د.مجدي وهبة... في ذكراه
بقلم: د.مينا بديع عبد الملك
الجامعة الأمريكية بالقاهرة
د. مجدى وهبه
في19 أكتوبر1925 ولد يوسف مجدي مراد وهبة بمدينة الاسكندرية وهو ينتمي لعائلة لعبت دورا مهما في تاريخ مصر بصفة عامة وتاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بصفة خاصة فجده يوسف وهبة باشا(1852 ـ1934) عمل مترجما بوزارة الحقانية( العدل حاليا) عام1875 وترجم القانون الفرنسي المعروف باسم
napleoncode
إلي العربية وفي عام1883 اشترك في وضع لائحة المجلس الملي للكنيسة القبطية وفي ابريل1912 عين وزيرا للخارجية ثم وزيرا للمالية عام1914 ورئيسا للوزارة في12 نوفمبر1919 لكنه استقال في19 مايو1920 علي إثر اضطرابات واسعة النطاق في مصر.
أما والده مراد باشا وهبة(1879 ـ1972) الذي عمل قاضيا في المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية ومحكمة النقض والابرام, فقد عين وزيرا للزراعة فاهتم بتأسيس المتحف الزراعي ثم عمل وزيرا للتجارة والصناعة.
حصل مجدي وهبة علي ليسانس الحقوق جامعة فؤاد الأول( القاهرة حاليا) عام1946 والدبلوم العالي في القانون الدولي من جامعة باريس عام1947 ثم ليسانس في الأدب الانجليزي من جامعة اكسفورد بانجلترا عام1949 ودكتوراه عام1957 في موضوع أدب التربية الانجليزية في الفترة1775 ـ1800
بعد عودته من انجلترا عام1957 عمل مدرسا للغة الانجليزية بكلية التجارة جامعة القاهرة وبكلية الآداب جامعة القاهرة أيضا ثم أخذ يتدرج في وظائف هيئة التدريس المختلفة حتي درجة الاستاذية, في كل ذلك لم تكن الثقافة عنده مجرد احتراف أكاديمي للمعرفة بل تحقيق للذات بانخراط الوطن في سلك الحضارة. ومن هنا كان إنتاجه العلمي علي مستوي مرتفع جدا محليا وعالميا حتي أنه في عام1966 انتدبه د.ثروت عكاشة ـ وزير الثقافة في ذلك الوقت ـ للعمل بوظيفة وكيل وزارة الثقافة وظل بها حتي عام1970
وجه د.مجدي وهبة جهده العلمي لدراسة الآداب الأوروبية واقامة الجسور بين الثقافة العربية والثقافة الغربية وذلك عن طريق المعاجم الكثيرة التي قام بنشرها ومنها: قاموس المصطلحات الفنية والعلمية والثقافية(1968) ـ قاموس السينما(1973) ـ قاموس المصطلحات الأدبية(1974) ـ قاموس المصطلحات السياسية(1978) ـ قاموس المصطلحات اللغوية والأدبية العربية(1979) ـ المختار(1989) وهو معجم موجز انجليزي ـ عربي.
في أواخر الخمسينيات أسس مجلة دراسات القاهرة) باللغة الانجليزية وقام بتحريرها وتمويلها من مصاريفه الخاصة, وقد بلغت شهرة عالمية واسعة وبالأخص بالنسبة للاعداد الخاصة التي كانت تصدرها.
في عام1969 ـ بمناسبة مرور1000 عام علي إنشاء مدينة القاهرة ـ حمل مسئولية تنظيم مؤتمر عالمي, فتولي مسئولية اختيار المشاركين في المؤتمر والاتصال بهم ثم تولي بعد ذلك مسئولية نشر أعمال المؤتمر باللغتين العربية والانجليزية.
شارك مشاركة فعالة في تحرير الموسوعة القبطية ـ باللغة الانجليزية ـ التي أشرف علي تحريرها المؤرخ المصري د.عزيز سوريال عطية(1898 ـ1988) التي صدرت عن دار النشر ماكميلان بنيويورك عام1991
كان منزله بحي جاردن سيتي ثم بعد ذلك بحي الزمالك يعد صالونا أدبيا يضم صفوة رجال الفكر المصريين فكان يفد إليه الكثير من المفكرين الأجانب ومنهم من حصل علي جائزة نوبل في الآداب وبعض رجال السياسة.
قام بالعديد من أعمال الترجمة من الانجليزية والفرنسية إلي العربية فاشترك مع أحمد أبوزيد في ترجمة( رسائل إلي ملينا) لكافكا
kafka
عام1959, واشترك مع كامل المهندس في ترجمة رواية( راسيلاس أمير الحبشة) وفي عام1964 ترجم مسرحية( لن تقوم حرب طروادة) لجان جيرودو ثم بالاشتراك مع د.محمد عناني ترجم مقالة( في الشعر المسرحي) لجون درايدون
dryden
وفي عام1965 ترجم مسرحية أرديل لجان أنوي
anouilg
وفي مجال الترجمة من العربية إلي الانجليزية فقد ترجم: رواية( إبراهيم الكاتب) للمازني( أحلام شهر زاد) للدكتور طه حسين
كأستاذ جامعي حقيقي كان يقضي لحظات من التفكير قبل الاجابة علي أي سؤال وفي إجابته عن الاسئلة كان يستخدم عبارات( لا أدري بالضبط لست متأكدا مما سأقول ولكن...) وكانت إجابته تنطلق بسلاسة ووضوح ثم يختتم قوله بكلمة( أرجو أن أكون قد وفقت) حذر تلاميذه من ادعاء المعرفة وأنه لايعيبهم ان قالوا لانعرف إن كانوا فعلا لايعرفون الحقيقة, فعلمهم أن قيمة العلم الحقيقي أقوي بكثير من المظاهر الكاذبة.
لقد تخطي د.مجدي وهبة ـ رجل العلم والثقافة والمعرفة الحقيقة ـ حدود الحضارة واللون والجنس والعقيدة ظل طوال سبع سنوات(1984 ـ1991) يصارع المرض في صمت وبسالة وروح عالية جدا كان يعرف تماما حقيقة مرضه ولكنه ظل شجاعا متماسكا بينما المحيطون به يجهلون كل شيء.
وفي4 أكتوبر1991 رحل د.مجدي وهبة عن عالمنا هذا بعد أن خدم وطنه بوطنية صادقة, وخدم الانسانية بتضحيات نادرة فكان بحق قدوة للانسان المصري ذي العزيمة الصلبة ونموذجا لاستاذ الجامعة صاحب المباديء السامية والثقافة الجادة.