[IMG][/IMG]
بحث مقدم لمؤتمر مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة في دورته الثانية والثمانين (2016م)
أ. د. حسن بشير- رئيس مجمع اللّغة العربيّة بالخرطوم
خطّة البحث
أوّلًا – المدخل.
ثانيًا – القرار السّياسيّ القوميّ.
ثالثًا – القرار العلميّ العربيّ.
رابعًا – القرار الشّعبيّ العربيّ.
خامسًا – متطـلّبات إنجاز القرارات.
سادسًا – خاتمة البحث.
سابعًا – هوامش البحث.
ثامنًا – عرض المصادر و المراجع.
أوّلًا – المدخل:
الوجود العربيّ، و الوحدة العربيّة؛ منوطان بتحقيق عزّة الأمّة العربيّة و قوّتها، و منوطان بمشاركتها بالنّشاط الدَّوْليّ. لكنّ الأمر الخاصّ بالوجود و الوحدة أمرٌ متّسع الأفق، و محاوره متعدّدةٌ، و في صلب ذلك لغتنا العربيّة الّتي تمثّل أدقّ قياسٍ لوجودنا و وحدتنا، و لا نجد محورًا من المحاور يتحقّق فيه المستهدف مثل محور اللّسان العربيّ.
من هنا تكون بؤرة اهتمامنا بلغتنا العربيّة المشتركة؛ تأصيلًا، و تطويرًا، و مواكبةً للعصر. و ذاك أمرٌ يدعمه أصلًا التّعريب الشّامل على أُفق الوطن العربيّ كلّه. و التّجربة الرّائدة في سوريا لم تصل بالأمر إلى غاياته بسبب أنّها تجربةٌ منفردةٌ، و لو كانتْ شاملةً للوطن العربيّ كلّه لوجدنا اليوم مكتبةً مرجعيّةً و منهجيّةً لكلّ العلوم و المعارف، و لما قامتْ حجّة المعارضين للتّعريب تأسيسًا على عدم الكتب المنهجيّة و المرجعيّة.
قد ظللنا ننادي بالتّعريب الشّامل أزمانًا، و نصل حاضرنا فيه بماضينا على عهد المنصور و الرّشيد و المأمون؛ حيث كان نقل المعارف و تعريبها جزءّا من سياسة الدّولة الإسلاميّة.
و في تاريخنا الحديث و المعاصر بُذلتْ مجهوداتٌ فكريّةٌ متميّزةٌ في خدمة القضيّة، من ثلّةٍ من الأساتذة الكبار أمثال: محي الدّين صابر، و عبد الصّبور شاهين، و كمال بِشر، و مصطفى الفيلاليِ، و محمود حجازي، و محمود السّيّد، و عبد الكريم خليفة، و محمّد حسن عبد العزيز، و دفع الله التّرابيّ، و يوسف الخليفة أبو بكر.
هذا البحث دعوةٌ متجدّدةٌ لتنزيل فكر التّعريب الشّامل إلى واقع التّخطيط العلميّ، و التّنفيذ المرتبط بالسّياسة اللّغويّة القوميّة الجامعة. و نقترحُ لمعالجة إشكالات الواقع، و تنزيل الأفكار لميدان التّطبيق العمليّ؛ ثلاثة قراراتٍ: سياسيّةٍ، و علميّةٍ، و شعبيّةٍ.
و في منهجيّة تفعيل ثلاثة القرارات المنشودة ثلّةٌ من المطلوبات في ثبتها: تأصيل الصِّناعة المعجميّة و تطويرها، و إنشاء مجمع اللّغة العربيّة القوميّ، و توظيف الخطاب الإعلاميّ العربيّ لخدمة مشروع النّهضة اللّغويّة القوميّة، و إصلاح الخطاب العربيّ الدَّوْليّ مع تأسيس دورٍ رساليٍّ للسّفارات العربيّة بالخارج، و إنشاء شهادة اللّغة العربيّة الدّوْليّة، و توطين سائر العلوم و المعارف باللّغة العربيّة في النّظام الحاسوبيّ، و إبداع المصطلحات، و إتقان ترجمتها، و توحيدها وفْق الوطن العربيّ و اللّغة العربيّة الفصيحة الجامعة.
ثانيًا – القرار السّياسيّ القوميّ:
قد دعوتُ في خمسة مؤتمراتٍ دّوْليّةٍ إلى وضع التّرتيبات الخاصّة بصدور قرارٍ سياديٍّ سياسيٍّ بشأن التّعريب الشّامل لأفق الوطن العربيّ كلّه، و اقترحتُ أن يصدر هذا القرار من مؤتمر القمّة، و أن تلتزم كلّ الدّول العربيّة بتنزيله لواقع التّطبيق العمليّ(1).
وفي هذه المؤتمرات، وفي مؤتمرات التّعريب أبتعها تصّدرتْ القضيّة المستهدفة مسرد التّوصيات. و لضرب المثل ليس غير جاءت التّوصية الأولى لمؤتمر التّعريب الثّاني عشر، الّذي كنتُ مقرّرَه العامّ.
“1- يوصي المؤتمر جمهوريّة السّودان أن تقدّم مشروعًا لاجتماع القمّة العربيّة القادم، بخصوص إصدار قرارٍ سياديٍّ، يوجّه كلّ الدّول العربيّة بالتّعرب الشّامل لمؤسسات التّعليم قبل الأساس، و الأساس، و الثّانويّ، و الجامعيّ (2)“.
في هذا المؤتمر أكّد الرّئيس السّودانيّ عمر البشير انتماء السّودان للعلم و الثّقافة العربيّة، و قال: “إِنّ الدّوْلة قد أصدرتْ قرارها بالتّعريب منذ عشرين عامًا، و أعلنت دعمها لمشروعاته معنويًّا و مادّيًّا، و المسؤوليّة بعد ذلك على الوزارات والمؤسّسات المختصّة (3)“.
و قبل ذلك قال الرّئيس الجزائري هوّاري بومدين (رحمه الله) عقب استقلال الجزائر: “إِنّ الجزائر ستظلّ مستعمرةً ما لم تستردّ لغتها العربيّة الجامعة”.
و قد أوردتُ هنا موقف الرّئيسَيْن الجزائريّ و السّودانيّ لأدلّ على حضور القضيّة في فكر الحكّام العرب، و نحو ما ورد من ذلك في الجزائر و السّودان يرد عند كلّ الملوك و الرّؤساء العرب. و إذا كان الأمر كذلك فإنّنا نحتاج إلى القرار السّياديّ القوميّ الحاسم، كما نحتاج إلى تنزيل هذا القرار و سائر القرارات القطرّيّة الخاصّة بالتّعريب الشّامل، و بخدمة اللّغة العربيّة؛ تنزيلها إلى واقع التّطبيق العمليّ. و ما لم نفعل ذلك فلن نستطيع المشاركة في النّشاط اللّغويّ الدَّوْليّ الّذي يربط اللّغة بشخصيّة النّاطقين بها؛ فبقاء اللّغة بقاءٌ للأمّة، و لغتنا جديرةٌ بهذا البقاء، و أمّتنا جديرة بهذا البقاء. “فإنّ لغتنا العربيّة تملك من مقوّمات البقاء و المقاومة لأخطار العولمة ما يجعلنا على ثقةٍ تامّةٍ من أنّها تستطيع مقاومة أخطار العولمة اللّغويّة و كلِّ سلبيّاتها متى ما أخلص أبناؤها لها و عملوا بكلّ جدٍّ لخدمتها و حمايتها و اكتشاف جوانب العبقريّة فيها، و تفاعلوا مع تطوّرات العلم الحديث(4)“.
إنّ المطلوبات الّتي أثارها النّصّ السّابق يمكن تحقيقها من خلال القرار السّياسيّ السّياديّ الّذي نأمل صدوره بالتّعريب الشّامل على نطاق الوطن العربيّ. و بمثل هذا القرار تحقّق أصولنا العقليّة و الخلقيّة؛ فإنّ “مناهج البحث العلميّ و أساليب الكشف عن الحقيقة تنبثق أساسًا من أصولٍ عقليّةٍ و خلقيّةٍ مركوزةٍ في الطّبيعة الإنسانيّة”(5).
و القرار السّياديّ القوميّ بالتّعريب الشّامل يرفع من شأن العلوم و المعارف؛ لأنّ تلقِّي ذلك باللّغة القوميّة يجعل الإدراك أكبر، و الكسب أكثر، و النّتائج أوضح؛ و لهذا فإنّ “توطين العلوم لا ينقص العلوم، بل في المقابل يرفع شأنها ومستواها (6)“.
ثالثًا – القرار العلميّ العربيّ:
لإن كان التّعريب الشّامل موضوعًا يهمّ الأمّة كلّها، فهو ذو أهميّة خاصّةٍ لطائفة العلماء؛ ضمن محاورهم الفرديّة أو المؤسّسيّة. ففي الأفق الفرديّ ندعو زملاءنا الأساتذة و الباحثين أن يستهدِفوا التّعريب، و أن يصّوبوا إليه بؤرة اهتمامهم.
ندعوهم إلى أنْ يؤلِّف كلُّ عالمٍ كتابًا في تخصّصه الدّقيق، باللّغة العربيّة الجامعة، و أنْ يترجم للعربيّة من لغةٍ يتقنها كتابًا آخر. فهذا سبيلٌ جدَدٌ لصناعة النّهضة اللّغويّة، و دليلٌ على وعينا برسالة اللّغة؛ فإنّ “الأمّة العربيّة اليوم في حاجةٍ إلى بعث الوعي العميق لكلِّ جوانب أصالتها، و إنّ أوّل خطوات الوعي أنْ يعي الإنسان العربيّ ذاته، و وعي اللّغة في معنًى من معانيه وعيٌ للذّات (7)“. و إذا انطلق هذا المفهوم من العلماء في تجاربهم في التّأليف و التّرجمة كانت دلالته أعمق في وعي الذّات، وإدراك الهُويّة.
أمّا في الأفق المؤسّسيّ فنشير إلى أهمّيّة وعي القيادات بالقضيّة، بحيث تكون حاضرةً في بؤرة اهتمامهم، بصورةٍ يحسّون معها بالفشل في القيادة إذا لم يصلوا بالمطلوب إلى غاياته.
في السّودان مررنا بتجربتَيْن اثنتَيْن؛ تجربة التّعليم الثّانوي، و تجربة التّعليم العالي.
و قد أنجزنا تجربة تعريب التّعليم الثّانويّ سنة 1965م، و أنجزنا تجربة تعريب التّعليم العالي سنة 1991م. و قد دلّتْ التّجربتان على أنّ قادة المؤسّسات لهم القِدْح المعلّى في إنجاح المشروعات المستهدَفة. لهذا سُجّلتْ التّجربتان باسمَيْ الوزيرَيْن الواعيَيْن بقضيّة التّعريب، السّاعيَيْن سعيَ غير مواكلٍ لإنجازها، و هما آنذاك: الأستاذ/ بدوي مصطفى، وزير التّربية والتّعليم، و الأستاذ الدّكتور/ إبراهيم أحمد عمر، وزير التّعليم العالي و البحث العلميّ.
و إذا كان السّؤال الملحّ “كيف يمكن أنْ نعود إلى لغتنا و تعودَ إلينا لُغتُنا، بحيث تتقلّص الغربة اللّغويّة، و تنطلق اللّغة العربيّة أداةً فاعلةً في خلق المُناخ الطّبيعيّ من أجل النّهوض الثّقافيّ و العلميّ و التّقنيّ و الحضاريّ بوجهٍ عامٍّ؟”(8).
فإنّ الإجابة المنطقيّة عن السّؤال تتأتّى في الإصلاح المؤسّسيّ كما تتأتّى في إصلاح الذّات. و من بين المؤسسات المعنيّة في فاتحة الصّفوف؛ وزارات التّربية و التّعليم، و وزارات التّعليم العالي و البحث العلميّ، و وزارات الإعلام، و وزارت الثّقافة. على أساسٍ قوميٍّ يخدم اللّغة الجامعة، وفق السّياسة اللّغويّة القوميّة.
هي سانحةٌ إذنْ أن ندعوَ وزراء التّعليم العام بالوطن العربيّ؛ أن يتّفقوا على خطّةٍ قوميّةٍ تفرد التّعليم قبل الأساس، والتّعليم الأساس، للّغة العربيّة المشتركة الجامعة، لكلِّ المواد، وأنْ يكون أساس الاختيار للتّدريس التّميّز في التّخصّص، و التّميّز في تدريسه باللّغة العربيّة.
و أنْ ندعَوهم إلى خطّةٍ جامعةٍ تصدر على أساسها قراراتٌ تُلزِم المدارس الخاصّة و الأجنبيّة بالمنهج القوميّ المقرّر في القطر المعنيّ من أقطار الوطن العربيّ.
وفي سِفْرِ مطلوباتنا من وزراء التّعليم العامّ العرب؛ أن يبدأ تعليم اللّغة الثّانية من الثّانويّ وفق منهجٍ مكثّفٍ يجعل منه تعليمًا مفيدًا للبحث العلميّ، و التّرجمة، و التّواصل مع الآخر، أو على أقلّ التّقديراتِ يؤسّسُ لهذه المستهدّفات.
و لنا مطالبُ أخر كثيرةٌ منها ما يخصّ:
أ- وزارات التّعليم العالي و البحث العلميّ، و المؤسّسات الجامعيّة؛ أن يكون توطين العلوم أبتعها في لغتنا حاضرًا في بؤرة اهتمامهم، و نقترح أن يكون من شروط التّرقّي إلى درجة الأستاذيّة تأليفُ كتابٍ منشورٍ في التّخصّص الدّقيق باللّغة العربيّة الصّحيحة الجامعة. و ترجمة آخر من لغةٍ يتقنها إلى العربيّة.
وأنْ يكون من شروط الأساس للتّصديق بإنشاء المؤسّسات الجامعيّة الخاصّة و الأجنبيّة إلتزامُها بالسّياسة العربيّة القوميّة الخاصّة بتعريب التّعليم العالي بالوطن العربيّ.
ب- الوزارات و المؤسسات الثّقافيّة و الإعلامّية، و ندعوها إلى مواكبة النّشاط المتّصل بخدمة اللّغة العربيّة و النّهضة بها، و تكثيف إبرازه بالأضواء الإعلاميّة الكاشفة.
ج- وزارات الخارجيّة، و ندعوها أن تعمل على التزام وزرائنا و سفرائنا ومندوبينا بتقديم خطاباتِهم الدَّوْليّة باللّغة العربيّة الصّحيحة الجامعة؛ استثمارًا لقرار الأمم المتّحدة (3190) الّذي أدخل العربيّة ضمن اللّغات الرّسميّة بالمنّظمة الأمميّة و فروعها.
و ندعوهم إلى رسم خطّةٍ لسفاراتنا العربيّة بخارج الوطن العربيّ تقضي بدورٍ رساليٍّ لغويّ يناسب لغتنا و أمّتنا.
د- الولايات، و المحافظات، و المجالس، وندعوها إلى العناية باللّغة العربيّة المكتوبة بالحرف العربيّ، في الإعلانات، و في اللّافتات الخاصّة بالشّركات و المحالّ التّجاريّة، و جميع مناشط العمل.
هـ- قيادات الأمّة العربيّة من الملوك و الرّوساء، و ندعوهم إلى توفير حيِّزٍ مقدّرٍ في الاستراتيجيّة الشّاملة لكلّ بلدٍ إِلى اللّغة العربيّة، بما يجعلها أساسًا أصيلًا في تخطيطنا القطريّ، و تخطيطنا القوميّ. وذلك بوصفها لغة العلم، و لغة صناعة النّهضة، و لغة التّواصل بين أقطار الوطن العربيّ، و رسالة العرب للعالمين.
رابعًا – القرار الشّعبيّ العربيّ:
هذا قرارٌ منوطٌ بأمّتنا العربيّة في وطننا العربيّ الكبير، و ندعوها أنْ تتبنّى اللّغةَ العربيّةَ بحيث تكون مطلبًا عامًّا ينادي به الشّعب أبتعه، و يدفع كلّ الجهات لخدمته، و يطالب به الحاكمين و المحكومين، ليكون أصيلًا في الدّولة الحاكمة، و في برامج القوى المعارضة لها(9). و بهذا تصبح اللّغة العربيّة “جزءًا من برامج الأحزاب السّياسيّة، و التّنظيمات الجماهيريّة، تدعو إلى تحقيقه، و تحثّ الفئات الحيّة من الشّعب إلى التّعلّق به وإلى المطالبة بانجاز مستهدفاته(10)” تأصيلًا و تطويرًا، و مواكبةً للعصر.
خامسًا – متطلّبات إنجاز القرارات:
هناك ثُلّةٌ من متطلّبات تنفيذ ثلاثة القرارات: السّياديّ، و العلميّ، و الشّعبيّ، منها:
أ- تأصيل الصِّناعة المعجميّة و تطويرها و توحيدها؛ وفق السيّاسة اللّغويّة القوميّة الجامعة.
ب- إنشاء مجمع اللّغة العربيّة القوميّ؛ تأسيسًا على اتّحاد المجامع العربيّة و تكميلًا له؛ لأداء الرّسالة اللّغويّة القوميّة الجامعة. و لتوحيد المصطلحات(11و12)، وإجازتها، وإذاعتها. ولإجازة الصِّناعة المعجميّة العربية. تحت المظلّة الجامعة؛ جامعة الدّول العربيّة.
ج- توظيف الخطاب الإعلاميّ العربيّ باللّغة العربيّة الجامعة؛ لخدمة مشروع النّهضة باللّغة العربيّة، تأصيلًا، و تطويرًا، و مواكبةً للعصر.
د- إصلاح الخطاب السّياسيّ العربيّ، الموجّه كَوْنيًّا، و تأسيس دورٍ رساليٍّ عربيٍّ للسّفارات العربيّة بخارج الوطن العربيّ، من أجل أنْ تؤدّيَ رسالةً لغويّةً.
إنّ لكلِّ جزئيّةٍ من السّرد المذكور تفصيلاتٍ لا يسعها حيّز بحثٍ مؤتمريٍّ؛ وستتأتّى –إن شاء الله- قريبًا طيّ مؤلّفٍ جامعٍ لتحقيق القضيّة. لكنّي أستميحكم يسير زمنٍ لإضاءةِ ثلاثِ جزيّاتٍ تتصدّر بؤرة اهتمامي:
الأولى – إنشاء شهادة اللّغة العربيّة الدَّوْليّة؛ (ض1) و(ض2) (13).
من مشكلات اللّغة العربيّة المعاصرة عدم شهادةٍ دَوْليّةٍ لها؛ شهادةٍ مصمّمةٍ ومنفّذةٍ على الأساس القوميّ للأمّة العربيّة. ذلك الأساس هو ما يُلزم العرب في شتّى أقطارهم أن يطلبوا من غيرهم السّاعين لأفق العلاقات العربيّة الحصول على شهادة اللّغة العربيّة الدّوْليّة. و أنْ يجعلوا هذا الطّلب شرطًا لربط العلاقات، و الاشتراك في المصالح.
إننا في هذا الأمر لسنا بِدْعًا، فكلّ الإمم الحيّة المعاصرة تعنى بشهادةٍ عالميّةٍ للغاتها. و من الأمثلة غير الحصريّة:
(IELTS), (C.L.C.), (TOEFL), (DELF), DALF), (TÖMER).
في المحرّم 1433هـ الموافق لنوفمبر 2011م؛ ناقشتُ الفكرة، ثمّ صمّمت المشروع. وهو الآن بين يديْ اتّحاد المجامع العربيّة، و المنظّمة العربيّة للتّربية و الثّقافة و العلوم. و إنّني آمل أن يمضيَ إلى غاياته المرجوّة.
الثّانية- توطين اللّغة العربيّة في النّظام الحاسوبيّ، و في شبكة المعلومات الدَّوْليّة؛ لصِناعة المشروع اللّغويّ الحاسوبيّ القوميّ.
إنّ علومَ الحاسوب و هندستَه باللّغة العربيّة تمثّلُ ظاهرةً علميّةً دَوْليّةً؛ ذات أهميّةٍ خاصّةٍ لنهضة اللّغة العربيّة؛ تأصيلّا، و تطويرًا، و مواكبةً للعصر. وبها نسطيع تجميع جهود الباحثين الحاسوبيّين و اللّغويّين لصالح صناعة النّهضة للغتنا العربيّة.
إذا أراد علماء اللّغة العربيّة و علماء الحاسوب تأسيس مشروعٍ قوميٍّ لتوطين اللّغة العربيّة في النّظام الحاسوبيّ؛ فلا بدّ لهم من إحصاء التّجارب السّابقة، وفيها:
قاعدة البيانات المعجميّة، الّتي أنشأتها جامعة محمّد الخامس بالرّباط، سنة 1978م
و البنك الآلي السّعوديّ للمصطلحات.
و بنك المصطلحات في مجمع اللّغة العربيّة الأردنيّ، 1985م.
و بنك المصطلحات و المعجم الآلي الشّامل، بمكتب تنسيق التّعريب بالرّباط، 2000م.
و هناك مجهوداتٌ أُخَر في مدينة إفريقيا الإلكترونيّة بالخرطوم، و في مجمع اللّغة العربيّة بالخرطوم، و مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، و مجمع اللّغة العربيّة اللّيبيّ، و مجمع اللّغة العربيّة السّوريّ، و مجمع اللّغة العربيّة الفلسطينيّ، و مجمع اللّغة العربيّة العراقيّ.
وقد أحصت الأستاذة الجزائريّة/ مسعودة بنت النّوَيْ أحدَ عشر معجمًا رافدًا لهذه التّجارب؛ و ذلك في بحثها المعلون؛ “جهود الأفراد و الجماعات في وضع معاجم مصطلحات الحاسوبيّات في اللّغة العربيّة”(14).
نحن في مجمع اللّغة العربيّة بالخرطوم وضعنا المشروع في بؤرة اهتمامنا، و دعونا الجمعيّة العربيّة للحاسوب، و مدينة إفريقيّا التكنولوجيّا، إلى جمع مختلف التّجارب و دراستها بغرض صِناعة المشروع اللّغويّ الحاسوبيّ الجامع وَفْق الأفق القوميّ و الدَّوْليّ؛ تنسيقًا مع اتّحاد المجامع العربيّة، و المنظّمة العربيّة للتّربيّة و الثّقافة و العلوم.
و في خطوةٍ متقدّمةٍ بالمستهدف نظّمنا في منتصف مارس الحاليّ (12-14) من مارس 2016م، مؤتمرْين مهمّيْن نأمل الاستفادة من قراراتهما و توصياتهما(15) لإنجاز سياسةٍ لغويّةٍ حاسوبيّةٍ جامعةٍ لأفق الوطن العربيّ أبتعه. و المؤتمران نُظّما بالتّعاون مع الجمعيّة العربيّة للحاسوب، و مدينة إفريقيا التّكنولوجيّا. وهما:
المؤتمر الدَّوْليّ لعلوم و هندسة الحاسوب باللّغة العربيّة، و شعارهُ: “العربيّة لغة التّواصل العلميّ”.
المؤتمر الدَّوْليّ لتقنيات المعلومات و الاتّصالات في التّعليم و التّدريب.
الثّالثة – المصطلحات في منهجيّة السيّاسة اللّغوية القوميّة.
إنّه علينا إبداعُ المصطلحات، و إتقان ترجمتها إلى العربيّة، و توحيدها مبدَعةً و مترجمةً. و فعل ذلك وَفْق منهجيّة السّياسة اللّغويّة القومّية. و ما لم نفعل ذلك لن نستطيع بناء صرح اللّغة الجامعة.