شخصية الشهر
تهدف زاوية (شخصية الشهر) إلى إلقاء الضوء على أحد أعلام العربية في الوطن العربي، سواء أكان ذلك بالحوار أم بالكتابة عنه؛ وذلك بهدف إبراز الوجه التنويري والتثقيفي لهؤلاء العلماء، وتقريب مؤلفاتهم للمثقف العربي، وهذا غيض من فيض نحو حق هؤلاء العلماء علينا.
17- الأستاذ الدكتور عبد الرحمن السليمان
أستاذ اللغة العربية والترجمة في جامعة لوفان في بلجيكا،
وعضو مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية
عبد الرحمن السليمان (1381هـ =1962م): لغوي، وأديب، ومترجم. وُلد في مدينة حماة بسورية، ويحمل الجنسيتين السورية والبلجيكية. حصل على الثانوية العامة عام 1979، ودرس الأدب اليوناني القديم في جامعة أثينا، اليونان من عام 1980– 1985، ثم درس اللغات والآداب السامية/الجزيرية في جامعة الدولة في غاند، بلجيكا من عام 1986 – 1991. أنجز دكتوراه في الأدب العبري القديم (الموضوع: "إشكاليات ترجمة غريب التوراة" من الجامعة نفسها عام 1995)، وأنجز أيضًا دكتوراه ثانية في الترجمة (الموضوع: "وثائق الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية: مدونة الأسرة المغربية أنموذجًا") من الجامعة نفسها عام 2009. عمل أستاذًا لمادة التربية الإسلامية في المعهد الملكي التقني في بلجيكا من عام1990-1991، ثم مديرًا للمجلس الاستشاري البلدي لشؤون المهاجرين الثقافية والاجتماعية في مدينة أنتورب في بلجيكا، ثم مديرًا لشركة ترجمة كانت مملوكة له من عام 1997 – 2007. تفرغ للتدريس الجامعي في جامعة لوفان في بلجيكا بنصف دوام عام 2003، ثم بدوام كامل ابتداء من عام 2006. يجيد مجموعة من اللغات الميتة (كل اللغات السامية/الجزيرية الشرقية والغربية بالإضافة إلى اللاتينية والإغريقية ولغات أخرى)، ومجموعة من اللغات الحية (الهولندية والإنكليزية والفرنسية واليونانية الحديثة والعبرية الحديثة)، ويلم إلمامًا متوسطًا بالألمانية والأمازيغية الحية (اللهجة الريفية/ تاريفيت المستعملة في شمال المغرب). وهو خبير في علم اللغة المقارن والآداب القديمة والديانات القديمة وفرقها ومللها ومصادرها الأدبية. وهو حاليًّا أستاذ الترجمة الأدبية والترجمة القانونية في جامعة لوفان في بلجيكا، ورئيس المجموعة البحثية (تكنولوجيا الترجمة) في جامعة لوفان في بلجيكا (كل الفروع الوطنية)، ورئيس قسم اللغة العربية والترجمة العربية في جامعة لوفان في بلجيكا (فرع مدينة أنتورب)، وأستاذ زائر لجامعة القاضي عياض في مراكش، المغرب، وعضو في هيئة التدريس لماجستير الترجمة التحريرية فيها، وأستاذ زائر لمدرسة الملك فهد العليا للترجمة في طنجة، التابعة لجامعة عبدالمالك السعدي في تطوان منذ عام 2006، وعضو في هيئة التدريس لماجستير الترجمة الشفوية فيها الذي يُدرس ابتداء من عام 2016. إصدارته مئة وخمسة وخمسون عملاً مطبوعًا بين كتاب ومقالة علمية ومقابلة منشورة، معظمها باللغة الهولندية والإنكليزية والفرنسية. أما الآثار العربية فمقتصرة اليوم على أربعة كتب مخطوطة لم تُنشر بعد، وهي: "دراسات في اللغة والترجمة والمصطلح"، و"دراسات في الترجمة"، و"ترجمات مختارة"، و"مرايا"، وهي قصص قصيرة جدًّا وومضات مرة مستوحاة من الواقع العربي. يحرر، بمعية الأستاذ الدكتور أحمد الليثي رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية، سلسلتَي مطبوعات الجمعية الدولية لمترجمي العربية: السلسلة الأكاديمية والسلسلة الأدبية. السلسلتان باللغة الإنكليزية، وصدر منهما حتى الآن ثمانية كتب في مواضيع تتعلق باللغة العربية والأدب العربي والثقافة العربية وحوار الثقافات وترجمات أهمها ترجمة المعلقات السبع إلى الإنكليزية مع دراسة وافية عنهما. كما يحرر، بمعية الأستاذ الدكتور أحمد الليثي رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية، المجلد الثالث من موسوعة المصطلح التي تصدرها دار النشر العالمية بنجامينز، وهو عضو في هيئتها العلمية. وهذا المجلد خاص بوضع المصطلح والدراسات المصطلحية في العالم العربي. شارك في العديد من المؤتمرات العالمية، وأشرف على بحوث علمية كثيرة، ويدير عدة مشاريع علمية. وهو ناشط في الشبكة العالمية، وله آلاف المشاركات المنشورة على شكل مقالات وحواشٍ ومشاركات وردود مقتضبة في مواقع أهمها: موقع الجمعية الدولية لمترجمي العربية، وموقع جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات، وموقع مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، وموقع شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية، وموقع ملتقى الأدباء والمبدعين العرب، وتتعلق المشاركات باللغة والترجمة والثقافة بشكل عام.
• لم يكن في دارنا تلفزيون؛ لأن اقتناءه كان آنذاك مَعَرَّة! وكانت زيارة السينما مما يُعَيَّر به.
• تعلم اللغات الميتة ليس مثل تعلم اللغات الحية؛ لأن للغة الميتة بداية ونهاية.
• المتمكن من العربية يتعلم أية لغة سامية في أسابيع إن جدّ واجتهد.
• أنا مستعد لأن أعلِّم السريانية أو العبرية لأي واحد متمكن من العربية في عشرة أيام إذا كان ذا جَلَد.
• يجب على دارس اللغات السامية/الجزيرية من العرب أن ينتبه إلى الفروق بينها وبين العربية فقط؛ لأن سائر الأمور اللغوية متطابقة تقريبًا.
• لا يوجد سبيل لفهم التوراة إلا باللجوء إلى علم اللغة المقارن.
• بغض النظر عن الغث الذي يُنشر في الشبكة العالمية للمعلومات، فإنها تبقى أفضل وسيلة لنشر المعرفة والثقافة وإيصالها إلى كل مكان بسهولة مطلقة.
• التنوير والتثقيف ونشر المعرفة الحقة والعلم النافع، الطريق الوحيدة للخلاص من الجاهلية التي نمر فيها اليوم.
• العالم العربي أكثر أمم الأرض تخلفًا في مجال الترجمة. وهذا حديث ثابت بالأرقام.
• العرب بحاجة ماسة إلى ترجمة عشرات الآلاف من الكتب والمصادر العلمية والأدبية إلى العربية لإثراء مدارك قرائها الذهنية.
• العمل الإداري لا يصلح للأكاديميين لأني كنت قريبًا من الساسة (محافظ المدينة ووزير الثقافة)، وحسابات أهل السياسة ليست هي حسابات الأكاديميين.
• يقوم مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية في مجال العربية بما تقوم به الجمعية الدولية لمترجمي العربية في مجال الترجمة.
• المجمع نشيط وإنجازاته ملموسة بسبب نشاط إدارته عمومًا ورئيسه الأخ الدكتور عبدالعزيز الحربي ونائبه الأخ الدكتور عبدالرحمن بودرع خصوصًا.
• نأمل في الفترة المقبلة أن ينشر المجمع كتبًا قيمة، وأن يعقد مؤتمرًا في أم القرى ويدعونا، نحن معشر الأعضاء، إليه، فلقد اشتقنا إلى مقابلة الأعضاء الكرام، والتعرف إليهم!
• الإسلام دين يتعرض للإساءة على أيدي أبنائه تارة ووسائل الإعلام الدولية تارة أخرى. وأفضل طريقة لتصحيح المفاهيم هو التعايش المبني على الاحترام المتبادل.
• لا بد للكبار والحكماء والعقلاء من القيام بدورهم. لا عذر لأحد منهم عن عدم المشاركة في معركة التنوير المعرفي.
• في وسائل التواصل الحديثة وتقنياتها وبرامجها على الشبكة العالمية مجال واسع لمن يريد المساهمة في عملية التثقيف والتنوير.
كل هذا وغيره كثير... فإلى تفاصيل الحوار:
• في البداية نود إلقاء الضوء على الشخصيات والمحطات المؤثرة في تكوينكم العلمي، وكذا آخر مشاريعكم البحثية ومؤلفاتكم العلمية.
- بالإضافة إلى والدي رحمه الله ووالدتي أطال الله بقاءها، كان لثلاثة أساتذة فضل كبير عليّ وعلى تكويني، هم أستاذ اللغة العربية (المرحوم محمد علواني) وأستاذ التربية الدينية (المرحوم عدنان الزعيم) وأستاذ مادة التاريخ (الملقب بحمورابي رحمه الله حيًّا كان أو ميتًا). أذكرهم وفاء لهم وأدعو لهم بالخير. كان أستاذ اللغة العربية، الذي كنت ألتقيه في المسجد أيضًا، يشرح لنا ما يستغلق على أفهامنا من النحو، ومن الشعر خصوصًا شعر المتصوفة والزهاد، فيعطينا دروسًا إضافية في المسجد، فيزداد فضولنا واهتمامنا. ومما ساعد على كثرة القراءة أن مدينة حماة التي نشأت وترعرعت فيها مدينة محافظة لم يكن أهلها آنذاك يستسيغون آلات التسلية من تلفزيون وسينما وغير ذلك، فلم يكن في دارنا تلفزيون؛ لأن اقتناءه كان آنذاك مَعَرَّة! وكانت زيارة السينما مما يُعَيَّر به، وكذلك اللعب في الشوارع، فكنا نقضي جُلَّ وقتنا في المطالعة والمذاكرة وحضور الدروس وحلقات العلم في المدينة وكان أهمها دروس الشيخ سعيد حوى والشيخ أديب الكيلاني رحمة الله عليهما. وساعدني فضولي في ذلك الوقت على قراءة أمهات الكتب في سن مبكرة نسبيًّا. ثم راق لي في آخر المطاف التصوف، ولازمت الشيخ أديب الكيلاني رحمه الله وأسكنه فسيح جناته سنوات، وتعلمت منه الكثير. ولكن علاقتي بالتصوف وأهله انقطعت نهائيًّا بعد سنة 1979.
• كيف كانت بداية الاهتمام لديك باللغات عمومًا واللغات السامية/الجزيرية خصوصًا؟ اللغات التي درستُ نوعان: لغات ميتة (مثل المصرية القديمة والبابلية وغيرهما) ولغات حية (مثل الإنكليزية والفرنسية وغيرهما).
- بالنسبة إلى اللغات الحية، لقد درست في بلدين مختلفين هما اليونان وبلجيكا، فكان عليَّ أن أتعلم لغتي الدراسة أولًا وهما اليونانية الحديثة والهولندية. وبما أن الفرنسية والألمانية لغتان رسميتان في بلجيكا (إلى جانب الهولندية)، فكان لا بد من درسهما. وأما الإنكليزية فهي لغة لا بد منها للأكاديمي، درستها في المرحلتين الإعدادية والثانوية في سورية أولاً، ثم في اليونان ثانيًا، فأتقنت منها ما يكفيني. وأما العبرية الحديثة فدرستها بضع سنوات في جامعة أنتورب (دروس مسائية)؛ لأني متخصص في عبرية التوراة وهي مختلفة كثيرًا عن عبرية اليوم.
وأما قصتي مع اللغات الميتة، فقد بدأت منذ أيام المرحلة الابتدائية كما ذكرت، حيث أثارت زيارة رحلة مدرسية لمتحف فيه نقوش أثرية لديَّ فضولاً لمعرفتها، وهكذا تيسَّر لي درسها فيما بعد. فدرست أولاً اللغة اليونانية القديمة في جامعة أثينا بعد تعلمي اليونانية الحديثة لأنها لغة الدراسة فيها، فاللاتينية ثانيًا، ثم عرجت أثناء الدراسة على السانسكريتية (لغة الفيدا، وهي كتاب الهندوس المقدس) والأبستاقية، وهي الفارسية القديمة، لغة الأبستاق، كتاب المجوس المقدس الذي يُنسب تأليفه إلى زردشت. وفي بلجيكا درست اللغات السامية/الجزيرية، فتعلمت الأكادية بلهجتيها البابلية والآشورية، والآرامية والفينيقية والأوغاريتية والحبشية والعبرية التي تخصصت فيها فيما بعد. وبعد التخرج درست سائر اللغات السامية/الجزيرية من الكتب، وأهمها اللغة الإبلية لغة مملكة إبلا شرقي سورية، واللغة العربية القديمة، والحميرية. ثم درست أيضًا من الكتب اللهجات الثمودية والصفوية واللحيانية التي تشكل صلة الوصل بين العربية الجنوبية والشمالية.
كما درست أثناء الدراسة الجامعية أيضًا لغات غير سامية/جزيرية هي السومرية ـ وهي أقدم لغات الأرض تدوينًا ـ والحيثية، بالإضافة إلى أهم لغتين حاميتين (أو: جزيرتين غربيتين) وهما الأمازيغية (البربرية القديمة التي كانت تُكتب بكتابة التفيناغ)، والمصرية القديمة (التي كانت تُكتب بالكتابة الهيروغليفية).
بالطبع إن تعلم اللغات الميتة ليس مثل تعلم اللغات الحية؛ لأن للغة الميتة بداية ونهاية. إن بعض اللغات الميتة مثل البابلية والحيثية والمصرية القديمة لغات صعبة نسبية بسبب أنظمة الكتابة المعتمدة فيها (المسمارية والهيروغليفية)، وكذلك بسبب غناها الأدبي النسبي، بعكس لغات مثل الفينيقية التي لم يُحفظ لنا من أوابدها أكثر من عشر ورقات من النصوص أتت على شكل نقوش، فكان تعلمها سهلاً وحفظ مفرداتها أسهل لقلة المادة. فدارس الفينيقية يتعلمها في أسبوع، ودارس البابلية أو المصرية القديمة يحتاج إلى عام كامل من أجل تعلم نظام الكتابة المسمارية أو الهيروغليفية، فتأمل.
من جهة أخرى، اللغات السامية/الجزيرية شبيهة جدًّا بالعربية، وهو ما يجعل تعلمها بالنسبة إلى العربي المتمكن من لغته أمرًا سهلاً للغاية. فتصريف الأفعال في اللغات السامية/الجزيرية مثل تصريف الأفعال في العربية تقريبًا، وكذلك الأسماء وصيغ الجمع... إلخ. والكتابة الأبجدية هي ذاتها في أكثر الساميات. والنحو هو هو. والمتمكن من العربية يتعلم أية لغة سامية في أسابيع إن جدّ واجتهد. وليست قصة زيد بن ثابت رضي الله عنه ببعيدة عن الأذهان، حيث ورد أنه تعلم السريانية في أيام. وهذا ممكن جدًّا، وأنا مستعد لأن أعلِّم السريانية أو العبرية لأي واحد متمكن من العربية في عشرة أيام إذا كان ذا جلد؛ لأن العربية أساس الدراسات السامية/الجزيرية. لماذا؟ لأن العربية تحتفظ بجميع صفات اللغات السامية/الجزيرية مجتمعة وتزيدها بصيغ المجهول في الأفعال المشتقة، وهذا غير موجود في سواها. إذن: يجب على دارس اللغات السامية/الجزيرية من العرب أن ينتبه إلى الفروق بينها وبين العربية فقط؛ لأن سائر الأمور اللغوية متطابقة تقريبًا.
يتبع..