(مستعربون في خدمة العربية)
تهدف هذه السلسة إلى بيان دور المستعربين في خدمة اللغة العربية بما قدموه من مؤلفات وبحوث، وتعريفهم للقارئ العربي سواء أكان بالحوار المباشر معهم إن أمكن ذلك أم بالكتابة عنهم، فهؤلاء المستعربون رغم أن لسانهم الأول ليس العربية، فإنهم مع ذلك أحبوا العربية وألَّفوا بها.
الحلقة العاشرة:
ليتمان، إنو
Enno Litman
(1875-1958م):
من كبار المستعربين الألمان، وكان حجة في اللغات السامية. وُلد في مدينة أولدنبرج بألمانيا. وما جاز مرحلة التعليم الثانوي حتى تنقل في جامعات برلين وجريستفالد، وهاله، وستراسبورج. وفي سنة 1898م حصل على الدكتوراه في الفلسفة. وما كاد اسمه يلمع في الأفق الأمريكي حتى بادرت البعثة الأمريكية إلى سورية بضمه إليها عضوًا من سنة 1899 إلى سنة 1900م. وعند عودته من سورية وكلت إليه جامعة برنستن بالولايات المتحدة الأمريكية تدريس اللغات السامية سنة 1901م. وكان من حظ جامعة بلتيمور بأمريكا أن ترى ليتمان أستاذًا زائرًا بها. ثم قُدِّر لسورية أن تراه للمرة الثانية من سنة 1904م إلى سنة 1905م مع بعثة جامعة برنستن الأثرية. وكان الألمان على نية إرسال بعثة سنة 1905م إلى إكسوم، العاصمة القديمة للمملكة الإثيوبية، فلم يجدوا لرياستها أهلاً غير ليتمان. وعند عودته من إثيوبيا سنة 1906م رأى الألمان أنهم أحق الناس بأن ينتفعوا بمواهب هذا الرجل، فعينوه أستاذًا للغات السامية في جامعة "ستراسبورج" وظل بها حتى سنة 1914م. وخلال تلك المدة التي قضاها أستاذًا بجامعة ستراسبورج ندبته مصر للتدريس بجامعتها القديمة فيما بين سنة 1910 و1912م. واستدعته أمريكا عام 1913م ليكون بين بعثتها إلى "سردين" بالأناضول. وفيما بين سنة 1914 و1917م عين أستاذًا في جامعة "توبِنْجِن". وفي عامي 1929 و1948م كان ليتمان أستاذًا زائرًا في جامعة القاهرة ينشر للناس في مصر صفحات فيها جهد تلك الأعوام الخالية، مما حدا جامعة القاهرة أن تعبر عن تقديرها لهذا العالم فمنحته الدكتوراه الفخرية في الآداب سنة 1951م، ومن قبل قدرت له جامعة "هاله" قدره فمنحته دكتوراه فخرية في اللاهوت عام 1923م.، وكما انتفعت الجامعات من علمه أفادت المجامع من خبرته، فلا يكاد يُذكر مجمع إلا ذُكر اسمه من بين أعضائه اللامعين، فهو عضو في مجمع برلين، وباريس، وروما، وأمستردام، وجوتنجن، وڤيينا، وكوبنهاجن، ومجمع اللغة العربية بمصر منذ إنشائه.
ولقد أُحصي له ما ألَّف وكتب فوُجد أنه يربو على سبع مئة بحث في أبواب متفرعة ومناح مختلفة ونكتفي بذكر ما يلي:1-في الدراسات العربية. 2-في النقوش السامية.3-في لغات الحبشة وآدابها. 4-في تاريخ التقدم العلمي.5-في الدراسات الفارسية. 6-في الدراسات التركية. 7-في الدراسات الجرمانية. 8-في مآثر من مات من العلماء. 9-في نقد الكتب.
وله كتاب شامل للكثير من القصص الشعبي بلهجة أهل بيت المقدس، وآخر عن الأغاني التي نظمت في الحديث عن "الحماة" على ألسنة العامة، وغير هذين له مؤلف جمع فيه الكثير من المقطوعات الشعبية في فلسطين وسورية ترجمها إلى الألمانية بعد أن شرحها وعلق عليها. وفي عام 1920م وضع مؤلفًا في لغة (غجر الشام) ذكر فيه قواعد لتلك اللغة، وختمه بثَبَت يضم مفرداتها.
ولا يزال قراء الألمانية يقرؤون له ترجمته لكتاب "ألف ليلة وليلة" بأسلوب أدبي رائع يمتاز بالجمل القصيرة السهلة، وقد قدم له بدراسة مسهبة، تكلم فيها عن تاريخ هذا الأدب ومميزاته وخصائصه وأعاد ترجمته سنة 1957م. كما ترجم إلى الألمانية أيضًا طرائف من القصص العربي العامي، مع شرح واف ودراسة عميقة وتعليق طويل.
ولم يفته أن يجمع الكثير من الأمثال الدارجة والأحاجي العامية المسموعة في القاهرة، وأن يضمنها كتابًا له مع تعليق منه عليها وشرح لإشاراتها ومدلولاتها. كما جمع أيضًا الكثير من الأغاني الوطنية المصرية في كتاب له قدمه بدراسة وافية ثم ترجمه إلى الألمانية. وقد أفرد كتابًا له للأغاني الخاصة بالزار جمع شتيتها ثم شرحها وترجمها إلى الألمانية. كذلك نشر القصيدة الشائعة على ألسنة المادحين في مصر التي عرضت لزواج النبي بالسيدة خديجة، ثم رحلته إلى بصرى. وعُني بنشر سيرة السيد أحمد البدوي مع مقدمة طويلة فيها دراسة تاريخية شاملة. وله كتاب عن الأغاني الإسلامية العربية في بعض الأنبياء والأولياء والصالحين.
أما النقوش العربية فقد ضمن القسم الرابع من الجزء الرابع من مطبوعات البعثة الأمريكية 138 نقشًا عربيًّا، ثم نشر سنة 1949م مؤلفًا عن النقوش العربية قبل الإسلام. أما النقوش العربية الشمالية القديمة فله فيها خطوة موفقة وصل فيها إلى حل رموز للنقوش الصفوية والثمودية. وله كتاب ألفه سنة 1901م عن النقوش الصفوية. ولا يزال كتابه الصادر سنة 1903م عن النقوش الثمودية مرجعًا للباحثين في حل معميات تلك النقوش. وله كتاب ألفه سنه 1940م وعنوانه "ثمود وصفا"، جمع فيه خلاصة أبحاثه المختلفة عن النقوش الصفوية والثمودية.
وفي مجمع اللغة العربية بالقاهرة أسهم في كثير من لجانه؛ فكان عضوًا بلجنة اللهجات، ولجنة لبحث كلمات لجنة الآداب، ولجنة لطبع معجم فيشر، ولجنة الأعلام الجغرافية، كما أسهم بإلقاء عدة بحوث وكلمات في مؤتمرات متعددة ونشر مقالات بالمجلة، فمن كلماته وبحوثه:1-كلمة ألقاها في افتتاح دور الانعقاد الثاني. (مجلة المجمع ج 2). 2-لهجات عربية شمالية قبل الإسلام. (مجلة المجمع ج 3). 3-في الأدب الشعبي. (د 17 جلسة 1 للمؤتمر – مجلة المجمع ج 8).
قال عنه الدكتور طه حسين في حفل تأبينه: "كان من أخص ما يمتاز به ليتمان أنه لا يشارك في شيءٍ إلا أتيح له ولشركائه النجاح التام". (مجلة المجمع ج 14). وقال عنه خلفه في الكرسي الأستاذ عزيز أباظة في حفل استقباله: "كان جيلاً كاملاً من الثقافة والمعرفة، فليس من اليسير إذن دراسته واستيعابه في جزء من خطاب. من أجل هذا كله أحس إحساسًا عميقًا عارمًا بمزيج من الضؤولة والتهيب وأنا أخطو إلى كرسي هذا العالم الكبير." (مجلة المجمع ج 14).
انظر: المجمعيون في خمسة وسبعين عامًا/ 595-598.
إعداد: مصطفى يوسف
الموضوعات المتشابهه
مستعربون في خدمة العربية (10) - ليتمان، إنو
العرض المتطور
