُ عَلى استفادَتها منهم رحمةُ الله عليْهم جَميعًا .
أمّا عن الأعمال العلميّة والمَشاريع، فأهمّ مشروع نشتغلُ فيه خدمةُ اللغة العربيّة من الجانب العلميّ المتخصّص، وأقصدُ بذلك التواصُل مع الباحثين والطلاب وأهل العلم لتوحيد الجهود وترتيب العَمَل العلميّ، وقد يسَّر الله إنجازَ مشاريعَ لخدمة كتاب الله ولسان العَرَب، منها كتبٌ في المنهَج وأخرى في نص القرآن الكريم وخطابه وأخرى في بلاغة القرآن الكريم وبلاغة الحديث النبويّ، في قضايا اللغة العربية وظواهرها، ثم أبحاثٌ منشورَةٌ في مجلاّت محكّمة تدور حول المحاور نفسها. وما زالَ العَمَلُ متواصلاً.
أمّا المَسالكُ التي سُلكَت لإنجاز بعض هذه المَشاريع، فبالإضافَة إلى التأليف، لوحظَ أن أهمّ المَسالك المتداولَة اليومَ: نشرُ البُحوث على الشبَكَة العالَمية والمدوَّنات الرّقميّة والمواقع الإلكترونية اللغوية المتخصصة التي تصدرُ عَن مجامعَ لغوية على الشبكَة أو عن مَراكز بحث لغوية متخصصة.
• المتابع لنشاطكم في الآونة الأخيرة يجد اهتمامًا واضحًا منكم بنشر اللغة والمعرفة من خلال شبكة الإنترنت. إلى أي مدى ترون ضرورة التواصل المعرفي من خلال هذه الشبكة؟
- أجل، لوحظ في السنين الأخيرَة أنّ طلاّب العلم والمعرفَة يفضّلون التفاعلَ عبرَ الوسائل الحديثَة والتعامُل مع الوسائط الإلكترونيّة في طلَب المعرفَة وتبليغها، وفي السؤال والجواب وفي التواصل العلميّ عامَّةً، وهذا يدلّ على حاجة اللغة العربيّة وما يَدور حولَها من معارفَ إلى مواكَبَة العصر في الوسائل والأدوات والمناهج لكي يكونَ لها حضور مؤثّر وانتشار واسع في العالَم. والحقيقَة أنّ تبليغَ العلم بهذه الوسائل الحديثَة يضمنُ سرعةَ وصول المعلوماتِ وحلّ المُشكلاتِ واختصارَ المسافاتِ والأزمنَة. ولا يَعني ذلك أننا استغنينا عن تبليغ العلم بالكتاب، كلاّ، فالكتابُ هو الأصلُ في نقل المعرفة الأكاديميّة الرّصينَة؛ وهو المَرجعُ المُعتَمَد عند الاختلاف، ولكن حانَ الوقتُ لاستعمال هذه الوسائل، والذي لاحظتُه من قوّة استعمال الوسائل الحديثَة أنّ اللغة اللعربيةَ استفادَت من هذا الوضع الجديدِ، استفادَت طرُقًا وأساليبَ جديدةً في الصياغة والتركيب، كانَ لها أثرٌ بليغٌ في النّهوضِ باللغةِ العربيّة في العُلوم والإعلام والتّواصُل –في عالَم كَثيفٍ مُتغيّر سريعِ التّطوّر وفي ظلِّ الفجوة الرّقميّة- وما زلنا نأملُ أن تدخلَ اللغة العربيّة في حوارٍ مَع اللغات الحيّةِ الأخرى الأكثرِ استعمالاً في المجالِ التّداوليّ الفكريّ والعلميّ العالَميّ، وأخصُّ بالذّكرِ اللغةَ الإنجليزيّةَ التي تفوّقَت في مَيدان ابْتكارِ البَرمجيّات وفي ميدان الاختزالِ، والاختزالُ شرطٌ حاسمٌ من شُروطِ إدماجِ اللغاتِ في سياق التّطوّرِ والتواصُل السريع، لأنّه يُتيحُ ابتكارَ الاصطلاحاتِ والرموزِ والصّيغِ المختصِرَة.
أقولُ على العربيّة أن تخوضَ غمارَ الانتشار على الشبكَة وأن يكونَ لها محتوى علميّ مفيدٌ؛ إذْ لم يَعُد من المناسِبِ النّظرُ إلى اللّغاتِ على أنّها نَسَقٌ مُغلقٌ ونظامٌ مكتملٌ لا يقبلُ التطورَ ولا التّغييرَ، بل ينبغي التّسليمُ بأنّ عصرَ الإعلامياتِ فرضَ على اللغاتِ –ومنها اللغة العربيّة- مواكبَةَ العصر، والتّوافُقَ مع شروطِ توليدِ المعرفَة الجديدَة أو نَقْلها من ثقافاتٍ أخرى، وتقوية النّظامِ الرّمزيّ للغةِ الذي يسمحُ بتوليدِ علاقاتٍ جديدةٍ بينَ الدّالّ والمدلول، وهو ما يُسميه الباحثونَ بــ: « تَرميز قَواعد الوُلوج في عَوالم التقنيّات الجَديدَة، في المعلوماتِ والمعرفَة » ، وبإنتاج الرموز وتداولها. فتأثرَ نظامُ القراءَة والبَحث عن المَعلومَة، وآنَ الأوانُ لتنشئةِ الجيل العربيّ الجديد على هذا الوضع العلمي الإعلامي القرائي الجَديد.
• "منهج السياق في فهم النص" عنوان لأحد كتبكم. برأيكم ما الدور الذي يؤديه السياق في فهم النص؟ وما المنهج الذي ترونه للسياق في فهم النص؟
- منهَج السياق في فَهم النص كتابٌ يُجيبُ عن سؤال منهجيّ أو إشكال منهجي، هل تصلح علوم الآلَة الحديثَة وهي اللسانيات والسيميائيات ولسانيات النص وتحليل الخطاب مناهجَ للنظر في الخطاب القرآنيّ ؟
والجواب: لَيسَ العيبُ في مَناهجِ العُلومِ الإنْسانيّةِ، فَما العُلومُ الإنسانيّةُ إلاّ عُلومُ آلةٍ حديثةٌ، ولكنّ العيبَ في سوءِ الاسْتخدامِ وفي التّوظيفِ المُغرضِ، ذلك أنّ هذه العُلومَ بمناهجِها – خاصّةً اللسانيات والسيميائيات والتّداوليّات والتّأويليّة ولسانيات النّصّ وتحليل الخِطاب- يُمكن أن تُسهمَ في فَهم نُصوص القُرآن الكَريم فَهما متكاملاً يضعُه في سياقه الصحيح .
فائدةُ اعتماد منهج السياق في اتّخاذِ اللّغةُ التي كانت مُتداوَلةً في عصر التّنزيل المَرْجِعَ في تفسيرِ القرآن الكريم واستنباط الأحكام منه، دون الالتفات إلى اللّغة الحادثة وما طرأ عليها في العصور التالية من تطوّر في دلالات الألفاظ، ممّا لا ينبغي تحكيمه في فهم القرآن الكريم، وبعيدًا عن الرّواسب الفكريّة التي يحملها المفسِّر فيُسقِطها على القرآن الكريم، بِما يُخرِج النّصّ عن بلاغته وأصالته، ومعنى ذلك أن لغة التنزيل تُرافق سياق التنزيل وتُلازمها ولا تحيد عنها، فلا ينبغي إخراج المصطلح الشّرعي عن مدلوله الأصلي وإلا فسيصير لفظُ الشّارع غير مُطابقٍ لمسمّاه الأصلي».
لقد تنبه العلماء إلى قيمة السياق وحساسيته، فكانوا يرون أن منهج التفسير اللغوي السّياقي يقتضي ألا يقتصر المفسِّر على دلالة الكلمة بل يُجاوزها إلى تركيب الكلام؛ فَعَن عَبدِ الله بنِ مُسلم بنِ يسار، عَن أبيه مُسلمٍ قالَ: «إذا حَدّثْتَ عن الله حَديثًا فقِفْ حَتى تَنظرَ ما قَبلَه وما بَعْدَه» (1) ومن منهج السياق أيضًا تتبعُ الكلمة القرآنية في مواردها المختلفة من القرآن الكريم واستقراؤها في مواضعها المختلفة، حتى يتبيَّنَ السياقُ الدلاليّ الصحيح الذي وردَت فيه.
• بُذلت محاولات عديدة لتجديد النحو العربي بهدف تحبيبه إلى الدارسين وتسهيل تعلمه. ما رأيكم في مثل هذه المحاولات؟ وهل المشكلة ترجع إلى طريقة التدريس ذاتها، أم إلى ضعف المتلقّين أنفسهم؟
- تجديد النحو أو تيسيره أو تبسيطه.....
في العَصرِ الحَديثِ ألِّفَت كُتبٌ كثيرةٌ في فنِّ الإعرابِ وتلْقينِ مَبادئه مع سُلوكِ سبيلِ التيْسيرِ، على أيدي كثيرٍ من عُلَماءِ اللّغةِ والباحثينَ المُنادينَ بتجديدِ بنيةِ النّحوِ العربِيّ وتبسيطِ الإعْرابِ ومُراجعَةِ القَواعِدِ وتَصحيحِ طريقةِ التّلْقينِ، مِثْل أحمد بن سليمان بن كمال باشا شمس الدين، ورفاعَةُ الطّهطاوي، وعَلِيّ الجارِم، ومُصطفى أمين، وإبراهيم مصطفى، وأمين الخولي، وشَوقي ضَيف، وسَعيد الأفغاني، وإبْراهيم أنيس، وعَبّاس حَسَن، وتَمّام حَسان و غيْرِهم..
لكل تصنيفٍ غاية، ولمؤلفات النحو الميسَّر غاياتٌ تناسب تطوّرَ العصر، فلم يَعُدْ عَرضُ القَواعد في الجامِعاتِ دونَ مُناقشَةِ ما تَستَنِدُ إليه منْ شَواهدَ مَقبولاً؛ لأنّ الشواهدَ روحُ تلكَ القَواعدِ تُضفي عَليها حَياةً ومتعةً وأصالةً. وعَلى هذه المادّةِ في الجامِعاتِ أن تَكونَ ثَقافةَ شَواهدَ أكثَر ممّا هي ثَقافةُ قَواعِدَ . وهذه الشواهد تحوّل النحو إلى دروس تطبيقية نافعَة، ككتاب د.عبده الراجحي "التَّطْبيق النّحوِيّ" لِتَدْريبِ الطّلاّبِ على دَرسِ النَّحْوِ دَرْسًا تطبيقيًّا ومُعالَجَةِ أبوابِه و نُصوصِه مُعالَجَةً عَمَليّةً، يُمكن أيضًا أن نضربَ مثلاً بكتاب د. عَبدُ العال سالِم مكرم "تَطْبيقات نَحْوِيّة وبَلاغيّة" وهو كِتابُ قواعِدَ وتَطبيقٍ نَهَجَ فيه صاحبُه مَنْهجًا تَعليميًّا بإيرادِ الأمثلةِ المُخْتارَةِ لاستنباطِ القَواعدِ مِنها، وحُسنِ اخْتيارِ النَّماذِجِ التي ترْشِدُ الطّالِبَ إلى مَعرِفةِ قَواعدِ العربيّةِ بنفْسِه، وقد صَنَّفَ كِتابَه بطريقةِ عَرضِ أبوابِ النَّحْوِ عَرْضًا مُيَسَّرًا واسْتخراجِ القاعدةِ النّحويّةِ بأسلوبٍ حَديثٍ مُيَسَّرٍ، وقد دَفَعَه إلى وَضعِ كِتابِه ما لاحَظَه من صِراعٍ حَولَ النّحوِ وتَعليمِه، واضْطِرابٍ في تَقْسيمِ المَوضوعاتِ، فقدّمَ كِتابًا يَجمَعُ بَينَ القَواعدِ الأصيلةِ و الشّواهدِ البَليغةِ و التّمارينِ التّطبيقيّةِ الكثيرةِ.
هذه وغيرُها محاولاتٌ جادّةٌ في طريق بناء نحو ميسَّر أو تيسير النّحو المَوروث، ويبدو أنّ الغايةَ المرجوّةَ لم تتحققْ بعدُ من الوضع الجديد؛ لأنّ تَحبيبَ النحو لا يقفُ عند محاولات التّجديد، ولكنّه يتعدّى ذلكَ إلى الدّعوة إليْه في سائر الوسائل الإعلامية والتّعليميّة وجعله مُتاحًا رهنَ إشارَة عامّة النّاس.
• هناك تراجع واضح في إقبال الناشئة على تعلم العربية. برأيكم ما أسباب هذا التراجع؟ وكيف للأفراد والمؤسسات مقاومته؟
- تراجُع إقبال الناشئة على تعلّم العربيّة واضحٌ جدًّا، ولا يشكّ أحدٌ في أنّ من أهمّ الأسباب: التّمكينُ للثقافَة الجديدة ونشرُها بأحدث الوسائل وأشدّ الطّرق إغراءً، ولا يشكّ أحدٌ أيضاً أنّ وسائلَ الإعلام والدعايَة وما تبثّه من إشهارات بلغة دارجة أو لغة أجنبية، له أثر كبير في تغذية اهتمام الشباب وتزويدهم بألفاظ أو معجم ملفق لا يستقيم له نظام، ويكون ذلك كلّه على حساب تعلّمهم العربيّةَ وتلقينهم طرُقَها المتكاملةَ السليمَة في التعبير والتواصل وقدرتَها على مواكبة الأحداث، وهذا العَطَبُ الذي حلّ بالأمّة فجَعَلها تُعرضُ بصورة من الصور عن العنايَة بلغتها والحرص عليْها واتخاذِها عنوانًا لهويتها وشعارًا لحضارتها، لا يُمكن أن يُعالَجَ إلاّ بوضع سياسَة لغوية أو تخطيط لغوي شامل متكامل يُبوِّئُ اللغةَ العربيّةَ مكانتَها، ولا نتصورُ مصدرًا قرارات سياسيّة حازمةٍ تعتمد رؤى علماء اللغة والتربية وتوصياتهم، وتُدخِلُها إلى حيّز التنفيذ.
يتبع..