سلسلة (عالم ورأي)
تهدف هذه السلسلة إلى استجلاء رأي عالم من علمائنا حول قضية من القضايا، أو عقبة من العقبات التي تواجه أبناء العربية، أو طرح رؤية لاستنهاض الهمم وتحفيز العزائم. فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.

130-الدكتور علي القاسمي-عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة المراسل عن دولة العراق، ورأيه في الحاجة إلى تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها:
ثمة عاملان رئيسان يفرضان ضرورة استخدام تعليم اللغة العربية عن بُعد، هما:
أ ـ انتشار الإسلام في العالم:
إن نزول القرآن الكريم باللغة العربية ليس تشريفًا للعرب، بل هو تكليف لهم بتيسير فهم تعاليم الإسلام السمحاء وتيسير نشرها في العالم أجمع.
ويشهد الوقت الحاضر انتشار الاسلام بشكل لا مثيل له، رغم حملات التشويه التي تشنها ضده جهات معادية وجهات ظلامية، ورغم الأموال الطائلة التي تُنفَق بسخاء لمحاربته. فقد أقر الفاتيكان رسميًّا أن الإسلام هو الديانة الأكثر انتشارًا في العالم بفضل الإقبال المنقطع النظير على اعتناقه من لدن مواطنين غربيين ومن أبناء الديانات الأخرى خلال السنوات الأخيرة (مفكرة الإسلام)؛ إذ تشير الإحصاءات سنة 1990م إلى وجود 1, 1 بليون مسلم في العالم؛ وفي عام 2009م أصبح عدد المسلمين 1,6 بليون، طبقًا لمصدر الإحصاءات ذاته. وتتوقع مجلة تايم –Time أن يتضاعف عدد المسلمين في العالم فيصبح 2,2 بليون سنة 2030م، 60% منهم في آسيا (Time). وهؤلاء المسلمون في حاجة إلى تعلّم اللغة العربية أو مستوًى معيَّن من مستوياتها للتعبد بها في صلاتهم وأداء مناسك دينهم الحنيف.
ب ـ هجرة العرب إلى دول العالم أجمع:
في الآونة الأخيرة ازدادت هجرة العرب من بلدانهم إلى جميع أقطار العالم لأسباب لا مجال لذكرها، وقد فصلناها في دراسة سابقة (القاسمي، 2014م). فطبقًا للإحصاءات الأمريكية، كانت فترة هجرة العرب الكبرى تمتد من سنة 1870م إلى سنة 1920م، التي هاجر خلالها 50000 عربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أما مؤخرًا، فخلال سنتين فقط، من 2013م إلى سنة 2015م، فقد بلغت هجرة العرب إلى أمريكا، 1,02 مليون. (Zong).
وفي مقالة ظهرت قبل سنتين في جريدة " ريبوست لايك" بعنوان "الغزو الإسلامي لأوربا عبر المتوسط"، تشير الإحصاءات إلى زيادة المهاجرين سنة 2014م بحيث بلغت 280.000 مهاجر، وبعد سنة واحدة فقط ازدادت هذه الهجرة بنسبة 250%. (Riposte).
وفي البرازيل، مثلًا، صرح وزير خارجيتها المنسِّق الإقليمي لدول أميركا الجنوبية، السيد ماورو فييرا أن بلاده تحتضن 16 مليون برازيلي من أصول عربية، وأن دول أميركا الجنوبية، التي تضم نسبة كبيرة من الموطنين من أصل عربي، تعتزم اعتماد تعليم اللغة العربية ليصبح من أهدافها، متمنيًا أن تقوم الدول العربية بالمثل؛ حيث إن وجود لغة مشتركة سيزيد من نجاح التعاون والتكامل على المستوى الاقتصادي والسياسي والفكري (العازمي).
ضرورة استخدام التعليم على الخط في تعليم العربية للناطقين بغيرها:
تود أغلبية الملايين من المهاجرين المسلمين أن يتعلم أولادهم اللغة العربية. ولكن دروس اللغة العربية التي تُقدَّم في بعض المساجد في الغرب لا تستجيب لتلك الحاجة لا كمًّا ولا كيفًا، كما أن المدارس التي تعلّم اللغة العربية بالإضافة إلى المنهج الوطني في البلدان الغربية، نادرة ولا تتوافر إلا في المدن الكبيرة، في حين أن المسلمين منتشرون في جميع الأنحاء، ما يفرض ضرورة استخدام التعليم على الخط للاستجابة إلى حاجاتهم المعرفية.
ومن ناحية أخرى، فإن الجيل الثاني وما بعده من المهاجرين العرب في الدول غير العربية، في حاجة ماسة إلى تعلّم لغة الآباء والأجداد، والاعتزاز بالأصول من طبيعة البشر. فمن تجربتي في تعليم اللغة العربية في جامعة تكساس في أوستن أوائلَ السبعينيات من القرن الماضي، اتضح لي أن الأغلبية الساحقة من طلابي الأمريكيين الذين يقبلون على تعلّم لغتنا، كانوا من أصول عربية.
في ضوء ما تقدم كله، يتوجَّب على العرب، دولًا ومؤسساتٍ وأفرادًا، أن يوفّروا مناهج وبرامج دراسية متنوعة لتعليم اللغة العربية على الخط، تمتاز بالخصائص التالية:
أ ـ أن تستجيب البرامج الدراسية لأنواع المتعلّمين، من حيث العمر، والمستوى التعليمي، والغرض من تعلّم العربية؛ بحيث نضع برامج تعليمية للصغار وأخرى للكبار، وبرامج للجامعيين، وأخرى لعامة المتعلمين، وهكذا. فمثلًا تعتمد البرامج على الخط لتعليم اللغة للأطفال الرضَّع على الأغاني المموسقة المصوّرة الملونة، وعلى التكرار اللفظي والمثيرات الحسيّة،... إلخ.
ب ـ أن تكون هذه البرامج لمستويات متفاوتة من معرفة اللغة العربية: المبتدئ، المتوسط، المتقدّم، المتفوق، المتميز.
ج ـ أن تسعى هذه البرامج الدراسية لتطوير مهارات المتعلّم اللغوية: الاستماع، والكلام، والقراءة، والكتابة. مع العلم أن هذه المهارات قد تتنوع حسب الأغراض، مثلًا: مهارة الاستماع مع التركيز على نشرات الأخبار، مهارة الكلام مع التركيز على العروض والحوار، مهارة القراءة مع التركيز على قراءة نصوص من الصحف،... إلخ.
د ـ أن تراعي هذه البرامج الدراسية الكفايات التربوية: اللغوية، والاتصالية، والثقافية.
هـ ـ أن تتنوع هذه البرامج الدراسية لتستجيب لأغراض المتعلِّم طبقًا لما يُسمّى بتعليم اللغة الثانية لأغراض خاصة: دينية، سياحية، تجارية، معرفية، سياسية،... إلخ.
و ـ أن تنبني هذه البرامج على المبادئ التعليمية: التواصل، الشمولية، الترابط، المرجعية، الفعالية، التدرّج، التقييم، الانفتاح، المرونة، سهولة الاستخدام.
المصدر: التعليم عن بُعد وتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، د. علي القاسمي، بحث مقدّم إلى مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الثالثة والثمانين، ص 4- 7.
إعداد: د. مصطفى يوسف