مجمع اللغة العربية بمكة يطلق عضوياته الجديدة
لطلب العضوية:
اضغط هنا

لمتابعة قناة المجمع على اليوتيوب اضغط هنا

 


الانتقال للخلف   منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية > القسم العام > مقالات مختارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
رقم المشاركة : ( 1 )
 
مصطفى شعبان
عضو نشيط

مصطفى شعبان غير موجود حالياً

       
رقم العضوية : 3451
تاريخ التسجيل : Feb 2016
مكان الإقامة : الصين
عدد المشاركات : 12,782
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
جهات الاتصال : إرسال رسالة عبر Skype إلى مصطفى شعبان
افتراضي سطور في كتاب (27): من كتاب أصول علم العربية في المدينة للدكتور عبد الرزاق الصاعدي

كُتب : [ 05-08-2017 - 08:43 AM ]


ظهور اللحن وانتشاره
من كتاب أصول علم العربية في المدينة للدكتور عبد الرزاق بن فراج الصاعدي

للحن معان، منها ما اصطلح عليه النُّحاة، وهو مخالفة العرب في سنن كلامهم، أو كما يقول ابن فارس: "إمالة الكلام عن جهته الصَّحيحة في العربية". وهو الذي يعنينا من معانيه في هذا البحث.
ويميل كثير من الباحثين إلى أنَّ اللحن بهذا المعنى لم يكن معروفاً في العصر الجاهلي، وإنّما شاع في العصر الإسلامي في المدينة ابتداءً، بسبب اختلاط العرب بغيرهم، ودخول الأعاجم في دين الله أفواجاً، واتّصال العرب بالأمم المجاورة.
يقول أبو بكر الزُبيديّ: "ولم تزل العرب تنطق على سجيتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها، حتَّى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان، فدخل النَّاس فيه أفواجاً، وأقبلوا إليه أرسالاً، واجتمعت فيه الألسنة المتفرقة، والُّلغات المختلفة، ففشا الفساد في اللُّغة العربيَّة، واستبان منه الإعراب الَّذي هو حليها، والموضح لمعانيها، فتفطّن لذلك من نافر بطباعه سوء أفهام النّاطقين من دخلاء الأمم بغير المتعارف من كلام العرب، فعظم الإشفاق من فشوّ ذلك وغلبته حتَّى دعاهم الحذر من ذهاب لغتهم وفساد كلامهم إلى أن سبَّبوا الأسباب في تقييدها لمن ضاعت عليه، وتثقيفها لمن زاغت عنه".
ومن المؤكّد أن البوادر الأولى للحنِ ظهرت في المدينة على مسمع من النَّبي- صلى الله عليه وسلم - فقد روت المصادر أنَّ رجلا لحن بحضرته فقال - عليه الصَّلاة والسلام -: "أرشدوا أخاكم فقد ضل" . أو "أرشدوا أخاكم فإنَّه قد ضلَّ" .
وتكاد تنطق عبارة الحديث بأنّ هذا اللحن هو أوَّل لحن سمعه الرًّسول - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم دعا إلى ضرورة التّصدِّي له، ولو كان اللحن معروفا عند العرب قبل ذلك العهد لجاءت عبارة الحديث على غير هذا الوجه.
ويبدو أن اللحن أخذ في التفشِّي والانتشار فأصبح أمره معروفاً، فقال النّبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بحين: "أنا من قريش، ونشأت في بني سعد فأنَّى لي اللحن؟ " .
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنّه كان يقول: "لأن أقرأ فأسقط أحبّ إليّ من أن أقرأ فألحن".
وفي هذا النص - أيضاً - دلالة على أنَّ اللحن كان معروفاً زمن أبي بكر الصِّديق، متفشِّيا بين عامة النّاس، ومنه ما يقع في القرآن، وهو أشنع ما يكون من اللحن.
وازدادت المرويات من اللَّحن في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فمن ذلك أنّه مرَّ بقوم يرمون ويسيئون الرمي، فغضب منهم وقال لهم: "بئس ما رميتم، فقالوا: إنّا قوم متعلمين [أو نحن قوم رامين] فقال: والله لخطؤكم في كلامكم أشد من خطئكم في رميكم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رحم الله امرأ أصلح من لسانه" .
وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر: "من أبو موسى" فكتب عمر إلى عامله: "سلام عليك، أما بعد، فاضرب كاتبك سوطاً واحدا، وأخّر عطاءه سنة" أو "إذا أتاك كتابي هذا، فاجلده سوطاً واعزله عن عمله".
وُيروى أنَّ أعرابيَّاً دخل السُّوق فوجدهم يلحنون فقال: "العجب، يلحنون ويربحون".
وقد فشا اللَّحن زمن الأمويين، وانتشر بين العامة والخاصة، ولم يسلم منه الأمراء والوزراء وأهل الرِّياسة، فقد قيل: إنّ الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك كان لُحَنَةً. رووا أنّه خطب النَّاس يوم عيد، فقرأ في خطبته: " ياليتُها كانت القاضية" بضم التَّاء، فقال عمر بن عبد العزيز: عليك وأراحنا منك.
وروى الجاحظ أنّ كُتُب الوليد كانت تخرج ملحونة، فسأل إسحاقُ بن قبيصة أحد موالي الوليد: "ما بال كتبكم تأتينا ملحونة، وأنتم أهل الخلافة؟ ".
وخطب الوليد في أهل المدينة، وقال: "يا أهلُ المدينة" بضم اللام.
وأحصوا اللّحّانين من البلغاء، فعدّوا منهم خالد بن عبد الله القسري، وخالد بن صفوان، وعيسى بن المدور، وكان الحجَّاج بن يوسف يلحن أحياناً.
وهكذا انتشرت جرثومة اللحن مع مرور الأيام، فأعدت العامةُ الخاصةَ، وقد أثر عن إمام دار الهجرة أنّه كان يقول: "أي مطراً" بدل "أي مطرٌ" وكان شيخه ربيعة بن عبد الرَّحمن فقيه أهل المدينة المشهور بربيعة الرَّأي يلحن في الإِعراب - أيضاً - ويقول: بخيراً.
وبلغ من أمر اللحن - فيما بعد - أن تسرب إلى ألسنة أكثر العلماء، فتساهلوا في أمره، قال ابن فارس: "فأما الآن فقد تجوَّزوا، حتَّى إنَّ المحدث يحدث فيلحن، والفقيه يؤلف فيلحن، فإذا نُبِّها قالا: ما ندري ما الإعراب، وإنَّما نحن محدّثون وفقهاء".
وصار من لا يلحن في زمن الأصمعي خارجاً عن المألوف، قالت الأصمعي: "أربعة لم يلحنوا في جد ولا هزل: الشعبي، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية، والحجاج أفصحهم".
وقد كان النَّاس في صدر الإِسلام يجتنبون اللحن فيما يقولونه أو يقرأونه أو يكتبونه اجتنابهم بعض الذنوب، وكان دافعهم لاجتناب اللحن شعورهم بوراثتهم لغتهم معربة، وهي لغة القرآن والدين.
وكان بعض السَّلف يقول: "ربما دعوت فلحنت فأخاف ألا يستجاب لي ".
وقد يحدث بعضهم بحديث فيلحن فيه، فيقول: "استغفر الله" يعني أنَّه عدَّ اللحن ذنباً، فيقال له فيه فيقول: "من أخطأ فيها فقد كذب على العرب، ومن كذب فقد عمل سوءاً".
وروي عن عمر بن الخطاب أنَّه جعل اللحن من الافتراء.
وكان عمر بن الخطاب يضرب أولاده على اللحن ولا يضربهم على الخطأ في غير اللغة.
وأثر مثل هذا عن ابنه عبد الله - رضي الله عنهما -.
وبعد هذا الفيض من الرِّوايات فإنَّه لا سبيل إلى إنكار ظهور اللحن في المدينة منذ الصدر الأول، واستفحال أمره فيما بعد في سائر الأمصار، لاختلاط العرب بغيرهم.
ومن الطبيعي أن يصحب ذلك إحساس بالحاجة إلى ضبط قواعد اللّغة الفصحى، ومن المؤكد أنَّ ذلك الإحساس نشأ منذ الصَّدر الأول في المدينة في عهد الخلفاء الراشدين، وربما كان ذلك منذ عهد النَّبي - صلى الله عليه وسلم.
وتدلًّ الرِّوايات الَّتي أوردنا شيئاً منها على إلمام النّبي - صلى الله عليه وسلم -وصحابته في المدينة إلماما فطرياً بالتَّراكيب النَّحويَّة، والإعراب بخاصة، وقد كانوا على قدر من الإدراك بأصول الكلمات واشتقاق الألفاظ، هدتهم إليه سلائقهم اللُّغويَّة النَّقيَّة، وسماعُهم ما يخالفها من لحن.
روى ابن جني ما حُكي عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - وقد جاءه قومٌ من العرب،. فسألهم عليه السَّلام، فقال: من أنتم؟ فقالوا: بنو غيَّان، فقال: بل أنتم بنو رشدان، قال ابن جني معقّباً: "أولا تراه - صلى الله عليه وسلم - كيف تلقّى (غيان) بأنّه من الغيّ، فحكم بزيادة ألفه ونونه، وترك عليه السلام أن يتلقَّاه من باب (الغين) وهو إلباس الغيم من قوله:
كَأنّي بَيْنَ خَافِيتَي عُقَابٍ ... تُرِيدُ حَمَامَةً فِي يَوْمِ غَيْنِ
يدلُّك على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - تلقَّاه بما ذكرنا أنّه قابله بضده، فقال: بل أنتم بنو رشدان، فقابل الغي بالرُّشد، فصار هذا عياراً على كل ما ورد في معناه.
وتدلُّ الرِّوايات على إلمام عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - بأساليب اللًّغة ودقائقها التّعبيريَّة، وكان من أشد النَّاس حرصاً على نقائها، وسلامة أساليبها، وكان يحثُّ على تعلُّمها، فقد روي عنه قوله: "تعلموا العربية، فإنَّها تثبت العقل، وتزيد في المروءة".
وروي عنه - أيضاً - أنّه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن مُرْ من قِبَلَكَ بتعلم العربية، فإنَّها تدلُّ على صواب الكلام".
والعربية هذه هي عربية المصطلح القديم الَّتي تقابل في مدلولها كلمة النَّحو، لأنَّها تدلُّ - كما يفهم من قول عمر - على صواب الكلام، أي يهتدي بها إلى صواب الكلام.
ومهما يكن من أمر فإنَّ ثمة ما يشبه الإِجماع على أنَّ ظهور اللحن وتفشيه في الكلام وزحفه إلى القرآن والحديث هو الباعث الأول على تدوين اللُّغة.
واستنباط النَّحو، لأنَّ علم العربيَّة ككل العلوم في نشأتها تتطلبه الحوادث وتقتضيه الحاجات.
ولهذا قال الدُّكتور محمد خير الحلواني: "والحقّ أنَّ نشأة النَّحو ترتبط بجذور الحياة الإسلاميَّة في ذلك الزَّمن".
وقال الدُّكتور أحمد إبراهيم سيد أحمد: "لو أنَّ منصفاً تتبع أصول النّحو الأولى لوجد أنّها نبتت في المدينة وظلت تنمو شيئا فشيئاً".
وتلك نتيجة حتمية؛لأنَّ ضوابط اللُّغة وقوانين الإعراب هي العاصمة من الزَّلل، والمُعَوِّضة عن السَّليقة بعد أن شاع اللحن واضطربت الألسن، وتأثر العرب بالعجم في المدينة أولا، ثم في باقي الأمصار الإسلاميَّة ثانياً.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على الموضوعات
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الموضوعات المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
سطور في كتاب (121): من كتاب خصائص الحروف العربية ومعانيها للدكتور حسن عباس مصطفى شعبان مقالات مختارة 1 04-13-2020 09:26 PM
سطور في كتاب (28): من كتاب دراسات في أصول اللغات العربية لعبد العزيز القاري مصطفى شعبان مقالات مختارة 0 05-13-2017 08:39 AM
سطور في كتاب (14): من كتاب علم اللغة العربية للدكتور محمود فهمى حجازى مصطفى شعبان مقالات مختارة 0 04-15-2017 08:06 AM
سطور في كتاب (10): من كتاب موت الألفاظ في العربية للدكتور عبد الرزاق بن فراج الصاعدي مصطفى شعبان مقالات مختارة 0 04-08-2017 07:54 AM
سطور في كتاب (7): من كتاب خصائص الحروف العربية ومعانيها - دراسة - للدكتور حسن عباس مصطفى شعبان مقالات مختارة 0 04-03-2017 09:52 AM


الساعة الآن 04:07 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc. Trans by