شخصية الشهر
تهدف زاوية (شخصية الشهر) إلى إلقاء الضوء على أحد أعلام العربية في الوطن العربي، سواء أكان ذلك بالحوار أم بالكتابة عنه؛ وذلك بهدف إبراز الوجه التنويري والتثقيفي لهؤلاء العلماء، وتقريب مؤلفاتهم للمثقف العربي، وهذا غيض من فيض نحو حق هؤلاء العلماء علينا.
مصطفى يوسف: مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية:
3- رائد علم اللغة الحديث الأستاذ الدكتور كمال بشر
كمال محمد علي بشر (1339هـ = 1921م): رائد علم اللغة الحديث. وُلد بمحلة دياي مركز دسوق محافظة كفر الشيخ. حفظ القرآن وجوَّده بالكُتَّاب، والتحق بمعهد دسوق الديني. ولما أنهى المرحلة الابتدائية به انتقل إلى المعهد الثانوي الأزهري بالإسكندرية لعامين، ومنه انتقل إلى معهد طنطا لينال منه الشهادة الثانوية. التحق بدار العلوم جامعة القاهرة ونال منها ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية (تقدير ممتاز – أول الفرقة) 1946م. حصل على دبلوم المعهد العالي للمعلمين في التربية وعلم النفس 1948م. ابتُعث إلى إنجلترا للتخصص في علم اللغة، ومن جامعة لندن حصل على درجة الماجستير في علم اللغة المقارن 1953 وعلى درجة الدكتوراه في علم اللغة والأصوات 1956. تدرج في مراتب التعليم الجامعي فعُين مدرسًا بقسم علم اللغة بكلية دار العلوم 1956م، ثم أستاذًا مساعدًا 1962م، ثم أستاذًا 1970م. عُين رئيسًا لقسم علم اللغة والدراسات السامية والشرقية بكلية دار العلوم من 1969م حتى 1987م، ثم وكيلاً لها 1973م، ثم عميدًا 1973 – 1975م، ثم أستاذًا متفرغًا من 1978م. اختير عضوًا بالمجمع عام 1985م، ثم اختير لمنصب الأمين العام عام 2002م للمجمع، ونائبًا لرئيس مجمع اللغة العربية عام 2005م حتى عام 2013م. وأُعيد اختياره بعد ذلك ليكون الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية حتى عام 2013. وهو عضو مجمع اللغة العربية بدمشق. وللدكتور بشر نشاط ملحوظ في الهيئات العلمية: فهو عضو بالمجلس القومي للتعليم، وعضو بالمجلس القومي للثقافة والآداب، وعضو بشعبة الثقافة ومقرر شعبة الآداب بالمجالس القومية المتخصصة. وعضو بلجنة التعليم الأزهري. وعضو بالمجمع العلمي المصري، ومستشار اللغة العربية بمعاهد التدريب الإذاعي والتليفزيوني ورئيس جمعية (حماة اللغة العربية). له سجل حافل من النشاط الأكاديمي: فهو من الرعيل الأول الذي نشر علم اللغة الحديث بالجامعات العربية، هذا بالأصالة إلى تدريسه بكلية دار العلوم وبكلية الآداب والإعلام بجامعة القاهرة وبكلية البنات وكلية الألسن جامعة عين شمس وبمعهد البحوث والدراسات العربية وبمعهد الفنون المسرحية وبمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية. من مؤلفاته: "علم الأصوات"، و"دراسات في علم اللغة"، و"دور الكلمة في اللغة" مترجم، و"علم اللغة الاجتماعي"، و"اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم"، و"فن الكلام"، و"التفكير اللغوي بين القديم والجديد". نال جائزة الدولة التقديرية عام 1991م، ونال وسام العلوم والفنون من الطبقتين الثانية والأولى، كما نال جائزة صدام في الدراسات اللغوية عام 1987م.
• لقريتي أثر كبير في تكوين شخصيتي, وبجانبه أثر آخر, وهو أثر المشيخة.
• درجنا على الحرية في الدرس والبحث ومناقشة الأساتذة والمدرسين والمعيدين في القسم- ونحن طلبة- بكل حرية وانطلاق.
• الثقافة شيء في النفس وفي العقل، وتعلمنا أن الثقافة ليست حشو الأدمغة بالمعرفة, وإنما الثقافة تظهر بالسلوك والتعامل مع الآخرين.
• الأم هي الخطوة الأولى الدائمة المستقرة التي ترعى النشء في أولى خطواته الحياتية؛ يتعلم منها السلوك والأخلاق والمعاملة والعاطفة والحب والكره والحياة الاجتماعية .كل هذا وغيره كثير... فإلى تفاصيل الحوار:
• ما الشخصيات المؤثرة في حياة الأستاذ الدكتور كمال بشر؟
- في الحقيقة عددهم كُثُر، وأذكر منهم الوالد العظيم- رحمه الله- كان فلاحًا من أصحاب المِلْك, وكان ذا شخصية بارزة في القرية كأنه عمدة في الجهة التي يعيش فيها إدارة وسياسةً واقتصادًا واجتماعًا؛ هذا على المستوى الشخصي, أما في الأزهر الشريف في المرحلة الابتدائية فكان منهم صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن جلال والشيخ المحيَّص والشيخ أبو خطوة, أما في المرحلة الثانوية فالمؤثرون فيَّ كُثُر؛ منهم الشيخ علي رسلان, والشيخ بلتاجي حسن وغيرهما كثير.
فإذا انتقلنا إلى دار العلوم فالمؤثرون صنعوا بشرًا وكيَّفوه شخصًا مثقفًا له مستقبل, على رأسهم أستاذي العظيم المرحوم الأستاذ أحمد صفوت, وفضيلة الأستاذ علي حسب الله, والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور إبراهيم أنيس رحمهم الله جميعًا.
• تعلم الدكتور كمال بشر في مراحل عمره الأولى في الأزهر الشريف, بمراحله المختلفة, ثم انتقل إلى مدرسة دار العلوم- التي تحولت إلى كلية- وكنتم أول دفعة تحصل على الليسانس من دار العلوم, ثم انتقلت إلى إنجلترا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه. كيف كانت هذه النقلة في حياة كمال بشر؟
- كانت النقلة حياة سعيدة اجتماعيًّا وثقافيًّا وأيضًا اقتصاديًّا؛ حيث كانت الدولة المصرية تنفق علينا بسخاء (50) جنيهًا إسترلينيًّا في الشهر ونحن طلبة, وتعلمنا هناك كيف نتعلم من جديد بمناهج جديدة محددة عميقة وفي جو علمي رائع, على الرغم من أنه كان جو الطلبة في أكثر الأحوال.
• ماذا يمثل الأستاذ "فيرث" للدكتور كمال بشر؟
- ما أنسى بحال- وحتى لو نسيت كل شيء- أستاذ الأساتذة في الدرس اللغوي, وهو أستاذنا العظيم "فيرث" رئيس قسم علم اللغة والأصوات. في هذا القسم تعلمنا كيف ندرس اللغة ونحلل جوانبها وأبعادها مهما كان نوع هذه اللغة, ودرجنا على الحرية في الدرس والبحث ومناقشة الأساتذة والمدرسين والمعيدين في هذا القسم- ونحن طلبة- بكل حرية وانطلاق. والعجيب أن هذه الصفوة من الأساتذة كانوا يدربوننا على الانطلاق في التفكير وتكوين رأي خاص فيما يدرسون وتشكيل نبتة علمية لها مستقبل وازدهار وكان ما كان.
• يخلط الكثيرون بين الثقافة والسلوك. فماذا يعني كل منهما؟
- الثقافة شيء في النفس وفي العقل، وهي ليست حشو الأدمغة بالمعرفة, وإنما الثقافة تظهر بالسلوك والتعامل مع البيئة في مجتمع معين. أما السلوك فيُعتبر كلمة عامة ولكن له ضوابط عندي, وهو باختصار كما أشرت سابقًا وأزيد هو نتيجة الثقافة بالمعنى الذي ذكرت, ويظهر باختصار في كيف تعيش في مجتمعك وتعامل نفسك وربك وتعامل مَنْ حولك وما حولك.
• كيف نستطيع بناء جيل من النشء يتقن لغته العربية ويعتز بالانتماء إليها ؟
- هذا سؤال في غاية الأهمية وفي غاية الصعوبة. أما أنا فأفهم هذا على الوجه التالي: عمومًا سيدي هذه قضية مهمة وخطيرة ولا يعرف كنهها كثير من الناس حتى المربون, حتى القادة, حتى العلماء. بناء الأجيال يبدأ بالأم, ولا مفر من هذا, نسي الناس أم تذكروا, الأم هي الخطوة الأولى الدائمة المستقرة التي ترعى النشء في أولى خطواته الحياتية؛ يتعلم منها السلوك والأخلاق والمعاملة والعاطفة والحب والكره والحياة الاجتماعية. ويأتي على قمة هذا كله اللغة؛ لأن لغة الأم هي البذرة الأولى والنبت الأساسي لإنبات اللغة وازدهارها مهما كان نوع هذه اللغة, فإذا سألنا عن نصيب اللغة الفصيحة في هذا الموقع نقول للأسف الشديد: ليس لها نصيب يُذكر من هذه المرحلة ( أي مرحلة الأم ) في وقتنا الحاضر؛ ذلك أن معظم الأمهات في العالم العربي الآن وقبل الآن لا يُجدنَ؛ بل قل لا يُدْرِكْنَ معنى اللغة الفصيحة وكيف تُستعمل ومتى؟ الأمهات في مصر- مثلاً- الآن سائحات غافلات عن التربية اللغوية والثقافة العربية عمومًا. هناك قلة من السيدات يعرفن شيئًا عن العربية وثقافتها ولكنهن لا يستمررن في هذا السلوك لأنفسهن أو لأولادهن حتى لو كانت هذه الأم أستاذة في جامعة من الجامعات المصرية. بعضهن يعرفن العربية وثقافتها إلى حد واضح؛ ولكنهن مع ذلك يأبين في أكثر المواقع أن يتحدثن بها كما لو كانوا لا يعرفونها, أو قل- وهو الأوْلَى- لا يهتمون بها؛ لأنها في نظرهم لا تقدِّم ولا تؤخِّر.
• ما تقييمكم لواقع الإعلام المصري؟ وهل ما زالت الإذاعة المصرية قادرة على القيام بدورها في تقديم اللغة السليمة والمعلومة الصحيحة في عصر انتشار الفضائيات التلفزيونية؟
- الإعلام المنطوق في غاية الأهمية, ولكن كثيرًا من الناس والمسئولين لا يدركون قيمته؛ ذلك أن الإعلام المنطوق هذا هو أساس من الأسس ذات الأهمية القصوى في التثقيف اللغوي والتثقيف العام. إذا نظرنا إلى الإعلام المنطوق في بلدنا نرى أن هناك محاولات من بعض المسئولين لتحريك اللغة العربية أو محاولة استعمالها بصورة مقبولة, ولكنهم إن فعلوا ذلك فهو مقصور على برامج معينة أو خاصة. والأَوْلَى في نظرنا أن تسلك الإذاعة المنطوقة مسلك المعلم والمربي لا في اللغة وحدها؛ بل فيها وفي ثقافتها العامة, ونحن نرجو ونأمل أن يلتفت المسئولون هناك إلى هذا الهدف إن كان لديهم القدرة والنية الصادقة على أداء واجبهم الأمثل في هذا السبيل.
• ما الذي ينقصنا باعتبارنا مصريين لنستطيع النهوض بوطننا مصر؟ وما الذي ينقصنا باعتبارنا أمة عربية حتى نتوحد حول لغتنا ولساننا العربي؟
- ينقصنا الانتماء الكامل من الناحية النظرية والعملية؛ فنحن نسمع كثيرًا عن الانتماء والقومية. ولكنا نشاهد في الحياة العامة وفي الاجتماعات والهيئات والمؤسسات انسلاخًا وبعدًا من هذا الهدف قصدًا أو غير قصد لا أدري, وما يُطبق على مصر يُطبق على أكثر البلاد العربية, بل أكثر من هذا. أنا شخصيًّا أحيانًا لا أستطيع بحال فهم ما يُلقى علينا نطقًا من الإذاعات العربية ونحن عرب, أين العروبة بدون لغة عربية سليمة وصالحة للفهم من بقية المجتمع العربي؟!
• ما العوامل والأسباب التي يمكن للأجيال القادمة أن تنتهجها من أجل إفراز علماء بوزن الدكتور كمال بشر؟
- الأجيال القادمة لا تستطيع أن تقنع نفسها أو تقنع الآخرين إلا بقدوة صالحة في كل البيئات وفي كل المجالات. أين هذه البيئات؟ وأين هذه المجالات؟
• هل هناك فجوة بين الأجيال؟ وما الذي يُعجب الدكتور كمال بشر من تلاميذه وأجيال الشباب المعاصرة؟ وما الذي لا يُعجبه؟
- الفجوة موجودة في كل مجتمع لتباعد الأجيال بعضها عن بعض زمنًا أو موقعًا, ومع ذلك يعجبني في بعض شبابنا الوضوح وسرعة الفهم والتدقيق في الملاحظات, ولكن مع ذلك للأسف لا يسلكون هذا المسلك دائمًا, فالسلوك بين الشباب متغير وغير منتظم. ربما يرجع ذلك إلى المجتمع نفسه أو إلى القدوة ... إلخ.
• تعودنا دائمًا في جيلكم أن يتفوق التلميذُ على أستاذه. أما الآن وعلى الرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل وتنوع سبل الحصول على المعلومات فقد توقفت هذه النظرية, فكيف لنا بالعودة بتلاميذ يتفوقون على أساتذتهم؟
- ليس دائمًا. ربما يتفوق جيل على جيل في أمثلة محدودة ومعدودة, لكن التفوق الدائم والكامل لا يوجد في أي مجال في العالم, التفوق يحتاج إلى نعمتين من الله. الأولى : الاستعداد الطبيعي والقدرة على امتصاص ما يجري حوله من معلومات ومعارف, والثانية قيام الأجيال بواجباتها وفقًا لإمكانياتها ومسئولياتها بقطع النظر عن العائد المادي.
• نعلم أن جهود مجمع اللغة العربية ثرية وغنية. ولكن لماذا لا تصل هذه الجهود إلى جموع الناس؟ لماذا لا نجد أثرًا لنشاطكم المجمعي سواء على مستوى صُناع القرار أو على مستوى الجمهور العادي من أبناء الشعب؟
- هذا صحيح إلى حد ما؛ لأن وظيفة المجمع فيما مضى, كانت تتركز على الأساسيات, وهي النظر في اللغة وثقافتها ومشكلات ذلك, واقتراح الحلول لهذه المشكلات ولكن في موقع ضيق معروف بالمجمع. ولكن الوقت قد تغير وينبغي للمجمع أن يحاور المجتمع في فترات مختلفة من الزمان وفي مواقعهم المختلفة في المكان؛ الشُّقَّة بين المسئولين وعامة الجماهير, الذين يُفترض أن المجمع يقوم بتلبية ما يحتاجون إليه فعلاً من الثقافة اللغوية والأدبية؛ بل والعلمية أيضًا ـ مفقودة.
• يهتم الكثير من الآباء بتعليم الأبناء منذ الصغر وسائل التقنية الحديثة من حاسوب وإنترنت ويغفلون دور وقيمة القراءة في التنشئة وبناء العقول. فما رأيكم في ذلك؟
- في تربية الأطفال نقص وعجز في العمل والهدف, لا ينبغي بحال أن نركز في تربية الطفل على التقنيات الحديثة وأضرابها المختلفة من حاسوب وإنترنت.. إنما نرشده في البداية إلى هذه الأشياء حتى يألف هذا المكان أو يحبه ويستطيع بنفسه إن وجد خيرًا أن يزيد في خبرته وفي ثقافته وفي معلوماته. نحن لا نخرِّج ولدًا أو طفلاً في تخصص من هذه التقنيات؛ إنما نريد إكسابه المعرفة بهذه الأشياء والتعامل بها؛ وعليه فيما بعد أن يزيد وينمي ذلك, ويلاحظ في هذه المناسبة أن التعلم في مصر في معظم مستوياته لا يهتم بالكلمة المنطوقة, والكلمة المنطوقة مكتسبة, ولا يكون اكتسابها بالصمت, إنما تُكتسب بالسمع والإسماع ؛ بحيث يسمع الطفل أو المتعلم اللغة التي يريدها ثم يُسْمِع الناسَ بها, يعني يقلد ما يسمع, والمفروض أن الذي يُسْمِعُهم ينبغي أن يكون على وفق خصوصيات العرب في الصف العالمي, وهو الاهتمام باللغة القومية.