منقول :
وقوله: ï´؟وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْï´¾ و (ليُحْصِنَكم) و (لنُحْصِنكم) فمن قال: (ليُحصنكم) بالياء كان لتذكير اللَّبوس. ومنْ قال: (لِتُحْصنكم) بالتاء ذهب إلى تأنيث الصنعة. وإن شئت جَعَلته لتأنيث الدروع لأنها هى اللبوس. ومن قرأ: (لنُحصنكم)، بالنون يقول: لنحصنكم نحن: وعَلَى هذا المعنى يجوز (ليُحصنكم) بالياء الله من بأسكم أيضاً.
ــــــــــــــــــــــــ
الدر المصون — السمين الحلبي
قوله: {لَبُوسٍ} : الجمهورُ على فتح اللام، وهو الشيءُ المُعَدُّ لِلُّبْس. قال الشاعر:
3355 - البَسْ لكلِّ حالةٍ لَبُوْسَها ... إمَّا نَعيمَها وإمَّا بُوْسَها
وقُرِىء «لُبُوْس» بضمِّها، وحينئذٍ: إمَّا أَنْ يكونَ جمعَ لُبْسِ المصدرِ الواقعِ موقعَ المفعول، وإمَّا أَنْ لا يكونَ واقعاً موقعَه، والأولُ أقربُ. و «لكم» يجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بعَلَّمْناه، وأَنْ يتعلَّقَ بصَنْعَة. قاله أبو البقاء. وفيه بُعْد، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لِلَبوس.
قوله: {لِتُحْصِنَكُمْ} هذه لامُ كي. وفي متعلِّقها أوجهٌ، أحدها: أن يتعلَّقَ بَعَلَّمْناه. وهذا ظاهرٌ على القولين الأخيرين. وأمَّا على القولِ الثالثِ فيُشْكِلُ. وذلك أنه يلزمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جر متحدَيْن لفظاً ومعنىً. ويُجاب عنه: بأَنْ يُجْعَلَ بدلاً من «لكم» بإعادةِ العاملِ، كقوله تعالى: {لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: 33] / وهو بدلُ اشتمالٍ وذلك أنَّ «أنْ» الناصبةَ للفعلِ المقدرِ مؤولةٌ هي ومنصوبُها بمصدرٍ. وذلك المصدرُ بدلٌ من ضميرِ الخطابِ في «لكم» بدلُ اشتمالٍ، والتقدير: وعَلَّمْناه صنعةَ لَبوسٍ لتحصينِكم.
الثاني: أَنْ يتعلَّقَ ب «صَنْعَةَ» على معنى أنه بدلٌ من «لكم» كما تقدَّم تقريرُه، وذلك على رأي أبي البقاء فإنه عَلَّق «لكم» ب «صَنْعَةَ» . والثالث: أن يتعلَّقَ بالاستقرار الذي تعلَّقَ به «لكم» إذا جَعَلْناه صفةً لِما قبله.
وقرأ الحَرَمِيَّان والأخَوان وأبو عمرو «ليُحْصِنَكم» بالياء من تحتُ. والفاعلُ اللهُ تعالى وفيه التفاتٌ على هذا الوجهِ إذ تَقَدَّمَه ضميرُ المتكلم في قولِه: {وَعَلَّمْنَاهُ} أو داودُ أو التعليمُ أو اللَّبوس. وقرأ حفصٌ وابن ُ عامر بالتاء من فوقُ. والفاعل الصَّنْعَةُ أو الدِّرْعُ وهي مؤنثةٌ، أو اللَّبوس؛ لأنها يُراد بها ما يُلْبَسُ، وهو الدِّرْعُ، والدِّرْعُ مؤنثة كما تقدم. وقرأ أبو بكر «لِنُحْصِنَكم» «بالنونِ جرياً على» عَلَّمْناه «وعلى هذه القراءاتِ الثلاثِ: الحاءُ ساكنةٌ والصادُ مخففةٌ.
وقرأ الأعمش» لتُحَصِّنَكم «وكذا الفقيمي عن أبي عمروٍ بفتحِ الحاءِ وتشديد الصادِ على التكثير. إلاَّ أنَّ الأعمشَ بالتاءِ من فوقُ، وأبو عمروٍ بالياء من تحتُ. وقد تقدَّم ما هو الفاعلُ.
ـ
بحر العلوم — السمرقندي
قوله عز وجل: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ، يعني: دروع الحديد. وذلك أن داود عليه السلام خرج يوماً متنكراً ليسأل عن سيرته في مملكته، فاستقبله جبريل عليه السلام على صورة آدميّ فلم يعرفه داود فقال: كيف ترى سيرة داود في مملكته؟ فقال له جبريل عليه السلام: نِعْمَ الرجل هو، لولا أن فيه خصلة واحدة. قال: وما هي؟ قال: بلغني أنه يأكل من بيت المال، وليس شيء أفضل من أن يأكل الرجل من كدّ يده. فرجع داود عليه السلام وسأل الله عز وجل أن يجعل رزقه من كدّ يديه، فألان له الحديد، وكان يتخذ منها الدروع ويبيعها ويأكل من ذلك، فذلك قوله: وَعَلَّمْناهُ يعني: ألهمناه، ويقال: عَلَّمْناهُ بالوحي صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ.
لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ، يعني: يمنعكم قتال عدوكم. قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالتاء لِتُحْصِنَكُمْ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر لنحصنكم بالنون بدليل قوله وعلمناه وقرأ الباقون بالياء بلفظ التذكير يعني: ليحصنكم الله عز وجل، ويقال: يعني: اللبوس. ومن قرأ بالتاء فهو كناية عن الصنعة، واختار أبو عبيد بالتاء لِتُحْصِنَكُمْ، لأن اللبوس أقرب إليه.
ثم قال: فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ. اللفظ لفظ الاستفهام، يعني: اشكروا رب هذه النعم ووحّدوه.
قوله عز وجل: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ قرأ أبو عبد الرحمن الأعرج الريح بضم الحاء على معنى الابتداء، وقراءة العامة الرِّيحَ بالنصب، ومعناه: وسخرنا لسليمان الريح عاصِفَةً، يعني: قاصفة شديدة، وقال في موضع آخر تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً [ص: 36] أي: لينة، فإنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد تَجْرِي بِأَمْرِهِ، يعني: تسير بأمر الله عَزَّ وَجَلَّ، ويقال:
بأمر سليمان. إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها بالماء والشجر وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ، يعني:
من أمر سليمان وغيره.
قوله عز وجل: وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ، يعني: سخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر، وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ من البنيان وغيره، وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ من أن يهيجوا أحداً في زمانه، ويقال: يحفظهم أن لا يفسدوا ما عملوا، ويقال: وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ ليطيعوا سليمان عليه السلام ولا يعصوه.