(مستعربون في خدمة العربية)
تهدف هذه السلسة إلى بيان دور المستعربين في خدمة اللغة العربية بما قدموه من مؤلفات وبحوث، وتعريفهم للقارئ العربي سواء أكان بالحوار المباشر معهم إن أمكن ذلك أم بالكتابة عنهم، فهؤلاء المستعربون رغم أن لسانهم الأول ليس العربية، فإنهم مع ذلك أحبوا العربية وألَّفوا بها.
الحلقة الثالثة:
الدكتور نيقولا دوبريشان أستاذ اللغة العربية في جامعة بوخارست برومانيا وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة المراسل عن دولة رومانيا منذ عام 1997م، في حوار خاص لمجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية:
- العنصر الأساسي الذي دفعني للاهتمام هذه اللغة هو أصالة حضارتها وأصالة الآداب المنبثقة عنها.
- اللغة العربية كانت بمثابة لغة دولية أثناء القرون الوسطى.
- ينبغي أن تُفرض اللغة العربية ولو بالقانون إذا استلزم الأمر.
- أرفض طباعة الكتب المحررة باللهجات كاملة أو جزئيًّا- بما في ذلك الحوار- كضمانة لمنع انتشار اللهجات.
كل هذا وغيره كثير... فإلى تفاصيل الحوار:
أجرى الحوار: مصطفى يوسف
• في البداية نود تعريفًا مختصرًا بتكوينكم العلمي وسيرتكم الذاتية.
- درست اللغة العربية في جامعة بوخارست (رومانيا)، ثم اجتزت جميع مراحل الأستاذية؛ محاضرًا ثم أستاذًا مساعدًا ثم أستاذًا جامعيًّا للغة العربية في جامعة بوخارست برومانيا، وأنا عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ عام 1997.
• نريد أن نتعرف على دولة رومانيا وكذلك الدين الإسلامي فيها؟
- تقع رومانيا في جنوب شرقي القارة الأوروبية، ولغتها الرسمية اللغة الرومانية ( من أسرة اللغات اللاتينية)، ويبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، والدين السائد هو المسيحية بمختلف طوائفها. وتوجد في رومانيا أقلية تركية تتارية من المسلمين وجالية عربية تُقدَّر بـ 50 ألف نسمة.
•كيف جاء اهتمام الدكتور نيقولا دوبريشان باللغة العربية؟
- كما قلت درست اللغة العربية في جامعة بوخارست، ثم قضيت فترة من الزمن للدراسة في جامعتي القاهرة والإسكندرية؛ عندما حضَّرت رسالة الدكتوراه بدأت أشعر بانجذاب خاص نحو هذه اللغة وحضارتها، والعنصر الأساسي الذي دفعني للاهتمام هذه اللغة هو أصالة حضارتها وأصالة الآداب المنبثقة عنها؛ فالآداب العربية تمثل حلقة وصل بين الآداب القديمة الكلاسيكية- كما نسميها وهي الآداب الإغريقية واللاتينية- وبين الآداب الحديثة التي نشأت في أوروبا الغربية. وأثناء قرون الظلام الفكري الذي كانت تعانيه أوروبا ازدهرت في الشرق العربي حضارة وآداب مرموقة أصبحت مشهورة في العالم كله. وكذلك يمكنني قول نفس الشيء تقريبًا عن اللغة العربية التي كانت بمثابة لغة دولية أثناء القرون الوسطى فبعد أن اضمحلت اللغة اللاتينية وقبل ظهور اللغات الحديثة كالإنجليزية والفرنسية كانت اللغة العربية هي اللغة السائدة في الحضارة الأوروبية كلغة للعلم والآداب والبحث العلمي، وبفضل هذا الانتشار أصبحت قيم الحضارة العربية معروفة في أوروبا كلها.
•وما أبرز مؤلفاتكم باللغة العربية، وكذلك المترجمة عنها؟
- أما عن مؤلفاتي فقد ألَّفت عددًا من الكتب الجامعية أهمها: اللغة العربية المعاصرة وعلم المعجمية، ومختصر علم اللهجات العربية، والقاموس العربي الروماني الصغير، والقاموس العربي الروماني المتوسط. وترجمت من اللغة العربية إلى اللغة الرومانية 21 كتابًا، علاوة على معاني القرآن الكريم، وحياة محمد لمحمد حسين هيكل، ونشرت في المجلات العلمية الرومانية والأجنبية أكثر من مئة بحث علمي، إضافة إلى العديد من المقالات الخاصة بالأدب العربي المنشورة في المجلات الأدبية الرومانية. وترجمت «الأيام» للدكتور طه حسين في الستينيات من القرن الماضي، ثم ترجمت سبع روايات لنجيب محفوظ، إضافة إلي بعض المجموعات من القصص القصيرة المختارة من آداب جميع البلدان العربية، وأيضًا مجموعة من المختارات من الحكم والأمثال الشعبية العربية. وفي أوائل هذا العام بعد شغل طويل وصعب في نفس الوقت صدرت لي الترجمة الكاملة لثلاثية نجيب محفوظ وهي عبارة عن ثلاثة مجلدات (بين القصرين ، وقصر الشوق، والسكرية) صدرت في حدود 1200 صفحة كان عملاً طويلاً ومُجْهِدًا بشكل كبير. وقد استغرق العمل في هذا المشروع سنوات عديدة متتالية لإنجازه. بعده ترجمت روايات «السمان والخريف» و«ثرثرة فوق النيل»، وأخيرًا ترجمت أيضًا رواية «أولاد حارتنا» بعد أن صدرت في المكتبات العربية منذ سنتين أو ثلاث سنوات، بالإضافة إلى ذلك اهتممت بنوع آخر من الأدب العربي إذا أمكنني قول ذلك، وأقصد روايات علاء الأسواني حيث ترجمت له في السنوات الأخيرة روايتي «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو» وتتمتع هاتان الروايتان بشعبية وجاذبية خاصة في رومانيا.
• ما الذي ينتظره المستعربون في رومانيا من علماء العربية في الدول العربية؟
- ننتظر ازدياد الهياكل اللغوية والعلمية العربية- وبخاصة مجمع اللغة العربية بالقاهرة- على العمل على حماية اللغة العربية ووحدتها وسلامتها والقضاء على اللهجات العامية. وأنا أعتقد أن الدراسات العربية في رومانيا ستتطور وتزداد بفضل الاهتمام بالأدب العربي والحضارة العربية عامة.
• ما مشاريع حضرتك العلمية في المستقبل؟
- مستمر في ترجمة الكتب العربية إلى اللغة الرومانية، وكذلك في تأليف الكتب الجامعية.
• كيف ينظر الدكتور نيقولا دوبريشان إلى قضية الازدواجية في اللغة العربية؟
-أنا أرى أن اللغة العربية الفصحى من جهة واللهجات العامية المحكية من جهة أخرى- التي تُستعمل جميعها في آن واحد في الأقطار العربية كافة - مظهران اثنان للغة واحدة، مع اختلافات وفوارق متباينة في كل القطاعات، أي: الصوتيات والصرف والنحو والمعجم، غير أن الاختلافات الجوهرية بين اللغة الفصحى واللهجات العامية المحكية تتمثَّل في فقدان ونقص حركات الإعراب في جميع اللهجات، مع استثناءات دقيقة.
• المشكلة التي تواجهها اللغة العربية في هذا العصر عصر العولمة؟
- هي هذا الفارق الكبير بين مستويي اللغة العربية (مستوى الفصحى ومستوى اللهجات). وقد شاهدت أن المجمع اهتم طيلة وجوده بتوحيد اللغة العربية وبفرض اللغة الفصحى فوق جميع اللهجات، وينبغي أن تُفرض ولو بالقانون إذا استلزم الأمر. لكن مع الأسف الشديد في وسائل الإعلام المحكية كالإذاعة والتليفزيون نجد انتشار اللهجات وغياب اللغة العربية الفصحى- خاصة في السنوات الأخيرة- وهذه الظاهرة تهدد سلامة اللغة وتهدد الوحدة العربية السياسية والثقافية واللغوية.
• ما الذي ترجون تحقيقه من المخططين اللغويين العرب- وخاصة مجمع الخالدين بالقاهرة- نحو اللغة العربية مستقبلاً؟
- أرجو الاستمرار في وضع المصطلحات في كافة الميادين العلمية والاجتماعية والأدبية والحياتية والتركيز على توحيدها، ومواصلة بذل الجهود من أجل تأليف جميع أنواع القواميس التفسيرية والتاريخية والخاصة باللفظ الصحيح والإملاء الصحيح، وإيجاد الوسائل والطرق المناسبة واللازمة من أجل الحيلولة دون انتشار العاميات وتفتيت هذه اللغة الموحدة، كما أرجو فرض استخدام الصيغة السليمة للغة العربية الفصحى في كافة وسائل الإعلام بما فيها الإنترنت والبريد الإلكتروني، وكذلك استخدام اللغة الفصحى في جميع مراحل التعليم في كافة المؤسسات التعليمية القائمة في الوطن العربي؛ ببغية نمو وتربية الأجيال الفتية بروح هذه اللغة داخل المدرسة وخارجها، وأخيرًا رفض طباعة الكتب المحررة باللهجات كاملة أو جزئيًّا- بما في ذلك الحوار- كضمانة لمنع انتشار اللهجات.