شخصية الشهر
تهدف زاوية (شخصية الشهر) إلى إلقاء الضوء على أحد أعلام العربية في الوطن العربي، سواء أكان ذلك بالحوار أم بالكتابة عنه؛ وذلك بهدف إبراز الوجه التنويري والتثقيفي لهؤلاء العلماء، وتقريب مؤلفاتهم للمثقف العربي، وهذا غيض من فيض نحو حق هؤلاء العلماء علينا.

(1) الأستاذ الدكتور حسن بشير
مصطفى يوسف: مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية:
الأستاذ الدكتور حسن بشير عضو مجمعَي القاهرة والخرطوم، التقاه مراسل "مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية" أثناء مشاركته بمؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الحادية والثمانين، فأجاب على أسئلتنا وفق السرد التالي:
• نرجو تسليط الضوء على جانب من مسيرتكم العلمية.
** أنا الأستاذ الدكتور حسن بشير، من السّودان الشّقيق، تخرجتُ في دار العلوم جامعة القاهرة، وحضَّرتُ الماجستير والدكتوراه بجامعة الخرطوم، وعملت أستاذًا، وخبيرًا لتصميم المناهج، وتقويم البرامج الجامعية بجامعات: الخرطوم، والإمارات، وعجمان، وشنقيط العصرية بموريتانيا، وأديس أبابا.
وأنا الآن عضو بمجمعَي الخرطوم والقاهرة، وعضو بالمحراب العالمي للّغة العربّية بتونس، وعضو اللجنة العلمية لمجلة اللّسان العربي، التي تصدر عن مكتب تنسيق التعريب بالوطن العربي– الرباط، وعضو لجنة المستشارين لمجّلة "العلم العربي"، التي تصدر عن الهيئة العليا للتّعريب بالخرطوم.
نشرت اثنَيْ عشَر مؤلفًا، منها: الأدب الإسلامي، ومكانة الشّعر في مسيرة الحياة الأدبّية، والتفسير التطبيقي، والأدب في صدر الإسلام والعصر الأموي، والمعلَّقات السّبع؛ دراسة للأساليب والصّور، والأدب العربي المعاصر؛ قراءة مختارة من السّودان، وعبدالله الطيب؛ قراءة لبحوثه بمجمع القاهرة.
• هل نهضت مجامع اللغة العربية بالدور المنوط بها؟
** رسالة مجامع اللغة العربية تتلخّص في المحافظة عليها صحيحةً وافيةً بمتطلبات العلوم والفنون، مع المراعاة لتأصيلها، وتطويرها، ومواكبتها للعصر.
والمجامع العربية تسعى جاهدةً لتحقيق ذلك، ويسعى اتحاد المجامع العربية إلى تنسيق النشاط المجمعي العربي وتطويره وتوحيده؛ لصالح اللغة المشتركة الجامعة.
من أجل ذلك اقترحنا مجمع اللغة العربية القومي، يتم تأسيسه تحت مظلة الجامعة العربية، ويُمثل فيه كلُّ الوطن العربي دون استثناء. ونواته موجودة في اتحاد المجامع العربية.
• أصحيح أن تعليم اللغة العربية بالوطن العربي يمر بأزمة؟
** التعليم صلب القضية الخاصة بالتأصيل والنهضة، وقد توجد الأزمات والمشكلات، ولكن أيضًا توجد الحلول؛ لذا اقترحنا أن يتفق وزراء التعليم العام، والتعليم العالي، بالوطن العربي على خطط جامعة تعالج المشكلات، وتحسم الفوضى الحاصلة. وذلك بأن يكون التعليم في رياض الأطفال، ومدارس الأساس باللغة العربية منفردةً، وأن تُلزم خطةُ وزراء التعليم كلَّ المؤسسات بتطبيق المنهج القومي، وتجعل هذا المنهج سياديًّا على جميع هذه المؤسسات، حكوميةً وأهليةً، وخاصةً، وأجنبيةً.
• أين مكانة اللغة العربية في الإلكترونيات الحديثة؟
** للأسف هناك ضعف واضح في هذا الجانب المهم. وآخر الإحصاءات العالمية توضِّح أن المحتوى العلمي للغة العربية بالنّظم الحاسوبية، وشبكة المعلومات الدّوليّة 3%، وهي نسبة لا تتسق مع إمكانات اللغة العربية ومكانتها، وعدد الناطقين بها. وربما تتم معالجة الأمر من خلال مجمع اللغة العربية القومي الموعود.
• ما رأيكم في قضية المعاجم والموسوعات؟
** هناك مجهوداتٌ واضحةٌ في هذا الصدد؛ أكبرها مجهود مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في المعجم الوجيز، والمعجم الوسيط؛ الذي يُنجز الآن تحديثه الشّامل، والمعجم الكبير الموعود تمامه فيما لا يزيد على خمس سنوات من الآن.
وهناك مجهوداتٌ أخر في مكتب تنسيق التعريب بالرباط؛ الذي يعدّ الآن لإصدار ستة عشر معجمًا متخصصًا. ومجهوداتٌ مماثلةٌ في الهيئة العليا للتعريب بالسودان، ومن إنجازاتها: "المعجم الهندسيّ الموحّد"، ومجهوداتٌ في مجمع اللغة العربية بالخرطوم، الذي أصدر الجزء الأول من معجم الطالب.
المجهودات كثيرة يضعفها عدم التنسيق القومي، وهذا الذي نأمله من خلال مجمع اللغة العربية القومي الموعود، أو من خلال اتحاد المجامع العربية.
• وقضية "التعريب" كيف تنظرون إليها؟
** هذه قضية ذات أهمية خاصّة، ننظر إلى إنجازها من خلال خطة قومية شاملة ومُلْزِمة لكل العرب بقرار سيادي يصدر من القمة العربية القادمة، وتتبنّى مشروعه الجامعة العربية؛ بالتعاون مع وزراء التعليم والتعليم العالي بالوطن العربي.
• الأخطار العالمية على لغتنا كيف نواجهها؟
** نواجهها بوحدتنا، وبالخدمة المنظّمة للغتنا قطريًّا، وقوميًّا، ودوليًّا. لو أدركنا العلائق الواشجة بيننا وبين لغتنا، وجعلنا النّهوض بها في بؤرة اهتمامنا؛ فإننا لا نخاف تغريبًا ولا أمركةً، ولا شيئًا من ذلك.
• هل نطمح أن نعرف شيئًا عن مشاريع الأستاذ الدكتور حسن بشير المستقبلية؟
** المشاريع كثيرة، وفي أولياتي "إنشاء شهادة اللغة العربية الدَّوْلية"، و"إنشاء المشروع القوميّ الجامع لمدوّنة اللغة العربية القومية".
• ما تقييمكم- في نهاية مقابلتنا- لمؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة هذا العام؟
** مؤتمر ناجح امتاز بالتنظيم والفعالية. وقد وعد معالي وزير التعليم العالي بمصر أن يعمل على تنفيذ قراراته الخاصة بمصر، وأن يتابع تنفيذ القرارات ذات الطابع القوميّ مع زملائه وزراء التعليم والتعليم العالي بالوطن العربي كله.
• في الختام لك مساحة حرة؛ إذا رغبت في إضافة شيء يتصل بمنهجية النهضة بلغتنا العربية.
** نعم أضيف ثلاث جزئيات: الأولى: أن نعتمد في التعليم، والبحث العلميّ، ووسائل الإعلام؛ لغتنا العربية الصحيحة الفصيحة. وإذا فعلنا ذلك لن نخاف عليها من اللهجات المحليّة، بل ربما نفيدها بانبهارات البيان في هذه اللهجات. ولن نخاف أيضًا من اللغات الأجنبية، مادامت لغة ثانية لا تزاحم لغتنا الأولى.
الثانية: إغناء المحتوى العربي بصورة علمية؛ فالمحتوى العربي بالنظم الحاسوبية وشبكة المعلومات الدولية، حسب آخر إحصاء 3%، وهي نسبة لا تتناسب مع مكانة اللغة العربية، وعدد الأمة العربية، وعدد الناطقين بالعربية من غير العرب، وعدد المسلمين الدوليين. ومن غير تصحيح هذه النسبة لا نضمن دخول لغتنا إلى مضمار المنافسة اللغوية العالمية، ولا نضمن دخول أنفسنا إلى هذا الميدان الدولي؛ فشخصية اللغة ومكانتها، من شخصية الأمة الناطقة بها.
الثالثة: أن نستشعر الرّابط الوشيج بيننا وبين لغتنا، بحيث تكون المسألة اللغوية في بؤرة اهتمامنا، أفرادًا وجماعاتٍ وحكوماتٍ. وعلينا بصدد ذلك أن نقرأ النصوص المحفِّزة على هذا الاستشعار؛ قراءةً فكريةً وعاطفيةً ذات أثر على قراراتنا اللغوية، وخططنا المرحلية والدائمة لمشروع النهضة اللغوية القومية.
في هذه النصوص المحفِّزة على الاستشعار:
قوله تعالى: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] ، و قوله جلّ جلاله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
وفيها:
لُغَةُ الذِّكرِ لِسانُ المُجتَبى *** كَيفَ تَعيا بِالمُنادينَ جَوابا
كُلُّ عَصرٍ دارُها إِنْ صادَفَتْ *** مَنزِلاً رَحبًا وَأَهلاً وَجَنابا
وفيها:
لـو لم تكُنْ أمُّ اللغـاتِ هيَ المُنى *** لكسرتُ أقلامي وعِفتُ مِدادي
لغـةٌ إذا وقعـتْ عـلى أسماعِنــــا *** كانتْ لنا بـــــردًا على الأكبــادِ
سـتظلُّ رابــــــــــطـةً تؤلّـفُ بيننا *** فهيَ الرجـــــاءُ لناطـقٍ بالضّادِ
إن القراءة الفكرية والعاطفية لهذه النصوص وأضرابها؛ تحفِّزنا أفرادًا، وجماعاتٍ، ودولاً لخدمة لغتنا. لا من حيث إنها أداة للتواصل بين الناطقين بها، بل من حيث إنها لغة قادرة على إنتاج المعرفة، وإنها لسان أمتنا العربية التي هي قمينة بمكانة مرموقة في مجتمع المعرفة.
أ.د. حسن بشير مشاركاً بمؤتمر مجمع القاهرة
أ.د. حسن بشير مع أ.د. حسن الشافعي رئيس مجمع القاهرة