نستعرض لكم في ما يلي باقة مختارة من روائع شاعر المجون أبي نواس :
قال أبو نواس في قصيدة ” دع عنك لومي ” وهي القصيدة الخمرية المشهورة ، مخاطبا إبراهيم النظام رئيس إحدى فرق المعتزلة وكان قد لامه على شرب الخمر . ويقصد أنه أنفق دراهمه في شرب الخمر ورهن ملاءته وحذاءه :
دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومَ إِغراءُ * وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ
صَفراءُ لا تَنزَلُ الأَحزانُ ساحَتَها * لَو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتهُ سَرّاءُ
مِن كَفِّ ذاتِ حِرٍ في زِيِّ ذي ذَكَرٍ * لَها مُحِبّانِ لوطِيٌّ وَزَنّاءُ
قامَت بِإِبريقِها وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ * فَلاحَ مِن وَجهِها في البَيتِ لَألأُ
فَأَرسَلَت مِن فَمِ الإِبريقِ صافِيَةً * كَأَنَّما أَخذُها بِالعَينِ إِغفاءُ
َرقَّتْ عَنِ الماء حتى ما يلائمُها لَطافَةً، وَجَفا عَنْ شَكلِها الماء
وقال أيضا :
اِكسِر بِمائِكَ سورة الصَهباءِ * فَإِذا رَأَيتَ خُضوعَها لِلماءِ
فَاِحبِس يَدَيكَ عَنِ الَّتي بَقِيَت بِها * نَفسٌ تُشاكِلُ أَنفُسَ الأَحياءِ
صَفراءُ تَسلُبُكَ الهُمومَ إِذا بَدَت * وَتُعيرُ قَلبَكَ حُلَّةَ السَرّاءِ
كَتَبَ المِزاجُ عَلى مُقَدَّمِ تاجِها * سَطرَينِ مِثلَ كِتابَةِ العُسَراءِ
نَمَّت عَلى نُدَمائِها بِنَسيمِها * وَضِيائِها في اللَيلَةِ الظَلماءِ
قَد قُلتُ حينَ تَشَوَّفَت في كَأسِها * وَتَضايَقَت كَتَضايُقِ العَذراءِ
وقال أيضا :
وَكأسٍ كمِصْباحِ السماء شرِبْتُها * على قُبْلة ٍ أو موْعدٍ بلِقائي
أتتْ دونها الأيامُ حتى كأنّها * تَساقُطُ نُورٍ مِنْ فُتُوقِ سَمَاءِ
ترى ضوْءها من ظاهرِ الكأسِ ساطعا * عليكَ وَإنْ غَطّيْتَها بغطاءِ
وقال في قصيدة ” أبلاني تذكر من أهوى ” :
شَجاني وَأَبلاني تَذَكُّرُ مَن أَهوى * وَأَلبَسَني ثَوباً مِنَ الضُرِّ وَالبَلوى
يَدُلُّ عَلى مافي الضَميرِ مِنَ الفَتى * تَقَلُّبُ عَينَيهِ إِلى شَخصِ مَن يَهوى
وَما كُلُّ مَن يَهوى هَوىً هُوَ صادِقٌ * أَخو الحُبِّ نِضوٌ لا يَموتُ وَلا يَحيا
وقال يهجو مغنيا :
قَد نَضِجنا وَنَحنُ في الخَيشِ طُرّا * أَنضَجَتنا كَواكِبُ الجَوزاءِ
فَأَصيبوا لَنا حُسَيناً فَفيهِ * عِوَضٌ مِن جَليدِ بَردِ الشِتاءِ
لَو تَغَنّى وَفوهُ مَلآنُ جَمراً * لَم يَضِرهُ لِبَردِ ذاكَ الغِناءِ
وقال مخاطبا شيطانه المتخيل :
لم يرضَ إبليس الظريف فعالنا * حتى أعان فسادنا بفساد
قال في آخر أيامه :
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً * فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ * فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرمُ
أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرت تَضَرُّعا * فَإِذَا رَدَدتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ
مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاّالرَّجَا * وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ