مجمع اللغة العربية بمكة يطلق عضوياته الجديدة
لطلب العضوية:
اضغط هنا

لمتابعة قناة المجمع على اليوتيوب اضغط هنا

 


الانتقال للخلف   منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية > القسم العام > البحوث و المقالات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )
 
مصطفى شعبان
عضو نشيط

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

       
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان
افتراضي مكانة اللغة العربية في الحضارة الإسلامية

كُتب : [ 12-26-2022 - 06:19 PM ]


مكانة اللغة العربية في الحضارة الإسلامية
د. مصطفى شعبان



أراد المنظمون للاحتفالية العالمية المعروفة باليوم العالمي للغة العربية أن يكون موضوع الاحتفال لعام 2022: "مساهمةَ اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية".
ومن أجل ذلك أثار ذلك الموضوع في نفسي أشجانًا وأهاج وشائجَ تمزج خيوط الماضي بالحاضر لتعطي دفعة إلى مستقبل العربية المشرق المستلهم من ماضيها الذي كان يُعَدُّ كل يوم فيه يومًا عالميًّا للغة العربية.
في حقيقة الأمر كانتِ اللغةُ ولا تَزالُ جِسْرًا تَعْبُرُ عَلَيْهِ مُقَوِّماتُ الفِكْرِ والثَّقافَةِ، ووِعاءً تَمْتَزِجُ بِهِ عَوامِلُ النُّهوضِ والرُّقيِّ الإِنْسانِيِّ، وحاضِنَةً تَشِبُّ فِيها أَطْوارُ الحَضارَةِ وتَتَلاقَحُ مَعَ نِتاجِ العَقْلِ الإِنْسانِيِّ، ولَمْ تَكُنِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ حَدَثًا عابِرًا مَرَّ على صَفَحاتِ الزَّمانِ أو سَطْرًا خُطَّ في سِجِلِّ تاريخِ اللُّغاتِ، بل كانت قَلْمًا يَكْتُبُ الزَّمان نَفْسَهُ بِأَحْداثِهِ وشَواهِدِهِ، ويَسْطُرُ التّاريخَ بِأحْوالِهِ ومَشاهِدِهِ، لم تَكُنِ العَرَبِيَّةُ مُجَرَّدَ جِسْرٍ للتَّواصُلِ الحَضارِيِّ والتَّبَادُلِ الثَّقافِيِّ، بَلْ كانَتْ أُعْجوبَةً فريدَةً في التَّمازُجِ والتَّلاحُمِ والتَّناغُمِ بَيْنَ الثَّقافاتِ الّتي مَرَّتْ على مِهادِها والبِلادِ الّتي انْسالَتْ على أَلْسِنَةِ أَهْلِها، والحَضاراتِ الّتي نَقْلَتْ مِنْها وإِلَيْها.
ولَقَدْ مَثَّلَتِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ عَبْرَ مُخْتَلِفِ الحِقَبِ التّاريخِيَّةِ رَمْزًا فَريدًا للتَّواصُلِ الحَضارِيِّ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الحَضاراتِ الإِنْسانِيَّةِ، عِنْدَما فُتِحَتْ أبوابُ التَّرْجَمَةِ مَعْبرًا لِنَقْلِ الثَّرَواتِ العِلْمِيَّةِ والأَدَبِيَّةِ والفَنِّيَّةِ بَيْنَ الحَضاراتِ كُلِّها شَرْقِيِّها وغَرْبِيِّها، فكانَتِ ولا تَزالُ الواصِلَةَ الوَصولَةَ بَيْنَ اللُّغاتِ الحَيَّةِ والحَضاراتِ النّاهِضَةِ بما قَدَّمَتْهُ لِلْبَشَرِيَّةِ مِنْ عُقولٍ وألبابٍ وأقلامٍ جَرَتْ أَنْهارُ عُلومِها تُحْيي مَواتَ العُصورِ والحَضاراتِ ولا تَزالُ تَجْري لِتُغَيِّرَ مَجْرى التّاريخِ ومَسارَ الزَّمانِ.
فَبَعْدَ سُقوطِ الإِمْبِراطورِيَّةِ الرّومانِيَّةِ وبِدايَةِ العُصورِ الوُسْطى، لَمْ يَكُنْ كَثيرٌ مَنَ النُّصوصِ القَديمَةِ مُتاحَةً لِلْأورُوبِّيينَ، فَعَلى سَبيلِ المِثالِ أَعْمالُ أَفْلاطونَ وأَرِسْطو لَمْ تَكُنْ مَعْروفَةً في أَورُبّا العُصورِ الوُسْطى، لَكِنَّ أضواء العرَبَيَّةِ كَانَتْ تَسْطَعُ في الشَّرْقِ؛ حَيْثُ كانَتِ العَرَبِيَّةُ لُغَةَ العِلْمِ ووِعاءَ الحَضارَةِ وجِسْرَ الثَّقافَةِ وَقْتَئِذٍ، فَقَدْ تُرْجِمَتِ العَديدُ مِنَ النُّصوصِ الإِغْريقِيَّةِ في حُقولِ العُلومِ العَقْلِيَّةِ؛ كالفَلْسَفَةِ والمَنْطِقِ مِنَ القِبْطِيَّةِ واليونانِيَّةِ والسُّرْيانِيَّةِ إلى العَرَبِيَّةِ، وبَعْضُها تُرْجِمَ إلى السُّرْيانِيَّةِ ثُمَّ إلى العَرَبِيَّةِ، ثُمَّ تُرْجِمَتْ تِلْكَ النُّصوصُ ثانِيَةً مِنَ العَرَبِيَّةِ إلى اللَّاتينِيَّةِ مِنْ خِلالِ طُرُقٍ شَتّى، وتُرْجِمَتْ أَشْهَرُ أَعْمالِ الأدْبِ الفارِسِيِّ والسِّنْسِكْرِيتِيِّ وهُوَ الهنْدِيُّ إلى العَرَبِيَّةِ ثُمَّ تُرْجِمَتْ بَعْضُ هذه الأَعْمالِ مِنَ العَرَبِيَّةِ إلى لُغاتِ الدُّنْيا. فتراث العربية بلا شكٍّ كان المعول الذي حفر طريق التقدم لكي تسير فيه قوافل الحضارات في كل مكان في العالم.
فلا يجب أن ننسى أن العربية قد خاضت معركة الترجمة من اليونانية والهندية والفارسية والتي بدأت نواتها في العصر الأموي وتوسعت وانشعبت إبان العصر العباسي حيث استطاعت أن تستوعب كتب الطب، والحكمة، والحيوان، والنبات، والكيمياء، والحيل، والرياضيات، والفلك، مما لا يقع تحت حصر، ولم يستعص عليها أيُّ مصطلح في تلك الحقبة المشرقة التي واكبها تطور ثقافي هائل، تمثل في ترجمة التراث الإنساني عامة، واليوناني خاصة، إلى اللغة العربية. حين أدرك العرب أن العلم وحده المدخلُ إلى حياة الحضارة.
وسَأَضْرِبُ مَثَلًا واحِدًا يَتَجَلّى فِيه دَوْرُ العَرَبِيَّةِ في تَعْزيزِ تَلاقُحِ الحَضاراتِ وتَحاوُرِها وتَكامُلِها بِكِتابِ «كَليلَة ودِمْنَة» فَمِنَ المُسَلَّماتِ المَعْرِفِيَّةِ أَنَّ التَّرْجَماتِ المُخْتَلِفَةِ لِهَذا الكِتابِ تَرْجِعُ إلى النَّصِّ العَرَبِيِّ المَنْسوبَةِ تَرْجَمَتُهُ إلى ابْنِ المُقَفَّعِ، فإِنَّ هَذا الكِتابَ هِنْدِيُّ الأَصْلِ نُقِلَ إلى الفارِسِيَّةِ في القَرْنِ السّادِسِ الميلادِيِّ، ثُمَّ تُرْجِمَ إلى الفَهْلَوِيَّةِ وعَنْها تُرْجِمَتِ النُّسْختانِ السُّرْيانِيَّةُ الأولى عامَ 570م والعَرَبِيَّةُ عام 750م وعَنِ النُّسْخَةِ العَرَبِيَّةِ نُقِلَ الكِتابُ إلى لُغاتٍ عِدَّةٍ أُخْرى شَرْقِيَّةٍ وغَرْبِيَّةٍ مِنْها اللّاتينِيَّةُ والإِسْبانِيَّةُ والإيطالِيَّةُ والسُّلافِيَّةُ والتُّرْكِيَّةُ والأَلْمانِيَّةُ والإِنْكليزِيَّةُ والفَرَنْسِيَّةُ والصّينِيَّةُ والبولَنْدِيَّةُ والعِبْرِيَّةُ.
وفي حقل المعجميات كان العرب سباقين في صناعة المعاجم وترتيب مداخلها وتأصيل جذورها وجمع شواردها وشواهدها، ويعد كتاب العين هو أول معجم للغة العربية وواحد من أوائل المعاجم المعروفة بجميع اللغات، والذي صنفه الخليل بن أحمد الفراهيدي وفي أواخر القرن الثامن الميلادي. ومعروف أنَّ نشأة المعاجم مرحلة لاحقة لنشوء اللغة واستخدامها، وتأتي عندما يُصبح المجتمع أكثر تحضُّرًا وأوسعَ استخدامًا للغة، وصناعة المعاجم صناعة قديمة بدأت منذ عهد سحيق على يد اليونانيين والمصريين القدماء والصينيين، ثم نمت في العصر الوسيط على أيدي العرب، ومنهم استفاد العبرانيون والأوربيون وغيرهم. فصنعة المعاجم تعد من مفاخر نهضة العرب؛ حيث انبثقت فكرة المعاجم الشاملة للّغة مع رائد المعجميين العرب الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي حاول أن يجمع مفردات اللّغة بين دَفَّتَي معجمه العين؛ حيث قدَّم نظاماً صوتياً خاصاً به سار عليه أكثر اللّغويين ممن جاءوا بعده، فطريقة الخليل الرياضية والإحصائية في التعامل مع المداخل، طريقة دقيقة، رغم قلة وسائل التكنولوجيا والأجهزة الصوتية آنذاك. لكن الخليل بفطنته ودهائه وخبرته الصوتيّة (كان ذواقاً للحروف) استطاع أن يُقدّم طريقاً مستقيماً سار على دربه العديد من المعجميين واللّغويين، وهذا ما يبرز تفوق العرب في هذه الصّناعة.
هذا بِالإضافَةِ إلى ما نُقِلَ عَنِ العَرَبِيَّةِ إلى اللغات الأخرى مِنْ صَفْوَةِ ما أَنْتَجَتْهُ العُقولُ الإسْلامِيَّةُ في علوم الاجتماعِ والفلسفة والطِّبِّ والبَصَريّاتِ والجَبْرِ والرِّياضِيَّاتِ والفِيزْياءِ والكِيمْياءِ والفَلَكِ، كابْنِ رُشْدٍ، وابْن سينا، والرّازِيُّ، وابْنِ النَّفيسِ، وابْنِ الهَيْثَمِ، والزَّهراويِّ، وجابِرِ بْنِ حَيّانَ، والخُوارَزْمِيِّ، والإِدْريسِيِّ، والفارابِيِّ، والبَيْرونِيِّ، وابن خلدون، وابن بطوطة، فالعربيةُ نقلتِ إلى الغَرْبُ أُسسَ الفَلْسَفَةَ الرُّشْدِيَّةِ، وأَساسِيَّاتِ الجَبْرِ واللُّوغارِيتْمِ، وأُسَسَ الضَّوْئِيَّاتِ والبَصَرِيَّاتِ، وأَسْرارَ التَّشْريحِ والتَّخْديرِ والأَدْوِيَةِ والعَقاقيرِ، ونَظَرِيَّاتِ الفَلَكِ والأَجْرامِ والنُّجومِ، وكُشوفَ الجُغْرافِيا وخَريطَةِ الأَرْضِ وشَكْلَها وخُطوطَ عَرْضِها وطولِها.
وزِدْ على ذلِكَ ما تُرْجِمَ مِنْ دَواوينِ الفِقْهِ الحَنَفِيِّ شَرْقًا والمالِكِيِّ غَرْبًا والذي كان الأَساسَ الَّذي انْبَنَتْ عَلَيْهِ رُوحُ القَوانِينِ والدَّساتيرِ الأورُبِّيَّةِ، وما نُقِلَ عَنِ المُسْلِمينَ مِنْ مَنَاهِجِ تَوْثيقِ الرِّوايَةِ ومَدارِسِ الدِّرايَةِ، ومَناهِجِ البَحْثِ العِلْمِيِّ التِّجِريبِيِّ، كُلُّ ذلِكَ وعَواصِمُ العِلْمِ والترجَمَةِ في بِلادِ العَرَبِ والإِسْلامِ كانَتْ شُموسًا مُشْرِقَةً أَضاءَتِ الدُّنْيا مِنْ ظُلْمَتِها وأَقالتْ أُوروبا مِنْ كَبْوَتِها، فكانَتْ مَراكِزُ التَّرْجَمَةِ قائِمَةً في بَغْدادَ، والإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وطُلَيْطِلَةَ، وصَقَلِّيَّةَ، وقُرْطُبَةَ، والقَيْرُوانِ، وبَرْشِلونَةَ، ولِيونَ، وغَيْرِها.
أحبابنا الكرام إنَّ العَرَبِيَّةَ لُغَةٌ تَحْمِلُ في ذاتِها مُحَفِّزاتِ التَّحَضُّرِ ومُقَوِّماتُ النُّهوضِ وعَوامِلَ القُوَّةِ إِنْ هِيَ وُضِعَتْ في مكانِها الذي هِيَ تَسْتَحِقُّهُ وأُقيمَتْ في مَقامِها الذي هِيَ أَهْلُهُ، وإني لا ينقضي عجبي من تلك اللغة السامقة التليدة كيف أنها قاومت صنوفًا من حملات الإضعاف والإماتة والتنحية في عهود الاستعمار البائد، وكيف استعصت على مخططات التغريب والإذابة ليس للعربية فحسب بل لكل آثار الحضارة العربية ومعالم التراث الإسلامي وكان الهدف ضرب هذه الأمة في أخص مقومات وجودها وعوامل نهضتها الرئيسة المستعصية عليه وهي اللغة العربية لسان حضارتنا وعنوانها وواجهتها.. ضرورة أنه لما كانت اللغة العربية في مقدمة عوامل الوحدة والتجمع والالتقاء بين العرب ركز غزوه الثقافي عليها محاولة للقضاء عليها. وكان الهدف أن تصير اللغة العربية إلى ما صارت عليه اللغة اللاتينية، لغة متحف تدرس على الآثار والتحف، وأن تصبح اللهجات المحلية في أقطار العالم العربي لغات مستقلة لها أدبها وثقافتها وبذلك تتعدد اللغات ويقضى على اللغة العربية هكذا أرادوا، وكذلك حاولوا، وعبثًا يحاولون، فهذا اللغة عصيَّةٌ على الموت والإماتة صَيِّنَةٌ بِكتابِ الله مَصونةٌ بأبنائها ودواوينها ومجامعها وجهاتها الأمينة الساهرة على حفظها وحراستها يَرُدّونَ عَنْها مِنْ أَعْدائِها كُلَّ مَضَرَّةٍ لاحِقَةٍ، ويَدْفَعونَ عَنْها مِنْ شانِئيها كُلَّ خَبِيئَةٍ بائِقَةٍ؛ لِتَظَلَّ وتَبْقى باسِقَةَ المَعَالِ وارِفَةِ الظِّلالِ.
وقد اضطلع مجمع اللغة العربية بمكة المكرمة بدوره مذ أُسس عند أول بيت وضع للناس، وكان الهدف الأكبر الذي وضعه نصب عينيه حراسةَ اللغة والتصدي لما تتعرض له من تحريف وتشويه وتصحيحَ الأغلاط الشائعة، وإبرازَ مكانة العربية وتيسيرَها وإحياءَ تراثها، بما يقوم به من دراسة الألفاظ والأساليب والمصطلحات الجديدة في العلوم والفنون، وإصدار الكتب والبحوث اللغوية المحكمة وإصدار المجلة العلمية الدورية المحكمة، وعقد الندوات والمحاضرات واللقاءات، وتقديم الرأي والمشورة في الصياغات اللغوية للجهات المعنية أفرادًا ومؤسسات.
كُلَّ عامٍ والعَرَبِيَّةُ لُغَتِي لُغَةُ المَجْدِ والخُلودِ والجَلالِ..وصلى الله على محمد بن عبد الله والصحب والآل...

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على الموضوعات
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:03 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc. Trans by