أتاني من شيوخ الشعر جِنٌّ = فقال كبيرُهم: قَدْ صِرْتَ كَهْلا
تقولُ: خَدينُ شِعْرٍ، أنت تَهْذِي = فلستُ أراك للأشعارِ أَهْلا
جماعاتٌ هناك تـقولُ شِعْرًا = وتُرْضِعُ دَرَّهُ مَنْ رامَ عَلّا
وحاك الشِّعْرَ شُبّانٌ أجادوا = بديعَ الشعر إبرامًا وفَتْلا
رُباعِيٌّ* يحيلُ الشعر سحرا = وينظمُ دُرّهُ حَبْلًا فحَبْلًا
وزار المنتدى روادُ قولٍ = كعَمْرٍو* قد أجادوا الشِعْرَ غَزْلا
سَتَنْسى كُلَّ ما قَدْ صُغْتَ شِعْرا = إذا ما زرت ناديَهُ المُعَلّى
لهذا الشعرِ قاماتٌ طِوالٌ = تُضيءُ الشعرَ من نَجْمٍ تَعَلّى
لها قلبٌ بهِ فَجْرٌ وزَهْرٌ = به طفل صغيرٌ ما استقلّا
****
خرجتُ بِبُرْدَتي أخشى يراني = ملوكُ الجِنِّ، أُوْشِكُ أَنْ أَزِلَّا
وزرتُ الشّعرَ في ناديهِ سِرًّا = لعلّ الجِنَّ تَكْذِبُ كي تُضِلّا
ولكنّي لسوء الحظّ .. حظّي = لقد صدقوا، وما قالوا تَجَلّى
نُبوءتُكم - شُيُوخَ الجِنِّ – حَقٌّ = وحقًّا كَوْنُ شِعْرٍ قد أَظَلّا
فزادَ النُّوْرُ في النادي بَهاءً = وآضَ الشِّعْرُ في النادي أَجَلّا
نَسِيْتُ قصائدِي بَعْدَ انبهاري = بشعرٍ - من شبابِ الشِّعْرِ أحْلَى
يفوق الحُلمُ ما يُرْأَى بعين = وإنّي قد سَبَرْتُ الأمرَ فِعْلا
فهلْ لَوْمٌ إذا ما العقلُ أَغْفى = وهَلْ لَوْمٌ إذا ما القَلْبُ كَلّا
****
قرأتُ قصائدَ العُرْبانِ طُرًّا = لأَعْشَقَها، فقال القَلْبُ: مَهْلا
أمّا تدري بأنَّ الشعرَ بَحْرٌ = وراكبُه يَزيدُ الدّهْرَ عَقْلا
يُجرّبُ في مدى الأشعار فِكْرا = ويَفِري السِّحْرَ أقْوالا وفِعْلا
ويَغذو من عُقولٍ فارهات = ومن لُغةٍ تُحِيْلُ الشمسَ ظِلّا
فقلت له: ألم تعلم بأني = غذوتُ الروحَ بالأشعار طِفلا؟
قرأتُ الحرفَ مسكونا بشوقٍ = وعشقٍ ضاءَ نُوْرًا يتَجَلّى
قرأتُ الشّعْرَ مَسْكُونا ببَوْح = وآلامٍ تُحِيْلُ الخَمْرَ خَلّا
فصار الشّعرُ يأسرُني ويرمي = بروحي في جحيمٍ، كَمْ تَصَلَّى!
فَكاكي من إسار الشّعْرِ حُلْمٌ = يُرَاوِدُني، فإنْ يأتي فأهْلا
****
مليكَ الجِنِّ هل قد كنتَ عَدْلا = إذا ما قلتَ: إني صرتُ كَهْلا
وإنّ الشعرَ فارقني وإنّي = غدوتُ أنوءُ بالأشعارِ ثِقْلا؟
وقُلْتَ: العشقُ مِنْ قَلْبِي تَهاوى = وهذا البُوْمُ في رُوْحِي أُحِلّا
تراني في متاهاتِ المنايا = وشُؤْمُ الحبِّ أحْلامي أَضَلّا
وأخشى أنْ تكونَ ظلمتَ روحي = وأخشى أن تكونَ عدوتَ جَهلا
لذا أنوي ارتحالا عن فضاء = به جِنٌّ تُحيلُ الفُلَّ فِجْلا
لعلّ ملاكَ شعرٍ سوف يشفي = جُروحَ الرُّوْحِ؛ يَمْحُو ما أَعَلّا
فيكشف أنّ شعري لم يخنّي = وأنّ العشقَ باق لن يَمِلّا
يقول العقل: كَذِّبْ كلّ قولٍ = يقول: الشعرُ غادرني وولّى
****
حنانَك يا ملاكَ الشعرِ إنّي = أراني في دَوَاهٍ، وهي حُبْلى
مليكُ الجِنِّ أوحى لي بِقَوْلٍ = يُصدّقهُ نذيرٌ قد أَهَلّا
أُعاني مِنْ خُفُوْتٍ في شعوري = كأنّ الموتَ نَحْوي قدْ تَدَلَّى
وينمُو الشوكُ في روحي فأغدو = أجرُّ الرُّوْحَ شِلْوًا، وَهْيَ وَهْلا
فيجري من دموعي ألفُ نهر = وأبدو في بكائي مَحْضَ ثَكْلى
حلمتُ: الشعرُ زادي من قديم = فهل ما زلتُ أنهلُ منه نَهْلا؟
فكم حُلْمٍ أراهُ الدهرَ يُغْري = فأُكْسَرُ؛ إذْ يُريني الحُلْمُ بُخْلا
أما إنّي وأحلامي كبارٌ = كناقلةٍ جِبالا، وهْيَ حُبْلى
علمت بأنّ حَظِّي من قَصِيْدٍ = كحظِّ مضيّعٍ عُمْرًا وأغلى
وربّ قصائدٍ تَهْوِي بأُخْرى = وربّ قصائدٍ تزهو وتُعْلى
وقلبي لم يَعُدْ يقوى اشتياقا = وعُمري قدْ تداعى واضمحلّا
سأَطْوِي السَّمْعَ عَمّا قال جِنٌّ = فأسعفني قُبيلَ الرُّوْحِ تَبْلى
فهبني يا ملاكَ الشعر قلبًا = جديدًا كي يُغَنِّي كَيْ يَضِلّا
يطاردُ كُلَّ حسناءٍ ويَغْوِي = ويَمْتَحُ مِنْ عُيُونِ الحُوْرِ نُبْلا
أريدُ إذا سمعْتَ قصيدَ غَيْرِي = علمتَ قصائدي أرْقى وأَجْلى
فلا تتركْ لِشِعْرِ النّاسِ حَوْلي = مَقالًا حين أمضي مُسْتهلّا
فروحي في مجال العشق تحيا = وعشقي في سماء الشعرِ أعلى
فأنقذني لقد خارت عُزُومي = أريدُ الآن غيرَ الحَزْنِ سَهْلا
وخذني في حنانِ الشعرِ ضِغْثًا = وأخرجني بسُوْقِ الشعر فَحْلا
أغثني يا ملاكَ الشعرِ حالًا = فَصَبْري ضاق بي ذَرْعًا ومَلّا
إذا تُسْطِيعُ فالإِقبالُ شَأْني = وإنْ لا، فارتحالٌ صارَ أَوْلى
سأقلعُ خَيْمَتِي مِنْ بينِ قومي = وأَحْيا شامخًا، لا، لَنْ أَذِلّا
سأبقى أنشدُ الأشعارَ حتى = أُوارى في يَبابٍ، جُنّ مَحْلا
* المهندس سعيد الرباعي، وأ. عمرو أحمد قحنون شاعران من قريتي